تفسير قوله تعالى: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّ هب لي حكمًا وألحقني بالصّالحين (83) واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن مسألة خليله إبراهيم إيّاه {ربّ هب لي حكمًا} يقول: ربّ هب لي نبوّةً. {وألحقني بالصّالحين} يقول: واجعلني رسولاً إلى خلقك، حتّى تلحقني بذلك بعداد من أرسلته من رسلك إلى خلقك، وائتمنته على وحيك، واصطفيته لنفسك). [جامع البيان: 17/593]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ربّ هب لي حكمًا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن عكرمة قوله: هب لي حكمًا قال: الحكم: اللّبّ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا يونس بن بكيرٍ، عن مطر بن ميمونٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الحكم: العلم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ الحكم هو القرآن.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ هب لي حكمًا قال: الحكم النّبوّة.
قوله تعالى: وألحقني بالصّالحين
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ قال سمعت عبد الرّحمن بن أسلم في قوله: وألحقني بالصّالحين قال: مع الأنبياء والمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 8/2780-2781]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وألحقني بالصالحين} يعني أهل الجنة). [الدر المنثور: 11/269]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر، وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فاسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج: بسم الله الذي خلقني فهو يهدين، هداه الله للصواب - ولفظ ابن مردويه: لصواب الاعمال - والذي هو يطعمني ويسقين، أطعمه الله من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة واذا مرضت فهو يشفين، شفاه الله وجعل مرضه كفارة لذنوبه والذي يميتني ثم يحيين، أحياه الله حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، غفر الله خطاياه كلها وان كانت أكثر من زبد البحر رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، وهب الله له حكما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي واجعل لي لسان صدق في الآخرين، كتب في ورقة بيضاء ان فلان بن فلان من الصادقين ثم وفقه الله بعد ذلك للصدق واجعلني من ورثة جنة النعيم، جعل الله له القصور والمنازل في الجنة وكان الحسن يزيد فيه - واغفر لوالدي كما ربياني صغيرا). [الدر المنثور: 11/270-271] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين} يقول: واجعل لي في النّاس ذكرًا جميلاً، وثناءً حسنًا باقيًا فيمن يجيء من القرون بعدي.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، قوله: {واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين}، وقوله {وآتيناه أجره في الدّنيا}. قال: إنّ اللّه فضّله بالخلّة حين اتّخذه خليلاً، فسأل اللّه فقال: {واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين} حتّى لا تكذّبني الأمم، فأعطاه اللّه ذلك، فإنّ اليهود آمنت بموسى وكفرت بعيسى، وإنّ النّصارى آمنت بعيسى وكفرت بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكلّهم يتولّى إبراهيم؛ قالت اليهود: هو خليل اللّه وهو منّا، فقطع اللّه ولايتهم منه بعد ما أقرّوا له بالنّبوّة وآمنوا به، فقال: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} ثمّ ألحق ولايته بكم فقال: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه، وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} فهذا أجره الّذي عجّل له، وهي الحسنة، إذ يقول: {وآتيناه في الدّنيا حسنةً} وهو اللّسان الصّدق الّذي سأل ربّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين} قال: اللّسان الصّدق: الذّكر الصّدق، والثّناء الصّالح، والذّكر الصّالح في الآخرين من النّاس من الأمم). [جامع البيان: 17/593-594]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين (84)
قوله تعالى: واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشرين عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين قال: اجتماع أهل الملل على إبراهيم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد بن إسحاق العطّار، ثنا أبو إسرائيل، عن الحكم، عن مجاهدٍ في قوله: واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين قال: الثّناء الحسن. وروى عن قتادة مثل قول مجاهدٍ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين قال: اللّسان الصّدق الذّكر والثّناء الصّالح والذّكر الصّالح.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب، ثنا الفريابيّ، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين قال هو كقوله: وآتيناه في الدّنيا حسنةً وآتيناه أجره في الدّنيا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حمزة الأسلميّ نصير بن الفرج بطرسوس، ثنا حسينٌ يعنى الجعفيّ قال: سمعت ليث بن أبي سليمٍ يذكر في قول اللّه: اجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين قال: يؤمن به أهل كلّ ملّةٍ.
الوجه الثّاني
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب لي أنا أصبغ بن الفرح قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه: في الآخرين قال في الآخرين من النّاس من الاسم). [تفسير القرآن العظيم: 8/2781-2782]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} قال: يؤمن بإبراهيم كل ملة). [الدر المنثور: 11/270]
تفسير قوله تعالى: (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واجعلني من ورثة جنّة النّعيم (85) واغفر لأبي إنّه كان من الضّالّين (86) ولا تخزني يوم يبعثون (87) يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون (88) إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ}.
يعني إبراهيم صلوات اللّه عليه بقوله: {واجعلني من ورثة جنّة النّعيم} أورثني يا ربّ من منازل من هلك من أعدائك المشركين بك من الجنّة، وأسكنّي ذلك). [جامع البيان: 17/594-595]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واجعلني من ورثة جنّة النّعيم (85)
قوله تعالى: واجعلني من ورثة جنّة النّعيم
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كثيرٍ النّكريّ، ثنا عبد اللّه بن عبيد اللّه العبديّ، ثنا رباحٌ القيسيّ قال سمعت مالك بن دينارٍ يقول: جنّات النّعيم بين جنّات الفردوس وبين جنّات عدنٍ وفيها جواري خلقن من ورد الجنّة قيل ومن يسكنها قال: الّذين همّوا بالمعاصي فلمّا ذكروا عظمتي راقبوني والّذين انثنت أبدانهم من خشيتي وعزّتي إنّي لأهمّ بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي صرفت عنهم العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 8/2782]
تفسير قوله تعالى: (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {واغفر لأبي} يقول: واصفح لأبي عن شركه بك، ولا تعاقبه عليه {إنّه كان من الضّالّين} يقول: إنّه كان ممّن ضلّ عن سبيل الهدى، فكفر بك.
وقد بيّنّا المعنى الّذي من أجله استغفر إبراهيم لأبيه صلوات اللّه عليه، واختلاف أهل العلم في ذلك، والصّواب عندنا من القول فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 17/595]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واغفر لأبي
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب الحارث أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: واغفر لأبي إنّه كان من الضّالّين قال: امنن عليه بتوبةٍ يستحقّ بها مغفرتك يعنى بتوبة الإسلام). [تفسير القرآن العظيم: 8/2782]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {واغفر لأبي} قال: امنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك). [الدر المنثور: 11/271]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر، وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فاسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج: بسم الله الذي خلقني فهو يهدين، هداه الله للصواب - ولفظ ابن مردويه: لصواب الاعمال - والذي هو يطعمني ويسقين، أطعمه الله من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة واذا مرضت فهو يشفين، شفاه الله وجعل مرضه كفارة لذنوبه والذي يميتني ثم يحيين، أحياه الله حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، غفر الله خطاياه كلها وان كانت أكثر من زبد البحر رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، وهب الله له حكما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي واجعل لي لسان صدق في الآخرين، كتب في ورقة بيضاء ان فلان بن فلان من الصادقين ثم وفقه الله بعد ذلك للصدق واجعلني من ورثة جنة النعيم، جعل الله له القصور والمنازل في الجنة وكان الحسن يزيد فيه - واغفر لوالدي كما ربياني صغيرا). [الدر المنثور: 11/270-271] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(باب {ولا تخزني يوم يبعثون} [الشعراء: 87]
- وقال إبراهيم بن طهمان: عن ابن أبي ذئبٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام يرى أباه يوم القيامة، عليه الغبرة والقترة» الغبرة هي القترة "
- حدّثنا إسماعيل، حدّثنا أخي، عن ابن أبي ذئبٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " يلقى إبراهيم أباه، فيقول: يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فيقول اللّه: إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين "). [صحيح البخاري: 6/111]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ولا تخزني يوم يبعثون)
سقط باب لغير أبي ذرٍّ
- قوله وقال إبراهيم بن طهمان إلخ وصله النّسائيّ عن أحمد بن حفص بن عبد اللّه عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان وساق الحديث بتمامه
- قوله عن سعيدٍ المقبريّ عن أبي هريرة كذا قال بن أبي أويسٍ وأورد البخاريّ هذه الطّريق معتمدًا عليها وأشار إلى الطّريق الأخرى الّتي زيد فيها بين سعيدٍ وأبي هريرة رجلٌ فذكرها معلّقةً وسعيدٌ قد سمع من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة فلعلّ هذا ممّا سمعه من أبيه عن أبي هريرة ثمّ سمعه من أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة مختصرًا ومن أبيه عنه تامّا أو سمعه من أبي هريرة ثمّ ثبّته فيه أبوه وكلّ ذلك لا يقدح في صحّة الحديث وقد وجد للحديث أصلٌ عن أبي هريرة من وجهٍ آخر أخرجه البزّار والحاكم من طريق حمّاد بن سلمة عن أيّوب عن بن سيرين عن أبي هريرة وشاهده عندهما أيضًا من حديث أبي سعيدٍ قوله إنّ إبراهيم يرى أباه يوم القيامة وعليه الغيرة والقترة والغبرة هي القترة كذا أورده مختصرًا ولفظ النّسائيّ وعليه الغبرة والقترة فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني قال لكنّي لا أعصيك اليوم الحديث فعرف من هذا أنّ قوله والغبرة هي القترة من كلام المصنّف وأخذه من كلام أبي عبيدة وأنّه قال في تفسير سورة يونس ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة القتر الغبار وأنشد لذلك شاهدين قال بن التّين وعلى هذا فقوله في سورة عبس غيرة ترهقها قترة تأكيدٌ لفظيٌّ كأنّه قال غبرةٌ فوقها غبرةٌ وقال غير هؤلاء القترة ما يغشى الوجه من الكرب والغبرة ما يعلوه من الغبار وأحدهما حسّيٌّ والآخر معنويٌّ وقيل القترة شدّة الغبرة بحيث يسودّ الوجه وقيل القترة سواد الدّخان فاستعير هنا قوله حدّثنا إسماعيل هو بن أبي أويسٍ وأخوه هو أبو بكرٍ عبد الحميد قوله في الطّريق الموصولة يلقى إبراهيم أباه فيقول يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فيقول اللّه إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين هكذا أورده هنا مختصرًا وساقه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء تامّا قوله يلقى إبراهيم أباه آزر هذا موافقٌ لظاهر القرآن في تسمية والد إبراهيم وقد سبقت نسبته في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وحكى الطّبريّ من طريق ضعيفةٍ عن مجاهدٍ أنّ آزر اسم الصّنم وهو شاذٌّ قوله وعلى وجهٍ آزر قترة وغبرة هذا موافق لظاهر القرآن وجوه يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترة أي يغشاها قترةٌ فالّذي يظهر أنّ الغبرة الغبار من التّراب والقترة السّواد الكائن عن الكآبة قوله فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك في رواية إبراهيم بن طهمان فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني قال لكنّي لا أعصيك واحدةً قوله فيقول إبراهيم يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأيّ خزيٍ أخزى من أبي الأبعد وصف نفسه بالأبعد على طريق الفرض إذا لم تقبل شفاعته في أبيه وقيل الأبعد صفة أبيه أي أنّه شديد البعد من رحمة اللّه لأنّ الفاسق بعيدٌ منها فالكافرٌ أبعدٌ وقيل الأبعد بمعنى البعيد والمراد الهالك ويؤيّد الأوّل أنّ في رواية إبراهيم بن طهمان وإن أخزيت أبي فقد أخزيت الأبعد وفي رواية أيّوب يلقى رجلٌ أباه يوم القيامة فيقول له أيّ ابنٍ كنت لك فيقول خير بن فيقول هل أنت مطيعي اليوم فيقول نعم فيقول خذ بازرتي فيأخذ بازرته تمّ ينطلق حتّى يأتي ربّه وهو يعرض الخلق فيقول اللّه يا عبدي ادخل من أيّ أبواب الجنّة شئت فيقول أي ربّ أبي معي فإنّك وعدتني أن لا تخزني قوله فيقول اللّه إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين في حديث أبي سعيدٍ فينادى إنّ الجنّة لا يدخلها مشركٌ قوله ثمّ يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك انظر فينظر فإذا هو بذيخٍ متلطّخٍ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النّار في رواية إبراهيم بن طهمان فيؤخذ منه فيقول يا إبراهيم أين أبوك قال أنت أخذته منّي قال انظر أسفل فينظر فإذا ذيخٌ يتمرّغ في نتنه وفي رواية أيّوب فيمسخ اللّه أباه ضبعًا فيأخذ بأنفه فيقول يا عبدي أبوك هو فيقول لا وعزّتك وفي حديث أبي سعيدٍ فيحوّل في صورةٍ قبيحةٍ وريحٍ منتنةٍ في صورة ضبعان زاد بن المنذر من هذا الوجه فإذا رآه كذا تبرّأ منه قال لست أبي والذّيخ بكسر الذّال المعجمة بعدها تحتانيّةٍ ساكنةٍ ثمّ خاءٍ معجمةٍ ذكر الضّباع وقيل لا يقال له ذيخٌ إلّا إذا كان كثير الشّعر والضّبعان لغةٌ في الضّبع وقوله متلطّخٌ قال بعض الشّرّاح أي في رجيعٍ أو دمٍ أو طينٍ وقد عيّنت الرّواية الأخرى المراد وأنّه الاحتمال الأوّل حيث قال فيتمرّغ في نتنه قيل الحكمة في مسخه لتنفر نفس إبراهيم منه ولئلّا يبقى في النّار على صورته فيكون فيه غضاضةٌ على إبراهيم وقيل الحكمة في مسخه ضبعًا أنّ الضّبع من أحمق الحيوان وآزر كان من أحمق البشر لأنّه بعد أن ظهر له من ولده من الآيات البيّنات أصرّ على الكفر حتّى مات واقتصر في مسخه على هذا الحيوان لأنّه وسطٌ في التّشويه بالنّسبة إلى ما دونه كالكلب والخنزير وإلى ما فوقه كالأسد مثلًا ولأنّ إبراهيم بالغ في الخضوع له وخفض الجناح فأبى واستكبر وأصرّ على الكفر فعومل بصفة الذّلّ يوم القيامة ولأنّ للضّبع عوجًا فأشير إلى أنّ آزر لم يستقم فيؤمن بل استمرّ على عوجه في الدّين وقد استشكل الإسماعيليّ هذا الحديث من أصله وطعن في صحّته فقال بعد أن أخرجه هذا خبرٌ في صحّته نظرٌ من جهة أنّ إبراهيم علم أنّ اللّه لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيًا مع علمه بذلك وقال غيره هذا الحديث مخالفٌ لظاهر قوله تعالى وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه انتهى والجواب عن ذلك أنّ أهل التّفسير اختلفوا في الوقت الّذي تبرّأ فيه إبراهيم من أبيه فقيل كان ذلك في الحياة الدّنيا لمّا مات آزر مشركًا وهذا أخرجه الطّبريّ من طريق حبيب بن أبي ثابتٍ عن سعيد بن جبير عن بن عبّاسٍ وإسناده صحيحٌ وفي رواية فلمّا مات لم يستغفر له ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ نحوه قال استغفر له ما كان حيًّا فلمّا مات أمسك وأورده أيضًا من طريق مجاهدٍ وقتادة وعمرو بن دينارٍ نحو ذلك وقيل إنّما تبرّأ منه يوم القيامة لمّا يئس منه حين مسخ على ما صرّح به في رواية بن المنذر الّتي أشرت إليها وهذا الّذي أخرجه الطّبريّ أيضًا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول إنّ إبراهيم يقول يوم القيامة ربّ والدي ربّ والدي فإذا كان الثّالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرّأ منه ومن طريق عبيد بن عميرٍ قال يقول إبراهيم لأبيه إنّي كنت آمرك في الدّنيا وتعصيني ولست تاركك اليوم فخذ بحقوي فيأخذ بضبعيه فيمسخ ضبعًا فإذا رآه إبراهيم مسخ تبرّأ منه ويمكن الجمع بين القولين بأنّه تبرّأ منه لمّا مات مشركًا فترك الاستغفار له لكن لمّا رآه يوم القيامة أدركته الرّأفة والرّقّة فسأل فيه فلمّا رآه مسخ يئس منه حينئذٍ فتبرأ منه تبرءا أبديًّا وقيل إنّ إبراهيم لم يتيقّن موته على الكفر بجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطّلع إبراهيم على ذلك وتكون تبرئته منه حينئذٍ بعد الحال الّتي وقعت في هذا الحديث قال الكرمانيّ فإن قلت إذا أدخل اللّه أباه النّار فقد أخزاه لقوله إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وهو محال ولو لم يدخل النّار لزم الخلف في الوعيد وهو المراد بقوله إنّ اللّه حرّم الجنّة على الكافرين والجواب أنّه إذا مسخ في صورة ضبعٍ وألقي في النّار لم تبق الصّورة الّتي هي سبب الخزي فهو عملٌ بالوعد والوعيد وجوابٌ آخر وهو أنّ الوعد كان مشروطًا بالإيمان وإنّما استغفر له وفاءً بما وعده فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه قلت وما قدّمته يؤدّي المعنى المراد مع السّلامة ممّا في اللّفظ من الشناعة والله أعلم). [فتح الباري: 8/499-501]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- وقال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال إن إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام يرى أباه يوم القيامة على الغبرة والقترة
قال أبو عبد الرّحمن أحمد بن شعيب النّسائيّ في كتاب التّفسير رواية حمزة أنا أحمد بن حفص ثنا أبي ثنا إبراهيم بن طهمان عن محمّد بن عبد الرّحمن هو ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني قال لكني اليوم لا أعصيك واحدة قال يا رب وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد قال يا إبراهيم إنّي حرمتها على الكافرين فأخذ منه فقال يا إبراهيم أين أبوك قال أخذته مني قال انظر أسفل فنظر فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه فأخذ بقوائمه فألقي في النّار
أخبرنا بذلك عبد الرّحيم بن عبد الوهّاب الحمويّ شفاها عن يونس بن أبي إسحاق أن علّي بن الحسين بن علّي أنبأه عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر أنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال في كتابه أنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن مرزوق الأنماطي أنا حمزة بن محمّد الكناني الحافظ به). [تغليق التعليق: 4/274-275]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب: {ولا يخزني يوم يبعثون} (الشّعراء: 87)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ولا تخزني يوم يبعثون} ولم يثبت لفظ باب إلاّ يثبت لفظ باب إلاّ في رواية أبي ذر وحده. قوله: (يوم يبعثون) أي: العباد، وقيل: يوم يبعث الضالون، وأبي فيهم.
- وقال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئبٍ عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال إنّ إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام يري أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة. الغبرة هي القترة..
مطابقته للتّرجمة من حيث إن هذه والّتي قبلها وهي قوله تعالى: {واغفر لأبي أنه كان من الضّالّين} (الشّعراء: 86) في قصّة سؤال إبراهيم، عليه الصّلاة والسّلام، ورؤيته أباه على الهيئة المذكورة، وإبراهيم بن طهمان، بفتح الطّاء المهملة وسكون الهاء: الهرويّ أبو سعيد، سكن نيسابور ثمّ سكن مكّة ومات سنة ستّين ومائة وهو من رجال الصّحيحين، وابن أبي ذئب محمّد بن عبد الرّحمن ابن أبي ذئب واسمه هشام وسعيد يروي عن أبيه عن أبي سعيد واسمه كيسان المدينيّ، وكان يسكن عند مقبرة فنسب إليها.
والحديث معلّق وصله النّسائيّ عن أحمد بن حفص بن عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان إلى آخر الحديث.
قوله: (يرى) ، ويروى: رأى، قوله: (أباه) ، هو آزر. قوله: (عليه الغبرة) جملة حالية بلا واو. قوله: (والقترة) ، بفتح القاف والتّاء المثنّاة من فوق وهي سواد كالدخان، وهذا مقتبس من قوله تعالى: {عليها غبرة ترهقها قترة} (عبس: 40 41) ، أي: تصيبها قترة، ولا يرى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه. قوله: (الغبرة) ، مبتدأ. وقوله: هي الفترة جملة خبره، وهذا من كلام البخاريّ، والدّليل عليه رواية النّسائيّ، وعليه الغبرة والقترة، وتفسيره هكذا غير طائل على ما لا يخفى، يفهم بالتّأمّل.
- حدّثنا إسماعيل حدثنا أخي عن ابن أبي ذئبٍ عن سعيدٍ المقبريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يلقى إبراهيم أباه فيقول يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فيقول الله إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين.
(انظر الحديث 3350 وطرفه) .
هذا طريق آخر عن سعيد عن أبي هريرة بلا واسطة أبيه، وسعيد قد سمع عن أبيه عن أبي هريرة وسمع أيضا عن أبي هريرة، وذا لا يقدح في صحة الحديث. وإسماعيل هو ابن أبي أويس، واسمه عبد الله يروي عن أخيه عبد الحميد بن أبي ذئب إلى آخره ... والحديث قد مضى في أحاديث الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام.
قوله: (لا تخزني) فإن قيل: إذا أدخل الله أباه في النّار فقد أخزاه لقوله: {إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} (آل عمران: 192) وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وأنه محال، وأجيب: لو لم يدخل النّار لزم الخلف في الوعيد، وهذا هو المراد بقوله: حرمت الجنّة على الكافرين، ويجاب أيضا بأن أباه يمسخ إلى صورة ذيخ، بكسر الذّال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره خاء معجمة أي: ضبع، ويلقى في النّار فلا خزي حيث لا تبقى له صورته الّتي هي سبب الخزي، فهو عمل بالوعد والوعيد كليهما، وقيل: الوعد مشروط بالإيمان كما أن الاستغفار له كان عن موعدة وعدها إيّاه، فلمّا تبين له أنه عدو لله تبرأ منه). [عمدة القاري: 19/100-101]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {ولا تخزني يوم يبعثون} [الشعراء: 87]
وقال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئبٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، قال: "إنّ إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة". الغبرة هي القترة
هذا (باب) بالتنوين في قوله جل وعلا: ({ولا تخزين يوم يبعثون}) [الشعراء: 87] أي العباد أو الضالون.
فإن قلت: لما قال أولًا واجعلني من ورثة جنة النعيم كان كافيًا عن قوله: ولا تخزني وأيضًا
فقد قال تعالى: {إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين} [النحل: 27] فما كان يصيب الكفار فقط كيف يخافه المعصوم؟ أجيب: بأن حسنات الأبرار سيئات المقربين فكذا درجات خزي المقربين وخزي كل واحد بما يليق به.
(وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة سكون الهاء الهروي فيما وصله النسائي (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (المقبري) بفتح الميم وضم الموحدة (عن أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): (إن إبراهيم) الخليل (عليه الصلاة والسلام رأى) بصيغة الماضي ولأبي ذر يرى (أباه) آزر وقيل اسمه تارح فقيل هما علمان له كإسرائيل ويعقوب وقيل العلم تارخ وآزر معناه الشيخ أو المعوج (يوم القيامة) حال كونه (عليه الغبرة والقترة) بفتح المعجمة والموحدة والقاف والفوقية (الغبرة: هي القترة) وهي سواد كالدخان وسقط لأبي ذر قوله الغبرة هي القترة وهذا من تفسير المؤلّف أخذه من كلام أبي عبيدة حيث قال في سورة يونس: {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة} [يونس: 26] القتر الغبار. قال السفاقسي: وعلى هذا فقوله في عبس: {غبرة ترهقها قترة} [عبس: 41] تأكيد لفظي كأنه قال غبرة فوقها غبرة وقيل القترة شدة الغبرة بحيث يسودّ الوجه وقيل القترة سواد الدخان.
- حدّثنا إسماعيل، حدّثنا أخي عن ابن أبي ذئبٍ عن سعيدٍ المقبريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول اللّه: إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين». قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]: واخفض جناحك: ألن جانبك.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس واسمه عبد الله الأصبحي المدني قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): (يلقى إبراهيم) عليه الصلاة والسلام (أباه) زاد في حديث الأنبياء يوم القيامة على وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ألم أقل لك لا تعصيني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك (فيقول) إبراهيم (يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني) ولأبي ذر أن لا تخزيني (يوم يبعثون) زاد في أحاديث الأنبياء فأي خزي أخزى من أبي الأبعد (فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين) وزاد في أحاديث الأنبياء أيضًا فيقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا بذيخ ملتطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار، وفي رواية أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عند الحاكم فيمسخ الله أباه ضبعًا فيأخذ بأنفه فيقول: يا عبدي أبوك هو، وفي حديث أبي سعيد عند البزار والحاكم
فيحوّل في صورة قبيحة وريح منتنة في صورة ضبعان. زاد ابن المنذر من هذا الوجه فإذا رآه كذلك تبرأ منه قال: لست أبي، وكان تبرؤه منه في الدنيا حين مات مشركًا فقطع الاستغفار له كما أخرجه الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس وقيل تبرأ منه يوم القيامة لما أيس منه حين مسخ كما صرح به ابن المنذر في روايته، وقد يجمع بينهما بأنه تبرأ منه في الدنيا لما مات مشركًا فترك الاستغفار له فلما رآه في الآخرة رقّ له فسأل الله فيه فلما مسخ أيس منه حينئذ وتبرأ منه تبرؤًا أبديًّا، قيل: والحكمة في مسخه لينفر إبراهيم منه ولئلا يبقى في النار على صورته فيكون فيه غضاضة على الخليل -صلّى اللّه عليه وسلّم-). [إرشاد الساري: 7/278-279]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تخزني يوم يبعثون}
- أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدّثني أبي، حدّثني إبراهيم بن طهمان، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة، فقال له: قد نهيتك عن هذا فعصيتني، قال: لكنّني اليوم لا أعصيك واحدةً، قال: أي ربّ، وعدتني ألّا {تخزني يوم يبعثون} [الشعراء: 87] فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد، قال: يا إبراهيم إنّي حرّمتها على الكافرين، فأخذ منه، فقال: يا إبراهيم أين أبوك؟، قال: أنت أخذته منّي، قال: انظر أسفل منه، فنظر فإذا ذيخٌ يتمرّغ في نتنه، فأخذ بقوائمه، فألقي في النّار "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/206]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ولا تخزني يوم يبعثون} يقول: ولا تذلّني بعقابك إيّاي يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة). [جامع البيان: 17/595]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا تخزني يوم يبعثون
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله ولا تخزني يوم يبعثون وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يجيء رجلٌ يوم القيامة من المؤمنين آخذٌ بيد أبٍ له مشركٍ حتّى يقطعه النّار يريد أن يدخله الجنّة فينادي أنه لا يدخله الجنّة مشركٌ فيقول ربّ كتبت لا تخزني ربّ كتبت لا تخزني قال فلا يزال متشبّثا به حتّى يحوّل في صورةٍ قبيحةٍ وريحٍ منتنةٍ في صورة ضبعانٍ قال: فيرسله عند ذلك فيقول لست أبي لست أبي قال: فكنّا نرى أنّه خليل اللّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم وما سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/2782]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولا تخزني يوم يبعثون} قال: ذكر لنا ان نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ليجيئن رجل يوم القيامة من المؤمنين آخذا بيد أب له مشرك حتى يقطعه النار ويرجو أن يدخله الجنة فيناديه مناد: أنه لا يدخل الجنة مشرك، فيقول: رب أبي، ووعدت أن لا تخزيني، قال: فما يزال متشبثا به حتى يحوله الله في صورة سيئة وريح منتنة في سورة ضبعان فإذا رآه كذلك تبرأ منه وقال: لست بأبي قال: فكنا نرى أنه يعني إبراهيم وما سمى به يومئذ). [الدر المنثور: 11/271-272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم: رب انك وعدتني ان لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الابعد، فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار). [الدر المنثور: 11/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن رجل من بني كنانة قال: صليت خلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول اللهم لا تخزني يوم القيامة). [الدر المنثور: 11/272]
تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون} يقول: لا تخزني يوم لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدّنيا مالٌ كان له في الدّنيا، ولا بنوه الّذين كانوا له فيها، فيدفع ذلك عنه عقاب اللّه إذا عاقبه، ولا ينجّيه منه). [جامع البيان: 17/595]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون (88)
قوله تعالى: يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا أبو أسامة، عن أبي حمزة الثّماليّ حدّثني غير واحدٍ، عن يحيى بن عقيلٍ قال: قال عليٌّ رضي اللّه عنه: المال والبنون حرث الدّنيا والعمل الصّالح حرث الآخرة وقد يجمعهما اللّه لأقوامٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن محمّد القطّان الرّقّيّ، ثنا معاوية ابن هشام قال: سمعت الثرى قال إنّما سمّي المال لأنّه يميل بالنّاس). [تفسير القرآن العظيم: 8/2783]
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى بقلب سليم قال سليم من الشرك). [تفسير عبد الرزاق: 2/74]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى بقلب سليم قال سليم من الشرك). [تفسير عبد الرزاق: 2/144]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ في قوله: {إلا من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ} قال: ليس فيك شك [الآية: 89]). [تفسير الثوري: 229]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ} يقول: ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع إلاّ القلب السّليم.
والّذي عني به من سلامة القلب في هذا الموضع: هو سلامة القلب من الشّكّ في توحيد اللّه، والبعث بعد الممات.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن عوفٍ، قال: قلت لمحمّدٍ: ما القلب السّليم؟ قال: أن يعلم أنّ اللّه حقٌّ، وأنّ السّاعة قائمةٌ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ} قال: لا شكّ فيه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ} قال: ليس فيه شكٌّ في الحقّ.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {بقلبٍ سليمٍ} قال: سليمٌ من الشّرك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ} قال: سليمٌ من الشّرك، فأمّا الذّنوب فليس يسلم منها أحدٌ.
- حدّثني عمرو بن عبد الحميد الآمليّ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن جوبيرٍ، عن الضّحّاك، في قول اللّه: {إلاّ من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ} قال: هو الخالص). [جامع البيان: 17/595-596]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إلا من أتى الله بقلب سليم
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا يحيى بن عمرٍو، ثنا أبي، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ إلا من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ قال شهادة أنّ لا إله إلا اللّه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن عوفٍ قال: قلت لمحمّد بن سيرين: ما القلب السّليم قال: يعلم بأنّ اللّه حقٌّ وأنّ السّاعة قائمةٌ وأنّ اللّه يبعث من في القبور.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا عثمان بن عبد الرّحمن، عن الثّوريّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ إلا من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ سليمٍ من الشّرك.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بقلبٍ سليمٍ ليس فيه شكٌّ في الحقّ.
- حدّثنا أبي، ثنا حيوة بن شريحٍ، ثنا ابن حميرة، عن جسرٍ، عن الحسن في قوله: إلا من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ قال: سليمٍ من الشّرك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد في قوله: إلّا من أتى اللّه بقلبٍ سليم قال: سليمٍ من الشّرك فأمّا الذّنوب فليس يسلم منها أحدٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا حيوة بن شريحٍ، ثنا مروان بن معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك بقلبٍ سليمٍ قال: مخلصٍ.
- ذكر، عن عثمان بن عليٍّ، عن هشامٍ، عن أبيه إلا من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ قال ألا يكون لعّانًا.
- ذكر عن أبي بكر بن أبي شبية، ثنا ابن يمانٍ، عن رجلٍ، عن الضّحّاك إلا من أتى اللّه بقلبٍ سليمٍ قال: النّاصح للّه في خلقه). [تفسير القرآن العظيم: 8/2783-2784]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: إلا من أتى الله بقلب سليم.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس في قوله {إلا من أتى الله بقلب سليم} قال: شهادة أن لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 11/272-273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {إلا من أتى الله بقلب سليم} قال: كان يقال: سليم من الشرك). [الدر المنثور: 11/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {إلا من أتى الله بقلب سليم} قال: من الشرك، ليس فيه شك في الحق). [الدر المنثور: 11/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عون قال: ذكروا الحجاج عند ابن سيرين فقال: غير ما تقولون أخوف على الحجاج عندي منه قلت: وما هو قال: إن كان لقي الله بقلب سليم فقد أصاب الذنوب خير منه قلت: وما القلب السليم قال: إن يعلم انه لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 11/273]