تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وذرني والمكذّبين أولي النّعمة ومهّلهم قليلاً (11) إنّ لدينا أنكالاً وجحيماً (12) وطعاماً ذا غصّةٍ وعذاباً أليماً (13) يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً (14) إنّا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً (15) فعصى فرعون الرّسول فأخذناه أخذاً وبيلاً (16) فكيف تتّقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً (17) السّماء منفطرٌ به كان وعده مفعولاً (18)
قوله تعالى: وذرني والمكذّبين وعيد لهم، ولم يتعرض أحد لمنعه منهم، لكنه إبلاغ بمعنى لا تشغل بهم فكرا، وكلهم إليّ. والنّعمة غضارة العيش وكثرة المال. والمشار إليهم كفار قريش أصحاب القليب ببدر. ويروى أنه لم يكن بين نزول الآية وبين بدر إلا مدة يسيرة نحو عام وليس الأمر كذلك، والتقدير الذي يعضده الدليل من إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتضي أن بين الأمرين نحو العشرة الأعوام، ولكن ذلك قليل أمهلوه). [المحرر الوجيز: 8/ 444]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولدينا بمنزلة عندنا، و «الأنكال» جمع نكل، وهو القيد من الحديد، ويروى أنها قيود سود من نار). [المحرر الوجيز: 8/ 444]
تفسير قوله تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و «الطعام ذو الغصة»، شجرة الزقوم قاله مجاهد وغيره، وقيل شوك من نار وتعترض في حلوقهم لا تخرج ولا تنزل قاله ابن عباس، وكل مطعوم هنالك فهو ذو غصة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق). [المحرر الوجيز: 8/ 444-445]
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والعامل في قوله يوم ترجف، الفعل الذي تضمنه قوله إنّ لدينا، وهو استقرار أو ثبوت، والرجفان: الاهتزاز والاضطراب من فزع وهول، و «المهيل» اللين الرخو الذي يذهب بالريح ويجيء مهيلة. والأصل مهيول استثقلت الضمة على الياء فسكنت واجتمع ساكنان فحذفت الواو وكسرت الهاء بسبب الياء). [المحرر الوجيز: 8/ 445]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّا أرسلنا إليكم الآية خطاب للعالم، لكن المواجهون قريش، وقوله شاهداً عليكم نحو قوله وجئنا بك على هؤلاء شهيداً [النساء: 41]، وتمثيله لهم أمرهم بفرعون وعيد كأنه يقول: فحالهم من العذاب والعقاب إن كفروا سائرة إلى مثل حال فرعون). [المحرر الوجيز: 8/ 445]
تفسير قوله تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فعصى فرعون الرّسول يريد موسى عليه السلام، والألف واللام للعهد. والوبيل: الشديد الرديء العقبى، ويقال: كلأ وبيل ومستوبل إذا كان ضارا لما يرعاه). [المحرر الوجيز: 8/ 445]
تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فكيف تتّقون معناه تجعلون لأنفسكم، ويوماً مفعول ب تتّقون، وقيل هو مفعول ب كفرتم على أن يجعله بمنزلة جحدتم، ف تتّقون على هذا من التقوى، أي تتّقون عقاب الله يوماً، ويجعل يصح أن يكون مسندا إلى اسم الله تعالى، ويصح أن يكون مسندا إلى اليوم.
وقوله تعالى: الولدان شيباً يريد صغار الأطفال، وقال قوم هذه حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول كما قد ترى الشيب في الدنيا من الهم المفرط كهول البحر ونحوه. وقال آخرون من المتأولين: هو تجوز وإبلاغ في وصف هول ذلك اليوم. وواحد «الولدان» وليد، وواحد الشيب أشيب). [المحرر الوجيز: 8/ 445-446]
تفسير قوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: السّماء منفطرٌ به قيل هذا على النسب أي ذات انفطار كامرأة حائض وطالق، وقيل السماء تذكر وتؤنث، وينشد في التذكير: [الوافر]
فلو رفع السماء إليه قوما = لحقنا بالسماء مع السحاب
وقيل من حيث لم يكن تأنيثها حقيقيا، جاز أن تسقط علامة التأنيث لها، وقيل لم يرد اللفظ قصد السماء بعينها وإنما أراد ما علا من مخلوقات الله كأنه قصد السقف فذكر على هذا المعنى، قاله منذر بن سعيد وأبو عبيدة معمر والكسائي: و «الانفطار» التصدع والانشقاق على غير نظام، بقصد، والضمير في به، قال المنذر وغيره: هو عائد على اليوم، وقال مجاهد: هو عائد على الله تعالى، وهذا نظير قوله يوم تشقّق السّماء بالغمام [الفرقان: 25] الذي هو ظل يأتي الله فيها. والمعنى يأتي أمره وقدرته، وكذلك هنا منفطرٌ به أي بأمره وسلطانه، والضمير في قوله وعده ظاهر أنه لله تعالى. ويحتمل أن يكون لليوم لأنه يضاف إليه من حيث هو منه). [المحرر الوجيز: 8/ 446]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّ هذه تذكرةٌ فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلاً (19) إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الّذين معك واللّه يقدّر اللّيل والنّهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسّر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل اللّه وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه فاقرؤا ما تيسّر منه وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأقرضوا اللّه قرضاً حسناً وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (20)
الإشارة ب هذه يحتمل أن تكون إلى ما ذكر من الأنكال والجحيم والأخذ الوبيل ونحوه. ويحتمل أن تكون إلى السورة بأجمعها ويحتمل أن تكون إلى القرآن، أي أن هذه الأقوال المنصوصة، فيه، تذكرةٌ، والتذكرة مصدر كالذكر. وقوله تعالى: فمن شاء الآية، ليس معناه إباحة الأمر وضده، بل يتضمن معنى الوعد والوعيد. والسبيل هنا: سبيل الخير والطاعة). [المحرر الوجيز: 8/ 446-447]