{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}
تفسير قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وانشقّ القمر...} ذكر: أنّه انشقّ، وأنّ عبد الله بن مسعودٍ رأى حراء من بين فلقتيه فلقتي القمر). [معاني القرآن: 3/104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({اقتربت السّاعة} أي قربت). [تفسير غريب القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}
أجمع المفسرون - وروينا عن أهل العلم الموثوق بهم - أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو إسحاق: وزعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم: أنّ تأويله أن القمر ينشق يوم القيامة، والأمر بين في اللفظ وإجماع أهل العلم لأن قوله: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمرّ}
فكيف يكون هذا في القيامة.
قال أبو إسحاق: وجميع ما أملم عليكم في هذا ما حدثني به إسماعيل ابن إسحاق قال حدثنا محمد بن المنهال، قال حدثنا يزيد بن زريع قال ثنا شعبة عن قتادة - عن أنس أن أهل مكة سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- آية فأراهم القمر مرتين انشقاقه، وكان يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}.
- حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال ثنا مسدد، قال ثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: انشق القمر فرقين.
ثنا نصر بن علي قال ثنا حرمي بن عمارة، قال ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: انشق القمر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
- حدثنا إسماعيل قال ثنا محمد بن عيد قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن أنس قال: سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - آية فانشق القمر بمكة مرتين، فقال: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمرّ} يعني ذاهب.
- ثنا إسماعيل قال ثنا نصر قال ثنا أبو أحمد قال ثنا إسرائيل عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبد اللّه قال: انشق القمر فأبصرت الجبل بين فرجتي القمر.
- ثنا إسماعيل قال ثنا نصر قال حدثني أبي قال أخبرنا إسرائيل عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبد اللّه في قوله: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر} قال: انشق القمر حتى رأيت الجبل بين فلقتي القمر.
- ثنا إسماعيل قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: ثنا أبو معاوية قال: ثنا الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد اللّه قال: انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم -بمعنى حتى ذهبت فرقة منه خلف الجبل- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهدوا)).
ثنا إسماعيل قال: ثنا مسدد قال: ثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الأعمش وعن إبراهيم عن أبي معمر عن أبي مسعود قال: انشق القمر على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((اشهدوا)).
- ثنا إسماعيل قال: ثنا مسعود قال: ثنا يحيى عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر مثله.
- ثنا إسماعيل قال: ثنا علي بن عبد اللّه قال: ثنا سفيان قال: أخبرنا ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي معمر عن عبد اللّه: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقتين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهدوا اشهدوا)).
- ثنا إسماعيل قال: قال علي وحدثنا به مرة أخرى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود: انشق القمر شقتين حتى رأيناه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((اشهدوا)).
- ثنا إسماعيل قال: ثنا محمد بن أبي بكر قال: ثنا محمد بن كثير عن سليمان -يعني ابن كثير عن حصين- عن محمد بن جبير عن أبيه، قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل فقال الناس: سحرنا محمد، فقال رجل: إن سحركم فلم يسحر الناس كلّهم.
- وحدثنا إسماعيل قال ثنا محمد بن أبي بكر قال ثنا زهير بن إسحاق عن داود عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ثلاث قد ذكرهن الله في القرآن قد تقضين: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر} فقد انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شقتين حتى رآه الناس.
- ثنا إسماعيل قال: ثنا نصر بن علي قال: ثنا عبد الأعلى قال: ثنا داود بن أبي هند عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر} قال: قد مضى قبل الهجرة وانشق القمر حتى - رأوا شقتيه.
- حدثنا إسماعيل قال ثنا علي بن عبد الله قال: ثنا سفيان قال: قال عمرو عن عكرمة قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون سحر القمر سحر القمر، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمرّ}.
- حدثنا إسماعيل قال: ثنا محمد بن أبي بكر قال: ثنا الضحاك بن مخلد عن ابن جريج عن عمرو عن عكرمة: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال المشركون: سحر القمر، سحر القمر، فنزلت: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمرّ}.
- حدثنا إسماعيل قال ثنا عارم بن الفضل وسليمان بن حرب قالا: ثنا حماد ابن زيد عن عكرمة عن عطار بن السائب عن أبي عبد الرحمن السّلّمي قال: انطلقت مع أبي يوم الجمعة فخطبنا حذيفة - وقال سليمان في حديثه: فخطب حذيفة وهو بالمدائن فتلا: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}، ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق، إلا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، قال سليمان في حديثه: فقلت لأبي يا أبتاه ترسل الخيل غدا وقال عارم في حديثه: فقلت لأبي يستبق الناس غدا، فلما كانت الجمعة التي تليها خطبنا فتلا: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}، فقال: ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشقّ على عهد نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، والغاية النار والسابق من سبق إلى الجنّة.
- حدثنا إسماعيل قال: ثنا حجاج بن المنهال قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عبد اللّه بن حبيب، قال: كنا بالمدائن فجئنا إلى الجمعة فخطبنا حذيفة فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى يقول: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}، ألا إنّ اليوم المضمار وغدا السباق، ألا وإن الغاية النّار، فلما كانت الجمعة الأخرى خطبنا فحمد اللّه وأثنى عليه، قال: فقال مثل قوله، وقال: السابق من سبق إلى الجنة.
- ثنا إسماعيل ثنا علي قال: ثنا سفيان عن سليمان، وقطر عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال: مضى اللزام ومضت البطشة ومضى الدخان ومضى الروم.
- حدثنا إسماعيل قال ثنا عبد الله بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم في قول اللّه عزّ وجلّ: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}
قال ابن زيد: انشق القمر في زمان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فكان يرى نصفه على قعيقعان والنصف الآخر على أبي قيس). [معاني القرآن: 5/81-85]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({اقتربت الساعة وانشق القمر} قال ثعلب: هذا مقدم ومؤخر، لأن القمر قد انشق، وكانت إحدى آيات النبوة، قال: وقال ابن مسعود وحذيفة: ولقد رأيناه، وقد صار نصفه على جبل، ونصفه على جبل آخر). [ياقوتة الصراط: 493]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن يروا آيةً...} يعني القمر، {يعرضوا ويقولوا سحرٌ مّستمرٌّ...}.
أي: سيبطل ويذهب.
وقال بعضهم: سحر يشبه بعضه بعضاً). [معاني القرآن: 3/104]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" سحرٌ مستمرٌّ). [مجاز القرآن: 2/240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {مستمر}: ذاهب). [غريب القرآن وتفسيره: 358]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({سحرٌ مستمرٌّ} أي شديد قويّ. وهو من «المرّة» مأخوذ.
والمرة: الفتل، يقال: استمرت مريرته.
ويقال: هو من «المرارة». [يقال]: أمر الشيء واستمر [إذا صار مرّا] ). [تفسير غريب القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمرّ}
أي ذاهب وقيل دائم). [معاني القرآن: 5/86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُّسْتَمِرٌّ}: أي متماد شديد قوي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُّسْتَمِرٌّ}: شديد). [العمدة في غريب القرآن: 289]
تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وكلّ أمرٍ مّستقرٌّ...}.
سيقر قرار تكذيبهم، وقرار قول المصدّقين حتّى يعرفوا حقيقته بالعقاب والثواب). [معاني القرآن: 3/104]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذّبوا واتّبعوا أهواءهم وكلّ أمر مستقرّ}
تأويله أنه يستقر لأهل النار عملهم ولأهل الجنة عملهم). [معاني القرآن: 5/86]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مزدجرٌ...} منتهىً). [معاني القرآن: 3/104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ما فيه مزدجرٌ} أي متّعظ ومنتهى). [تفسير غريب القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر}
يعنى من أخبار من قد سلف، قبلهم فأهلكوا بتكذيبهم ما فيه مزدجر، أي ما فيه منتهى، تقول: نهيته فانتهى وزجرته فازدجر.
والأصل فازتجر بالتاء، ولكن التاء إذا وقعت بعد زاي أبدلت دالا نحو مزدان أصله مزتان، وكذلك مزتجر.
وإنما أبدلت دالا لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور فأبدل من التاء من مكانها حرف مجهور، وهو دال، فهذا لا يفهمه إلا من أحكم كل العربية، وهذا في آخر كتاب سيبويه، والذي ينبغي أن يقال للمتعلم إذا بنيت افتعل أو مفتعل مما أوله زاي فاقلب التاء دالا، نحو ازدجر ومزدجر). [معاني القرآن: 5/86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُزْدَجَرٌ}: أي متعظ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 249]
تفسير قوله تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حكمةٌ بالغةٌ...}.
مرفوعٌ على الردّ على (ما فيه مزدجر)، و(ما) في موضع رفع، ولو رفعته على الاستئناف كأنّك تفسّر به (ما) لكان صواباً، ولو نصب على القطع لأنّه نكرة، وما معرفة كان صواباً.
ومثله في رفعه: {هذا ما لديّ عتيدٌ} ولو كان (عتيدٌ) منصوباً كان صواباً.
وقوله: {فما تغن النّذر...} إن شئت جعلت (ما) جحداً تريد: ليست تغني عنهم النذر، وإن شئت جعلتها في موضع أي ـ كأنك قلت. فأيّ شيء تغني النذر). [معاني القرآن: 3/104-105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال عزّ وجلّ: {حكمة بالغة فما تغن النّذر}
رفعت (حكمة) بدلا من " ما "، المعنى: ولقد جاءهم حكمة بالغة.
وإن شئت رفعت حكمة بإضمار (هو) المعني هو حكمة بالغة.
وقوله: (فما تغن النّذر).
" ما " جائز أن يكون في لفظ الاستفهام، ومعناها التوبيخ، فيكون المعنى فأي شيء تغني النّذر، ويكون موضعها نصبا بـ (تغن).
ويجوز أن يكون نفيا على معنى فليست تغني النذر). [معاني القرآن: 5/85]
تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {إلى شيءٍ نكرٍ} أي منكر). [تفسير غريب القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فتولّ عنهم يوم يدع الدّاع إلى شيء نكر}
وقف التمام (فتولّ عنهم).
وقوله (إلى شيء نكر) إلى ما كانوا ينكرونه من البعث، فتول عنهم يوم كذا في الآية.
و (يوم) منصوب بقوله (يخرجون من الأجداث).
فأمّا حذف الواو من (يدعو) في الكتاب فلأنها تحذف في اللفظ لالتقاء السّاكنين، وهما الواو من (يدعو) واللام من (الداعي)، فأجريت في الكتاب على ما يلفظ بها، وأما الداعي فإثبات الياء فيه أجود.
وقد يجوز حذفها لأن - الكسرة تدل عليها). [معاني القرآن: 5/86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ}: أي منكر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 249]
تفسير قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خشّعاً أبصارهم...}.
إذا تقدّم الفعل قبل اسمٍ مؤنثٍ، وهو له أو قبل جمع مؤنثٍ مثل: الأبصار، والأعمار وما أشبهها ـ جاز تأنيث الفعل وتذكيره وجمعه، وقد أتى بذلك في هذا الحرف، فقرأه ابن عباس(خاشعاً)...
- وحدثني هشيمٌ وأبو معاوية عن وائل ابن داود عن مسلم بن يسارٍ عن ابن عباسٍ أنّه قرأها (خاشعاً)...
- وحدثني هشيمٌ عن عوفٍ الأعرابي عن الحسن وأبي رجاء العطارديّ أن أحدهما قال: (خاشعاً) والآخر (خشّعاً)...
وهي في قراءة عبد الله (خاشعةً أبصارهم) . وقراءة الناس بعد (خشعاً أبصارهم).
وقد قال الشاعر:
وشبابٍ حسنٍ أوجههم = من إياد بن نزار نب معدّ
وقال الآخر.
يرمي الفجاج الركبان معترضاً = أعناق بزّلها مرخًى لها الجدل
...
- الجدل: جمع الجديل، وهو الزمام، فلو قال: معترضاتٍ،، أو معترضةً لكان صواباً، مرخاةً ومرخياتٍ). [معاني القرآن: 3/105-106]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({خشّعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنّهم جرادٌ مّنتشرٌ}
قال{خشّعاً} نصب على الحال، أي يخرجون من الأجداث خشعا.
وقرأ بعضهم {خاشعا} لأنها صفة مقدمة فأجراها مجرى الفعل نظيرها {خاشعةً أبصارهم}). [معاني القرآن: 4/22]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {خشّعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنّهم جراد منتشر}
منصوب على الحال، المعنى: يخرجون من الأجداث خشعا أبصارهم.
وقرئت (خاشعا أبصارهم).
وقرأ ابن مسعود (خاشعة أبصارهم).
ولك في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد نحو خاشعا أبصارهم، ولك التوحيد والتأنيث - لتأنيث الجماعة - خاشعة أبصارهم.
ولك الجمع نحو خشعا أبصارهم.
تقول: مررت بشبّان حسن أوجههم، وحسان أوجههم، وحسنة أوجههم، قال الشاعر:
وشباب حسن أوجههم = من إياد بن نزار بن معدّ). [معاني القرآن: 5/86]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (من الأجداث) أي: من القبور، واحدها: جدث). [ياقوتة الصراط: 494]
تفسير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّهطعين...}. ناظرين قبل الداع). [معاني القرآن: 3/106]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" مهطعين إلى الدّاع " مسرعين). [مجاز القرآن: 2/240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مهطعين إلى الداع}: الإهطاع أن يديم النظر فلا يطرف). [غريب القرآن وتفسيره: 358]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({مهطعين} قال أبو عبيدة: مسرعين إلى الدّاع.
وفي التفسير: «ناظرين قد دفعوا رؤوسهم إلى الداعي»). [تفسير غريب القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {مهطعين إلى الدّاع يقول الكافرون هذا يوم عسر}
منصوب أيضا على - الحال، المعنى: يخرجون خشعا أبصارهم مهطعين.
ومعنى (مهطعين) ناظرين لا يقلعون أبصارهم). [معاني القرآن: 5/86]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (مهطعين) أي: مسرعين). [ياقوتة الصراط: 494]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُّهْطِعِينَ}: أي مسرعين وقيل: ناظرين، وقد رفعوا رؤوسهم إلى الداعي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُّهْطِعِينَ}: يديمون النظر). [العمدة في غريب القرآن: 289]
تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالوا مجنونٌ وازدجر...}.
زجر بالشتم، وازدجر افتعل من زجرت، وإذا كان الحرف أوله زايٌ صارت تاء الافتعال فيه دالاً؛ من ذلك: زجر، وازدجر، ومزدجرٌ، ومن ذلك: المزدلف ويزداد هي من الفعل يفتعل فقس عليه ما ورد). [معاني القرآن: 3/106]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" وازدجر " افتعل من زجر). [مجاز القرآن: 2/240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وازدجر} أي زجر. وهو: «افتعل» من ذلك). [تفسير غريب القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {كذّبت قبلهم قوم نوح فكذّبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر}
أي كذبت قوم نوح نوحا قبل قومك يا محمد.
{وقالوا مجنون وازدجر} وقالوا هو مجنون كما قال قومك يا محمد لك - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين.
{وازدجر}، زجر بالشتم.
وقد بيّنّا ما في مزدجر في انقلاب التاء دالا وأصل هذا وازتجر). [معاني القرآن: 5/86-87]
تفسير قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فدعا ربّه أنّي مغلوب فانتصر}
والقراءة (أنّي) بفتح الألف وقرأ عيسى بن عمر النحوي (إنّي) – بكسر الألف - وفسر سيبويه (إنّي) بالكسر فقال على إرادة القول على معنى فدعا ربّه فقال إنّي مغلوب.
قال: ومثله: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى}.
المعنى، قالوا ما نعبدهم إلا لقربونا.
ومن فتح - وهو الوجه - فالمعنى دعا ربّه بأنّي مغلوب). [معاني القرآن: 5/87]
تفسير قوله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({بماءٍ منهمرٍ} أي كثير سريع الانصباب. ومنه يقال: همر الرجل، إذا أكثر من الكلام وأسرع). [تفسير غريب القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ففتحنا أبواب السّماء بماء منهمر}
المعنى فأجبنا دعاءه فنصرناه، وبيّن النصر الذي نصر به فقال: {ففتحنا أبواب السّماء بماء منهمر}.
ينصبّ انصبابا شديدا). [معاني القرآن: 5/87]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (منهمر) أي: منصب). [ياقوتة الصراط: 494]
تفسير قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر...}.
أراد الماءين: ماء الأرض، وماء السماء، ولا يجوز التقاءٌ إلاّ لاسمين، فما زاد، وإنّما جاز في الماء، لأن الماء يكون جمعاً وواحداً.
وقوله: {على أمرٍ قد قدر} قدر في أمّ الكتاب.
ويقال: قد قدر أن الماءين كان مقدارهما واحداً. ويقال: قد قدر لما أراد الله من تعذيبهم). [معاني القرآن: 3/106]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر} مجازه: الماء الذي خرج من الأرض وما سال من السماء). [مجاز القرآن: 2/240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فالتقى الماء} أي التقي ماء الأرض وماء السماء). [تفسير غريب القرآن: 432]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر}
هذا أكثر القراءة (عيونا) بالضم.
وقد رويت (عيونا) - بكسر العين - وهي رديئة في العربية.
وقوله عزّ وجلّ: {فالتقى الماء على أمر قد قدر}.
يعني ماء السماء والأرض ولم يقل فالتقى الماءان، ولو كان ذلك لكان جائزا، إلا أن الماء اسم يجمع ماء الأرض وماء السماء.
ومعنى {على أمر قد قدر} أي قد قدر في اللوح المحفوظ.
وقيل قد قدر أي كان قدر ماء السماء كقدر ماء الأرض). [معاني القرآن: 5/87]
تفسير قوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحملناه...}.
حملنا نوحاً على ذات ألواحٍ يعني: السفينة، {ودسرٍ...} مسامير السفينة، وشرطها التي تشد بها). [معاني القرآن: 3/106]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" ألواحٍ ودسرٍ " الدسر المسامير والخزر واحدها دسار، يقال هات لي دساراً). [مجاز القرآن: 2/240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ودسر}: واحدها دسير ودسار وهي المسامير). [غريب القرآن وتفسيره: 358]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( و(الدسر): المسامير، واحدها: «دسار». وهي أيضا: الشّرط التي تشدّ بها السفينة). [تفسير غريب القرآن: 432]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وحملناه على ذات ألواح ودسر}
المعنى على سفينة ذات ألواح.
والدّسر اسم المسامير والشّرط التي تشدّ بها الألواح، وكل شيء نحو السّمر أو إدخال شيء في شيء بقوّة وشدة قهر فهو دسر، يقال: دسرت المسمار أدسره وأدسره.
والدّسر: واحدها دسار، نحو حمار، وحمر). [معاني القرآن: 5/87-88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الدُسُر): المسامير واحدها دسار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دُسُرٍ}: مسامير). [العمدة في غريب القرآن: 289]
تفسير قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جزاء لّمن كان كفر...} أي: جحد.
يقول: فعلنا به وبهم ما فعلنا جزاء لما صنع بنوحٍ وأصحابه، فقال: لمن يريد القوم، وفيه معنى ما. ألا ترى أنّك تقول: غرّقوا لنوحٍ ولما صنع بنوح، والمعنى واحد). [معاني القرآن: 3/106-107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({تجري بأعيننا} أي بمرأى منا وحفظ، {جزاءً لمن كان كفر} يعني: نوحا -عليه السّلام- ومن حمله معه من المؤمنين.
و«كفر»: جحد ما جاء به). [تفسير غريب القرآن: 432]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر}
أي فعلنا ذلك جزاء لنوح وأصحابه، أي - نجيناه ومن آمن معه، وأغرقنا من كذّب به جزاء لما صنع به.
وقوله: {تجري بأعيننا} أي تجري بمرأى منا وحفظ). [معاني القرآن: 5/88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كُفِر}: أي جحد فلم يؤمن به يعني نوحا "صلى الله عليه وسلم"). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 250]
تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد تّركناها آيةً...}.
يقول: أبقيناها من بعد نوح آيةً.
وقوله: {فهل من مّدّكرٍ...} المعنى: مذتكرٍ، وإذا قلت: مفتعلٌ فيما أوّله ذالٌ صارت الذال وتاء الافتعال دالاً مشدّدة وبعض بني أسدٍ يقولون: مذّكرٌ، فيغلبون الذّال فتصير ذالاً مشددةً...
- وحدثني الكسائي -[وكان والله ما علمته إلاّ صدوقا]- عن إسرائيل والقرزميّ عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال: قلنا لعبد الله: فهلم من مذّكرٍ، أو مدّكرٍ، فقال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه: (مدّكرٌ) بالدال). [معاني القرآن: 3/107]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" مدّكرٍ " مذتكر فلما أدغم التاء في الذال تحولت الذال دالاً). [مجاز القرآن: 2/240]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فهل من مدّكرٍ} أي معتبر ومتعظ. وأصله «مفتعل» من الذكر: «مذتكر». فأدغمت الذال في التاء، ثم قلبتا دالا مشدّدة). [تفسير غريب القرآن: 432]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما تكرار {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فإنه عدّد في هذه السورة نعماءه، وأذكر عباده آلاءه، ونبههم على قدرته ولطفه بخلفه، ثم أتبع ذكر كل خلّة وصفها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، ليفهّمهم النّعم ويقرّرهم بها.
وهذا كقولك للرجل أجل أحسنت إليه دهرك وتابعت عنده الأيادي، وهو في ذلك ينكرك ويكفرك: ألم أبوّئك منزلا وأنت طريد؟ أفتنكر هذا؟ وألم أحملك وأنت راجل؟ ألم أحج بك وأنت صرورة؟ أفتنكر هذا؟.
ومثل ذلك تكرار {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} في سورة (اقتربت الساعة) أي: هل من معتبر ومتّعظ؟). [تأويل مشكل القرآن: 239-240](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عز وجلّ: {ولقد تركناها آية فهل من مدّكر}
أي تركنا هذه الفعلة وأمر سفينة نوح، آية أي علامة ليعتبر بها.
(فهل من مدّكر) القراءة بالدال غير المعجمة، وأصله مذتكر بالذال والتاء، ولكن التاء أبدل منها الدال، والذال من موضع التاء، وهي أشبه بالدال من التاء فأدغمت الذال في الدال، فهذا هو الوجه، أعني القراءة بالدال - غير معجمة - وقد قال بعض العرب (مذّكر) بالذال معجمة، فأدغم الثاني في الأول وهذا ليس بالوجه إنما الوجه إدغام الأول في الثاني). [معاني القرآن: 5/88]
تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فكيف كان عذابي ونذر...}.
النذر ها هنا مصدرٌ معناه: فكيف كان إنذاري، ومثله {عذراً أو نذراً} يخفّفان ويثقلان كما قال {إلى شيء نّكرٍ} فثقّل في "اقتربت" وخفف في سورة النساء القصرى فقيل "نكراً"). [معاني القرآن: 3/107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فكيف كان عذابي ونذر} جمع نذير. و«نذير» بمعنى الإنذار، أي فكيف كان عذابي وإنذاري. ومثله: «النّكير» بمعنى الإنكار). [تفسير غريب القرآن: 432]
تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد يسّرنا القرآن للذّكر...}.
يقول: هوّناه ولولا ذلك ما أطاق العباد أن يتكلموا بكلام الله.
ويقال: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}: للحفظ، فليس من كتاب يحفظ ظاهراً غيره). [معاني القرآن: 3/107-108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {ولقد يسّرنا القرآن للذّكر} أي سهلناه للتلاوة.
ولو لا ذلك: ما أطلق العباد أن يلفظوا به، ولا أن يستمعوا [له] ). [تفسير غريب القرآن: 432]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكر}
المعنى سهّلنا، وقيل: إنّ كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل إنما
يتلوها أهلها نظرا، ولا يكادون يحفظون كتبهم من أولها إلى آخرها كما يحفظ القرآن). [معاني القرآن: 5/88]