({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} )
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله جل وعز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا...}.
اتفق عليها القراء، ولو قرأ قارئ: {لَا تُقَدِّمُوا} لكان صواباً؛ يقال: قدمت في كذا وكذا، وتقدّمت). [معاني القرآن: 3/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} " تقول العرب: فلان يقدّم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه يعجل بالأمر والنهى دونه). [مجاز القرآن: 2/219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا تقدموا بين يدي الله}: العرب تقول فلان يقدم بين يدي أبيه أي يعجل بالأمر والنهي دونه). [غريب القرآن وتفسيره: 343]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي لا تقولوا قبل أن يقول رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم. يقال: «فلان يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه»، أي يعجل بالأمر والنهي دونه). [تفسير غريب القرآن: 415]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(1)}
وقد قرئت {لا تقدّموا} بفتح التاء والدال، والمعنى إذا أمرتم بأمر فلا تفعلوه قبل الوقت الذي أمرتم أن تفعلوه فيه.
وجاء في التفسير أن رجلا ذبح يوم الأضحى قبل صلاة الأضحى فتقدم قبل الوقت فاعلم اللّه أن ذلك غير جائز.
ففي هذا دليل أنّه لا يجوز أن يؤدى فرض قبل وقته ولا تطوع قبل وقته ممّا جاءت به السّنّة، وفي هذا دليل أن تقديم الزكاة قبل وقتها لا ينبغي أن يجوز، فأما ما يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسلف من العباس شيئا من الزكاة، فلا أعلم أن أحدا ممن أجاز تقديم الزكاة احتج إلا بهذا الحديث، وهذا إن صح فهو على ضربين:
أحدهما أن يكون مخصوصا
والآخر أن يكون الحاجة اشتدت فوقع اضطرار إلى استسلاف الزكاة.
والإجماع أن إعطاءها في وقتها هو الحق، وهو الفضل إن شاء اللّه.
ومن قرأ: {لا تقدّموا} فمعناه كمعنى {لا تقدّموا} ). [معاني القرآن: 5/31]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَا تُقَدِّمُوا}: لا تخالفوا أمره). [العمدة في غريب القرآن: 278]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُم...}.
وفي قراءة عبد الله "بأصواتكم"، ومثله في الكلام: تكلم كلاماً حسناً، وتكلم بكلام حسن.
وقوله: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ....}:
يقول: لا تقولوا: يا محمد، ولكن قولوا: يا نبي الله ـ يا رسول الله، يا أبا القاسم.
وقوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ...}.
معناه: لا تحبط وفيه الجزم والرفع إذا وضعت {لا} مكان {أن}، وقد فسر في غير موضع، وهي في قراءة عبد الله: فتحبط أعمالكم، وهو دليل على جواز الجزم فيه). [معاني القرآن: 3/70]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}
قال: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} أي: مخافة أن تحبط أعمالكم. وقد يقال: "اسمك الحائط أن يميل"). [معاني القرآن: 4/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أي لا ترفعوا أصواتكم عليه. كما يرفع بعضكم صوته على بعض. {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} أي لئلا تحبط أعمالكم). [تفسير غريب القرآن: 415]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه: أن تحذف (لا) من الكلام والمعنى إثباتها ...
وقوله: {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: 2]، أي: لا تحبط أعمالكم). [تأويل مشكل القرآن: 225]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («اللام» مكان «على»
قال الله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] أي لا تجهروا عليه بالقول.
والعرب تقول: سقط فلان لفيه، أي على فيه. قال الشاعر:
فخرَّ صريعًا لليدينِ وَلِلْفَمِ
[تأويل مشكل القرآن: 569]
قال الآخر:
مُعَرَّسُ خَمْسٍ وُقِّعَتْ لِلْجَنَاجِنِ). [تأويل مشكل القرآن: 570]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجلّ: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}
أمرهم اللّه - عزّ وجلّ - بتبجيل نبيّه عليه السلام، وأن يغضوا أصواتهم وأن يخاطبوه بالسكينة والوقار، وأن يفضلوه في المخاطبة، وذلك مما كانوا يفعلونه في تعظيم ساداتهم وكبرائهم.
ومعنى {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}أي لا تنزلوه منزلة بعضكم من بعض.
فتقولوا: يا محمد خاطبوه بالنبوة، والسكينة والإعظام.
وقوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}.
معناه لا تفعلوا ذلك فتحبط أعمالكم.
والمعنى لئلا تحبط أعمالكم فالمعنى معنى اللام في أن. وهذه اللام لام الصيرورة وهي كاللام في قوله: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا} والمعنى فالتقطه آل فرعون ليصير أمرهم إلى ذلك، لا أنّهم قصدوا أن يصير إلى ذلك. ولكنه في المقدار فيما سبق من علم الله أن سبب الصير التقاطهم إياه، وكذلك لا ترفعوا أصواتكم فيكون ذلك سببا لأن تحبط أعمالكم.
{وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} هذا إعلام أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن يجلّ ويعظّم غاية الإجلال.
وأنه قد يفعل الشيء مما لا يشعر به من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون ذلك مهلكا لفاعله أو لقائله.
ولذلك قال بعض الفقهاء: من قال إن زرّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وسخ يريد به - النقص منه وجب قتله.
هذا مذهب مالك وأصحابه). [معاني القرآن: 5/31 -32 ]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى...}.
أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط خبثه). [معاني القرآن: 3/70]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}" من المحنة امتحنه اصطفاه). [مجاز القرآن: 2/219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} أي أخلصها للتقوى). [تفسير غريب القرآن: 415]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}
{امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}
أخلص قلوبهم.
و" {هم} " يخرج على تفسير حقيقة اللغة، والمعنى اختبر اللّه قلوبهم فوجدهم مخلصين - كما تقول: قد امتحنت هذا الذهب
وهذه الفضة. تأويله قد اختبرتهما بأن أذبتهما حتى خلصت الذهب والفضة فعلمت حقيقة كل واحد منهما). [معاني القرآن: 5/32-33]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ...}.
وجه الكلام أن تضم الحاء والجيم، وبعض العرب يقول: الحجرات والرّكبات وكل جمع كأن يقال في ثلاثةٍ إلى عشرةٍ: غرف، وحجر، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع أجود من ذلك.
وقوله: {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون...}.
أتاه وفد بني تميم في الظهيرة، وهو راقد صلى الله عليه، فجعلوا ينادون: يا محمد، اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج، فنزل: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} إلى آخر الآية، وأذن بعد ذلك لهم؛ فقام شاعرهم، وشاعر المسلمين، وخطيب منهم، وخطيب المسلمين، فعلت أصواتهم بالتفاخر، فأنزل الله جل وعز فيه: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}). [معاني القرآن: 3/70]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون} " واحدتها حجرة قال:
أما كان عبّاد كفّياً لدارهم... بلى ولأبياتٍ بها الحجرات
يقول بلى ولبنى هاشم والذين نادوه صلى الله عليه وسلم من بني تميم وفي قراءة عبد الله بن مسعود: " وأكثرهم بنو تميم لا يعقلون "). [مجاز القرآن: 2/219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الحجرات}: واحدها حجرة). [غريب القرآن وتفسيره: 343]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} واحدها: «حجرة»، مثل ظلمة وظلمات.
ويقرأ {حجرات}، كما قيل: ركبات وينشد هذا البيت:
ولما رأونا باديا ركباتنا = على موطن لا نخلط الجد بالهزل).
[تفسير غريب القرآن: 415]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه جمع يراد به واحد واثنان:
كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]: واحد واثنان فما فوق.
[تأويل مشكل القرآن: 282]
وقال قتادة في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ} [التوبة: 66] -: كان رجل من القوم لا يمالئهم على أقاويلهم في النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسير مجانبا لهم، فسماه الله طائفة وهو واحد.
وكان «قتادة» يقول في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4]: هو رجل واحد ناداه: يا محمد، إنّ مدحي زين، وإنّ شتمي شين.
فخرج إليه النبي، صلّى الله عليه وسلم فقال: «ويلك، ذاك الله جل وعز»
ونزلت الآية). [تأويل مشكل القرآن: 283] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون (4)}
يقرأ بضم الحاء والجيم، والحجرات بفتح الجيم، ويجوز في اللغة الحجرات. بتسكين الجيم - ولا أعلم أحدا قرأ بالتسكين وقد فسرنا هذا الجمع فيما تقدم من الكتاب.
وواحد الحجرات حجرة. ويجوز أن تكون الحجرات جمع حجر وحجرات، والأجود أن تكون الحجرات جمع حجرة، وأن الفتح جاز بدلا من الصفة لثقل الضمتين.
وهؤلاء قوم جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني تميم فنادوه من وراء الحجرات.
ولهم في التفسير حديث فيه طول، وجملته أنهم جاءوا يفاخرون النبي وأنّهم لم يلقوه بما يجب له عليه السلام). [معاني القرآن: 5/33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْحُجُرَاتِ}: جمع حجرة). [العمدة في غريب القرآن: 278]
تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قال: ({وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}
أي - من تاب بعد هذا الفعل فاللّه غفور رحيم). [معاني القرآن: 5/33]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فتثبّتوا}...).
قراءة أصحاب عبد الله، ورأيتها في مصحف عبد الله بالثاء، وقراءة الناس: {فتبيّنوا} ومعناهما متقارب؛ لأن قوله: {فتبيّنوا} أمهلوا حتى تعرفوا، وهذا معنى تثبتوا. وإنما كان ذلك أن النبي صلى الله عليه بعث عاملاً على بني المصطلق ليأخذ صدقاتهم، فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه، فظن أنهم يريدون قتاله، فرجع إلى النبي صلى الله عليه فقال: إنهم قاتلوني، ومنعوني أداء ما عليهم فبينما هم كذلك وقد غضب النبي صلى الله عليه قدم عليه وفد بني المصطلق فقالوا: أردنا تعظيم رسول رسول الله، وأداء الحق إليه، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه ولم يصدقهم؛ فأنزل الله: "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فتثبّتوا}" إلى أخر الآية، والآية التي بعدها). [معاني القرآن: 3/70-71]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}
ويقرأ {فتثبّتوا أن تصيبوا}.
{قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} جاء في التفسير أنها نزلت بسبب الوليد بن عقبة.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه ساعيا يجبي صدقات بني المصطلق، وكان بينه وبينهم أحنة أي عداوة، فلما اتصل بهم خبره وقد خرج نحوهم قال بعضهم لبعض: قد علمتم ما بيننا وبين هذا الرجل، فامنعوه صدقاتكم، فاتصل به ذلك فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنهم منعوه الصدقة وأنهم ارتدّوا، وأعدّوا السّلاح للحرب، فوجه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بخالد بن الوليد ومعه جيش، وتقدم إليه أن ينزل عقوبتهم ليلا، فإن رأى ما يدل على إقامتهم على الإسلام من الأذان والصلاة والتّهجد أمسك عن محاربتهم، وطالبهم بصدقاتهم فلما صار خالد إليهم ليلا سمع النداء بالصلاة، ورآهم يصلّون ويتهجّدون، وقالوا له: قد استبطأنا رسالة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات، وسلموها إليه، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} أي بخبر {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} أي كراهة أن تصيبوا قوما بجهالة وهذا دليل أنه لا يجوز أن يقبل خبر من فاسق [إلا أن] يتبيّن وأن الثقة يجوز قبول خبره.
والثقة من لم تجرب عليه شهادة زور ولا يعرف بفسق ولا جلد في حدّ، وهو مع ذلك صحيح التمييز). [معاني القرآن: 5/33-34]
تفسير قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} من «العنب» وهو: الضرر والفساد). [تفسير غريب القرآن: 416]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب:
كقوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} [يونس: 22].
وقوله: {وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال النّاس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون (39)} [الروم: 39].
وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].
قال الشاعر:
يا دار ميّة بالعلياء فالسّند = أقوت وطال عليها سالف الأبد
[تأويل مشكل القرآن: 289]
وكذلك أيضا تجعل خطاب الغائب للشاهد:
كقول الهذليّ:
يا ويحَ نفسي كان جِدَّةُ خالدٍ = وبياضُ وَجْهِكَ للتُّرَابِ الأَعْفَرِ).
[تأويل مشكل القرآن: 290] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)}
أي لو أطاع مثل هذا المخبر الذي أخبره بما لا أصل له لوقعتم في عنت، والعنت الفساد والهلاك.
{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ}.. هذا يعنى به المؤمنون المخلصون.
{وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} ويحتمل {فِي قُلُوبِكُمْ} وجهين:
أحدهما أنه دلهم عليه بالحجج القاطعة البينة، والآيات التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - المعجزة.
والثاني أنه زيّنه في قلوبهم بتوفيقه إياهم.
{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} وذلك أيضا تبيينه ما عليهم في الكفر وتوفيقه إياهم إن اجتنبوه.
وقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} أي هؤلاء الذين وفقهم اللّه - عزّ وجلّ - بتحبيب الإيمان إليهم وتكريه
الكفر أولئك هم الراشدون). [معاني القرآن: 5/ 34 -35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَعَنِتُّمْ}: من العنت وهو الضرر والفساد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 235]
تفسير قوله تعالى: (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}
منصوب مفعول له - المعنى فعل الله ذلك بكم فضلا من اللّه ونعمة أي للفضل والنعمة، ولو كان في غير القرآن لجاز (فضل من اللّه ونعمة).
المعنى ذلك فضل من الله ونعمة). [معاني القرآن: 5/35]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا...}.
ولم يقل: اقتتلتا، وهي في قراءة عبد الله: فخذوا بينهم. مكان فأصلحوا بينهم، وفي قراءته: حتى يفيئوا إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم). [معاني القرآن: 3/71]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي...} التي لا تقبل الصلح، فأصلح النبي صلى الله عليه بينهم). [معاني القرآن: 3/72]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " ترجع). [مجاز القرآن: 2/219]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حتى تفيء إلى أمر الله}: ترجع ومنه {فإن فاؤوا}). [غريب القرآن وتفسيره: 343]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي ترجع.
{وَأَقْسِطُوا}: اعدلوا). [تفسير غريب القرآن: 416]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -: ({وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}
والباغية التي تعدل عن الحق وما عليه أئمة المسلمين وجماعتهم.
{حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}.
حتى ترجع إلى أمر اللّه.
{فَإِنْ فَاءَتْ}: فإن رجعت.
{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا}.
أي وأعدلوا.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
وهذه - قيل - نزلت بسبب جمعين من الأنصار كان بينهم قتال ولم يكن ذلك بسيوف ولا أسلحة، جاء في التفسير أنه كان بينهم قتال بالأيدي والنعال وترام بالحجارة). [معاني القرآن: 5/35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَفِيءَ}: ترجع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 235]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ...}.
ولم يقل: بين إخوتكم، ولا إخوانكم، ولو قيل ذلك كان صوابا.
ونزلت في رهط عبد الله بن أبي، ورهط عبد الله بن رواحة الأنصاري، فمر رسول الله صلى الله عليه على حمار فوقف على عبد الله بن أبي في مجلس قومه، فراث حمار رسول الله، فوضع عبد الله يده على أنفه وقال: إليك حمارك فقد آذاني، فقال له ابن رواحة: ألحمار رسول الله تقول هذا؟ فوالله لهو أطيب عرضا منك ومن أبيك، فغضب قوم هذا، وقوم هذا، حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال، فنزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 3/71]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك ما روي في الحديث من قوله حين خاف على نفسه وامرأته: (إنها أختي) لأن بني آدم يرجعون إلى أبوين، فهم إخوة، ولأن المؤمنين إخوة، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]). [تأويل مشكل القرآن: 268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ( {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}
ويقرأ بين إخوانكم، وبين أخواتكم وبين إخوتكم.
فأعلم اللّه - عز وجل - أن الذين يجمعهم وأنهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم فرجعوا في الاتفاق في الدين إلى أصل النسب، لأنهم لآدم وحواء، ولو اختلفت أديانهم لافترقوا في النسب، وإن كان في الأصل أنهم لأب وأم.
ألا ترى أنه لا يرث الولد المؤمن الأب الكافر ولا الحميم المؤمن نسيبه الكافر). [معاني القرآن: 5/36]