العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النور

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 09:29 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي تفسير سورة النور [ من الآية (54) إلى الآية (57) ]

{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب النزول
- الناسخ والمنسوخ الآية رقم (54)
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 رجب 1434هـ/27-05-2013م, 05:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلاّ البلاغ المبين}.
يقول تعالى ذكره {قل} يا محمّد، لهؤلاء المقسمين باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ، وغيرهم من أمّتك {أطيعوا اللّه} أيّها القوم فيما أمركم به ونهاكم عنه، و{أطيعوا الرّسول} فإنّ طاعته للّه طاعةٌ. {فإن تولّوا} يقول: فإن تعرضوا وتدبروا عمّا أمركم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو نهاكم عنه، وتأبوا أن تذعنوا لحكمه لكم وعليكم.
{فإنّما عليه ما حمّل} يقول: فإنّما عليه فعل ما أمر بفعله من تبليغ رسالة اللّه إليكم، على ما كلّفه من التّبليغ. {وعليكم ما حمّلتم} يقول: وعليكم أيّها النّاس أن تفعلوا ما ألزمكم وأوجب عليكم من اتّباع رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، والانتهاء إلى طاعته فيما أمركم ونهاكم.
وقلنا إنّ قوله: {فإن تولّوا} بمعنى: فإن تتولّوا، فإنّه في موضع جزمٍ؛ لأنّه خطابٌ للّذين أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يقول لهم {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} يدلّ على أنّ ذلك كذلك قوله: {وعليكم ما حمّلتم} ولو كان قوله: {تولّوا} فعلاً ماضيًا على وجه الخبر عن غيبٍ، لكان في موضع قوله: {وعليكم ما حمّلتم} وعليهم ما حمّلوا.
وقوله: {وإن تطيعوه تهتدوا} يقول تعالى ذكره: وإن تطيعوا أيّها النّاس رسول اللّه فيما يأمركم وينهاكم، ترشدوا وتصيبوا الحقّ في أموركم. {وما على الرّسول إلاّ البلاغ المبين} يقول: وغير واجبٍ على من أرسله اللّه إلى قومٍ برسالةٍ إلاّ أن يبلّغهم رسالته بلاغًا يبيّن لهم ذلك البلاغ عمّا أراد اللّه به، يقول: فليس على محمّدٍ أيّها النّاس إلاّ أداء رسالة اللّه إليكم، وعليكم الطّاعة؛ وإن أطعتموه لحظوظ أنفسكم تصيبون، وإن عصيتموه بأنفسكم توبقون). [جامع البيان: 17/344-345]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم ما حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين (54)
قوله: قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى بن عبيدٍ، ثنا عبد الملك عن عطاءٍ في قوله: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول قال: طاعة الرّسول اتّباع الكتاب والسّنّة.
قوله: فإن تولّوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ فإن تولّوا يعني الكفّار تولّوا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله: فإنّما عليه ما حمّل.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فإنّما عليه ما حمّل قال: يبلّغ ما أرسل به إليكم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، أنبأ ابن المبارك أنبأ ابن لهيعة، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ أنّه سأل إن كان عليّ إمامٌ فاجرٌ فلقيت معه أهل ضلالةٍ أقاتل أم لا؟ ليس بي حبّه ولا مظاهرته، قال: قاتل أهل الضّلالة أينما وجدتهم وعلى الإمام ما حمّل وعليك ما حمّلت.
قوله: وعليكم ما حمّلتم.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ وعليكم ما حمّلتم قال: أن تطيعوه وتعلموا بما أمركم.
قوله تعالى: وإن تطيعوه تهتدوا
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني عبد الصّمد أنّه سمع وهبًا يقول: إنّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له أشعيا، أن قم في قومك بني إسرائيل فإنّي مطلقٌ لسانك بوحيٍ فقال: يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يريد أن يقصّ شأن بني إسرائيل، إنّ قومك يسألون، عن غيبي الكهّان والأسرار، وإنّي أريد أن أحدث حدثًا أنا منفذه، فليخبروني متى هو وفي أيّ زمانٍ يكون، أريد أن أحوّل الرّيف إلى الفلاة، والآجام في الغيطان، والأنهار في الصّحاري والنّعمة في الفقراء، والملك في الرعاة، وأبعث أعمى من عميانٍ أبعثه ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخّابٍ في الأسواق، لو يمرّ إلى جنب السّراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشّرًا ونذيرًا لا يقول الخنا أفتح به أعينا كما، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا أسدّده لكلّ أمرٍ جميلٍ، وأهب له كلّ خلقٍ كريمٍ، وأجعل السّكينة لباسه، والبرّ شعاره، والتّقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصّدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحقّ شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه والإسلام ملّته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضّلالة، وأعلّم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأعرف به بعد الذكرة، وأكثر به بعد القلّة، وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأولف به بين أممٍ متفرّقةٍ وقلوبٍ مختلفةٍ، وأهواءٍ متشتتة، وأستنقذ به فئاما من الناس عظيما من الهلكة، وأجعل أمّته خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، يأمرون بالمعروف وينهون، عن المنكر، موحّدين مؤمنين مخلصين، مصدّقين بما جاءت به رسلي). [تفسير القرآن العظيم: 8/2625-2626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فإنما عليه ما حمل} فيبلغ ما أرسل به اليكم {وعليكم ما حملتم} قال: ان تطيعوه وتعملوا بما أمركم). [الدر المنثور: 11/95-96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزبير، عن جابر أنه سئل: ان كان على امام فاجر فلقيت معه أهل ضلالة أقاتل أم لا ليس بي حبه ولا مظاهرة قال: قاتل أهل الضلالة اينما وجدتهم وعلى الامام ما حمل وعليك ما حملت). [الدر المنثور: 11/96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في تاريخه عن وائل أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ان كان علينا أمراء يعملون بغير طاعة الله تعالى فقال: عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم). [الدر المنثور: 11/96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي، وابن جرير في تهذيبه، وابن مردويه عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: قدم يزيد بن سلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت ان كان عليناا امراء يأخذوا منا الحق ولا يعطونا فقال: إنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم). [الدر المنثور: 11/96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن قانع والطبراني عن علقمة بن وائل الحضرمي عن سلمة بن يزيد الجهني قال: قلت يا رسول الله أرأيت ان كان علينا امراء من بعدك يأخذونا بالحق الذي علينا ويمنعونا الحق الذي جعله الله لنا نقاتلهم ونبغضهم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم). [الدر المنثور: 11/96-97]

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ في هذه الآية {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنهم في الأرض} قال: هم الولاة [الآية: 55]). [تفسير الثوري: 225]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}.
يقول تعالى ذكره: {وعد اللّه الّذين آمنوا} باللّه ورسوله {منكم} أيّها النّاس، {وعملوا الصّالحات} يقول: وأطاعوا اللّه ورسوله فيما أمراه ونهياه؛ {ليستخلفنّهم في الأرض} يقول: ليورّثنّهم اللّه أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها. {كما استخلف الّذين من قبلهم} يقول: كما فعل من قبلهم ذلك ببني إسرائيل، إذ أهلك الجبابرة بالشّأم، وجعلهم ملوكها وسكّانها. {وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم} يقول: وليوطّئنّ لهم دينهم، يعني: ملّتهم الّتي ارتضاها لهم فأمرهم بها.
وقيل: وعد اللّه الّذين آمنوا، ثمّ تلقى ذلك بجواب اليمين بقوله: {ليستخلفنّهم} لأنّ الوعد قولٌ يصلح فيه (أن)، وجواب اليمين كقوله: وعدتك أن أكرمك، ووعدتك لأكرمنّك.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {كما استخلف} فقرأته عامّة القرّاء: {كما استخلف} بفتح التّاء واللاّم، بمعنى: كما استخلف اللّه الّذين من قبلهم من الأمم. وقرأ ذلك عاصمٌ: (كما استخلف) بضمّ التّاء، وكسر اللاّم، على مذهب ما لم يسمّ فاعله.
واختلفوا أيضًا في قراءة قوله: {وليبدّلنّهم} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار سوى عاصمٍ: {وليبدّلنّهم} بتشديد الدّال، بمعنى: وليغيّرنّ حالهم عمّا هي عليه من الخوف إلى الأمن، والعرب تقول: قد بدّل فلانٌ: إذا غيّرت حاله ولم يأت مكان غيره، وكذلك كلّ مغيّرٍ عن حاله فهو عندهم مبدّلٌ بالتّشديد. وربّما قيل بالتّخفيف، وليس بالفصيح. فأمّا إذا جعل مكان الشّيء المبدل غيره، فذلك بالتّخفيف: أبدلته فهو مبدّلٌ. وذلك كقولهم: أبدل هذا الثّوب: أي جعل مكانه آخر غيره، وقد يقال بالتّشديد؛ غير أنّ الفصيح من الكلام ما وصفت. وكان عاصمٌ يقرؤه: (وليبدلنّهم) بتخفيف الدّال.
والصّواب من القراءة في ذلك: التّشديد، على المعنى الّذي وصفت قبل، لإجماع الحجّة من قرّاء الأمصار عليه، وأنّ ذاك تغيير حال الخوف إلى الأمن. وأرى عاصمًا ذهب إلى أنّ الأمن لمّا كان خلاف الخوف وجّه المعنى إلى أنّه ذهب بحال الخوف، وجاء بحال الأمن، فخفّف ذلك.
ومن الدّليل على ما قلنا من أنّ التّخفيف إنّما هو ما كان في إبدال شيءٍ مكان آخر، قول أبي النّجم:
عزل الأمير للأمير المبدل
وقوله: {يعبدونني} يقول: يخضعون لي بالطّاعة، ويتذلّلون لأمري ونهيي، {لا يشركون بي شيئًا} يقول: لا يشركون في عبادتهم إيّاي الأوثان والأصنام ولا شيئًا غيرها، بل يخلصون لي العبادة فيفردونها إليّ دون كلّ ما عبد من شيءٍ غيري.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أجل شكاية بعض أصحابه إليه في بعض الأوقات الّتي كانوا فيها من العدوّ في خوفٍ شديدٍ ممّا هم فيه من الرّعب والخوف، وما يلقون بسبب ذلك من الأذى والمكروه.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات} الآية قال: مكث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عشر سنين خائفًا يدعو إلى اللّه سرًّا وعلانيةً، قال: ثمّ أمر بالهجرة إلى المدينة. قال: فمكث بها هو وأصحابه خائفون، يصبحون في السّلاح، ويمسون فيه، فقال رجلٌ: ما يأتي علينا يومٌ نأمن فيه ونضع عنّا السّلاح فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تغبرون إلاّ يسيرًا حتّى يجلس الرّجل منكم في الملإ العظيم محتبيًا فيه، ليس فيه حديدةٌ. فأنزل اللّه هذه الآية: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم}. إلى قوله: {فمن كفر بعد ذلك} قال: يقول: من كفر بهذه النّعمة {فأولئك هم الفاسقون} وليس يعني الكفر باللّه. قال: فأظهره اللّه على جزيرة العرب، فآمنوا، ثمّ تجبّروا، فغيّر اللّه ما بهم. وكفروا بهذه النّعمة، فأدخل اللّه عليهم الخوف الّذي كان رفعه عنهم؛ قال القاسم: قال أبو عليٍّ: بقتلهم عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه.
واختلف أهل التّأويل في معنى الكفر الّذي ذكره اللّه في قوله: {فمن كفر بعد ذلك} فقال أبو العالية ما ذكرنا عنه من أنّه كفرٌ بالنّعمة لا كفرٌ باللّه.
وروي عن حذيفة في ذلك ما:
- حدّثنا به ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي الشّعثاء، قال: كنت جالسًا مع حذيفة وعبد اللّه بن مسعودٍ، فقال حذيفة: ذهب النّفاق، وإنّما كان النّفاق على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنّما هو الكفر بعد الإيمان قال: فضحك عبد اللّه، فقال: لم تقول ذلك؟ قال: علمت ذلك قال: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض} حتّى بلغ آخرها.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي الشّعثاء، قال: قعدت إلى ابن مسعودٍ، وحذيفة، فقال حذيفة: ذهب النّفاق فلا نفاق، وإنّما هو الكفر بعد الإيمان فقال عبد اللّه: تعلم ما تقول؟ قال: فتلا هذه الآية: {إنّما كان قول المؤمنين} حتّى بلغ: {فأولئك هم الفاسقون} قال: فضحك عبد اللّه. قال: فلقيت أبا الشّعثاء بعد ذلك بأيّامٍ، فقلت: من أيّ شيءٍ ضحك عبد اللّه؟ قال: لا أدري، إنّ الرّجل ربّما ضحك من الشّيء الّذي يعجبه، وربّما ضحك من الشّيء الّذي لا يعجبه، فمن أيّ شيءٍ ضحك؟ لا أدري.
والّذي قاله أبو العالية من التّأويل أشبه بتأويل الآية، وذلك أنّ اللّه وعد الإنعام على هذه الأمّة بما أخبر في هذه الآية أنّه منعمٌ به عليهم؛ ثمّ قال عقيب ذلك: فمن كفر هذه النّعمة بعد ذلك {فأولئك هم الفاسقون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قول اللّه: {يعبدونني لا يشركون بي شيئًا} قال: تلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا} قال: لا يخافون غيري). [جامع البيان: 17/345-350]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (55)
قوله تعالى: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم قال: لمّا صدّهم المشركون، عن العمرة يوم الحديبية وعدهم اللّه عزّ وجلّ أن يظهرهم.
قوله عزّ وجلّ: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات
- حدّثنا أبي، ثنا عصام بن روّادٍ، ثنا أبي، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض قال: هم أصحاب محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن، ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات قال بعض المؤمنين: متى يفتح اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة ونأمن في الأرض. ويذهب عنّا الجهد، سمع اللّه قوله فأنزل الله عند ذلك: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات يعنى: أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: ليستخلفنّهم في الأرض
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن أبي الشّعثاء قال: كنت مع حذيفة ومع عبد اللّه فقال حذيفة: ذهب النّفاق إنّما كان النّفاق، على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنّما هو الكفر بعد الإيمان فضحك عبد اللّه وقال: مما تقول ذلك. فقرأ عليه وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض- حتّى بلغ آخرها.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ في قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض قال: هم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم استخلفهم في الأرض.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الطّاهر قال: سمعت خالي يعني عبد الرّحمن بن عبد الحميد المصريّ، يقول: أرى ولاية أبي بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما في كتاب اللّه عزّ وجلّ، يقول اللّه تبارك وتعالى: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض الآية.
- ذكر، عن عبيد اللّه بن موسى، أنبأ فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة في قوله وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض قال: أهل بيتٍ هاهنا وأشار بيده إلى القبلة.
قوله تعالى: في الأرض
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: ليستخلفنّهم في الأرض يعنى أرض المدينة.
قوله تعالى: كما استخلف الّذين من قبلهم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا الحكم بن بشيرٍ، عن عمرو بن قيسٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم فينا نزلت ونحن في خوفٍ شديدٍ.
- ذكر، عن أبي حذيفة، عن سفيان، عن رجلٍ، عن محمّد بن كعبٍ وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم قال: نزلت في الولاة.
- ذكر، عن يحيى بن أبي الخطيب، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا صفوان بن عمرٍو، عن شريح بن عبيدٍ، عن عمرٍو البكّاليّ، عن كعب الأحبار قال: هم اثنا عشر، فإذا كان عند انقضائهم فيجعل مكان اثني عشر اثنا عشر مثلهم وكذلك وعد اللّه هذه الأمّة فقرأ: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وكذلك فعل ببني إسرائيل.
قوله تعالى: وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم فقال: هو الإسلام.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم فقد فعل اللّه بهم ذلك، ومن كان بعدهم من هذه الأمّة فمكّن لهم في الأرض.
قوله تعالى: وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا
- حدّثنا كثير بن شهابٍ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا إلى آخر الآية. قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بمكّة نحوًا من عشر سنين يدعون إلى اللّه عزّ وجلّ وحده وعبادته وحده لا شريك له سرًّا وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتّى أمروا بعد الهجرة إلى المدينة فقدموا المدينة فأمرهم اللّه بالقتال وكانوا بها خائفين يمسون في السلاح، ويصبحون في السلاح، فغيروا بذلك ما شاء اللّه ثمّ إنّ رجلا من أصحابه قال:
يا رسول اللّه، أبد الدّهر نحن خائفون هكذا ما يأتي علينا يومٌ نأمن فيه ونضع فيه السّلاح؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لن تغبروا إلا يسيرًا حتّى يجلس الرّجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست فيه حديدةٌ، فأنزل اللّه وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا. إلى آخر الآية. فأظهر اللّه جلّ وعزّ نبيّه على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السّلاح، ثمّ إنّ اللّه قبض نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكرٍ وعمر، وعثمان حتّى وقعوا فيما وقعوا وكفروا بالنّعمة فأدخل اللّه عليهم الخوف الذي كان رفع عنهم، واتخذوا الحجر والشّرط وغيّروا فغيّر ما بهم.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا فقد فعل اللّه بهم ذلك وبمن كان بعدهم حتّى هذه الأمّة فمكّن لهم في الأرض وأبدلهم أمنًا بعد خوفهم وبسط لهم في الرّزق ونصرهم على الأعداء فقد أنجز اللّه موعده وبقي دين اللّه في رقابهم.
قوله تعالى: يعبدونني
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ذكر أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان في بعض أسفاره ورديفه معاذ بن جبلٍ ليس بينهما إلا آخرة الرّحل، إذ قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «يا معاذ بن جبلٍ قال: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك قال: هل تدري ما حقّ اللّه على العباد؟ قال: اللّه ورسوله أعلم قال: فإنّ حقّ اللّه على النّاس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال: فهل تدري ما حقّ النّاس على اللّه إذا فعلوا ذلك؟ قال: اللّه ورسوله أعلم، قال: فإنّ حقّ النّاس أو العباد على اللّه إذا فعلوا ذلك ألا يعذّبهم.
قوله تعالى: لا يشركون بي شيئًا
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عبد اللّه بن موسى، ثنا أبو جعفرٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: يعبدونني لا يشركون بي شيئًا قال: يعبدونني.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ الحجّاج، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ يعبدونني لا يشركون بي شيئًا تلك أمّة محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: ومن كفر بعد ذلك
- حدّثنا كثير بن شهابٍ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: ومن كفر بعد ذلك يقول: من كفر بهذه النّعمة فأولئك هم الفاسقون يعنى: الكفر كفرٌ بالنّعمة وليس يعنى: الكفر باللّه عزّ وجلّ.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون بلغنا واللّه أعلم أنّه يعنى بمن كفر يقول: من كفر هذه النّعمة الّتي ذكرها وفعلها بهم فأنعم بها عليهم فأولئك هم الفاسقون
قول تعالى: فأولئك هم الفاسقون
- ذكر، عن سليمان بن حربٍ، أنبأ حمّاد بن زيدٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ فأولئك هم الفاسقون العاصون). [تفسير القرآن العظيم: 8/2627-2631]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا أبو سعيدٍ محمّد بن شاذان، حدّثني أحمد بن سعيدٍ الدّارميّ، ثنا عليّ بن الحسين بن واقدٍ، حدّثني أبي، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه قال: لمّا قدم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوسٍ واحدةٍ كانوا لا يبيتون إلّا بالسّلاح ولا يصبحون إلّا فيه، فقالوا: " ترون أنّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف إلّا اللّه؟ فنزلت: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55] إلى {ومن كفر بعد ذلك} [النور: 55] يعني بالنّعمة {فأولئك هم الفاسقون} [آل عمران: 82] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/434]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ليستخلفنّهم في الأرض} [النور: 55].
- عن أبيّ بن كعبٍ قال: لمّا قدم النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوسٍ واحدةٍ فنزلت {ليستخلفنّهم في الأرض} [النور: 55] الآية.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون * لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن البراء في قوله {وعد الله الذين آمنوا منكم} الآية، قال: فينا نزلت ونحن في خوف شديد). [الدر المنثور: 11/97]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وعبادته وحده لا شريك له سرا وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموا المدينة فأمرهم الله بالقتال وكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح فغيروا بذلك ما شاء الله ثم ان رجلا من أصحابه قال: يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغيروا إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم في املأ العظيم محتبيا ليست فيهم جديدة فأنزل الله {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} إلى آخر الآية، فاظهر الله نبيه على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السلاح ثم ان الله قبض نبيه فكانوا كذلك آمنين في امارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا وكفروا النعمة فأدخل الله عليهم الخوف الذي كان رفع عنهم واتخذوا الحجر والشرط وغيروا فغير ما بهم). [الدر المنثور: 11/97-98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيهن فقالوا: أترون انا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات} ). [الدر المنثور: 11/98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن مردويه واللفظ له والبيهقي في الدلائل عن أبي بن كعب قال: لما نزلت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات} قال: بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب). [الدر المنثور: 11/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (ليستخلفهم) بالياء (في الأرض كما استخلف) برفع التاء وكسر اللام (وليمكنن) بالياء مثقلة (وليبدلنهم) مخففة بالياء). [الدر المنثور: 11/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عطية {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} قال: أهل بيت ههنا وأشار بيده إلى القبلة). [الدر المنثور: 11/99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} قال: هو الإسلام). [الدر المنثور: 11/99-100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} قال: لا يخافون أحدا غيري). [الدر المنثور: 11/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} قال: لا يخافون أحدا غيري {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} قال: العاصون). [الدر المنثور: 11/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية {ومن كفر بعد ذلك} قال: كفر بهذه النعمة ليس الكفر بالله،، وعبد بن حميد ابن مردويه عن أبي الشعثاء قال: كنت جالسا مع حذيفة، وابن مسعود فقال حذيفة: ذهب النفاق إنما كان النفاق على عهذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو اليوم الكفر بعد الايمان فضحك ابن مسعود ثم قال: بم تقول قال: بهذه الآية {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات} إلى آخر الآية). [الدر المنثور: 11/100]

تفسير قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون (56) لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير}.
يقول تعالى ذكره: {وأقيموا} أيّها النّاس {الصّلاة} بحدودها، فلا تضيّعوها. {وآتوا الزّكاة} الّتي فرضها اللّه عليكم أهلها، وأطيعوا رسول ربّكم فيما أمركم ونهاكم. {لعلّكم ترحمون} يقول: كي يرحمكم ربّكم فينجّيكم من عذابه). [جامع البيان: 17/350]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون (56)
قوله تعالى: وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة
تقدّم تفسيرها
قوله تعالى: وأطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى بن عبيدٍ، ثنا عبد الملك، عن عطاءٍ في قوله: وأطيعوا الرّسول قال: طاعة الرّسول اتّباع الكتاب والسّنّة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: لعلكم يعني: لكي). [تفسير القرآن العظيم: 8/2631]

تفسير قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض} يقول تعالى ذكره: لا تحسبنّ يا محمّد الّذين كفروا باللّه معجزيه في الأرض إذا أراد إهلاكهم. {ومأواهم} بعد هلاكهم {النّار ولبئس المصير} الّذي يصيرون إليه ذلك المأوى.
وقد كان بعضهم يقول: لا يحسبنّ الّذين كفروا بالياء. وهو مذهبٌ ضعيفٌ عند أهل العربيّة؛ وذلك أنّ تحسب محتاجٌ إلى منصوبين. وإذا قرئ يحسبنّ لم يكن واقعًا إلاّ على منصوبٍ واحدٍ، غير أنّي أحسب أنّ قائله بالياء ظنّ أنّه قد عمل في معجزين وأنّ منصوبه الثّاني في الأرض، وذلك لا معنى له إن كان ذلك قصد). [جامع البيان: 17/350]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: لا تحسبنّ الّذين كفروا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال ابن إسحاق: لا تحسبنّ أي لا تظنّنّ.
قوله تعالى: معجزين في الأرض
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: معجزين قال: سابقين- وروى، عن قتادة مثل ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن الحسن حدّثني عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عكرمة قوله: لا تحسبنّ الّذين كفروا معاجزين يقول: مغالبين وإذا قرأت معجزين يقول: مبطئين.
قوله تعالى: ومأواهم النّار ولبئس المصير
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: ومأواهم النّار ولبئس المصير أي فلا تظنّوا أنّ لهم عاقبة نصرٍ ولا ظهور عليكم ما اعتصمتم بي واتّبعتم أمري). [تفسير القرآن العظيم: 8/2631]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض} قال: سابقين في الأرض والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 11/100]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 رجب 1434هـ/1-06-2013م, 05:23 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} [النور: 54] يعني المنافقين.
ثمّ قال: {فإن تولّوا} [النور: 54] يعني: فإن أعرضتم عنهما، وهو تفسير السّدّيّ، عن اللّه وعن الرّسول.
{فإنّما عليه ما حمّل} [النور: 54] أي من البلاغ.
{وعليكم ما حمّلتم} [النور: 54] من طاعته.
وهذا تفسير الحسن.
- وحدّثني حمّادٌ وشريكٌ، عن سماك بن حربٍ، عن علقمة بن وائلٍ الحضرميّ قال: قام يزيد بن سلمة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أرأيت إذا كان علينا أمراءٌ يأخذوننا بالحقّ ومنعوناه فكيف نصنع؟ فأخذ الأشعث بثوبه فأجلسه في حديث حمّادٍ، ثمّ قام فعاد فأخذ الأشعث بثوبه فقال: لا أزال أسأله حتّى تغيب الشّمس أو تخبرني.
فقال رسول اللّه: «إنّما عليكم ما حمّلتم وعليهم ما حمّلوا».
قوله: {وإن تطيعوه} [النور: 54] يعني النّبيّ.
{تهتدوا وما على الرّسول إلا البلاغ المبين} [النور: 54] كقوله: {وما جعلناك عليهم حفيظًا} [الأنعام: 107] تحفظ عليهم أعمالهم حتّى تجازيهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/458]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{فإن تولّوا...}

واجه القوم ومعناه: فإن تتولّوا. فهي في موضع جزم. ولو كانت لقومٍ غير مخاطبين كانت نصباً، لأنها بمنزلة قولك: فإن قاموا. والجزاء يصلح فيه لفظ فعل ويفعل،
كما قال {فإن فاءوا فإنّ الله غفورٌ رحيم} ). [معاني القرآن: 2/258]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإن تولّوا} أي اعرضوا، {فإنّما عليه} أي على الرسول {ما حمّل}: من التبليغ، {وعليكم ما حمّلتم}: من القبول.
أي ليس عليه إلّا تقبلوا). [تفسير غريب القرآن: 306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم}
والمعنى فإن تتولوا ثم حذف ويدل على أن بعده وعليكم ما حملتم ولم يقل وعليهم
والمعنى فإنما على النبي صلى الله عليه وسلم التبليغ وعليكم القبول وليس عليه أن تقبلوا). [معاني القرآن: 4/549]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم} [النور: 55] من الأنبياء والمؤمنين.
{وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم} [النور: 55] أي: سينصرهم بالإسلام حتّى يظهرهم على الدّين كلّه، فيكونوا الحكّام على أهل الأديان.
- عبد الرّحمن بن يزيد، عن سليم بن عامرٍ الكلاعيّ قال: سمعت المقداد بن الأسود يقول: سمعت رسول اللّه يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدرٍ ولا
[تفسير القرآن العظيم: 1/458]
وبرٍ إلا أدخله اللّه كلمة الإسلام بعزٍّ عزيزٍ أو ذلٍّ ذليلٍ، إمّا يعزّهم اللّه فيجعلهم من أهلها وإمّا يذلّهم اللّه فيدينون لها».
الفرات بن سلمان، عن ميمون بن مهران الجزريّ أنّ عمر بن عبد العزيز قال: اللّه أجلّ وأعظم من أن يتّخذ في الأرض خليفةً واحدًا واللّه يقول: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض} [النور: 55]، ولكنّي أثقلكم حملًا.
قال: {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55] كقوله: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم النّاس} [الأنفال: 26] فارس والرّوم.
{فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطّيّبات} [الأنفال: 26] قال: {يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] يقول: من أقام على كفره بعد هذا الّذي أنزلت: {فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55] يعني فسق الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم...}

العدة قول يصلح فيها أن وجواب اليمين. فتقول: وعدتك أن آتيك، ووعدتك لآتينّك. ومثله {ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} وإنّ أن تصلح في مثله من الكلام. وقد فسّر في غير هذا الموضع.
وقوله: {وليبدّلنّهم} قرأها عاصم بن أبي النّجود والأعمش (وليبدّلنّهم) بالتشديد. وقرأ الناس {وليبدلنّهم} خفيفة وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بدّلت فمعناه غيّرت وغيّرت حالك ولم يأت مكانك آخر. فكل ما غيّر عن حاله فهو مبدّل بالتشديد. وقد يجوز مبدل بالتخفيف وليس بالوجه: وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت: قد أبدلته كقولك (أبدل لي) هذا الدراهم أي أعطني مكانه. وبدّل جائزةً فمن قال {وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً} فكأنه جعل سبيل الخوف أمناً. ومن قال (وليبدلنّهم) بالتخفيف قال: الأمن خلاف الخوف فكأنه جعل مكان الخوف أمنا أي ذهب بالخوف وجاء بالأمن. وهذا من سعة العربية وقال أبو النجم:
* عزل الأمير للأمير المبدل *
فهذا يوضح الوجهين جميعاً). [معاني القرآن: 2/259-258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
{وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم}
وإنما جاءت اللام لأن " وعدته بكذا أو كذا " و " وعدته لأكرمنّه بمنزلة قلت لأن الوعد لا ينعقد إلا بقول.
ومعنى ليستخلفهم في الأرض، أي ليجعلنّهم يخلفون من بعدهم من المؤمنين فاستخلف الذّين من قبلهم.
وقرئت {كما استخلف الذين من قبلهم}.
{وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم}.
يعني به الإسلام.
{وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا} وقرئت {وليبدلنّهم}.
وقوله: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} يجوز أن يكن مستأنفا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، على معنى وعد اللّه المؤمنين في حال عبادتهم وإخلاصهم للّه - عزّ جل -
ليفعلنّ بهم.
ويجوز أن يكون استئنافا على طريق الثناء عليهم وتثبيتا كأنّه قال: يعبدني المؤمنون لا يشركون بي شيئا). [معاني القرآن: 4/51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض}
جاء باللام لأن معنى وعد وقال واحد
والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام). [معاني القرآن: 4/550]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأقيموا الصّلاة} [النور: 56] الصّلوات الخمس، وإقامتها أن تحافظ على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها.
{وآتوا الزّكاة} [النور: 56] يعني الزّكاة المفروضة.
{وأطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون} [النور: 56] لكي ترحموا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك رحمتم). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لعلّكم ترحمون} واجبة من الله).
[مجاز القرآن: 2/69]


تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض} [النور: 57] قال قتادة: سابقين في الأرض.
{ومأواهم النّار ولبئس المصير} [النور: 57] أي: لا تحسبنّهم يسبقوننا حتّى لا تقدر عليهم فنحاسبهم، وحسابهم أن يكون {ومأواهم النّار ولبئس المصير} [النور: 57] المرجع.
والمأوى، المنزل). [تفسير القرآن العظيم: 1/459]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{لا تحسبنّ الّذين كفروا...}

قرأها حمزة (لا يحسبنّ) بالياء ها هنا. وموضع (الذين) رفع. وهو قليل أن تعطّل (أظنّ) من الوقوع على أن أو على اثنين سوى مرفوعها. وكأنه جعل {معجزين} اسماً،
وجعل {في الأرض} خبراً لهم؛ كما تقول: لا تحسبنّ الذين الذين كفروا رجالا في بيتك، وهم يريدون أنفسهم. وهو ضعيف في العربية.
والوجه أن تقرأ بالتاء لكون الفعل واقعاً على (الذين) وعلى (معجزين) كذلك قرأ حمزة في الأنفال (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا) ). [معاني القرآن: 2/259]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير}
القراءة بالتاء على معنى: لا تحسبنّ يا محمد الكافرين معجزين، أي قدرة اللّه محيطة بهم وقرئت: لا يحسبن على حذف المفعول الأول من يحسبن على معنى لا يحسبن الذين كفروا إياهم معجزين في الأرض، كما تقول زيد حسبه، فإنما تريد حسب نفسه قائما، وكأنه لا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم معجزين، وهذا في باب ظننت، تطرح فيه النفس يقال ظننتني أفعل، ولا يقال ظننت نفسي أفعل، ولا يجوز ضربتني، استغني عنها بضربت نفسي). [معاني القرآن: 4/52]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض}
أي هم في قبضة الله عز وجل). [معاني القرآن: 4/550]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23 رجب 1434هـ/1-06-2013م, 05:37 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يختار فيه حذف الواو والياء من هذه الهاءات
اعلم أنه إذا كان قبل هاء المذكر ياءٌ ساكنة، أو واو ساكنة، أو ألف كان الذي يختار حذف الواو والياء بعدها.
وذلك؛ لأن قبلها حرف لين، وهي خفية، وبعدها حرف لين، فكرهوا اجتماع حرفين ساكنين كلاهما حرف لين ليس بينهما إلا حرف خفي، مخرجه مخرج الألف وهي إحدى هذه الثلاث.
وذلك قوله {فألقى موسى عصاه} و{عليه ما حمل} وفيه بصائر ورأيت قفاه يا فتى.
وإن أتممت فعربي حسن، وهو الأصل، وهو الاختيار، لما ذكرت لك. فإن كان قبل الهاء حرف ساكن ليس من هذه الحروف، فإن سيبويه والخليل يختاران الإتمام.
والحذف عندي أحسن. وذلك قوله {منه آياتٌ محكماتٌ}، ومن لدنه يا فتى، في إلا ....
وسيبويه، والخليل يختازان إتمام الواو، لما ذكرت لك، فالإتمام عندهما أجود، لأنها قد خرجت من حروف اللين تقول رأيت ... يا فتى). [المقتضب: 1/401]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قال قائل: فما بالكم إذا قلتكم: رأيتكم حذفتم الواو، ولم تثبتوا الحركة؟ قيل: لأن الضمة في الاستثقال مع هذا كالواو، وإنما بقيت الحركة في الواحد في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ} و{عليه ما حمل}، لأن ما قبل الهاء ساكن فلم يجوز إسكانها، فيلتقي ساكنان). [المقتضب: 1/403] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) }

تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 12:33 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 12:33 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 12:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل أطيعوا الله} الآية مخاطبة لأولئك المنافقين وغيرهم من الكفار وكل من يستعلي عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: "تولوا" معناه: تتولوا، محذوف التاء الواحدة، يدل على ذلك قوله تعالى: {وعليكم ما حملتم}، ولو جعلنا "تولوا" فعلا ماضيا وقدرنا في الكلام خروجا من خطاب الحاضر إلى ذكر الغائب لاقتضى الكلام أن يكون بعد ذلك: "وعليهم ما حملوا". والذي حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التبليغ ومكافحة الناس بالرسالة وإعماله الجهد في إنذارهم، والذي حمل الناس هو السمع والطاعة واتباع الحق. وباقي الآية بين.
وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، ونافع -رواية ورش -: "ويتقهي" بياء بعد الهاء، قال أبو علي: وهو الوجه، وقرأ قالون عن نافع: "ويتقه" بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء، وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وعاصم -في رواية أبي بكر -: "ويتقه" جزما للهاء، وقرأ حفص عن عاصم: "ويتقه" بسكون وكسر الهاء). [المحرر الوجيز: 6/404]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير}
قرأ الجمهور: "استخلف" على بناء الفعل للمفعول، وروي أن سبب هذه الآية أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدو، وما كانوا فيه من الخوف على
[المحرر الوجيز: 6/404]
أنفسهم، وأنهم لا يضعون أسلحتهم، فنزلت هذه الآية عامة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: "في الأرض" يريد: في البلاد التي تجاورهم والأصقاع التي قضى بامتدادهم إليها، واستخلافهم هو أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها كما جرى في الشام وفي العراق وخراسان والمغرب، وقال الضحاك في كتاب النقاش: هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور.
واللام في قوله تعالى: "ليستخلفنهم" لام القسم. وقرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر: "وليبدلنهم" بفتح الباء وشد الدال، وقرأ ابن كثير، وعاصم -في رواية أبي بكر - والحسن، وابن محيصن بسكون الباء وتخفيف الدال، وجاء في معنى تبديل خوفهم بالأمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أصحابه: أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلام؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغبرون إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس فيه حديدة، وقوله: "يعبدونني" فعل مستأنف، أي هم
[المحرر الوجيز: 6/405]
يعبدونني، وقوله: "ومن كفر" يريد: كفر هذه النعم إذا وقعت، ويكون الفسق -على هذا- غير المخرج عن الملة، قال بعض الناس في كتاب الطبري: ظهر ذلك في قتلة عثمان رضي الله عنه، ويحتمل أن يريد الكفر والفسق المخرجين عن الملة، وهو ظاهر قول حذيفة بن اليمان، فإنه قال: كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نفاق وقد ذهب ولم يبق إلا كفر بعد إيمان). [المحرر الوجيز: 6/406]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ولما قدم تعالى عمل الصالحات بينها في هذه الآية، فنص على عظمها وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وعم بطاعة الرسول لأنها عامة لجميع الطاعات. و"لعلكم" معناه: في حقكم ومعتقدكم.
ثم أنحى القول على الكفرة بأن نبه على أنهم ليسوا بمفلتين من عذاب الله تعالى). [المحرر الوجيز: 6/406]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور السبعة: "لا تحسبن" بالتاء على المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقرأها الحسن بن أبي الحسن بفتح السين، وقرأ حمزة، وابن عامر: "لا يحسبن" بالياء، قال أبو علي: وذلك يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون التقدير: لا يحسبن محمد، والآخر أن يسند الفعل إلى الذين كفروا والمفعول أنفسهم، وأعجز الرجل إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه، ثم أخبر بأن مأواهم النار، وأنها بئس الخاتمة والمصير). [المحرر الوجيز: 6/406]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 05:52 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 05:58 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} أي: اتّبعوا كتاب اللّه وسنة رسوله.
وقوله: {فإن تولّوا} أي: تتولّوا عنه وتتركوا ما جاءكم به، {فإنّما عليه ما حمّل} أي: إبلاغ الرّسالة وأداء الأمانة، {وعليكم ما حمّلتم} أي: من ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه، {وإن تطيعوه تهتدوا}، وذلك لأنّه يدعو إلى صراطٍ مستقيمٍ {صراط اللّه الّذي له ما في السّموات وما في الأرض ألا إلى اللّه تصير الأمور} [الشّورى: 53].
وقوله: {وما على الرّسول إلا البلاغ المبين} كقوله: {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرّعد: 40]، وقوله {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ لست عليهم بمسيطرٍ} [الغاشية: 21، 22].
وقال وهب بن منبّه: أوحى اللّه إلى نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل -يقال له: شعياء -أن قم في بني إسرائيل فإنّي سأطلق لسانك بوحيٍ. فقام فقال: يا سماء اسمعي، ويا أرض انصتي، فإنّ اللّه يريد أن يقضي شأنًا ويدبّر أمرًا هو منفّذه، إنّه يريد أن يحوّل الرّيف إلى الفلاة، والآجام في الغيطان، والأنهار في الصّحاري، والنّعمة في الفقراء، والملك في الرّعاة، ويريد أن يبعث أمّيًّا من الأمّيّين، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخّاب في الأسواق، لو يمرّ إلى جنب السّراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه. أبعثه مبشّرا ونذيرًا، لا يقول الخنا، أفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وأسدّده لكلّ أمرٍ جميلٍ، وأهب له كلّ خلقٍ كريمٍ، وأجعل السّكينة لباسه، والبرّ شعاره، والتّقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصّدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحقّ شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملّته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضّلالة، وأعلّم به من الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأعرف به بعد النّكرة، وأكثّر به بعد القلّة وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلّف به بين أممٍ متفرّقةٍ، وقلوبٍ مختلفةٍ، وأهواءٍ متشتّتةٍ، وأستنقذ به فئامًا من النّاس عظيمًا من الهلكة، وأجعل أمّته خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، موحّدين مؤمنين مخلصين، مصدّقين بما جاءت به رسلي. رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير ابن كثير: 6/ 76-77]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (55)}
هذا وعدٌ من اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. بأنّه سيجعل أمّته خلفاء الأرض، أي: أئمة النّاس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنّ بعد خوفهم من النّاس أمنًا وحكمًا فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك. وله الحمد والمنّة، فإنّه لم يمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى فتح اللّه عليه مكّة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها. وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشّام، وهاداه هرقل ملك الرّوم وصاحب مصر والإسكندريّة -وهو المقوقس -وملوك عمان والنّجاشيّ ملك الحبشة، الّذي تملّك بعد أصحمة، رحمه اللّه وأكرمه.
ثمّ لـمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واختار اللّه له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكرٍ الصّدّيق، فلمّ شعث ما وهى عند موته، عليه الصّلاة والسّلام وأطّد جزيرة العرب ومهّدها، وبعث الجيوش الإسلاميّة إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد، رضي اللّه عنه، ففتحوا طرفًا منها، وقتلوا خلقًا من أهلها. وجيشًا آخر صحبة أبي عبيدة، رضي اللّه عنه، ومن معه من الأمراء إلى أرض الشّام، وثالثًا صحبة عمرو بن العاص، رضي اللّه عنه، إلى بلاد مصر، ففتح اللّه للجيش الشّاميّ في أيّامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها، وتوفّاه اللّه عزّ وجلّ، واختار له ما عنده من الكرامة. ومنّ على الإسلام وأهله بأن ألهم الصّدّيق أن استخلف عمر الفاروق، فقام في الأمر بعده قيامًا تامًّا، لم يدر الفلك بعد الأنبياء [عليهم السّلام] على مثله، في قوّة سيرته وكمال عدله. وتمّ في أيّامه فتح البلاد الشّاميّة بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكسّر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصّر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشّام فانحاز إلى قسطنطينة، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول اللّه، عليه من ربّه أتمّ سلامٍ وأزكى صلاةٍ.
ثمّ لـمّا كانت الدّولة العثمانيّة، امتدّت المماليك الإسلاميّة إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك: الأندلس، وقبرص، وبلاد القيروان، وبلاد سبتة ممّا يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصّين، وقتل كسرى، وباد ملكه بالكلّيّة. وفتحت مدائن العراق، وخراسان، والأهواز، وقتل المسلمون من التّرك مقتلةً عظيمةً جدًّا، وخذل اللّه ملكهم الأعظم خاقان، وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه. وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمّة على حفظ القرآن؛ ولهذا ثبت في الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ اللّه زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها" فها نحن نتقلّب فيما وعدنا اللّه ورسوله، وصدق اللّه ورسوله، فنسأل اللّه الإيمان به، وبرسوله، والقيام بشكره على الوجه الّذي يرضيه عنّا.
قال الإمام مسلم بن الحجّاج: حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا يزال أمر النّاس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلًا". ثمّ تكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بكلمةٍ خفيت عنّي فسألت أبي: ماذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال: "كلّهم من قريشٍ".
ورواه البخاريّ من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عميرٍ، به
وفي روايةٍ لمسلمٍ أنّه قال ذلك عشيّة رجم ماعز بن مالكٍ، وذكر معه أحاديث أخر
وهذا الحديث فيه دلالةٌ على أنّه لا بدّ من وجود اثني عشر خليفةً عادلًا وليسوا هم بأئمّة الشّيعة الاثني عشر فإنّ كثيرًا من أولئك لم يكن إليهم من الأمر شيءٌ، فأمّا هؤلاء فإنّهم يكونون من قريشٍ، يلون فيعدلون. وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدّمة، ثمّ لا يشترط أن يكون متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمّة متتابعًا ومتفرّقًا، وقد وجد منهم أربعةٌ على الولاء، وهم أبو بكرٍ، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليٌّ، رضي اللّه عنهم. ثمّ كانت بعدهم فترةٌ، ثمّ وجد منهم ما شاء اللّه، ثمّ قد يوجد منهم من بقي في وقتٍ يعلمه اللّه. ومنهم المهديّ الّذي يطابق اسمه اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكنيته كنيته، يملأ الأرض عدلًا وقسطًا، كما ملئت جورًا وظلمًا.
وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، من حديث سعيد بن جمهان، عن سفينة -مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يكون ملكًا عضوضا".
وقال الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} الآية، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بمكّة نحوًا من عشر سنين، يدعون إلى اللّه وحده، وعبادته وحده لا شريك له سرًّا وهم خائفون، لا يؤمرون بالقتال، حتّى أمروا بعد بالهجرة إلى المدينة، فقدموا المدينة، فأمرهم اللّه بالقتال، فكانوا بها خائفين يمسون في السّلاح ويصبحون في السلاح، فغيّروا بذلك ما شاء اللّه. ثمّ إنّ رجلًا من أصحابه قال: يا رسول اللّه، أبد الدّهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يومٌ نأمن فيه ونضع عنّا [فيه] السّلاح؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لن تغبروا إلّا يسيرًا حتّى يجلس الرّجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست فيهم حديدةٌ". وأنزل اللّه هذه الآية، فأظهر اللّه نبيّه على جزيرة العرب، فأمنوا ووضعوا السّلاح. ثمّ إنّ اللّه، عزّ وجلّ، قبض نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكرٍ وعمر وعثمان حتّى وقعوا فيما وقعوا، فأدخل [اللّه] عليهم الخوف فاتّخذوا الحجزة والشّرط وغيّروا، فغيّر بهم.
وقال بعض السّلف: خلافة أبي بكرٍ وعمر، رضي اللّه عنهما، حقٌّ في كتابه، ثمّ تلا هذه الآية.
وقال البراء بن عازبٍ: نزلت هذه الآية، ونحن في خوفٍ شديدٍ.
وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم النّاس فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطّيّبات لعلّكم تشكرون} [الأنفال: 26].
وقوله: {كما استخلف الّذين من قبلهم} كما قال تعالى عن موسى، عليه السّلام، أنّه قال لقومه: {عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} [الأعراف: 129]، وقال تعالى: {ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّةً ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [القصص: 5، 6].
وقوله: {وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا}، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعديّ بن حاتمٍ، حين وفد عليه: "أتعرف الحيرة؟ " قال: لم أعرفها، ولكن قد سمعت بها. قال: "فوالّذي نفسي بيده، ليتمنّ اللّه هذا الأمر حتّى تخرج الظّعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحدٍ، ولتفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز". قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: "نعم، كسرى بن هرمز، وليبذلنّ المال حتّى لا يقبله أحدٌ". قال عديّ بن حاتمٍ: فهذه الظّعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحدٍ، ولقد كنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، والّذي نفسي بيده، لتكوننّ الثّالثة؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قالها.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا سفيان، عن أبي سلمة، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بشّر هذه الأمّة بالسّناء والرّفعة، والدّين والنّصر والتّمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدّنيا، لم يكن له في الآخرة نصيبٌ".
وقوله: {يعبدونني لا يشركون بي شيئًا} قال الإمام أحمد:
حدّثنا عفّان، حدّثنا همامٌ، حدّثنا قتادة عن أنسٍ، أنّ معاذ بن جبلٍ حدّثه قال: بينا أنا رديف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليس بيني وبينه إلّا آخرة الرّحل، قال: "يا معاذ"، قلت: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك. قال: ثمّ سار ساعةً، ثمّ قال: "يا معاذ بن جبلٍ "، قلت: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك. [ثمّ سار ساعةً، ثمّ قال: "يا معاذ بن جبلٍ"، قلت: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك"]. قال: "هل تدري ما حقّ اللّه على العباد"؟ قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: " [فإنّ] حقّ اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا". قال: ثمّ سار ساعةً. ثمّ قال: "يا معاذ بن جبلٍ"، قلت: لبّيك يا رسول اللّه وسعديك. قال: "فهل تدري ما حقّ العباد على اللّه إذا فعلوا ذلك"؟، قال: قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: "فإنّ حقّ العباد على اللّه أن لا يعذّبهم".
أخرجاه في الصّحيحين من حديث قتادة.
وقوله: {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} أي: فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك، فقد فسق عن أمر ربّه وكفى بذلك ذنبًا عظيمًا. فالصّحابة، رضي اللّه عنهم، لمّا كانوا أقوم النّاس بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأوامر اللّه عزّ وجلّ، وأطوعهم للّه -كان نصرهم بحسبهم، وأظهروا كلمة اللّه في المشارق والمغارب، وأيّدهم تأييدًا عظيمًا، وتحكّموا في سائر العباد والبلاد. ولمّا قصّر النّاس بعدهم في بعض الأوامر، نقص ظهورهم بحسبهم، ولكن قد ثبت في الصّحيحين، من غير وجهٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى اليوم القيامة" وفي روايةٍ: "حتّى يأتي أمر اللّه، وهم كذلك ". وفي روايةٍ: "حتّى يقاتلوا الدّجّال". وفي روايةٍ: "حتّى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون". وكل هذه الرّوايات صحيحةٌ، ولا تعارض بينها). [تفسير ابن كثير: 6/ 77-81]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون (56) لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير (57)}.
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بإقام الصّلاة، وهي عبادة اللّه وحده لا شريك له، وإيتاء الزّكاة، وهي: الإحسان إلى المخلوقين ضعفائهم وفقرائهم، وأن يكونوا في ذلك مطيعين للرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، أي: سالكين وراءه فيما به أمرهم، وتاركين ما عنه زجرهم، لعلّ اللّه يرحمهم بذلك. ولا شكّ أنّ من فعل ذلك أنّ اللّه سيرحمهم، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {أولئك سيرحمهم اللّه} [التّوبة: 71]). [تفسير ابن كثير: 6/ 81]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله {لا تحسبنّ} أي: [لا تظنّ] يا محمّد {الّذين كفروا} أي: خالفوك وكذّبوك، {معجزين في الأرض} أي: لا يعجزون اللّه، بل اللّه قادرٌ عليهم، وسيعذّبهم على ذلك أشدّ العذاب؛ ولهذا قال: {ومأواهم} أي: في الدّار الآخرة {النّار ولبئس المصير} أي: بئس المآل مآل الكافرين، وبئس القرار وبئس المهاد). [تفسير ابن كثير: 6/ 81]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة