{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أولم ير الّذين كفروا} [الأنبياء: 30] هذا على الخبر في تفسير الحسن.
وقال السّدّيّ: {أولم ير} [الأنبياء: 30] يعني: أو لم يعلم الّذين كفروا.
{أنّ السّموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما} [الأنبياء: 30] كانتا ملتزقتين إحداهما على الأخرى في تفسير الحسن، {ففتقناهما} [الأنبياء: 30] فوضع الأرض، ورفع السّماء.
وقال الكلبيّ: إنّ السّماء كانت رتقًا لا ينزل منها ماءً، ففتقها اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/308]
بالماء، وفتق الأرض بالنّبات.
وتفسير قتادة: كانتا جميعًا، ففصل اللّه بينهما بهذا الهواء فجعله بينهنّ.
وتفسير مجاهدٍ: كنّ مطبقاتٍ ففتقهنّ، أحسبه قال: بالمطر.
وقاله غيره.
قال مجاهدٌ: ولم تكن السّماء والأرض متماسّتين.
وفي حديث المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: كنّ منطبقاتٍ ففتقهنّ.
قوله: {وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون} [الأنبياء: 30] يعني المشركين.
وكلّ شيءٍ حيٍّ فإنّما خلق من الماء.
- حدّثني همّامٌ، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة أنّه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، إنّي إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني، فأنبئني عن كلّ شيءٍ.
فقال: «كلّ شيءٍ خلق من الماء»
- قلت: أنبئني بعملٍ إذا أخذت به دخلت الجنّة.
قال: «أفش السّلام، وأطب الكلام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيامٌ، وادخل الجنّة بسلامٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/309]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما...}
فتقت السماء بالقطر والأرض بالنبت (وقال) {كانتا رتقاً} ولم يقل: رتقين (وهو) كما قال {مهما جعلناهم جسداً}.
وقوله: {وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ} خفض ولو كانت: حيّا كان صوابا أي جعلنا كلّ شيء حيّاً من الماء). [معاني القرآن: 2/201]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنّ السّموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما} فالسموات جميع والأرض واحدة فخرج لفظ صفةٍ الجميع على تقدير لفظ صفة الواحد كما ترى ولم يجيء: " أنّ السموات والأرض كنّ رتقاً " ولا " ففتقاهن "، والعرب قد تفعل هذا إذا كان جميع مواتٍ أو جميع حيوانٍ ثم أشركوا بينه وبين واحد من الموات أو من الحيوان جعلوا لفظ صفتهما أو لفظ خبرهما على لفظ الاثنين،
وقال الأسود بن يعفر:
أن المنيّة والحتوف كلاهما=يوفى المخارم يرقبان سوادي
فجميع وواحد جعلهما اثنين،
وقال الراعي:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده= همّان باتا جنبةً ودخيلا
[مجاز القرآن: 2/36]
ثم جعل الاثنين جميعا فقال:
طرقا فتلك هماهمي أفريهما= قلصاً لواقح كالقسيّ وحولا
فجعل الهماهم وهي جميع واحدا وجعل الهمين جميعاً وهما اثنان وأنشدني غالبٌ أبو علي النفيلي للقطامي.
ألم يحزنك أن حبال قيسٍ=وتغلب قد تباينتا انقطاعا
فجعل " حبال قيس " وهي جميع وحبال تغلب وهي جميع اثنين). [مجاز القرآن: 2/37]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كانتا رتقاً} مجازه مجاز المصدر الذي يوصف بلفظه الواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر سواء،
ومعنى الرتق الذي ليس فيه ثقب ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر). [مجاز القرآن: 2/37]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أولم ير الّذين كفروا أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ أفلا يؤمنون}
وقال: {أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقاً} قال: {كانتا} لأنه جعلهما صنفين كنحو قول العرب: "هما لقاحان سودان"
وفي كتاب الله عز وجل: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا}.
وقال الشاعر:
رأوا جبلاً فوق الجبال إذا التقت = رؤوس كبيريهنّ ينتطحان
فقال "رؤوس" ثم قال "ينتطحان" وذا نحو قول العرب "الجزرات" و"الطرقات" فيجوز في ذا أن تقول: "طرقان" للاثنين و"جزران" للاثنين.
وقال الشاعر:
وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم = خضع الرّقاب نواكسي الأبصار
والعرب تقول: "مواليات" و"صواحبات يوسف". فهؤلاء قد كسروا فجمعوا "صواحب" وهذا المذهب يكون فيه المذكر "صواحبون"، ونظيره "نواكسي".
وقال بعضهم "نواكس" في موضع جرّ كما تقول "حجر ضبٍّ خربٍ"). [معاني القرآن: 3/6-7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({رتقا}: مسدودا والأنثى فيه والذكر والجميع سواء، والرتقة السداد
{ففتقناهما}: فتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات). [غريب القرآن وتفسيره: 254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كانتا رتقاً} أي كانتا شيئا واحدا ملتئما. ومنه يقال: هو يرتق الفتق، أي يسدّه. وقيل للمرأة: رتقاء.
{ففتقناهما} يقال: كانتا مصمتتين، ففتقنا السماء بالمطر، والأرض بالنبات). [تفسير غريب القرآن: 285-286]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرؤية: عِلْم، كقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} أي: ألم يعلموا).[تأويل مشكل القرآن: 499]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {أولم ير الّذين كفروا أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ أفلا يؤمنون}
قال (كانتا) لأن السّماوات يعبر عنها بلفظ الواحد، وأن السّماوات كانتا سماء واحدة، وكذلك الأرضون كانت أرضا واحدة، فالمعنى أن السّماوات كانتا سماء واحدة مرتتقة ليس فيها ماء، ففتق اللّه السماء فجعلها سبعا وجعل الأرض سبع أرضين.
وجاء في التفسير أن السماء فتقت بالمطر، والأرض بالنبات، ويدلّ على أنه يراد بفتقها كون المطر فيها قوله - عزّ وجلّ -: {وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ}.
وقيل {رتقا} ولم يقل رتقين، لأن الرتق مصدر.
المعنى كانتا ذواتي رتق فجعلتا ذواتي فتق.
ودلّهم بهذا على توحيده - جلّ وعزّ - ثم بكّتهم فقال: (أفلا يؤمنون) ). [معاني القرآن: 3/390-389]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {كانتا رتقا} أي: مصمتة، ففتقت السماء بالمطر، وفتقت الأرض بالنبات). [ياقوتة الصراط: 360-359]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كانتا رَتْقًا}: أي ملتئمة. {فَفَتَقْنَاهُمَا}: أي السماء بالمطر والأرض بالنبات. وقيل: فتق من السماء سبع سموات،
ومن الأرض سبع أرضين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَتْقاً}: مسدودة.
{فَفَتَقْنَاهما}: السماء بالمطر والأرض بالنبات). [العمدة في غريب القرآن: 206-207]
تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلنا في الأرض رواسي} [الأنبياء: 31] يعني الجبال.
{أن تميد بهم} [الأنبياء: 31] لأن لا تحرّك بهم.
{وجعلنا فيها فجاجًا سبلا} [الأنبياء: 31] قال قتادة: طرقًا أعلامًا.
{لعلّهم يهتدون} [الأنبياء: 31] لكي يهتدوا الطّرق.
[تفسير القرآن العظيم: 1/309]
وقال السّدّيّ: لعلّهم يعرفون الطّرق). [تفسير القرآن العظيم: 1/310]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فجاجاً} الفجاج المسالك واحدها فج، وقال العجاج لحميد الأرقط: " الغجاج "، وتنازعا أرجوزتين على الطاء،
فقال له الحميد: الخلاط يا أبا الشعثاء، فقال له العجاج. الفجاج أوسع من ذلك يابن أخي، أي لا تخلط أرجوزتي بأرجوزتك). [مجاز القرآن: 2/37]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والفجاج): المسالك واحدها فج). [غريب القرآن وتفسيره: 254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك جعلوا (عسى) شكّا ويقينا، (ولعلّ) شكّا ويقينا. كقوله: {فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}،
أي ليهتدوا). [تأويل مشكل القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقول: {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلّهم يهتدون}
المعنى كراهة أن تميد بهم، وقال قوم: معناه ألا تميد بهم.
والمعنى كذلك، إلا أن " لا " لا تضمر والاسم المضاف يحذف، وكراهة أن تميد بهم يؤدي عن معنى ألّا تميد بهم.
ومعنى تميد في اللغة تدور، ويقال للذي يدار به إذا ركب البحر مائد. وميدى والرواسي تعني الجبال الثوابت.
(وجعلنا فيها فجاجا سبلا) فجاج: جمع فجّ، وهو كل منخرق بين جبلين، وسبلا: طرقا). [معاني القرآن: 3/390]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الفِجاج}: الطرق). [العمدة في غريب القرآن: 207]
تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلنا السّماء سقفًا محفوظًا} [الأنبياء: 32] على من تحتها، محفوظًا من كلّ شيطانٍ رجيم كقوله: {وحفظناها من كلّ شيطانٍ رجيمٍ} [الحجر: 17].
وإنّما كانت هاهنا محفوظًا لأنّه قال: {سقفًا محفوظًا} [الأنبياء: 32]، فوقع الحفظ فيها على السّقف، وفي الآية الأخرى على السّماء.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: هي سقفٌ محفوظٌ، وموجٌ مكفوفٌ.
قوله: {وهم عن آياتها} [الأنبياء: 32] تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: يعني الشّمس، والقمر، والنّجوم.
{معرضون} [الأنبياء: 32] لا يتفكّرون فيما يرون فيها، فيعرفون أنّ لهم معادًا فيؤمنوا.
وقال في آيةٍ أخرى: {قل انظروا ماذا في السّموات والأرض وما تغني الآيات والنّذر عن قومٍ لا يؤمنون} [يونس: 101] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/310]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعلنا السّماء سقفاً مّحفوظاً...}
ولو قيل: محفوظة يذهب بالتأنيث إلى السّماء وبالتذكير إلى السقف كما قال {أمنةً نعاساً تغشى} و(يغشى) وقيل (سقفاً) وهي سموات لأنها سقف على الأرض كالسّقف على البيت.
ومعنى قوله {مّحفوظاً}: حفظت (من الشياطين) بالنجوم.
وقوله: {وهم عن آياتها معرضون} فآياتها قمرها وشمسها ونجومها. قد قرأ مجاهد (وهم عن آياتها معرضون) فوحّد (وجعل) السماء بما فيها آية وكلٌ صواب). [معاني القرآن: 2/201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سقفاً محفوظاً} من الشياطين، بالنجوم.
{وهم عن آياتها معرضون} أي عمّا فيها: من الأدلة والعبر). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وجعلنا السّماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون}
حفظه اللّه من الوقوع على الأرض (إلا بإذنه) وقيل محفوظا، أي محفوظا بالكواكب كما قال عزّ وجلّ: {إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كلّ شيطان مارد }.
{وهم عن آياتنا معرضون}.
معناه وهم عن شمسها وقمرها ونجومها، وقد قرئت عن آيتها، وتأويله أن الآية فيها في نفسها أعظم آية لأنها ممسكة بقدرته عزّ وجلّ، وقد يقال للذي ينتظم علامات كثيرة آية،
يراد به أنه بجملته دليل على توحيد اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/390-391]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي خلق اللّيل والنّهار والشّمس والقمر كلٌّ في فلكٍ يسبحون} [الأنبياء: 33] قال قتادة: في فلك السّماء.
حدّثني الصّلت بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن عوفٍ البكاليّ قال: إنّ السّماء خلقت مثل القبّة، وإنّ الشّمس والقمر والنّجوم ليس منها شيءٌ لازقٌ، وإنّها تجري في فلكٍ دون السّماء، وإنّ أقرب الأرض إلى السّماء بيت المقدس باثني عشر ميلًا، وإنّ أبعد الأرض من السّماء الأبلّة.
- همّامٌ، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/310]
الشّمس والقمر وجوههما إلى السّماء، وأقفاؤهما إلى الأرض يضيئان في السّماء كما يضيئان في الأرض ثمّ تلا هذه الآية: {ألم تروا كيف خلق اللّه سبع سمواتٍ طباقًا {15} وجعل القمر فيهنّ نورًا وجعل الشّمس سراجًا {16}} [نوح: 15-16]
- وحدّثني ابن لهيعة، عن أبي قبيلٍ، عن يزيد بن أبي جحض قال: قلت لعبد اللّه بن عمرٍو: ما بال الشّمس تصلانا أحيانًا وتبرد أحيانًا؟ قال: أمّا في الشّتاء فهي في السّماء الخامسة، وأمّا في الصّيف فهي في السّماء السّابعة فقلت: إنّما كنّا نراها في هذه السّماء الدّنيا.
قال: لو كانت في هذه السّماء الدّنيا لم يقم لها شيءٌ.
الحسن، عن صاحبٍ له، عن الأعمش ذكره بإسناده قال: إنّ الشّمس أدنيت من أهل الأرض في الشّتاء لينتفعوا بها، ورفعت في الصّيف لئلا يؤذيهم حرّها.
قوله: {كلٌّ في فلكٍ يسبحون} [الأنبياء: 33] حدّثني المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: {يسبحون} [الأنبياء: 33] يدورون كما يدور فلك المغزل.
وتفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {يسبحون} [الأنبياء: 33]، يجرون كهيئة حديدة الرّحى.
وفي تفسير الحسن: إنّ الشّمس والقمر والنّجوم في طاحونةٍ بين السّماء والأرض كهيئة فلك المغزل يدورون فيها، ولو كانت ملتصقةً في السّماء لم تجر.
[تفسير القرآن العظيم: 1/311]
وقال الكلبيّ: {يسبحون} [الأنبياء: 33] يجرون.
قال: وأخبرني عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال في قوله: {الشّمس والقمر بحسبانٍ} [الرحمن: 5] قال: حسبانٌ كحسبان الرّحى). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقال: {في فلكٍ يسبحون...}
لغير الآدميّين للشمس والقمر والليل والنهار، وذلك أن السّباحة من أفعال الآدميين فقيلت: بالنون، كما قيل: {والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} لأنّ السجود من أفعال الآدميّين. ويقال: إن الفلك موج مكفوف يجرين فيه). [معاني القرآن: 2/201]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كلٌّ في فلكٍ يسبحون} الفلك: القطب الذي تدور به النجوم قال:
باتت تناصي الفلك الدوارا= حتى الصباح تعمل الأقتارا).
[مجاز القرآن: 2/38]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يسبحون} أي يجرون، و " كل " تقع صفته وخبره وفعله على لفظ الواحد لأن لفظه لفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع لأن معناه معنى الجميع وكذلك " كلاهما "
قال الشاعر:
أن المنيّة والحتوف كلاهما= يوفى المخارم يرقبان سوادي
قال " يوفى " على لفظ الواحد ثم عاد إلى المعنى فجعله اثنين فقال: يرقبان سوادي، ومعنى كل المستعمل يقع أيضاً على الآدميين فجاء هنا في غير جنس الآدميين والعرب قد تفعل ذلك قال النابغة الجعدي:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه= إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوّبوا
وفي رواية أخرى: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} وفي آية أخرى: {والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} وفي آية أخرى: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم} ). [مجاز القرآن: 2/38]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهو الّذي خلق اللّيل والنّهار والشّمس والقمر كلّ في فلك يسبحون}
{كلّ في فلك يسبحون} قيل يسبحون كما يقال لما يعقل، لأن هذه الأشياء وصفت بالفعل كما يوصف من يعقل، كما قالت العرب - في رواية جميع النحويين –
أكلوني البراغيث لما وصفت بالأكل قيل أكلوني.
قال الشاعر:
شربت بها والدّيك يدعو صباحه= إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا).
[معاني القرآن: 3/391]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون} [الأنبياء: 34] على الاستفهام، أي: لا يخلدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفإن مّتّ فهم الخالدون...}
دخلت الفاء في الجزاء وهو (إن) وفي جوابه؛ لأن الجزاء متّصل بقرآن قبله. فأدخلت فيه ألف الاستفهام على الفاء من الجزاء. ودخلت الفاء في قوله (فهم) فإنه جواب للجزاء.
ولو حذفت الفاء من قوله (فهم) كان صواباً من وجهين أحدهما أن تريد الفاء فتضمرها، لأنها لا تغّير (هم) عن رفعها فهناك يصلح الإضمار.
والوجه الآخر أن يراد تقديم (هم) إلى الفاء فكأنّه قيل: أفهم الخالدون إن متّ). [معاني القرآن: 2/202]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون}
{أفإن متّ فهم الخالدون} يقرأ متّ بضم الميم، ومتّ بكسرها، وأكثر القراء بالضم.
وقد فسرنا ما في هذا الباب.
والفاء دخلت على " إن " جواب الجزاء، كما تدخل في قولك: إن زرتني فأنا أخوك، ودخلت الفاء على " هم " لأنها جواب (إن) ). [معاني القرآن: 3/391-392]
تفسير قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً} [الأنبياء: 35] قال قتادة: بالشّدّة والرّخاء.
{فتنةً} [الأنبياء: 35] أي: بلاءٌ، أي: اختبارٌ.
{وإلينا ترجعون} [الأنبياء: 35] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت...}
ولو نوّنت في (ذائقة) ونصبت (الموت) كان صواباً. وأكثر ما تختار العرب التنوين والنصب في المستقبل. فإذا كان معناه ماضيا لم يكادوا يقولون إلاّ بالإضافة.
فأمّا المستقبل فقولك: أنا صائم يوم الخميس إذا كان خميساً مستقبلاً. فإن أخبرت عن صوم يوم خميس ماضٍ قلت: أنا صائم يوم الخميس فهذا وجه العمل.
ويختارون أيضاً التنوين. إذا كان مع الجحد. من ذلك قولهم: ما هو بتاركٍ حقّه، وهو غير تارك حقه، لا يكادون يتركون التنوين.
وتركه كثير جائز وينشدون قول أبي الأسود:
فألفيته غير مستعتب =ولا ذاكر الله إلا قليلا
فمن حذف النون ونصب قال: النّية التنوين مع الجحد، ولكنى أسقطت النون للساكن الذي لقيها وأعلمت معناها. ومن خفض أضاف). [معاني القرآن: 2/202]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا رآك الّذين كفروا} [الأنبياء: 36] يقوله للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{إن يتّخذونك إلا هزوًا أهذا الّذي يذكر آلهتكم} [الأنبياء: 36] يقوله بعضهم لبعضٍ أي: يعيبها ويشتمها.
قال اللّه: {وهم بذكر الرّحمن هم كافرون} [الأنبياء: 36] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/312]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أهذا الّذي يذكر آلهتكم...}
يريد: يعيب آلهتكم. وكذلك قوله: {سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} أي يعيبهم. وأنت قائل للرجل: لئن ذكرتني لتندمنّ وأنت تريد: بسوء قال عنترة:
لا تذكري مهري وما أطعمته = فيكون جلدك مثل جلد الأشهب
أي لا تعيبيني بأثرة مهري فجعل الذكر عيباً). [معاني القرآن: 2/202-203]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم يقال للخير: بلاء، وللشر: بلاء، لأنّ الاختبار الذي هو بلاء وابتلاء يكون بهما.
قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، أي نختبركم بالشر، لنعلم كيف صبركم؟ وبالخير، لنعلم كيف شكركم؟.
(فتنة) أي اختبارا. ومنه يقال: اللهم لا تبلنا إلا بالتي هي أحسن. أي لا تختبرنا إلا بالخير، ولا تختبرنا بالشر.
يقال من الاختبار: بلوته أبلوه بلوا، والاسم بلاء. ومن الخير: أبليته أبليه إبلاء.
ومنه يقال: يبلى ويولي.
قال زهير:
فأبلاهما خيرَ البلاء الذي يَبْلُو
أي: خير البلاء الذي يختبر به عباده.
ومن الشر: بلاه الله يبلوه بلاء). [تأويل مشكل القرآن: 469-470]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا رآك الّذين كفروا إن يتّخذونك إلّا هزوا أهذا الّذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرّحمن هم كافرون}
{أهذا الّذي يذكر آلهتكم} (هذا) على إضمار الحكاية، المعنى وإذا رآك الّذين كفروا إن يتّخذونك إلّا هزوا يقولون أهذا الذي يذكر آلهتكم.
والمعنى أهذا الذي يعيب آلهتكم يقال فلان يذكر الناس أي يغتابهم ويذكرهم بالعيوب، ويقال فلان يذكر اللّه، أي يصفه بالعظمة، ويثني عليه ويوحّده.
وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه.
قال الشاعر:
لا تذكري فرسي وما أطعمته= فيكون لونك مثل لون الأجرب
المعنى لا تذكري فرسي وإحساني إليه فتعيبيني بإيثاري إيّاه عليك). [معاني القرآن: 3/392]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أهذا الذي يذكر آلهتكم} أي: يعيبها، ويتنقصها). [ياقوتة الصراط: 360]
تفسير قوله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {خلق الإنسان من عجلٍ} [الأنبياء: 37] خلق آدم آخر ساعات النّهار من يوم الجمعة بعد ما خلق الخلق، فلمّا أحيا الرّوح عينيه ورأسه ولم يبلغ أسفله قال: ربّ استعجل بخلقي، قد غربت الشّمس.
هذا تفسير مجاهدٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/312]
- نا خداشٌ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خير يومٍ طلعت فيه الشّمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنّة، وفيه هبط منها، وفيه تقوم السّاعة، وفيه ساعةٌ، ثمّ قبض يده يقلّلها، لا يوافقها مسلمٌ يصلّي يسأل اللّه خيرًا إلا أعطاه إيّاه».
قال: فقال عبد اللّه بن سلامٍ: قد علمت أيّ ساعةٍ هي، هي آخر ساعات النّهار من يوم الجمعة، وهي السّاعة الّتي خلق اللّه فيها آدم.
قال اللّه: {خلق الإنسان من عجلٍ سأريكم آياتي فلا تستعجلون} [الأنبياء: 37] وقال قتادة: {خلق الإنسان من عجلٍ} [الأنبياء: 37] خلق عجولًا.
قال اللّه: {سأريكم آياتي فلا تستعجلون} [الأنبياء: 37] وذلك لمّا كانوا يستعجلون به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا خوّفهم به من العذاب، وذلك منهم استهزاءٌ وتكذيبٌ.
قال الحسن: يعني الموعد الّذي وعده اللّه في الدّنيا: القتل لهم، والنّصر عليهم، والعذاب لهم في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلق الإنسان من عجلٍ...}
وعلى عجلٍ كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة). [معاني القرآن: 2/203]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلق الإنسان من عجل} مجازه مجاز خلق العجل من الإنسان وهو العجلة والعرب تفعل هذا إذا كان الشيء من سبب الشيء بدءوا بالسبب،
وفي آية أخرى {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوّة}.
والعصبة هي التي تنوء بالمفاتيح، ويقال: إنها لتنوء عجيزتها، والمعنى أنها هي التي تنوء بعجيزتها،
قال الأعشى:
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته=وأن تعلمي أن المعان موفّق
أي أن الموفق معان، وقال الأخطل:
مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت=نجران اوبلغت سوآتهم هجر
وإنما السّوءة البالغة هجر، وهذا البيت مقلوب وليس بمنصوب). [مجاز القرآن: 2/38-39]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {خلق الإنسان من عجلٍ سأوريكم آياتي فلا تستعجلون}
وقال: {خلق الإنسان من عجلٍ سأوريكم آياتي فلا تستعجلون} يقول: "من تعجيلٍ من الأمر، لأنه قال: {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نّقول له كن}،
فهذا العجل كقوله: {فلا تستعجلوه} وقوله: {فلا تستعجلون} فإنّني {سأوريكم آياتي} ). [معاني القرآن: 3/7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خلق الإنسان من عجل}: روي عن ابن عباس أنه قال: العجل: الطين.
وأنشدوا هذا البيت:
النبع في الصخرة الصماء منبته = والنخل منبته في السهل والعجل
وقال بعضهم معناه: خلق الإنسان عجلا). [غريب القرآن وتفسيره: 255-254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {خلق الإنسان من عجلٍ} أي خلقت العجلة في الإنسان، وهذا من المقدم والمؤخر، وقد بينت ذلك في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من الإنسان، يعني العجلة.
كذلك قال أبو عبيدة. ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
[تأويل مشكل القرآن: 197-198]
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب، ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم.
وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.[تأويل مشكل القرآن: 199]
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، أو لاستقامة وزن البيت. فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}،
وحذف ومثلنا، لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة، كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي:اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون). [تأويل مشكل القرآن: 200-205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون}
قال أهل اللغة: المعنى خلقت العجلة من الإنسان، وحقيقته يدل عليها، { وكان الإنسان عجولا}، وإنما خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر الشيء خلقت منه، كما تقول: أنت من لعب، وخلقت من لعب، نريد المبالغة بوصفه باللعب). [معاني القرآن: 3/392]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خلق الإنسان من عجل} قال ثعلب: العجل: العجلة، والعجل - أيضا: الطين). [ياقوتة الصراط: 360]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}: أي خلقت العجلة في الإنسان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ عَجَلِ}: من طين). [العمدة في غريب القرآن: 207]
تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [الأنبياء: 38] هذا قول المشركين للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: متى هذا الّذي تعدنا به من أمر القيامة؟). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم...}
(متى) في موضع نصب، لأنك لو أظهرت جوابها رأيته منصوباً فقلت: الوعد يوم كذا وكذا (ولو) جعلت (متى) في موضع رفع كما تقول: متى الميعاد؟
فيقول: يوم الخميس ويوم الخميس. وقال الله {موعدكم يوم الزّينة} فلو نصبت كان صواباً. فإذا جعلت الميعاد في نكرة من الأيّام والليالي والشهور والسنين رفعت
فلقت: معادك يومٌ أو يومان، وليلة وليلتان كما قال الله {غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} والعرب تقول: إنما البرد شهران وإنما الصيف شهران. ولو جاء نصباً كان صواباً.
وإنّما اختاروا الرفع لأنك أبهمت الشهرين فصارا جميعاً كأنهما وقت للصّيف. وإنما اختاروا النصب في المعرفة لأنها حينٌ معلومٌ مسند إلى الذي بعده، فحسنت الصّفة،
كما أنك تقول: عبد الله دونٌ من الرجال، وعبد الله دونك فتنصب، ومثله اجتمع الجيشان فالمسلمون جانبٌ والكفّار جانب.
فإذا أضفت نصبت فقلت: المسلمون جانب صاحبهم، والكفّار جانب صاحبهم فإذا لم تضف الجانب صيرتهم هم كالجانب لا أنهم فيه فقس على ذا).[معاني القرآن: 2/203-204]
تفسير قوله تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه تبارك وتعالى: {لو يعلم الّذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون} [الأنبياء: 39] وفيها تقديمٌ.
أي: أنّ الوعد الّذي كانوا يستعجلون به في الدّنيا هو يومٌ لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون لو يعلم الّذين كفروا). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا هم ينصرون...}
وقوله: {فمن ينصرني من الله إن عصيته}: فمن يمنعني. ذلك معناه - والله أعلم - في عامّة القرآن). [معاني القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لو يعلم الّذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون}
أي حين لا يدفعون عن وجوههم النار، وجواب (لو) محذوف، المعنى لعلموا صدق الوعد، لأنهم قالوا {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}.
وجعل الله عزّ وجلّ الساعة موعدهم). [معاني القرآن: 3/392-393]
تفسير قوله تعالى: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {بل تأتيهم بغتةً} [الأنبياء: 40] يعني: القيامة.
{فتبهتهم} [الأنبياء: 40] مباهتةً.
{فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون} [الأنبياء: 40] أي: ولا هم يؤخّرون). [تفسير القرآن العظيم: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال: {بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون }
بغتة فجاءة وهم غافلون عنها، فتبهتم فتحيرهم). [معاني القرآن: 3/393]
تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم} [الأنبياء: 41] كذّبوهم واستهزءوا بهم، فحاق بهم.
{ما كانوا به يستهزئون} [الأنعام: 5] العذاب الّذي كانوا يكذّبون به، ويستهزئون بالرّسل إذا خوّفوهم به). [تفسير القرآن العظيم: 1/314]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل من يكلؤكم} [الأنبياء: 42]....
قال: من يحفظكم وهو قول قتادة.
قال: {باللّيل والنّهار من الرّحمن} [الأنبياء: 42] أي: هم من الملائكة كقوله: {يحفظونه من أمر اللّه} [الرعد: 11] أي: هم من أمر اللّه، وهم ملائكة اللّه، هم حفظةٌ من اللّه لبني آدم ولأعمالهم، يتعاقبون فيهم باللّيل والنّهار، ملائكةٌ باللّيل وملائكةٌ بالنّهار، فيجتمعون عند صلاة الصّبح، وعند صلاة العصر، فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم
وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلّون، يحفظون العباد ممّا لم يقدّر لهم، ويحفظون عليهم أعمالهم.
عبد القدّوس بن مسلمٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: ما من آدميٍّ إلا ومعه ملكان يحفظانه في ليله، ونهاره، ونومه، ويقظته من الجنّ، والإنس، والدّوابّ، والسّباع والهوامّ، وأحسبه قال: والطّير، كلّما أراده شيءٌ قال: إليك حتّى يأتي القدر.
حدّثني حمّادٌ، عن أبي غالب بن أبي أمامة قال: ما من آدميٍّ إلا ومعه ملكان أحدهما يكتب عمله، والآخر يقيه ممّا لم يقدّر عليه.
وتفسير الحسن أنّهم أربعة أملاكٍ يتعاقبونهم باللّيل والنّهار، يعني يصعد هذان، وينزل هذان.
[تفسير القرآن العظيم: 1/314]
قوله: {بل هم عن ذكر ربّهم معرضون} [الأنبياء: 42] يعني المشركين، معرضون عن القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل من يكلؤكم...}.
مهموز (ولو) تركت همز مثله في غير القرآن قلت: يكلوكم بواو ساكنةٍ أو يكلاكم بألفٍ ساكنة؛ مثل يخشاكم: ومن جعلها واواً ساكنةً قال كلان بالألف تترك منها النّبرة.
ومن قال: يكلاكم قال: كليت مثل قضيت. وهي من لغة قريش. وكلٌّ حسن، إلا أنهم يقولون في الوجهين مكلوّةٌ بغير همز، ومكلوٌّ بغير همز أكثر ممّا يقولون مكليّة. ولوقيل مكلي في قول الذين يقولون كليت كان صواباً.
وسمعت بعض العرب ينشد قول الفرزدق:
وما خاصم الأقوام من ذي خصومةٍ =كورهاء مشني إليها حليلها
فبني على شنيت بترك النبرة. وقوله: {من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرّحمن} يريد: من أمر الرحمن، فحذف الأمر وهو يراد كما قال في موضع آخر {فمن ينصرني من الله}
يريد: من يمنعني من عذاب الله. وأظهر المعنى في موضع آخر فقال {فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا} ). [معاني القرآن: 2/204]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" قل من يكلؤكم " مجازه: يحفظكم ويمنعكم،
قال ابن هرمة:
إنّ سليمى والله يكلؤها= ضنّت بشيء ما كان يرزؤها).
[مجاز القرآن: 2/39]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يكلؤكم}: يحفظكم ويحرسكم). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الكلام على مذهب الاستفهام وهو تقرير كقوله سبحانه: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}، و{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}). [تأويل مشكل القرآن: 279] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قل من يكلؤكم باللّيل والنّهار من الرّحمن بل هم عن ذكر ربّهم معرضون}
معناه - واللّه أعلم - من يحفظكم من بأس الرحمن، كما قال: {فمن ينصرني من اللّه} أي من عذاب الله). [معاني القرآن: 3/393]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يكلؤكم} أي: يحفظكم). [ياقوتة الصراط: 361]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَكْلَؤُكم}: يحفظكم). [العمدة في غريب القرآن: 207]
تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم لهم آلهةٌ تمنعهم من دوننا} [الأنبياء: 43] أي: قد اتّخذوا آلهةً لا تمنعهم من دوننا.
{لا يستطيعون نصر أنفسهم} [الأنبياء: 43] لا تستطيع الآلهة لأنفسها نصرًا.
{ولا هم منّا يصحبون} [الأنبياء: 43] لا يصحبون من اللّه بخيرٍ في تفسير قتادة.
وقال الكلبيّ: {ولا هم منّا يصحبون} [الأنبياء: 43] ولا من عبدها منّا يجارون.
أي ليس لهم من يجيرهم، أي يمنعهم منّا.
وقال الحسن: لا تمنعهم من دون اللّه إن أراد عذابهم {ولا هم منّا يصحبون} [الأنبياء: 43] ولا من يعبدها منّا يجارون، أي ليس لهم من يجيرهم، أي يمنعهم منّا إن أراد اللّه عذابهم.
وكان يقول: إنّما تعذّب الشّياطين الّتي دعتهم إلى عبادة الأصنام، ولا تعذّب الأصنام.
قوله: {لا يستطيعون نصر أنفسهم} [الأنبياء: 43] لا يستطيعون تلك الأصنام نصر أنفسها إن أراد أن يعذّبها). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يستطيعون نصر أنفسهم...}
يعني الآلهة لا تمنع أنفسها {ولا هم مّنّا يصحبون} يعني الكفار يعني يجارون (وهي منّا لا تجار) ألا ترى أن العرب تقول (كان لنا جاراً) ومعناه يجيرك ويمنعك فقال (يصحبون) بالإجازة). [معاني القرآن: 2/205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا هم منّا يصحبون} أي لا يجيرهم منها أحد، لأن المجير صاحب لجاره). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يصحبون} أي: يحفظون، ويمنعون). [ياقوتة الصراط: 361]
تفسير قوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {بل متّعنا هؤلاء وآباءهم} [الأنبياء: 44] يعني: قريشًا.
{حتّى طال عليهم العمر} [الأنبياء: 44] لم يأتهم رسولٌ حتّى جاءهم محمّدٌ.
{أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] قال ابن عبّاسٍ: موت علمائها وفقهائها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قال يحيى: وبلغني عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ قال: موت عالمٍ أحبّ إلى إبليس من موت ألف عابدٍ.
- نا عمّارٌ، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «موت العالم ثلمةٌ في الإسلام لا يسدّها شيءٌ أبدًا».
نا سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ قال: ننقصها من أطرافها، قال: الموت.
وقال عكرمة وقتادة: ننقصها من أطرافها بالموت.
وقال الحسن في تفسير سعيدٍ: {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] بالفتوح على النّبيّ أرضًا فأرضًا أفلا تسمعه يقول: {أفهم الغالبون} [الأنبياء: 44] أي: ليسوا بالغالبين ولكنّ رسول اللّه هو الغالب.
- عمّارٌ، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «موت عالمٍ ثلمةٌ في الإسلام لا يسدّها شيءٌ أبدًا».
وقال السّدّيّ: {ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] يعني: أرض مكّة.
وقوله: {ننقصها} [الأنبياء: 44] يعني: إذا أسلم أحدٌ من الكفّار نقص منهم وزاد في المسلمين.
وهو قوله: {أفهم الغالبون} [الأنبياء: 44].
وفي تفسير عمرٍو، عن الحسن، عن الأحنف بن قيسٍ أنّ اللّه تبارك وتعالى يبعث نارًا قبل يوم القيامة تطرد النّاس من أطراف الأرض إلى
[تفسير القرآن العظيم: 1/316]
الشّام، تنزل معهم إذا نزلوا، وترتحل معهم إذا ارتحلوا، فتقوم عليهم القيامة بالشّام وهو قوله: {ننقصها من أطرافها} [الأنبياء: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} أي نفتحها عليك.
{أفهم الغالبون} مع هذا ؟!). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {بل متّعنا هؤلاء وآباءهم حتّى طال عليهم العمر أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون}
{أفهم الغالبون} أي قد تبين لكم أنا ننقص الأرض من أطرافها، ولأن الغلبة لنا، وقد فسرنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها في سورة الرعد، أي فاللّه الغالب وهم المغلوبون،
أعني حزب الشيطان). [معاني القرآن: 3/393]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل إنّما أنذركم بالوحي} [الأنبياء: 45] قال قتادة: بالقرآن، أنذركم به عذاب الدّنيا وعذاب الآخرة،
يعني المشركين.
قوله: {ولا يسمع الصّمّ الدّعاء} [الأنبياء: 45] يعني النّداء، تفسير السّدّيّ.
{إذا ما ينذرون} [الأنبياء: 45] والصّمّ هاهنا الكفّار، صمّوا عن الهدى.
وقال السّدّيّ: عن الإيمان، وهو واحدٌ.
قال قتادة: إنّ الكافر أصمّ عن كتاب اللّه، لا يسمعه ولا يعقله). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يسمع الصّمّ الدّعاء...}
ترفع (الصمّ) لأن الفعل لهم. وقد قرأ أبو عبد الرحمن السّلمي {ولا تسمع الصّمّ الدّعاء}، نصب (الصم) بوقوع الفعل عليه). [معاني القرآن: 2/205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل إنّما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصّمّ الدّعاء إذا ما ينذرون}
{ولا يسمع الصّمّ الدّعاء إذا ما ينذرون}.
ويجوز ولا تسمع الصّمّ الدّعاء، والضم ههنا المعوضون عما يتلى
عليهم من ذكر اللّه فهم بمنزلة من لا يسمع كما قال الشاعر:
أصم عما ساءه سميع). [معاني القرآن: 3/393]
تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولئن مسّتهم نفحةٌ من عذاب ربّك} [الأنبياء: 46] قال قتادة: عقوبةٌ من عذاب ربّك.
قال يحيى: وهي النّفخة الأولى الّتي يهلك اللّه بها كفّار آخر هذه الأمّة بكفرهم وجحودهم.
{ليقولنّ} [الأنبياء: 46] إذا جاءهم العذاب.
{يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 46] وهي مثل الآية الأولى في أوّل السّورة.
{فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا} [الأعراف: 5] عذابنا {قل أغير اللّه} [الأنعام: 14]، {إنّا كنّا ظالمين} [الأنبياء: 46] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك ليقولنّ يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين}أي إن مسّتهم أدنى شيء من العذاب.
{ليقولنّ يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين} والويل ينادى به، وينادي به كل من وقع في هلكة). [معاني القرآن: 3/393-394]
تفسير قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونضع الموازين القسط} [الأنبياء: 47] يعني العدل.
{ليوم القيامة} [الأنبياء: 47]
- حدّثنا حمّادٌ، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ قال: يوضع الميزان يوم القيامة، ولو وضع في كفّةٍ السّموات والأرض لوسعتهما.
فتقول الملائكة: ربّنا ما هذا؟ فيقول: أزن به لمن شئت من خلقي.
فتقول الملائكة: ربّنا ما عبدناك حقّ عبادتك.
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له بعض أهله، قال يحيى: أخبرني صاحبٌ لي، عن هشامٍ، عن الحسن أنّها عائشة: يا رسول اللّه هل يذكر الرّجل يوم القيامة حميمه؟ فقال: " ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحدٌ حميمه: عند الميزان حتّى ينظر أيثقل ميزانه أم يخفّ، وعند الصّراط حتّى ينظر أيجوز أو لا يجوز، وعند الصّحف حتّى ينظر
أيعطى كتابه بيمينه أم بشماله ".
قوله: {فلا تظلم نفسٌ شيئًا} [الأنبياء: 47] يقول: فلا تنقص من ثواب عملها شيئًا.
وهو تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: لا ينقص المؤمن من حسناته شيئًا ولا يزاد عليه من سيّئات غيره، ولا يزاد على الكافر من سيّئات غيره، ولا يجازى في الآخرة بحسنةٍ قد استوفاها في الدّنيا.
قال: {وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ} [الأنبياء: 47] أي: وزن حبّةٍ من خردلٍ.
{أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء: 47] يعني عالمين.
[تفسير القرآن العظيم: 1/318]
وقال الحسن: لا يعلم حساب مثاقيل الذّرّ والخردل إلا اللّه، ولا يحاسب العباد إلا هو.
- وحدّثني النّضر بن معبدٍ أنّ محمّد بن سيرين حدّثه قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأكل طعامه ومعه أبو بكرٍ إذ نزلت هذه السّورة: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] إلى آخرها، فأمسك أبو بكرٍ يده وقال: يا رسول اللّه ما من خيرٍ عملت إلا رأيت ولا من شرٍّ عملت إلا رأيت، فقال: «يا أبا بكرٍ ما رأيت ممّا تكره في الدّنيا فهو مثاقيل الشّرّ، وأمّا
مثاقيل الخير فتلقاك يوم القيامة، ولن يهتك اللّه ستر عبدٍ فيه مثقال ذرّةٍ من خيرٍ».
قال يحيى: وبلغني في الكافر أنّه ما عمل في الدّنيا من مثقال ذرّةٍ خيرًا يره في الدّنيا، وما عمل من مثقال ذرّةٍ شرًّا يره في الآخرة.
- أبو أميّة بن يعلى الثّقفيّ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس لا تغترّوا باللّه فإنّ اللّه لو كان مغفلًا شيئًا لأغفل الذّرّة والخردلة والبعوضة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/319]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ونضع الموازين القسط...}
القسط من صفة الموازين وإن كان موحّداً. وهو بمنزلة قولك للقوم: أنتم رضاً وعدل. وكذلك الحقّ إذا كان من صفة واحدٍ أو اثنين أو أكثر من ذلك كان واحداً.
وقوله: {ليوم القيامة} وفي يوم القيامة.
وقوله: عز وجل: {أتينا بها} ذهب إلى الحبّة، ولو كان أتينا به (كان صواباً) لتذكير المثقال. ولو رفع المثقال كما قال {وإن كان ذو عسرة فنظرةٌ} كان صواباً، وقرأ مجاهد (آتينا بها) بمدّ الألف يريد: جازينا بها على فاعلنا.
وهو وجه حسنٌ). [معاني القرآن: 2/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثقال حبّة} مجازه وزن حبة). [مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مثقال حبة}: وزن حبة). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}
{القسط} العدل، المعنى ونضع الموازين ذوات القسط، وقسط مثل عدل مصدر يوصف به، تقول ميزان قسط وميزانان قسط، وموازين - قسط.
والميزان في القيامة - جاء في التفسير - أن له لسانا وكفتين، وتمثّل الأعمال بما يوزن، وجاء في التفسير أنه يوزن خاتمة العمل، فمن كانت خاتمة عمله خيرا جوزي بخير، ومن كانت خاتمة عمله شرا فجزاؤه الشر.
وقوله: {وإن كان مثقال حبّة من خردل}.
نصب (مثقال) على معنى وإن كان العمل مثقال حبّة من خردل، ويقرأ وإن كان مثقال حبّة بالرفع على معنى وإن حصل للعبد مثقال حبة من خردل أتينا بها.
(أتينا بها) معناه جئنا بها، وقد قرئت آتينا بها على معنى جازينا بها وأعطينا بها، وأتينا بها أحسن في القراءة وأقرب في أمل العفو.
{وكفى بنا حاسبين}.
منصوب على وجهين، على التمييز، وعلى الحال، ودخلت الباء في وكفى بنا، لأنه خبر في معنى الأمر، المعنى اكتفوا باللّه حسيبا). [معاني القرآن: 3/394]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِثْقَال حبَّةٍ}: وزن حبّة). [العمدة في غريب القرآن: 207]
تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} [الأنبياء: 48] تفسير ابن مجاهدٍ: الكتاب.
وتفسير قتادة: يعني التّوراة.
وفرقانها، حلالها وحرامها، فرّق فيها حلالها وحرامها.
[تفسير القرآن العظيم: 1/319]
وقال السّدّيّ: الفرقان يعني المخرج في الدّين من الشّبهة والضّلالة.
{وضياءً} [الأنبياء: 48] يعني نورًا.
{وذكرًا للمتّقين} [الأنبياء: 48] يذكرون به الآخرة.
وقال السّدّيّ: {وضياءً} [الأنبياء: 48] يعني ما في التّوراة من البيان). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء...}
هو من صفة الفرقان ومعناه - والله أعلم - آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وذكراً، فدخلت الواو كما قال {إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينةٍ الكواكب وحفظاً} جعلنا ذلك،
وكذلك {وضياء وذكراً} آتينا ذلك). [معاني القرآن: 2/205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتّقين}
جاء عن ابن عباس أنه يرى حذف الواو، وقال بعض النحويين معناه ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وعند البصريين أن الواو لا تزاد ولا تأتي إلّا بمعنى العطف.
وتفسير الفرقان: التوراة التي فيها الفرق بين الحلال والحرام، و (ضياء) ههنا مثل قوله: (فيه هدى ونور) ويجوز وذكرى للمتقين). [معاني القرآن: 3/394-395]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين يخشون ربّهم بالغيب} [الأنبياء: 49]
حدّثني حمّادٌ، عن يونس بن خبّابٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {هذا ما توعدون لكلّ أوّابٍ حفيظٍ {32} من خشي الرّحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ {33}} [ق: 32-33] قال: الرّجل يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر اللّه منها.
قوله: {وهم من السّاعة مشفقون} [الأنبياء: 49] خائفون من شرّ ذلك اليوم، وهم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أفأنتم له منكرون} [الأنبياء: 50] قال قتادة والسّدّيّ: يعني القرآن: {وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه أفأنتم له منكرون} [الأنبياء: 50] يعني بذلك المشركين، على الاستفهام، أي قد أنكرتموه). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وهذا ذكرٌ مّباركٌ أنزلناه...}
المبارك رفع من صفة الذكر. ولو كان نصبا على قولك: أنزلناه مباركاً كان صواباً). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون}
المعنى هذا القرآن ذكر مبارك). [معاني القرآن: 3/395]