العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 01:40 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (95) إلى الآية (99) ]

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 09:56 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال لي يعقوب: وسألت زيد بن أسلم عن قول الله: { فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي}، قال: الحبة قد فلقها، والنواة قد فلقها، فتزرع فيخرج منها كما ترى النخل والزرع والنطفة يخرجها ميتة فيقرها في رحم المرأة فيخرج منها خلقا). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 124]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {فالق الحب والنوى}، قال: تفلق الحب والنوى عن النبات). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 214]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {إنّ الله فالق الحبّ والنّوى}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن حصين، عن أبي مالكٍ - في قوله عزّ وجلّ: {فالق الحبّ والنّوى} -، قال: الشّقّ الّذي يكون في النّواة والحنطة). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 44]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى}.
وهذا تنبيهٌ من اللّه جلّ ثناؤه هؤلاء العادلين به الآلهة والأوثان على موضع حجّته عليهم، وتعريفٌ منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إيّاه. يقول تعالى ذكره: إنّ الّذي له العبادة أيّها النّاس دون كلّ ما تعبدون من الآلهة والأوثان، هو اللّه الّذي فلق الحبّ، يعني: شقّ الحبّ من كلّ ما ينبت من النّبات، فأخرج منه الزّرع والنّوى من كلّ ما يغرس ممّا له نواةٌ، فأخرج منه الشّجر.
والحبّ جمع حبّةٍ، والنّوى: جمع النّواة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى}، أمّا فالق الحبّ والنّوى: ففالق الحبّ عن السّنبلة، وفالق النّواة عن النّخلة.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فالق الحبّ والنّوى} قال: يفلق الحبّ والنّوى عن النّبات.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فالق الحبّ والنّوى}، قال: اللّه فالق ذلك، فلقه فأنبت منه ما أنبت، فلق النّواة فأخرج منها نبات نخلةٍ، وفلق الحبّة فأخرج نبات الّذي خلق.
وقال آخرون: معنى (فالق): خالقٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى} قال: خالق الحبّ والنّوى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى} قال: {خالق الحبّ والنّوى}.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّه فلق الشّقّ الّذي في الحبّة والنّواة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فالق الحبّ والنّوى} قال: الشقّان اللّذان فيهما.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا معلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، في قول اللّه: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى} قال: الشّقّ الّذي يكون في النّواة وفي الحنطة.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {فالق الحبّ والنّوى} قال: الشّقّان اللّذان فيهما.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثني عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فالق الحبّ والنّوى} يقول: خالق الحبّ والنّوى، يعني: كلّ حبّةٍ.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندي ما قدّمنا القول به، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أتبع ذلك بإخباره عن إخراجه الحيّ من الميّت، والميّت من الحيّ، فكان معلومًا بذلك أنّه إنّما عنى بإخباره عن نفسه أنّه فالق الحبّ عن النّبات، والنّوى عن الغروس والأشجار، كما هو مخرج الحيّ من الميّت، والميّت من الحيّ.
وأمّا القول الّذي حكي عن الضّحّاك في معنى فالقٍ أنّه خالقٌ، فقولٌ إن لم يكن أراد به أنّه خالقٌ منه النّبات والغروس بفلقه إيّاه، لا أعرف له وجهًا، لأنّه لا يعرف في كلام العرب فلق اللّه الشّيء بمعنى: خلق).[جامع البيان: 9/ 420-422]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون}.
يقول تعالى ذكره: يخرج السّنبل الحيّ من الحبّ الميّت، ومخرج الحبّ الميّت من السّنبل الحيّ، والشّجر الحيّ من النّوى الميّت، والنّوى الميّت من الشّجر الحيّ. والشّجر ما دام قائمًا على أصوله لم يجفّ، والنّبات على ساقه لم ييبس، فإنّ العرب تسمّيه حيًّا، فإذا يبس وجفّ أو قطع من أصله سمّوه ميّتًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا: {يخرج الحيّ من الميّت}، فيخرج السّنبلة الحيّة من الحبّة الميتة، ويخرج الحبّة الميتة من السّنبلة الحيّة، ويخرج النّخلة الحيّة من النّواة الميتة، ويخرج النّواة الميتة من النّخلة الحيّة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: {يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ} قال: النّخلة من النّواة، والنّواة من النّخلة، والحبّة من السّنبلة، والسّنبلة من الحبّة.
وقال آخرون بما:
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ} قال: يخرج النّطفة الميّتة من الحيّ، ثمّ يخرج من النّطفة بشرًا حيًّا.
وإنّما اخترنا التّأويل الّذي اخترنا في ذلك، لأنّه عقيب قوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى} على أنّ قوله: {يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ} وإن كان خبرًا من اللّه عن إخراجه من الحبّ السّنبل، ومن السّنبل الحبّ، فإنّه داخلٌ في عمومه ما روي عن ابن عبّاسٍ في تأويل ذلك: وكلّ ميّتٍ أخرجه اللّه من جسمٍ حيٍّ، وكلّ حيٍّ أخرجه اللّه من جسمٍ ميّتٍ.
وأمّا قوله: {ذلكم اللّه}، فإنّه يقول: فاعل ذلك كلّه اللّه جلّ جلاله. {فأنّى تؤفكون} يقول: فأيّ وجوه الصّدّ عن الحقّ أيّها الجاهلون تصدّون عن الصّواب وتصرفون، أفلا تتدبّرون فتعلمون أنّه لا ينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحبّ والنّوى، فأخرج لكم من يابس الحبّ والنّوى زروعًا وحروثًا وثمارًا تتغذّون ببعضه وتفكّهون ببعضه، شريكٌ في عبادته ما لا يضرّ ولا ينفع، ولا يسمع ولا يبصر؟).[جامع البيان: 9/ 423-424]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون (95)}
قوله تعالى: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أعمي حدثني عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: قوله:{ إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى} يقول: خلق الحبّ والنّوى.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا معمرٌ عن قتادة في قوله: {فالق الحبّ والنّوى} قال: يفلق الحبّ والنّوى عن النّبات.
- حدّثنا أبى سهل بن عثمان ثنا مروان ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى} قال: خالق الحبّ والنّوى.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة حدّثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى}: الشّقّان اللّذان فيهما.
قوله تعالى: {الحبّ والنّوى}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {فالق الحبّ والنّوى}: فالق الحبّة عن السّنبلة، قوله: {والنّوى}: فالق النّواة عن النّخلة.
قوله تعالى: {يخرج الحي من الميت}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا نعيم بن حمّادٍ ثنا ابن المبارك ثنا معمرٌ عن الزّهريّ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه أنّ خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو عند بعض نسائه، فقال: من هذه؟ قيل: إحدى خالاتك يا رسول اللّه، قال: «إنّ خالاتي بهذه البلدة لغرائب فمن هي؟» قيل: خالدة بنت الأسود ابن عبد يغوث فقال: «سبحان اللّه، يخرج الحيّ من الميّت».
- حدّثنا محمّد بن محمّد بن مصعبٍ الصّوريّ بمكّة ثنا مؤمّلٌ ثنا حمّاد بن سلمة وسفين الثّوريّ عن سليمان التّيميّ عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال عمر: {يخرج الحيّ من الميت}: يخرج المؤمن من الكافر.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا معمرٌ عن الزّهريّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل على بعض نسائه فإذا بامرأةٍ حسنة الهيئة، فقال: «من هذه؟» فقالت: خالدة بنت الأسود. فقال: «سبحان اللّه الّذي يخرج الحيّ من الميّت، وكانت امرأةً صالحةً، وكان أبوها كافرٌاً».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه عن إسرائيل عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يخرج الحيّ من الميّت}، قال: يخرج من النّطفة بشرًا.
وروي عن ابن مسعودٍ وأبي سعيدٍ الخدريّ وسعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ والنّخعيّ وقتادة والضّحّاك نحو ذلك.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {يخرج الحيّ من الميّت}، قال: النّخلة من النّواة، والسّنبلة من الحبّة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو تميلة ثنا أبو المنيب عن عكرمة: {يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ} قال: البيضة تخرج من الحيّ وهي ميتةٌ، ثمّ يخرج منها الحيّ.
قوله تعالى: {ومخرج الميت من الحي}
الوجه الأول:
- أخبرنا محمّد بن محمّد بن مصعبٍ الصّوريّ ثنا مؤمّل بن إسماعيل ثنا حمّاد بن سلمة وسفيان الثّوريّ عن سليمان التّيميّ عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال عمر: خمّر اللّه عزّ وجلّ طينة آدم أربعين يومًا، ثمّ وضع يده فيها، فارتفع على هذه كلّ طيّبٍ، وعلى هذه كلّ خبيثٍ، ثمّ خلط بعضه ببعضٍ. وقال مؤمّلٌ بيده:
هكذا، ودمج إحداهما بالأخرى، ثمّ خلق منها آدم، فمن ثمّ يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ، يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن.
وروي عن الحسن وقتادة نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا سلمة بن رجاءٍ عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد اللّه: قوله: {ومخرج الميّت من الحيّ} قال: يخرج النّطفة الميتة من الرّجل الحيّ.
وروي عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ والنّخعيّ والضّحّاك والسّدّيّ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا عيسى بن جعفرٍ قاضي الرّيّ ثنا مسلم بن خالدٍ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ} قال: النّاس الأحياء من النّطف، والنّطفة ميتةٌ تخرج من النّاس الأحياء، ومن الأنعام والنّبات كذلك أيضًا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ في قوله: {ومخرج الميّت من الحيّ}، قال: النّواة من النّخلة، والحبّة من السّنبلة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو تميلة ثنا أبو المنيب عن عكرمة، قوله: {ومخرج الميّت من الحيّ}، قال: البيضة تخرج من الحيّ وهي ميتةٌ.
قوله: {ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: {فأنّى تؤفكون}، أنّى قال: كيف.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن الحسن {فأنّى تؤفكون}، قال: أنّى تصرفون.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: قوله: تؤفكون قال: تكذبون).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1351-1353]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {إن الله فالق الحب والنوى}، قال يعني الشقتين اللتين فيهما). [تفسير مجاهد: 219-220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: {فالق الحب والنوى} يقول: خلق الحب والنوى.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة -رضي الله عنه- في قوله: {فالق الحب والنوى} قال: يفلق الحب والنوى عن النبات.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد -رضي الله عنه- في قوله: {فالق الحب والنوى} قال: الشقان اللذان فيهما.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {فالق الحب والنوى} قال: الشق الذي في النواة والحنطة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فالق الحب والنوى} قال: فالق الحبة عن السنبلة وفالق النواة عن النخلة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك -رضي الله عنه- في قوله: {يخرج الحي من الميت} قال: النخلة من النواة والسنبلة من الحبة، {ومخرج الميت من الحي}، قال: النواة من النخلة والحبة من السنبلة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي} قال: الناس الأحياء من النطف والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء ومن الأنعام والنبات كذلك أيضا
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فأنى تؤفكون} قال: كيف تكذبون.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {فأنى تؤفكون} قال: أنى تصرفون.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فأنى تؤفكون} قال: كيف تضل عقولكم عن هذا). [الدر المنثور: 6/ 142-144]

تفسير قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى:{ فالق الإصباح}؛ قال الصبح). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 214]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {والشمس والقمر حسبانا}؛ قال يدوران بحساب). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 214]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ:
{ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون}[الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث}[الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا}: [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا} [القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون} [الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ}[فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ» {ملكوتٌ} [الأنعام: 75] : " ملكٌ، مثل: رهبوتٍ خيرٌ من رحموتٍ، ويقول: ترهب خيرٌ من أن ترحم "، {وإن تعدل} [الأنعام: 70] : «تقسط، لا يقبل منها في ذلك اليوم» ، {جنّ}[الأنعام: 76] : «أظلم» ، {تعالى} [النحل: 3] : " علا، يقال: على اللّه حسبانه أي حسابه "، ويقال: {حسبانًا} [الأنعام: 96] : «مرامي»).[صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {يقال على اللّه حسبانه}، أي حسابه تقدّم هذاك في بدء الخلق وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله تعالى: {والشّمس والقمر حسبانا}، قال يدوران في حسابٍ وعن الأخفش قال حسبانٌ جمع حسابٍ مثل شهبانٍ جمع شهابٍ قوله تعالى علا وقع في مستخرج أبي نعيمٍ تعالى اللّه علا اللّه وهو في رواية النّسفيّ أيضًا قوله حسبانًا مرامي ورجومًا للشّياطين تقدّم الكلام عليه في بدء الخلق). [فتح الباري: 8/ 289]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {يقال على اللّه حسبانه}، أي: حسابه كذا لأبي ذرٍّ أعاده هنا وقد تقدّم قبل). [فتح الباري: 8/ 291]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علّي، عن ابن عبّاس، قوله: [القصص: 71] {سرمدا} وقال دائما). [تغليق التعليق: 4/ 211]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({يقال على الله حسبانه} أي: حسابه ويقال حسبانا مرامي. ورجوما للشّياطين
أشار به إلى قوله تعالى: {والشّمس والقمر حسبانا} وقال: هو جمع حساب، وفي التّفسير: {والشّمس والقمر حسبانا} أي: يجريان بحساب مقنن مقدّر لا يتغيّر ولا يضطرب. قوله: (على الله حسبانه) أشار به إلى أن حسبانا كما يجيء جمع حساب يجيء أيضا، بمعنى حساب مثل شهبان وشهاب، وكذا فسره بقوله: أي حسابه. قوله: (ويقال: حسبانا مرامي ورجوما للشياطين) ، مضى الكلام فيه في كتاب بدء الخلق في: باب صفة الشّمس والقمر). [عمدة القاري: 18/ 223]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({سرمدا} دائما، لا مناسبة لذكر هذا هاهنا لأنّه لم يقع هذا إلاّ في سورة القصص في قوله تعالى: {قل أرأيتم أن جعل الله عليكم اللّيل سرمدا إلى يوم القيامة} [القصص: 71] سرمدا أي: دائما. وقال الكرماني: ذكره هنا لمناسبة فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكنا. قلت: لم يذكر وجه أكثر هذه الألفاظ المذكورة ولا تعرض إلى تفسيرها وإنّما ذكر هذا مع بيان مناسبة بعيدة على ما لا يخفى). [عمدة القاري: 18/ 221]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله تعالى: ({أبلسوا}) من قوله تعالى: {فإذا هم مبلسون} أي (أويسوا) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أيسوا بفتح الهمزة وإسقاط الواو مبنيًّا للفاعل من أيس إذا انقطع رجاؤه، وفي قوله: {أبلسوا} بما كسبوا أي (أسلموا) أي إلى الهلاك بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة وقد ذكر هذا قريبًا بغير هذا التفسير). [إرشاد الساري: 7/ 116] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله في سورة القصص: {سرمدًا إلى يوم القيامة} أي (دائمًا) قيل وذكره هنا لمناسبة قوله في هذه السورة وجاعل الليل سكنًا). [إرشاد الساري: 7/ 116]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: {والشمس والقمر حسبانًا} {يقال على الله حسبانه} أي حسابه كشهبان وشهاب أي يجريان بحساب متقن مقدر لا يتغير ولا يضطرب بل كل منهما له منازل يسكنها في الصيف والشتاء فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولًا وقصرًا (ويقال حسبانًا) أي (مرامي) أي سهامًا). [إرشاد الساري: 7/ 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنًا}.
يعني بقوله: {فالق الإصباح}: شاقّ عمود الصّبح عن ظلمة اللّيل وسواده.
والإصباح: مصدرٌ من قول القائل: أصبحنا إصباحًا.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال عامّة أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فالق الإصباح} قال: إضاءة الصّبح.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فالق الإصباح} قال: إضاءة الفجر.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فالق الإصباح} قال: فالق الصّبح.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله:
{فالق الإصباح}يعني بالإصباح: ضوء الشّمس بالنّهار، وضوء القمر باللّيل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، قال: حدّثنا عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ:
{فالق الإصباح} قال: فالق الصّبح.
- حدّثنا به ابن حميدٍ مرّةً بهذا الإسناد، عن مجاهدٍ، فقال في قوله:
{فالق الإصباح} قال: إضاءة الصّبح.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله:
{فالق الإصباح} قال: فلق الإصباح عن اللّيل.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله:
{فالق الإصباح} يقول: خالق النّور، نور النّهار.
وقال آخرون: معنى ذلك: خالق اللّيل والنّهار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكنًا} يقول: خلق اللّيل والنّهار.
وذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ في قوله:
{فالق الإصباح} بفتح الألف كأنّه تأوّل ذلك بمعنى جمع صبحٍ، كأنّه أراد صبح كلّ يومٍ، فجعله أصباحًا، ولم يبلغنا عن أحدٍ سواه أنّه قرأ كذلك.
والقراءة الّتي لا نستجيز غيرها بكسر الألف {فالق الإصباح}، لإجماع الحجّة من القرّاء وأهل التّأويل على صحّة ذلك ورفض خلافه.
وأما قوله: (وجاعل اللّيل سكنًا) فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والمدينة وبعض البصريّين: (وجاعل اللّيل) بالألف، على لفظ الاسم ورفعه عطفًا على (فالق) وخفض (اللّيل) بإضافة (جاعل) إليه، ونصب (الشّمس) و(القمر) عطفًا على موضع (اللّيل)، لأنّ (اللّيل) وإن كان مخفوضًا في اللّفظ فإنّه في موضع النّصب، لأنّه مفعول (جاعل)، وحسنٌ عطف ذلك على معنى اللّيل لا على لفظه، لدخول قوله: {سكنًا} بينه وبين اللّيل، قال الشّاعر:
قعودًا لدى الأبواب طلاّب حاجةٍ ....... عوانٍ من الحاجات أو حاجةً بكرا
فنصب الحاجة الثّانية عطفًا بها على معنى الحاجة الأولى، لا على لفظها، لأنّ معناها النّصب وإن كانت في اللّفظ خفضًا. وقد يجيء مثل هذا أيضًا معطوفًا بالثّاني على معنى الّذي قبله لا على لفظه، وإن لم يكن بينهما حائلٌ، كما قال بعضهم:
فبينا نحن ننظره أتانا ....... معلّق شكوةٍ وزناد راع
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {وجعل اللّيل سكنًا والشّمس} على (فعل) بمعنى الفعل الماضي، ونصب (اللّيل).
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، متّفقتا المعنى غير مختلفتيه، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ في الإعراب والمعنى.
وأخبر جلّ ثناؤه أنّه جعل اللّيل سكنًا، لأنّه يسكن فيه كلّ متحرّكٍ بالنّهار، ويهدأ فيه فيستقرّ في مسكنه ومأواه).[جامع البيان: 9/ 424-428]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والشّمس والقمر حسبانًا}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وجعل الشّمس والقمر يجريان في أفلاكهما بحسابٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {والشّمس والقمر حسبانًا} يعني: عدد الأيّام والشّهور والسّنين.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ:
{والشّمس والقمر حسبانًا} قال: يجريان إلى أجلٍ جعل لهما.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
{والشّمس والقمر حسبانًا} يقول: بحسابٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله:
{والشّمس والقمر حسبانًا} قال: الشّمس والقمر في حسابٍ، فإذا خلت أيّامهما فذاك آخر الدّهر، وأوّل الفزع الأكبر، {ذلك تقدير العزيز العليم}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله:
{والشّمس والقمر حسبانًا} قال: يدوران في حسابٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:
{والشّمس والقمر حسبانًا} قال: هو مثل قوله: {كلٌّ في فلكٍ يسبحون}، ومثل قوله: و{الشّمس والقمر بحسبانٍ}.
وقال آخرون: معنى ذلك: وجعل الشّمس والقمر ضياءً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {والشّمس والقمر حسبانًا}: أي ضياءً.
وأولى القولين في تأويل ذلك عندي بالصّواب تأويل من تأوّله: وجعل الشّمس والقمر يجريان بحسابٍ وعددٍ لبلوغ أمرهما ونهاية آجالهما، ويدوران لمصالح الخلق الّتي جعلا لها.
وإنّما قلنا ذلك أولى التّأويلين بالآية، لأنّ اللّه تعالى ذكره ذكر قبله أياديه عند خلقه وعظم سلطانه، بفلقه الإصباح لهم وإخراج النّبات والغراس من الحبّ والنّوى، وعقّب ذلك بذكره خلق النّجوم لهدايتهم في البرّ والبحر، فكان وصفه إجراء الشّمس والقمر لمنافعهم أشبه بهذا الموضع من ذكر إضاءتهما لأنّه قد وصف ذلك قبل قوله: {فالق الإصباح}، فلا معنى لتكريره مرّةً أخرى في آيةٍ واحدةٍ لغير معنًى.
والحسبان في كلام العرب: جمع حسابٍ، كما الشهبان جمع شهابٍ، وقد قيل: إنّ الحسبان في هذا الموضع مصدرٌ من قول القائل: حسبت الحساب أحسبه حسابًا وحسبانًا. وحكي عن العرب: على اللّه حسبان فلانٍ وحسبته: أي حسابه.
وأحسب أنّ قتادة في تأويل ذلك بمعنى الضّياء، ذهب إلى شيءٍ يروى عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ويرسل عليها حسبانًا من السّماء}، قال: نارًا، فوجّه تأويل قوله:
{والشّمس والقمر حسبانًا} إلى ذلك التّأويل. وليس هذا من ذلك المعنى في شيءٍ.
وأمّا (الحسبان) بكسر الحاء، فإنّه جمع الحسبانة: وهي الوسادة الصّغيرة، وليست من الأوليين أيضًا في شيءٍ، يقال: حسبته: أجلسته عليها، ونصب قوله: {حسبانًا} بقوله: {وجعل}.
وكان بعض البصريّين يقول: معناه: و
{والشّمس والقمر حسبانًا} أي بحسابٍ، فحذف الباء كما حذفها من قوله: {هو أعلم من يضلّ عن سبيله}، أي أعلم بمن يضلّ عن سبيله). [جامع البيان: 9/ 428-431]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك تقدير العزير العليم}.
يقول تعالى ذكره: وهذا الفعل الّذي وصفه أنّه فعله، وهو فلقه الإصباح، وجعله اللّيل سكنًا، والشّمس والقمر حسبانًا، تقدير الّذي عزّ سلطانه، فلا يقدر أحدٌ أراده بسوءٍ وعقابٍ أو انتقامٍ من الامتناع منه، العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم، لا تقدير الأصنام والأوثان الّتي لا تسمع ولا تبصر، ولا تفقه شيئًا ولا تعقله، ولا تضرّ ولا تنفع، وإن أريدت بسوءٍ لم تقدر على الامتناع منه ممّن أرادها به. يقول جلّ ثناؤه: وأخلصوا أيّها الجهلة عبادتكم لفاعل هذه الأشياء، ولا تشركوا في عبادته شيئًا غيره).[جامع البيان: 9/ 431]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنًا والشّمس والقمر حسبانًا ذلك تقدير العزيز العليم (96)}
قوله: {فالق}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فالق الإصباح}، يقول: خالق.
قوله: {الإصباح}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فالق الإصباح} يعني بالإصباح ضوء الشّمس بالنّهار وضوء القمر باللّيل.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي حدّثني أبي عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: فالق الإصباح يقول: خالق اللّيل والنّهار.
- وروي عن عبد الرّحمن بن زيد بن مسلم أنّه قال: فلق الإصباح عن اللّيل.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: فالق الإصباح، إضاءة الفجر. وروي عن قتادة مثل ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ عن عبيد بن سليمان عن الضّحّاك: قوله: {فالق الإصباح} يقول: خالق النّور، نور النّهار.
قوله: {وجعل اللّيل سكنًا}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان بن صالحٍ ثنا الوليد ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة، في قول اللّه: { وجعل اللّيل سكنًا}، يسكن فيه كلّ طيرٍ ودابّةٍ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عبد اللّه بن محمّدٍ الأذرميّ، ثنا ملبّد بن إسحاق المروزيّ ثنا ابن المبارك عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ قال: كان لصهيبٍ امرأةٌ فكان يطيل السّهر، قال: فقالت له: يا صهيب، قد أفسدت عليّ نفسك! فقال صهيبٌ: إنّ اللّه جعل اللّيل سكنًا لصهيبٍ، إن صهيبًا إذا ذكر الجنّة طال شوقه، وإذا ذكر النّار طار نومه.
قوله: {والشّمس والقمر حسبانًا}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {والشّمس والقمر حسبانًا}، يعني عدد الأيّام والشّهور والسّنين.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا معمرٌ عن قتادة في قوله: {والشّمس والقمر حسبانًا}، قال: يدوران في حسابٍ.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة: {والشّمس والقمر حسبانًا}، أي: ضياءً.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: العليم يعني عالمًا بها). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1353-1355]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فالق الإصباح}، يعني إضاءة الفجر). [تفسير مجاهد: 220]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ- رضي اللّه عنه- قال: "دخلت المسجد حين غابت الشّمس، قال: النبي صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ قال: فقال:« يا أباذر، تدري أين تذهب هذه؟» قال: قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: «فإنّها تذهب فتستأذن في السّجود فيؤذن لها. فكأنّها قد قيل لها: اطلعي من حيث جئت قالت: فتطلع من مغربها». قال: ثمّ قرأ "وذلك مستقر لها" في قراءة عبد اللّه ". هذا إسنادٌ صحيحٌ. وإبراهيم هو ابن يزيد بن شريكٍ.
- قال: وثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم ... فذكره بلفظ (والشمس تجري لمستقر لها) قال: مستقرها تحت العرش".
- قال: وثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذر قال: "كنت ردف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على حمارٍ فرأى الشّمس حين غابت. فقال: «يا أبا ذرٍّ، تدري أين تغرب هذه؟» قال فقلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: «فإنها تغرب في عين حامية، تنطلق حتّى تخرّ ساجدةً لربّها تحت العرش، فإذا حان خروجها أذن لها، فإذا أراد اللّه أن يطلعها من مغربها حبسها فتقول: يا ربّ، إنّ مسيري بعيدٌ. فيقول: اطلعي من حيث جئت. فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل».
هذا إسنادٌ صحيحٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 208-209]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فالق الإصباح} قال: خلق الليل والنهار.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله:
{فالق الإصباح} قال: يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله:
{فالق الإصباح} قال: إضاءة الفجر.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله:
{فالق الإصباح} قال: فالق الصبح.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله:
{فالق الإصباح} قال: فالق النور نور النهار.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وجعل الليل سكنا}، قال: يسكن فيه كل طير ودابة.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والشمس والقمر حسبانا} قال: يعني عدد الأيام والشهور والسنين.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والشمس والقمر حسبانا} قال: يدوران في حساب.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة: {حسبانا} قال: ضياء.
- وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في قوله: {والشمس والقمر حسبانا} قال: الشمس والقمر في حساب فإذا خلت أيامها فذلك آخر الدهر وأول الفزع الأكبر.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة بسند واه عن ابن عباس قال: خلق الله بحرا دون السماء بمقدار ثلاث فراسخ فهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله لا يقطر منه قطرة جار في سرعة السهم تجري فيه الشمس والقمر والنجوم فذلك قوله: {كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: 33] والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر فإذا أحب الله أن يحدث الكسوف خرت الشمس عن العجلة فتقع في غمر ذلك البحر فإذا أراد أن يعظم الآية وقعت كلها فلا يبقى على العجلة منها شيء وإذا أراد دون ذلك وقع النصف منها أو الثلث أو الثلثان في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة وصارت الملائكة الموكلين بها فرقتين فرقة يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة وفرقة يقبلون إلى العجلة فيجرونها إلى الشمس فإذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين تطلق الشمس قال: وخلق الله عند المشرق حجابا من الظلمة فوضعها على البحر السابع مقدار عدة الليالي في الدنيا منذ خلقها إلى يوم القيامة فإذا كان عند غروب الشمس أقبل ملك قد وكل بالليل فقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ثم يستقبل الغرب فلا يزال يرسل تلك الظلمة من خلل أصابعه قليلا قليلا وهو يراعي الشفق فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء فتشرق ظلمة الليل بجناحيه فإذا حان الصبح ضم جناحه ثم يضم الظلمة كلها بعضها إلى بعض بكفيه من المشرق ويضعها على البحر السابع بالمغرب.
- وأخرج أبو الشيخ بسند واه عن سلمان قال: الليل موكل به ملك يقال له شراهيل: فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة العين وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة فإذا غربت جاء الليل فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع وقد وقد أمرت أن لاتطلع حتى تراها فإذا طلعت جاء النهار.
- وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله».
- وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أحب عباد الله إلى الله رعاء الشمس والقمر الذين يحببون عباد الله إلى الله ويحببون الله إلى عباده».
- وأخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله».
- وأخرج أحمد في الزهد والخطيب عن أبي الدرداء قال: إن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر.
- وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعي الشمس بالنهار».
- وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال: سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، رجل لقي أخاه فقال: إني أحبك في الله وقال الآخر مثل ذلك ورجل ذكر الله ففاضت عيناه من مخافة الله ورجل يتصدق بيمينه يخفيها من شماله ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله ورجل قلبه معلق بالمساجد من حبها ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت على حلم.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم بن يسار قال: كان دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم:« اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين واغني من الفقر وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك»).[الدر المنثور: 6/ 144-149]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر قد فصّلنا الآيات لقومٍ يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: واللّه الّذي جعل لكم أيّها النّاس النّجوم أدلّةً في البرّ والبحر إذا ضللتم الطّريق، أو تحيّرتم فلم تهتدوا فيها ليلاً تستدلّون بها على المحجّة، فتهتدون بها إلى الطّريق والمحجّة فتسلكونه، وتنجون بها من ظلمات ذلك، كما قال جلّ ثناؤه: {وعلاماتٍ وبالنّجم هم يهتدون}، أي من ضلال الطّريق في البرّ والبحر، وعنى بالظّلمات: ظلمة اللّيل، وظلمة الخطأ والضّلال، وظلمة الأرض أو الماء.
وقوله: {قد فصّلنا الآيات لقومٍ يعلمون} يقول: قد ميّزنا الأدلّة وفرّقنا الحجج فيكم وبيّنّاها أيّها النّاس ليتدبّرها أولو العلم باللّه منكم ويفهمها أولو الحجا منكم، فينيبوا من جهلهم الّذي هم عليه مقيمون، وينزجروا عن خطأ فعلهم الّذي هم عليه ثابتون، ولا يتمادوا عنادًا للّه مع علمهم بأنّ ما هم عليه مقيمون خطأٌ في غيّهم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر} قال: يضلّ الرّجل وهو في الظّلمة والجور عن الطّريق). [جامع البيان: 9/ 431-432]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر قد فصّلنا الآيات لقومٍ يعلمون (97)}
قوله: {وهو الّذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر}، قال: يضلّ الرّجل، وهو في الظّلمة والجور عن الطّريق).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1355]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} قال: يضل الرجل وهو الظلمة والجور عن الطريق.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر والخطيب في كتاب النجوم عن عمر بن الخطاب قال: «تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم امسكوا فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها وتعلموا من النسبة ما تصلون به أرحامكم وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم امسكوا».
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والخطيب في كتاب النجوم عن قتادة قال: «إن الله إنما جعل هذه النجوم لثلاث خصال، جعلها زينة للسماء وجعلها يهتدى بها وجعلها رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال رأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والدميم ولو أن أحدا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء».
- وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا».
- وأخرج الخطيب عن مجاهد قال: لا بأس أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به في البر والبحر ويتعلم منازل القمر.
- وأخرج ابن أبي حاتم والمرهبي في فضل العلم عن حميد الشامي قال: النجوم هي علم آدم عليه السلام.
- وأخرج المرهبي عن الحسن بن صالح قال: سمعت عن ابن عباس أنه قال: ذلك علم ضيعه الناس النجوم.
- وأخرج الخطيب عن عكرمة، أنه سأل رجلا عن حساب النجوم وجعل الرجل يتحرج أن يخبره فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: علم عجز الناس عنه وددت أني علمته قال الخطيب: مراده الضرب المباح الذي كانت العرب تختص به
- وأخرج الزبير بن بكار في المفقيات عن عبد الله بن حفص قال: خصت العرب بخصال بالكهانة والقيافة والعيافة والنجوم والحساب فهدم الإسلام الكهانة وثبت الباقي بعد ذلك.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن القرظي قال: والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء من نجم ولكن يتبعون الكهنة ويتخذون النجوم علة.
- وأخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أما بعد فإن ناسا يزعمون أن كسوف الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله يعتبر بها عباده لينظر من يحدث له منهم توبة.
- وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« لا تسألوا عن النجوم ولا تفسروا القرآن برأيكم ولا تسبوا أحدا من أصحابي فإن ذلك الإيمان المحض».
- وأخرج ابن مردويه والخطيب، عن علي، قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم وأمرني بإسباغ الطهور».
- وأخرج ابن مردويه والمرهبي والخطيب عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم.
- وأخرج الخطيب عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم.
- وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية والخطيب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فامسكوا وإذا ذكر القدر فامسكوا وإذا ذكر النجوم فامسكوا».
- وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه والخطيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخاف على أمتي خصلتين تكذيبا بالقدر وتصديقا بالنجوم وفي لفظ: وحذقا بالنجوم».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود، وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:« من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد»
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة والخطيب عن ابن عباس قال: إن قوما ما ينظرون في النجوم ويحسبون أبراجا وما أرى الذين يفعلون ذلك من خلاق.
- وأخرج الخطيب عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عباس أوصني، قال: «أوصيك بتقوى الله وإياك وعلم النجوم فإنه يدعوا إلى الكهانة وإياك أن تذكر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير فيكبك الله على وجهك في جهنم فإن الله أظهر بهم هذا الدين وإياك والكلام في القدر فإنه ما تكلم فيه اثنان إلا أثما أو أثم أحدهما».
- وأخرج الخطيب في كتاب النجوم بسند ضعفه عن عطاء قال: قيل لعلي بن أبي طالب: هل كان للنجوم أصل قال: «نعم كان نبي من الأنبياء يقال له يوشع بن نون، فقال له قومه: إنا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق وآجاله فأوحى الله تعالى إلى غمامة فأمطرتهم واستنقع على الجبل ماء صافيا ثم أوحى الله إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحى إلى يوشع بن نون أن يرتقي هو وقومه على الجبل فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجاله بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فكان أحدهم يعلم متى يموت ومتى يمرض ومن ذا الذي يولد له ومن الذي لا يولد له، قال: فبقوا كذلك برهة من دهرهم ثم إن داود عليه السلام قاتلهم على الكفر فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل من هؤلاء أحد فقال داود رب ها أنا أقاتل على طاعتك ويقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى الله إليه: إني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله وإنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد، قال داود: يا رب على ماذا علمتهم قال: على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فدعا الله فحبست الشمس عليهم فزاد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط عليهم حسابهم»، قال علي رضي الله عنه: «فمن ثم كره النظر في النجوم».
- وأخرج المرهبي في فضل العلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال:« لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر دعا بقوسه واتكأ على سيتها وحمد الله وذكر ما فتح الله على نبيه ونصره ونهى عن خصال: عن مهر البغي وعن خاتم الذهب وعن المياثر الحمر وعن لبس الثياب القسي وعن ثمن الكلب وعن أكل لحوم الحمر الأهلية وعن الصرف الذهب بالذهب والفضة بالفضة بينهما فضل وعن النظر في النجوم».
- وأخرج المرهبي عن مكحول قال: قال ابن عباس: لا تعلم النجوم فإنها تدعو إلى الكهانة.
- وأخرج ابن مردويه من طريق الحسن عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد طهر الله هذه الجزيرة من الشرك ما لم تضلهم النجوم»).[الدر المنثور: 6/ 149-155]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {فمستقر ومستودع}، قال: مستقر في الرحم ومستودع في الصلب.
- عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن إبراهيم قال: قال عبد الله مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة.
- عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: قال ابن مسعود إذا كان أجل الرجل بأرض أتيت له إليها حاجة فإذا بلغ أقصى أثره قبض فتقول الأرض يوم القيامة هذا ما استودعتني). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 215]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: المستودع ما في الصّلب، والمستقرّ ما في الرّحم، ممّا هو حيٌّ وممّا قد مات.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال لي ابن عبّاسٍ:« تزوّج يا سعيد»، قال: قلت: ما ذاك في نفسي اليوم، قال: «أما لئن قلت ذاك، لما كان في صلبك من مستودعٍ ليخرجنّ».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن قيس بن أبي حازمٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: «إذا كان أجل رجلٍ بأرضٍ أثبت له بها حاجةٌ، فإذا بلغ أقصى أجله، قضى أجله، قبض، فتقول الأرض يوم القيامة: يا ربّ! (هذا ما استودعتني)» .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا (سفيان بن عيينة، عن) إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن إبراهيم، قال: قال عبد اللّه: مستودعها في الدنيا ومستقرها في الرحم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن أبي المليح، عن رجلٍ من قومه، قال: قال رسول اللّه - صلّى الله عليه وسلّم -: «إذا أراد اللّه قبض عبدٍ بأرضٍ جعل له بها حاجة».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا منصورٌ، عن الحسن أنّه كان يقرأ: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبيدة بن حميد الحذّاء، قال: نا عمّارٌ الدّهني، عن حمّادٍ المدينيّ، عن كريب، قال: دعاني ابن عبّاسٍ رحمه اللّه، فقال: اكتب: من عبد اللّه بن عبّاسٍ إلى فلانٍ حبر تيماء، سلامٌ عليك، فإنّي أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلّا هو، فقلت: تبدؤه فتقول: سلامٌ عليك؟ فقال: إنّ اللّه هو السّلام، اكتب: سلامٌ عليك، أمّا بعد، فحدّثني عن {مستقرٌّ ومستودعٌ}، وعن: {جنة عرضها السماوات والأرض}، قال فذهبت بالكتاب إلى اليهوديّ، فأعطيته إيّاه، فلمّا نظر إليه (قال) : مرحبًا بكتاب خليلي من المسلمين، فذهب بي إلى بيته، ففتح أسفارًا له كثيرةً، فجعل يطرح تلك الأسفار لا يلتفت إليها، قلت: ما شأنك، قال: هذه أسفارٌ كتبتها اليهود، حتّى أخرج سفر موسى، فنظر إليه، فقال: المستودع: الصّلب، والمستقرّ: الرّحم، ثمّ قرأ هذه الآية: {ونقرّ في الأرحام ما نشاء}، {ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: هو مستقرّه في الأرض، ومستقرّه في الرّحم، ومستقرّه تحت الأرض حتّى يصير إلى الجنّة أو إلى النّار، ثمّ نظر فقال: {جنة عرضها السماوات والأرض}، قال: سبع سماوات، وسبع أرضين يلفّقن كما تلفّق الثّياب بعضها إلى بعضٍ، فقال: هذا عرضها، ولا يصف أحدٌ طولها).[سنن سعيد بن منصور: 5/ 45-65]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ:
{ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون}[الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث}[الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا}: [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا} [القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون} [الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ}[فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ» {ملكوتٌ} [الأنعام: 75] : " ملكٌ، مثل: رهبوتٍ خيرٌ من رحموتٍ، ويقول: ترهب خيرٌ من أن ترحم "، {وإن تعدل} [الأنعام: 70] : «تقسط، لا يقبل منها في ذلك اليوم» ، {جنّ}[الأنعام: 76] : «أظلم» ، {تعالى} [النحل: 3] : " علا، يقال: على اللّه حسبانه أي حسابه "، ويقال: {حسبانًا} [الأنعام: 96] : «مرامي» ، و {رجومًا للشّياطين} [الملك: 5] ، {مستقرٌّ} [البقرة: 36] : «في الصّلب»، {ومستودعٌ} [الأنعام: 98] : «في الرّحم»). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: مستقرٌّ في الصّلب ومستودعٌ في الرّحم هكذا وقع هنا وقد قال معمرٌ عن قتادة في قوله: {فمستقر ومستودع}، قال: مستقرٌّ في الرّحم ومستودعٌ في الصّلب أخرجه عبد الرّزّاق وأخرج سعيد بن منصورٍ من حديث بن عبّاسٍ مثله بإسنادٍ صحيحٍ وصحّحه الحاكم وقال أبو عبيدة مستقرٌّ في صلب الأب ومستودعٌ في رحم الأمّ وكذا أخرج عبد بن حميدٍ من حديث محمّد بن الحنفيّة وهذا موافقٌ لما عند المصنّف مخالفٌ لما تقدّم وأخرج عبد الرّزّاق عن بن مسعودٍ قال مستقرّها في الدّنيا ومستودعها في الآخرة وللطّبرانيّ من حديثه المستقرّ الرّحم والمستودع الأرض تنبيه قرأ أبو عمرو وبن كثيرٍ فمستقرٌّ بكسر القاف والباقون بفتحها وقرأ الجميع مستودعٌ بفتح الدّال إلّا روايةً عن أبي عمرٍو فبكسرها).[فتح الباري: 8/ 289]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مستقرٌ في الصّلب ومستودعٌ في الرّحم
أشار به إلى قوله تعالى: {وهو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع}وقد فسر قوله مستقر. بقوله مستقر في الصلب، وقوله: مستودع، بقوله مستودع في الرّحم، وكذا روي عن ابن مسعود وطائفة، وعن ابن عبّاس وأبي عبد الرّحمن السّلميّ وقيس بن أبي حازم ومجاهد وعطاء والنّخعيّ والضّحّاك وقتادة والسّديّ وعطاء الخراساني، مستقر في الأرحام مستودع في الأصلاب، وعن ابن مسعود أيضا فمستقر في الدّنيا ومستودع حيث يموت، وعن الحسن، والمستقر الّذي قد مات فاستقر به عمله، وعن ابن مسعود أيضا مستودع في الدّار الآخرة، وعن الطّبرانيّ في حديثه المستقر الرّحم والمستودع الأرض، وقرأ أبو عمرو وابن كثير، فمستقر، بكسر القاف والباقون بفتحها وقرأ الجميع مستودع، بفتح الدّال إلاّ رواية عن أبي عمرو فبكسرها).[عمدة القاري: 18/ 223]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({مستقر}) في قوله تعالى: {أنشأكم من نفس واحدة فمستقر} أي (في الصلب ومستودع في الرحم) كذا وقع هنا ومثله قول أي عبيدة مستقر في صلب الأب ومستوع في رحم الأم، وكذا أخرجه عبد بن حميد من حديث محمد ابن الحنفية، وقال معمر عن قتادة عن عبد الرزاق مستقر في الرحم ومستوع في الصلب، وأخرج سعيد بن منصور مثله من حديث ابن عباس بإسناد صحيح، وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة، وعند الطبراني من حديثه المستقر الرحم والمستودع الأرض).[إرشاد الساري: 7/ 117]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ):
(ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عز وجل: {فمستقرٌ ومستودعٌ} قال: المستقرّ: ما استقرّ في الرّحم، والمستودع: ما كان في أصلاب الرّجال لم يخلق بعد). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 88]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون}.
يقول تعالى ذكره: وإلهكم أيّها العادلون باللّه غيره {الّذي أنشأكم} يعني: الّذي ابتدأ خلقكم من غير شيءٍ فأوجدكم بعد أن لم تكونوا شيئًا، {من نفسٍ واحدةٍ} يعني: من آدم عليه السّلام.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {من نفسٍ واحدةٍ} قال: آدم عليه السّلام.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ}: من آدم عليه السّلام.
وأمّا قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، فإنّ أهل التّأويل في تأويله مختلفون، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ، فمنكم مستقرٌّ في الرّحم، ومنكم مستودعٌ في القبر حتّى يبعثه اللّه لنشر القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن إبراهيم، عن عبد اللّه: {يعلم مستقرّها} ومستودعها، قال: مستقرّها في الأرحام، ومستودعها حيث تموت.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ، عن إسماعيل، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، أنّه قال: المستودع حيث تموت، والمستقرّ: ما في الرّحم.
- حدّثت عن عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: المستقرّ الرّحم، والمستودع: المكان الّذي تموت فيه.
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، وعليّ بن هاشمٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن إبراهيم: {يعلم مستقرّها ومستودعها}، قال: مستقرّها في الأرحام، ومستودعها في الأرض حيث تموت فيها.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مقسمٍ، قال: مستقرّها في الصّلب حيث تأويل إليه، ومستودعها حيث تموت.
وقال آخرون: المستودع: ما كان في أصلاب الآباء، والمستقرّ: ما كان في بطون النّساء وبطون الأرض أو على ظهورها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا كلثوم بن جبرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: مستودعون ما كانوا في أصلاب الرّجال، فإذا قرّوا في أرحام النّساء أو على ظهر الأرض أو في بطنها، فقد استقرّوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا ابن عليّة، عن كلثوم بن جبرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: المستودعون: ما كانوا في أصلاب الرّجال، فإذا قرّوا في أرحام النّساء أو على ظهر الأرض فقد استقرّوا.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن المغيرة بن النّعمان، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {يعلم مستقرّها} ومستودعها، قال: المستودع في الصّلب، والمستقرّ: ما كان على وجه الأرض، أو في الأرض.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمستقرٌّ في الأرض على ظهورها، ومستودعٌ عند اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن المغيرة، عن أبي الخير تميم بن حذلم، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: المستقرّ: الأرض، والمستودع: عند الرّحمن.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: المستقرّ: الأرض، والمستودع: عند ربّك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن إبراهيم، قال: قال عبد اللّه: مستقرّها: في الدّنيا، ومستودعها: في الآخرة، يعني: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: المستودع: في الصّلب، والمستقرّ: في الآخرة، وعلى وجه الأرض.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمستقرٌّ في الرّحم، ومستودعٌ في الصّلب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي الحرث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: مستقرٌّ في الرّحم، ومستودعٌ في صلبٍ لم يخلق وسيخلق.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن يحيى الجابر، عن عكرمة: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستقرّ: الّذي قد استقرّ في الرّحم، والمستودع: الّذي قد استودع في الصّلب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن أبي الخير تميمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال ابن عبّاسٍ: سل فقلت: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: المستقرّ: في الرّحم، والمستودع: ما استودع في الصّلب.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستقرّ: الرّحم، والمستودع: ما كان عند ربّ العالمين ممّا هو خالقه ولم يخلق.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يعلم مستقرّها ومستودعها}، قال: المستقرّ: ما كان في الرّحم ممّا هو حيّ وممّا قد مات، والمستودع: ما في الصّلب.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال لي ابن عبّاسٍ، وذلك قبل أن يخرج وجهي: أتزوّجت يا ابن جبيرٍ؟ قال: قلت: لا، وما أريد ذاك يومي هذا، قال: فقال: أما إنّه مع ذلك سيخرج ما كان في صلبك من المستودعين.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال لي ابن عبّاسٍ: تزوّجت؟ قلت: لا، قال: فضرب ظهري وقال: ما كان من مستودعٍ في ظهرك سيخرج.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: المستقرّ: في الأرحام، والمستودع: في الصّلب لم يخلق وهو خالقه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستقرّ: في الرّحم، والمستودع: ما استودع في أصلاب الرّجال والدّوابّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: المستقرّ: ما استقرّ في الرّحم، والمستودع: ما استودع في الصّلب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن أبي الخير تميمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن رجلٍ، عن كريبٍ، قال: دعاني ابن عبّاسٍ فقال: اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، من عبد اللّه بن عبّاسٍ إلى فلانٍ حبر تيماء، سلامٌ عليك، فإنّي أحمد إليك اللّه الّذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد، قال: فقلت: تبدؤه تقول: السّلام عليك؟ فقال: إنّ اللّه هو السّلام، ثمّ قال: اكتب: سلامٌ عليك، أمّا بعد، فحدّثني عن مستقرٍّ ومستودعٍ، قال: ثمّ بعثني بالكتاب إلى اليهوديّ، فأعطيته إيّاه، فلمّا نظر إليه قال: مرحبًا بكتاب خليلي من المسلمين، فذهب بي إلى بيته، ففتح أسفاطًا له كبيرةً، فجعل يطرح تلك الأشياء لا يلتفت إليها، قال: قلت: ما شأنك؟ قال: هذه أشياء كتبها اليهود، حتّى أخرج سفر موسى عليه السّلام، قال: فنظر إليه مرّتين فقال: المستقرّ: الرّحم، قال: ثمّ قرأ: {ونقرّ في الأرحام ما نشاء}، وقرأ: {ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ}، قال: مستقرّه فوق الأرض، ومستقرّه في الرّحم، ومستقرّه تحت الأرض، حتّى يصير إلى الجنّة أو إلى النّار.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: المستقرّ: ما استقرّ في أرحام النّساء، والمستودع: ما استودع في أصلاب الرّجال.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ قال: المستقرّ: الرّحم، والمستودع: في أصلاب الرّجال.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا روح بن عبادة، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، وعن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: المستقرّ: الرّحم، والمستودع: في الأصلاب.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فمستقرٌّ}: ما استقرّ في أرحام النّساء، {ومستودعٌ}: ما كان في أصلاب الرّجال.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: المستقرّ: ما استقرّ في الرّحم، والمستودع: ما استودع في الصّلب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: المستقرّ: الرّحم، والمستودع: الصّلب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا معاذ بن معاذٍ، عن ابن عونٍ، قال: أتينا إبراهيم عند المساء، فأخبرونا أنّه، قد مات، فقلنا: هل سأله أحدٌ عن شيءٍ؟ قالوا: عبد الرّحمن بن الأسود عن المستقرّ والمستودع، فقال: المستقرّ: في الرّحم، والمستودع: في الصّلب.
- حدّثنا حميد بن مسعدة قال: حدّثنا بشر بن المفضّل قال: حدّثنا ابن عونٍ قال: أتينا إبراهيم وقد مات، قال: فحدّثني بعضهم أنّ عبد الرّحمن بن الأسود سأله قبل أن يموت عن المستقرّ والمستودع، فقال: المستقرّ: في الرّحم، والمستودع: في الصّلب.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ قال: أتينا منزل إبراهيم فسألنا عنه، فقالوا: قد توفّي، وسأله عبد الرّحمن بن الأسود، فذكر نحوه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، أنّه بلغه أنّ عبد الرّحمن بن الأسود سأل إبراهيم عن ذلك، فذكر نحوه.
- حدّثنا عبيد اللّه بن محمّدٍ الفريابيّ قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن العلاء بن هارون قال: انتهيت إلى منزل إبراهيم حين قبض، فقلت لهم: هل سأله أحدٌ عن شيءٍ؟ قالوا: سأله عبد الرّحمن بن الأسود عن مستقرٍّ ومستودعٍ، فقال: أمّا المستقرّ: فما استقرّ في أرحام النّساء، والمستودع: ما في أصلاب الرّجال.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: المستقرّ: الرّحم، والمستودع: الصّلب.
- حدّثني يونس، قال: حدّثني سفيان، عن رجلٍ، حدّثه عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال لي ابن عبّاسٍ: ألا تنكح؟ ثمّ قال: أما إنّي أقول لك هذا وإنّي لأعلم أنّ اللّه مخرجٌ من صلبك ما كان فيه مستودعًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: المستقرّ: في الرّحم، والمستودع: في الصّلب.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن ابن عبّاسٍ: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: مستقرٌّ: في الرّحم، ومستودعٌ: في الصّلب.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، قال: مستقرٌّ: في الرّحم، ومستودعٌ: في الصّلب.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، أمّا (مستقرٌّ): فما استقرّ في الرّحم، وأمّا (مستودعٌ): فما استودع في الصّلب.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: مستقرٌّ: في الأرحام، ومستودعٌ: في الأصلاب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، وأبي حمزة، عن إبراهيم، قالا: (مستقرٌّ ومستودعٌ)، المستقرّ: في الرّحم، والمستودع: في الصّلب.
وقال آخرون: المستقرّ: في القبر، والمستودع: في الدّنيا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: مستقرٌّ: في القبر، ومستودعٌ: في الدّنيا. وأوشك أن يلحق بصاحبه.
وأولى التّأويلات في ذلك بالصّواب، أن يقال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ بقوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} كلّ خلقه الّذي أنشأ من نفسٍ واحدةٍ مستقرًّا ومستودعًا، ولم يخصّص من ذلك معنًى دون معنًى. ولا شكّ أنّ من بني آدم مستقرًّا في الرّحم، ومستودعًا في الصّلب، ومنهم من هو مستقرٌّ على ظهر الأرض أو بطنها، ومستودعٌ في أصلاب الرّجال، ومنهم مستقرٌّ في القبر مستودعٌ على ظهر الأرض، فكلّ مستقرٍّ أو مستودعٍ بمعنًى من هذه المعاني فداخلٌ في عموم قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} ومرادٌ به، إلاّ أن يأتي خبرٌ يجب التّسليم له بأنّه معنيّ به معنًى دون معنًى، وخاصٌّ دون عامٍّ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}، فقرأت ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} بمعنى: فمنهم من استقرّه اللّه في مقرّه فهو مستقرٌّ، ومنهم من استودعه اللّه فيما استودعه فيه.
وقرأ ذلك بعض أهل المدينة وبعض أهل البصرة: (فمستقرٌّ) بكسر القاف، بمعنى: فمنهم من استقرّ فهو مستودعٌ فيه، في مقرّه فهو مستقرٌّ به.
وأولى القراءتين بالصّواب عندي وإن كان لكليهما عندي وجهٌ صحيحٌ: {فمستقرٌّ} بمعنى: استقرّه اللّه في مستقرّه، ليأتلف المعنى فيه وفي (المستودع)، في أنّ كلّ واحدٍ منهما لم يسمّ فاعله، وفي إضافة الخبر بذلك إلى اللّه في أنّه المستقرّ هذا والمستودع هذا، وذلك أنّ الجميع مجمعون على قراءة قوله: {ومستودعٌ} بفتح الدّال على وجه ما لم يسمّ فاعله، فإجراء الأوّل، أعنّي قوله: {فمستقرٌّ} عليه أشبه من عدوله عنه.
وأمّا قوله: {قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون}، يقول تعالى: قد بيّنّا الحجج، وميّزنا الأدلّة والأعلام وأحكمناها لقومٍ يفقهون مواقع الحجج ومواضع العبر، ويفهمون الآيات والذّكر، فإنّهم إذا اعتبروا بما نبّهتهم عليه من إنشائي من نفسٍ واحدةٍ ما عاينوا من البشر، وخلقي ما خلقت منها من عجائب الألوان والصّور، علموا أنّ ذلك من فعل من ليس له مثلٌ ولا شريكٌ فيشركوه في عبادتهم إيّاه.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون}، يقول: قد بيّنا الآيات لقومٍ يفقهون).[جامع البيان: 9/ 432-444]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون (98)}
قوله: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، يعني قوله: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ}:
أمّا نفسٍ واحدةٍ فمن آدم.
وروي عن مجاهدٍ وأبي مالكٍ وقتادة ومقاتلٍ بن حيّان مثل ذلك.
قوله تعالى: {فمستقرٌّ}
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ ثنا حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستقرّ ما كان في أرحام النّساء.
وروي عن عبد اللّه بن مسعودٍ وقيس بن أبي حازمٍ وأبي عبد الرّحمن السّلميّ وعطاءٍ ومجاهدٍ والنّخعيّ والضّحّاك وقتادة والسّدّيّ وعطاءٍ الخرساني نحو ذلك.
الوجه الثّاني.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا ابن عيينة عن إسماعيل ابن أبي خالدٍ عن إبراهيم قال: قال عبد الله: مستقر في الدنيا.
- قال أبو محمّدٍ: وروى الثّقات عن ابن أبي خالدٍ عن النّخعيّ عن ابن مسعودٍ: مستقرّها في الرّحم.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا ابن التّيميّ عن ليثٍ عن الحكم عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ قال: مستقرها حيث تأوي.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا الأشجّ ثنا أبو أسامة وأحمد بن بشيرٍ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، سمع السّدّيّ يقول، في حديث أحمد بن بشيرٍ عن السّدّيّ: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستقرّ، ما فرغ من خلقه.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ ثنا إسرائيل عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ في قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستقرّ في الأرض.
الوجه السّادس:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أحمد بن منيعٍ ثنا هشيمٌ ثنا منصورٌ عن الحسن في قوله: {فمستقر}، قال: المستقرّ الّذي قد مات فاستقرّ به عمله.
الوجه السّابع:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن حاتمٍ ثنا يونس- يعني ابن محمّدٍ- ثنا يعقوب الأشعريّ القمّيّ، ثنا إبراهيم بن محمّد بن الحنفيّة، وسألته فقلت: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}؟ قال: المستقرّ في أصلاب الرّجال.
الوجه الثّامن:
- حدّثنا أبي ثنا الوليد بن نفيلٍ ثنا إسماعيل بن عليّة ثنا كلثوم بن جبرٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: إذا قرّوا في أرحام النّساء، وعلى ظهر الأرض أو في بطنها، فقد استقرّوا.
قوله: {ومستودع}
الوجه الأول:
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ محمّد بن حمّادٍ ثنا حفص بن عمر ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال والمستودع ما كان في أصلاب الرّجال.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: ومستودعٌ، قال: {المستودع}: ما استودع في أصلاب الرّجال والدّوابّ.
وروي عن قيس بن أبي حازمٍ وسعيد بن جبيرٍ وأبي عبد الرّحمن السّلميّ ومجاهدٍ وإبراهيم النّخعيّ وقتادة والسّدّيّ والضّحّاك وعطاءٍ الخرساني نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن السّدّيّ عن مرّة عن عبد اللّه: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستودع المكان الّذي يموت فيه.
وروي عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ مثل ذلك. وروي عن مجاهدٍ في أحد قوليه مثله.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا ابن عيينة عن إسماعيل ابن أبي خالدٍ عن إبراهيم قال: قال عبد اللّه: مستودعها في الآخرة.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أحمد بن منيعٍ ثنا هشيمٌ ثنا منصورٌ عن الحسن: ومستودعٌ قال: إلى أجلٍ.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ ثنا يونس بن محمّدٍ ثنا يعقوب الأشعريّ القمّيّ ثنا إبراهيم بن محمّد بن الحنفيّة، وسألته فقلت: فمستقرٌّ ومستودعٌ؟ قال: المستودع في أرحام النّساء.
- قال أبو محمّدٍ: وهو أحد قولي عطاء بن أبي رباحٍ، وقول زيد بن عليّ ابن الحسين.
قوله: قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون
- أخبرنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن ربيع بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة، قوله: {قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون} يقول: بيّنّا الآيات لقومٍ يفقهون).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1355-1358]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {فمستقر ومستودع} قال المستقر في الأرحام والمستودع في الأصلاب).[تفسير مجاهد: 220]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني إسماعيل بن محمّد بن الفضل الشّعرانيّ، حدّثنا جدّي، ثنا عمرو بن عونٍ، ثنا هشيمٌ، أنبأ أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله عزّ وجلّ: {يعلم مستقرّها ومستودعها} [هود: 6] ، قال: «المستقرّ ما كان في الرّحم، ممّا هو حيٌّ، وممّا هو قد مات، والمستودع ما في الصّلب» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/346]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فمستقرٌّ ومستودعٌ}
- عن إبراهيم قال: قال عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ -: مستودعها في الدّنيا، ومستقرّها في الرّحم.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح، إلّا أنّ إبراهيم لم يدرك ابن مسعودٍ.
- وعن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ في قوله: {فمستقرٌّ ومستودعٌ} قال: المستقرّ الرّحم، والمستودع الأرض الّتي يموت فيها.
رواه الطّبرانيّ عن شيخه عبد اللّه بن محمّد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن متعلم حروف أبي جاد وراء في النجوم ليس له عند الله خلاق يوم القيامة»، أما قوله تعالى: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة}.
- أخرج ابن مردويه عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« نصب آدم بين يديه ثم ضرب كتفه اليسرى فخرجت ذريته من صلبه حتى ملأوا الأرض»، قوله تعالى: {فمستقر ومستودع}.
- أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: {فمستقر ومستودع} قال: المستقر ما كان في الرحم والمستودع ما استودع في أصلاب الرجال والدواب، وفي لفظ: المستقر ما في الرحم وعلى ظهر الأرض وبطنها مما هو حي ومما قد مات، وفي لفظ: المستقر ما كان في الأرض والمستودع ما كان في الصلب.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله: {فمستقر ومستودع} قال: مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة.
- وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن مسعود قال: المستقر الرحم والمستودع المكان الذي تموت فيه.
- وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن مسعود قال: إذا كان أجل الرجل بأرض أتيحت له إليها الحاجة فإذا بلغ أقصى أثره قبض، فتقول الأرض يوم القيامة: هذا ما استودعتني.
- وأخرج أبو الشيخ عن الحسن عن قتادة في قوله: {فمستقر ومستودع} قال: قالا: مستقر في القبر ومستودع في الدنيا أوشك أن يلحق بصاحبه
- وأخرج أبو الشيخ عن عوف قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« أنبئت بكل مستقر ومستودع من هذه الأمة إلى يوم القيامة كما علم آدم الأسماء كلها».
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: من اشتكى ضرسه فليضع يده عليه وليقرأ: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} الآية.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم (فمستقر) بنصب القاف.
- وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: أتزوجت قلت: لا وما ذاك في نفسي اليوم، قال: إن كان في صلبك وديعة فستخرج.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {قد فصلنا الآيات} يقول: بينا الآيات {لقوم يفقهون}). [الدر المنثور: 6/ 155-157]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن أبي إسحاق عن البراء في قوله تعالى: {قنوان دانية} قال قريبة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 215]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {من طلعها قنوان دانية}، قال قنوان عذوق النخلة يقول دانية متهدلة يعني متدلية). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 215]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة في قوله تعالى:{ وينعه} قال ونضجه). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 215]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن البراء في قوله: {قنوانٌ دانية} قال: قريبة ). [تفسير الثوري: 109]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ:
{ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون}[الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث}[الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا}: [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا} [القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون} [الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ}[فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ» {ملكوتٌ} [الأنعام: 75] : " ملكٌ، مثل: رهبوتٍ خيرٌ من رحموتٍ، ويقول: ترهب خيرٌ من أن ترحم "، {وإن تعدل} [الأنعام: 70] : «تقسط، لا يقبل منها في ذلك اليوم» ، {جنّ}[الأنعام: 76] : «أظلم» ، {تعالى} [النحل: 3] : " علا، يقال: على اللّه حسبانه أي حسابه "، ويقال: {حسبانًا} [الأنعام: 96] : «مرامي»، و {رجومًا للشّياطين} [الملك: 5] ، {مستقرٌّ} [البقرة: 36] : «في الصّلب»، {ومستودعٌ} [الأنعام: 98] : «في الرّحم، القنو العذق، والاثنان قنوان، والجماعة أيضًا قنوانٌ مثل صنوٍ» و {صنوانٍ} [الرعد: 4]). [صحيح البخاري: 6/ 55-56]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله القنو العذق والاثنان قنوان والجماعة أيضًا قنوانٌ مثل صنوان وصنوانٍ كذا وقع لأبي ذرٍّ تكرير صنوانٍ الأولى مجرورة النّون والثّانية مرفوعةٌ وسقطت الثّانية لغير أبي ذرٍّ ويوضّح المراد كلام أبي عبيدة الّذي هو منقولٌ منه قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن النّخل من طلعها قنوان قال القنو هو العذق بكسر العين يعني العنقود والاثنان قنوان والجمع قنوانٌ كلفظ الاثنين إلّا أنّ الاثنين مجرورةٌ ونون الجمع يدخله الرّفع والنّصب والجرّ ولم نجد مثله غير صنوٍ وصنوان والجمع صنوانٌ وحاصله أنّ من وقف على قنوانٍ وصنوانٍ وقع الاشتراك اللّفظيّ في إرادة التّثنية والجمع فإذا وصل ظهر الفرق فيقع الإعراب على النّون في الجمع دون التّثنية فإنّها مكسورة النّون خاصّةً ويقع الفرق أيضًا بانقلاب الألف في التّثنية حال الجرّ والنّصب بخلافها في الجمع وكذا بحذف نون التّثنية في الإضافة بخلاف الجمع تنبيهٌ قرأ الجمهور قنوانٌ بكسر القاف وقرأ الأعمش والأعرج وهي روايةٌ عن أبي عمرٍو بضمّها وهي لغة قيسٍ وعن أبي عمرٍو روايةٌ أيضا بفتح القاف وخرجها بن جنى على أنّها اسم جمع لقنوٍ لا جمعٌ وفي الشّواذّ قراءةٌ أخرى). [فتح الباري: 8/ 289]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (القنوا العذق والإثنان قنوان والجماعة أيضا قنوانٌ مثل صنوٍ وصنوانٍ
أشار به إلى قوله تعالى: {ومن النّخل من طلعها قنوان دانية} قوله الغدق بكسر العين المهملة وسكون الذّال المعجمة وفي آخره قاف، وهو العرجون، بما فيه من الشماريخ، ويجمع على عذاق، والعذق بالفتح النّخلة. قوله: {والاثنان قنوان} يعني: تثنية القنو قنوان، وكذلك جمع القنو قنوان فيستوي فيه التّثنية والجمع في اللّفظ ويقع الفرق بينهما بأن نون التّثنية مكسورة ونون الجمع تجري عليه أنواع الإعراب، تقول في التّثنية، هذان قنوان بالكسر، وأخذت قنوين في النصب وضربت بقنوين في الجرّ، فألف التّثنية تنقلب ياء فيهما، وتقول في الجمع: هذه قنوان بالرّفع لأنّه لا يتغيّر في حالة الرّفع، وأخذت قنوانا بالنّصب وضربت بقنوان بالجرّ، ولا يتغيّر فيه الألف أصلا والإعراب يجري على النّون، وكذا يقع الفرق في حالة الإضافة فإن نون التّثنية تحذف في الإضافة دون نون الجمع قوله: {مثل صنوان} يعني: أن تثنية صنو وجمعه كذلك على لفظ واحد، والفرق بما ذكرنا وهو بكسر الصّاد المهملة وسكون النّون، وهو المثل وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد. وقرأ الجمهور: قنوان بكسر أوله وقرأ الأعمش والأعرج بضمها، وهي رواية عن أبي عمرو، وهي لغة قيس). [عمدة القاري: 18/ 223]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: القنو في قوله: {ومن النخل من طلعها قنوان} أي (العذق) بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة آخره قاف وهو العرجون بما فيه من الشماريخ (والاثنان قنوان) بكسر القاف (والجماعة أيضًا قنوان) فيستوي فيه التثنية والجمع. نعم يظهر الفرق بينهما في رواية أبي ذر حيث تكرر عنده صنوان مع كسر نون الأولى ورفع الثانية التي هي نون الجمع الجاري عليها الإعراب تقول في التثنية هذان قنوان بالكسر، وأخذت قنوين في النصب، وضربت بقنوين في الجر فنقلب ألف التثنية فيهما وتقول في الجمع هذه قنوان بالرفع لأنه في حالة الرفع وأخذت قنوانًا بالنصب وضربت بقنوان بالجرّ ولا تتغير فيه الألف والإعراب يجري على النون ويحصل الفرق أيضًا بالإضافة فإن نون التثنية تحذف دون نون الجمع وسقطت قنوان الثانية لغير أبي ذر (مثل صنو وصنوان) في التثنية والجمع والكسر في التثنية والحركات الثلاث في الجمع وهو بكسر الصاد المهملة وسكون النون وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد، ولأبي ذر: وصنوان بالرفع والتنوين، وهذه التفاسير المذكورة مقدم بعضها على بعض في بعض النسخ ومؤخر في أخرى وساقط في بعضها من بعض).[إرشاد الساري: 7/ 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا}.
يقول تعالى ذكره: واللّه الّذي له العبادة خالصةً لا شركة فيه لشيءٍ سواه، هو الإله {الّذي أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ}، فأخرجنا بالماء الّذي أنزلناه من السّماء من غذاء الأنعام والبهائم والطّير والوحش، وأرزاق بني آدم وأقواتهم ما يتغذّون به ويأكلونه فينبتون عليه وينمون. وإنّما معنى قوله: {فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ}، فأخرجنا به ما ينبت به كلّ شيءٍ وينمو عليه ويصلح.
ولو قيل معناه: فأخرجنا به نبات جميع أنواع النّبات، فيكون كلّ شيءٍ هو أصناف النّبات، كان مذهبًا، وإن كان الوجه الصّحيح هو القول الأوّل.
وقوله: {فأخرجنا منه خضرًا} يقول: فأخرجنا منه يعني من الماء الّذي أنزلناه من السّماء خضرًا رطبًا من الزّرع.
والخضر: هو الأخضر، كقول العرب: أرنيها نمرةً أركها مطرةً، يقال: خضرت الأرض خضرًا وخضارةً، والخضر: رطب البقول، ويقال: نخلةٌ خضيرةٌ: إذا كانت ترمي ببسرها أخضر قبل أن ينضج، وقد اختضر الرّجل واغتضر: إذا مات شابًّا مصحّحًا، ويقال: هو لك خضرًا مضرًا: أي هنيئًا مريئًا.
قوله: {نخرج منه حبًّا متراكبًا} يقول: نخرج من الخضر حبًّا، يعني: ما في السّنبل، سنبل الحنطة والشّعير والأرز، وما أشبه ذلك من السّنابل الّتي حبّها يركب بعضه بعضًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا}: فهذا السّنبل).[جامع البيان: 9/ 444-445]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ}.
يقول تعالى ذكره: ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ، ولذلك رفعت القنوان.
والقنوان: جمع قنو، كما الصّنوان: جمع صنو، وهو العذق، يقال للواحد: هو قنوٌ وقنوٌ وقنا: يثنّى قنوان، ويجمع قنوانٌ وقنوانٌ، قالوا في جمع قليله: ثلاثة أقناءٍ، والقنوان: من لغة الحجاز، والقنوان: من لغة قيسٍ، وقال امرؤ القيس:
فأثّت أعاليه وآدت أصوله ....... ومال بقنوانٍ من البسر أحمرا
وقنيانٍ، جميعًا.
وقال آخر:
لها ذنبٌ كالقنو قد مذلت به ....... وأسحم للتّخطار بعد التّشذّر
وتميمٌ تقول: قنيانٌ، بالياء.
ويعني بقوله: {دانيةٌ}: قريبةً متهدّلةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {قنوانٌ دانيةٌ}: يعني بالقنوان الدّانية: قصار النّخل لاصقةً عذوقها بالأرض.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {من طلعها قنوانٌ دانيةٌ} قال: عذوقٌ متهدّلةٌ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {قنوانٌ دانيةٌ} يقول: متهدّلةٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: {قنوانٌ دانيةٌ} قال: قريبةٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ: {قنوانٌ دانيةٌ} قال: قريبةٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ} قال: الدّانية لتهدّل العذوق من الطّلع.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ}: يعني: النّخل القصار الملتزقة بالأرض، والقنوان: طلعه).[جامع البيان: 9/ 445-447]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجنّاتٍ من أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ}.
يقول تعالى ذكره: وأخرجنا أيضًا جنّاتٍ من أعنابٍ، يعني: بساتين من أعنابٍ.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه عامّة القرّاء: {وجنّاتٍ} نصبًا، غير أنّ التّاء كسرت لأنّها تاء جمع المؤنّث، وهي تخفض في موضع النّصب.
- وقد حدّثني الحارث، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، عن الكسائيّ، قال: أخبرنا حمزة، عن الأعمش، أنّه قرأ: (وجنّاتٌ من أعنابٍ) بالرّفع.
فرفع (جنّاتٌ) على إتباعها (القنوان) في الإعراب، وإن لم تكن من جنسها، كما قال الشّاعر:
ورأيت زوجك في الوغى ....... متقلّدًا سيفًا ورمحا
والقراءة الّتي لا أستجيز أن يقرأ ذلك إلاّ بها النّصب {وجنّاتٍ من أعنابٍ}، لإجماع الحجّة من القرّاء على تصويبها والقراءة بها ورفضهم ما عداها، وبعد معنى ذلك من الصّواب إذ قرئ رفعًا.
وقوله: {والزّيتون والرّمّان} عطفٌ بالزّيتون على (الجنّات) بمعنى: وأخرجنا الزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ.
وكان قتادة يقول في معنى {مشتبهًا وغير متشابهٍ} ما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وجنّاتٍ من أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ} قال: مشتبهًا ورقه، مختلفًا ثمره.
وجائزٌ أن يكون مرادًا به: مشتبهًا في الخلق، مختلفًا في الطّعم.
ومعنى الكلام: وشجر الزّيتون والرّمّان، فاكتفى من ذكر الشّجر بذكر ثمره، كما قيل: {واسأل القرية}، فاكتفى بذكر القرية من ذكر أهلها، لمعرفة المخاطبين بذلك بمعناه).[جامع البيان: 9/ 448-449]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل البصرة: {انظروا إلى ثمره} بفتح الثّاء والميم.
وقرأه بعض قرّاء أهل مكّة وعامّة قرّاء الكوفيّين: (إلى ثمره) بضمّ الثّاء والميم.
فكأنّ من فتح الثّاء والميم من ذلك وجّه معنى الكلام: انظروا إلى ثمر هذه الأشجار الّتي سمّينا من النّخل والأعناب والزّيتون والرّمّان إذا أثمر، وأنّ الثّمر جمع ثمرةٍ، كما القصب جمع قصبةٍ، والخشب جمع خشبةٍ.
وكأنّ من ضمّ الثّاء والميم، وجّه ذلك إلى أنّه جمع ثمارٍ، كما الحمر جمع حمارٍ، والجرب جمع جرابٍ.
- وقد حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن ابن إدريس، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّابٍ، أنّه كان يقرأ: (إلى ثمره) يقول: هو أصناف المال.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي حمّادٍ محمّد بن عبيد اللّه، عن قيس بن سعدٍ، عن مجاهدٍ، قال: الثّمر: هو المال، والثّمر: ثمر النّخل.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب، قراءة من قرأ: {انظروا إلى ثمره} بضمّ الثّاء والميم، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه وصف أصنافًا من المال، كما قال يحيى بن وثّابٍ، وكذلك حبّ الزّرع المتراكب، وقنوان النّخل الدّانية، والجنّات من الأعناب والزّيتون والرّمّان، فكان ذلك أنواعًا من الثّمر، فجمعت الثّمرة ثمرًا، ثمّ جمع الثّمر ثمارًا، ثمّ جمع ذلك فقيل: (انظروا إلى ثمره)، فكان ذلك جمع الثّمار، والثّمار جمع الثّمرة، وإثماره: عقد الثّمر.
وأمّا قوله: {وينعه} فإنّه: نضجه وبلوغه حين يبلغ.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول في ينعه: إذا فتحت ياؤه: هو جمع يانعٍ، كما التّجر: جمع تاجرٍ، والصّحب: جمع صاحبٍ.
وكان بعض أهل الكوفة ينكر ذلك ويرى أنّه مصدرٌ من قولهم: ينع الثّمر فهو يينع ينعًا، ويحكي في مصدره عن العرب لغاتٍ ثلاثًا: ينعٌ، وينعٌ، وينعٍ، وكذلك في النّضج النّضج والنّضج.
وأمّا في قراءة من قرأ ذلك: (ويانعه)، فإنّه يعني به: وناضجه وبالغه.
وقد يجوز في مصدره ينوعًا، ومسموعٌ عند العرب: أينعت الثّمرة تونع إيناعًا، ومن لغة الّذين قالوا ينع قول الشّاعر:
في قبابٍ عند دسكرةٍ ....... حولها الزّيتون قد ينعا
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وينعه} يعني: إذا نضج.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} قال: ينعه: نضجه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}: أي نضجه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وينعه} قال: نضجه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وينعه} يقول: ونضجه.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وينعه} قال: يعني: نضجه.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: {وينعه} قال: نضجه).[جامع البيان: 9/ 449-452]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ في إنزال اللّه تعالى من السّماء الماء الّذي أخرج به نبات كلّ شيءٍ، والخضر الّذي أخرج منه الحبّ المتراكب، وسائر ما عدّد في هذه الآية من صنوف خلقه، {لآياتٍ} يقول: في ذلكم أيّها النّاس إذا أنتم نظرتم إلى ثمره عند عقد ثمره، وعند ينعه وانتهائه، فرأيتم اختلاف أحواله وتصرّفه في زيادته ونموّه، علمتم أنّ له مدبّرًا ليس كمثله شيءٌ، ولا تصلح العبادة إلاّ له دون الآلهة والأنداد، وكان فيه حججٌ وبرهانٌ وبيانٌ {لقومٍ يؤمنون} يقول: لقومٍ يصدّقون بوحدانيّة اللّه وقدرته على ما يشاء.
وخصّ بذلك تعالى ذكره القوم الّذين يؤمنون، لأنّهم هم المنتفعون بحجج اللّه والمعتبرون بها، دون من قد طبع على قلبه فلا يعرف حقًّا من باطلٍ، ولا يتبيّن هدًى من ضلالةٍ).[جامع البيان: 9/ 452-453]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجنّاتٍ من أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآياتٍ لقومٍ يؤمنون (99)}
قوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً}
- حدّثنا أبي ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمّاد بن زيدٍ عن عبد الجليل عن شهر ابن حوشبٍ أنّ أبا هريرة قال: ما نزل قطرٌ إلا بميزانٍ.
- حدّثنا أبي ثنا محمود بن غيلان ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ ثنا الحسين أبن واقدٍ ثنا علباء بن أحمر عن عكرمة قال: ينزل اللّه الماء من السّماء السّابعة فتقع القطرة منه على السّحابة مثل البعير.
قوله تعالى: {فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ}
- حدّثنا أبي ثنا أبو الأشعث ثنا المعتمر قال: سمعت أبي يحدّث عن سيّارٍ عن خالد بن يزيد قال: كان عند عبد الملك بن مروان فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السّماء، ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فيعذبه الرّعد والبرق، فأمّا ما كان من البحر فلا يكون له نباتٌ، وأمّا النّبات فممّا كان من السّماء.
قوله تعالى: {فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبا متراكبا}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا} قال: السّنبل.
قوله تعالى: {ومن النّخل من طلعها}
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ النّحويّ عن عبيد بن سليمان عن الضّحّاك في قوله: {ومن النّخل من طلعها}: يعني النّخل الملتزقة بالأرض.
قوله تعالى: {قنوانٌ}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ} ،يعني بالقنوان الدّانية: قصار النّخل اللاصقة عذوقها بالأرض.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا رجلٌ سمّاه عن السّدّيّ عن ابن عبّاسٍ: قوله: {قنوانٌ دانيةٌ} قال: قنوانٌ الكبائس.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا معمرٌ عن قتادة في قوله:
{قنوانٌ دانيةٌ} قال: قنوانٌ عذوق النّخل.
- أخبرنا أحمد بن الأزهر بن منيعٍ فيما كتب إليّ ثنا وهب بن جريرٍ ثنا أبي عن عليّ بن الحكم عن الضّحّاك في قوله:
{قنوانٌ دانيةٌ} : يعني بالقنوان الطّلع.
قوله تعالى:
{دانيةٌ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عمرٌو العنقزيّ عن سفيان الثّوريّ عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ:
{قنوانٌ دانيةٌ}، قال قريبةٌ.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا رجلٌ سمّاه عن السّدّيّ عن ابن عبّاسٍ: قوله: {دانيةٌ}، والدّانية المنصوبة.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{قنوانٌ دانيةٌ} قال: دانيةٌ، تهدّل العذوق من الطّلع.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله: قنوانٌ دانيةٌ يقول: دانيةٌ، متهدّلةٌ. قال أبو محمّدٍ: يعني متدلّيةً.
قوله: {وجنّاتٍ من أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبها وغير متشابهٍ}
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ ثنا أبي عن خالد بن قيسٍ عن قتادة: قوله: مشتبهًا وغير متشابهٍ، يقال متشابهًا ورقه مختلفًا ثمره.
قوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر}.
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن عليٍّ ثنا محمّد بن الزّبرقان عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ: انظروا إلى ثمره إذا أثمر قال رطبه وعنبه.
قوله: {وينعه}.
- حدّثنا الحسن بن عرفة ثنا عمّار بن محمّدٍ عن سفيان الثّوريّ عن أبي إسحاق عن البراء: انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه قال: نضجه حين ينضج.
وروي عن ابن عبّاسٍ والسّدّيّ والضّحّاك وعطاءٍ الخرساني وقتادة وعبد اللّه بن أبي إسحاق البصريّ مثل ذلك.
قوله: {إنّ في ذلكم لآياتٍ لّقومٍ يؤمنون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1358-1360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن البراء بن عازب
{قنوانٌ دانيةٌ} قال: قريبة.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس
{قنوانٌ دانيةٌ} قال: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {قنوان} الكبائس والدانية المنصوبة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله:
{قنوانٌ دانيةٌ} قال: تهدل العذوق من الطلع.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {قنوان} قال: عذوق النخل، {دانية} قال: متهدلة يعني متدلية.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {مشتبها وغير متشابه} قال: مشتبها ورقه مختلفا ثمره.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} قال: رطبه وعنبه.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (انظروا إلى ثمره) بنصب الثاء والميم (وينعه) بنصب الياء.
- وأخرج أبو الشيخ عن محمد مسعر قال: فرضا على الناس إذا أخرجت الثمار أن يخرجوا وينظروا إليها، قال الله: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر}.
- وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن البراء {وينعه} قال: نضجه.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {وينعه} قال: نضجه
- وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {وينعه} قال: نضجه وبلاغه، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
إذا ما مشت وسط النساء تأودت ....... كما اهتز غصن ناعم أنبت يانع). [الدر المنثور: 6/ 157-160]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 10:36 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون}
أي يشق الحبة اليابسة الميتة والنواة اليابسة فيخرج منها ورقا أخضر.
وهو معنى، {يخرج الحيّ من الميّت} أي يخرج النبات الغض الطريّ الخضر من الحب اليابس.
{ومخرج الميّت من الحيّ} ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي.
احتج اللّه جل ثناؤه عليهم بما يشاهدون من خلقه لأنّهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء وأنه قادر على بعثهم.
وقوله: {فأنّى تؤفكون} أي فمن أين تصرفون عن الحق). [معاني القرآن:2/ 273]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ):(وقوله جل وعز: {إن الله فالق الحب والنوى} قال مجاهد يعني الشق فيها وقال الضحاك فالق خالق). [معاني القرآن:2/ 460]

تفسير قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فالق الإصباح...}
والإصباح مصدر أصبحنا إصباحا، والأصباح صبح كل يوم بمجموع.
وقوله: {وجعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً} الليل في موضع نصب في المعنى. فردّ الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله: (سكنا) فإذا لم تفرق بينهما بشيء آثروا الخفض. وقد يجوز أن ينصب وإن لم يحل بينهما بشيء؛ أنشد بعضهم:
وبينا نحن ننظره أتانا ....... معلّق شكوةٍ وزناد راع
وتقول: أنت آخذٌ حقّك وحقّ غيرك فتضيف في الثاني وقد نوّنت في الأوّل؛ لأن المعنى في قولك: أنت ضارب زيدا وضارب زيدٍ سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشيء؛ كما قال امرؤ القيس:
فظلّ طهاة اللحم من بين منضج ....... صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجّل
فنصب الصفيف وخفض القدير على ما قلت لك). [معاني القرآن:1/ 346]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وجاعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر} منصوبتين، لأنه فرق بينهما وبين الليل المضاف إلى جاعل قوله: (سكناً)، فأعملوا فيهما الفعل الذي عمل في قوله: سكناً، فنصبوهما كما أخرجوهما من الإضافة، كما قال الفرزدق:
قعوداً لدى الأبواب طالب حاجةٍ ....... عوانٍ من الحاجات أو حاجةٍ بكرا
{والشّمس والقمر حسباناً}، وهو جميع حساب، فخرج مخرج شهاب، والجميع شهبان). [مجاز القرآن:1/ 201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فالق الإصباح وجعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم}
وقال: {فالق الإصباح} جعله مصدرا من "أصبح". وبعضهم يقول (فالق الأصباح) جماع "الصّبح".
وقال: {والشّمس والقمر حسباناً} أي: بحسابٍ. فحذف الباء كما حذفها من قوله: {أعلم من يضلّ عن سبيله} أي: أعلم بمن يضلّ. و"الحسبان" جماعة "الحساب" مثل "شهاب" و"شهبان"، ومثله "الشمس والقمر بحسبان" أي: بحساب). [معاني القرآن:1/ 245]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر} فالإصباح: مصدر أصبح إصباحًا، مثل: أحسن إحسانًا؛ ونصب "الشمس"؛ كأنه وجاعل الشمس"؛ لأن معنى التنوين وغير التنوين سواء؛ كما تقول: هذا ضارب زيد وعمرًا؛ أي وضارب عمرًا، أو يضرب عمرًا، كل حسن؛ والخفض أسهل، ترده على أوله ولا تتكلف إضمارًا. ومثل قراءة أبي عمرو قول الشاعر:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا = أو عبد رب أخا عون بن مخراق
وقال الآخر:
فبينا نحن ننظره أتانا = معلق وفضة وزناد راع
فنصب "الزناد" على ما ذكرنا؛ كأنه قال: ومعلقًا زنادًا.
[معاني القرآن لقطرب: 520]
وقال جرير:
جئني بمثل بني بدر لقومهم = أو مثل أسرة منظور بن سيار
كأنه قال: أو هات؛ لأنها في معنى جئني.
وقال الهذلي:
ويأوى إلى نسوة عطل = وشعثا مراضيع مثل السعالي
كأنه قال: ويأتي شعثا؛ لأن المعنى واحد.
الحسن "فالق الأصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر" فالأصباح جمع؛ صبح وأصباح، كبرد وأبراد). [معاني القرآن لقطرب: 521]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {والشمس والقمر حبانا} و{الشمس والقمر بحسبان} أي بحساب، وقالوا: على الله حسبان فلان وحسبته؛ أي حسابه؛ وقالوا: حسب حسبا.
وأما {ويرسل عليها حسبانا}؛ فهو هاهنا السهام، والواحد حسبان كالجمع، كقولهم: الفلك للواحد منها والجمع؛ وكان ابن عباس رحمه الله يقول {ويرسل عليها حسبانا}: أي نارًا.
[معاني القرآن لقطرب: 548]
والحسبانة أيضًا: الوسادة الصغيرة، والحسبان الجمع؛ ويقال: حسبت الرجل؛ أي أجلسته على هذه الحسبانة.
وقال الشاعر:
يا عمرو لو قدرت عليك رماحنا = لفقدت أو لثويت غيرمحسب
أي موسد). [معاني القرآن لقطرب: 549]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حسبانا}: جماعة حساب).[غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الحسبان) الحساب. يقال: خذ كل شيء بحسبانه [أي بحسابه]). [تفسير غريب القرآن: 157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ):(وقوله جلّ وعزّ: {فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنا والشّمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم}
معنى الإصباح والصبح واحد، جائز أن يكون خالق الإصباح وجائز أن يكون معناه شاق الصبح، وهو راجع إلى معنى خالق الصبع.
وقوله: {والشّمس والقمر حسبانا}.
النصب في (الشمس والقمر) هي القراءة. والجر جائز على معنى وجاعل (الشمس والقمر حسبانا)، لأن في جاعل معنى جعل.
وبه نصبت {سكنا} ولا يجوز جاعل الليل سكنا، لأن أسماء الفاعلين إذا كان الفعل قد رفع أضيفت إلى ما بعدها لا غير تقول هذا ضارب زيد أمس.
فإجماع النحويين أنه لا يجوز في زيد النصب، وعلى ذلك أكثر الكوفيين، وبعض الكوفيين يجيز النصب. فإذا قلت هذا معطي زيد درهما فنصب الدرهم محمول على أعطى). [معاني القرآن: 2/ 273-274]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فالق الإصباح} ويقرأ {الإصباح} وقرأ به الحسن وعيسى وهو جمع صبح والإصباح كما تقول الإمساء وقرأ النخعي (فلق الإصباح) ). [معاني القرآن:2/ 460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا}
والحسبان والحساب واحد أي ذوي حساب يعني دورانهما.
وقال ابن عباس في قوله جل وعز: {الشمس والقمر بحسبان} أي بحساب). [معاني القرآن:2/ 460-461]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((الحسبان) والحساب واحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({حُسْبَانًا}: ما بينكم). [العمدة في غريب القرآن: 129]


تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}:

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو الّذي أنشأكم مّن نّفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ...}
يعني في الرحم {ومستودعٌ} في صلب الرجل. ويقرأ {فمستقرّ} يعني الولد في الرحم {ومستودع} في صلب الرجل. ورفعها على إضمار الصفة؛ كقولك: رأيت الرجلين عاقل وأحمق، يريد منهما كذا وكذا). [معاني القرآن:1/ 347]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فمستقرٌّ ومستودعٌ} مستقرٌّ في صلب الأب، ومستودع في رحم الأم). [مجاز القرآن:1/ 201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهو الّذي أنشأكم مّن نّفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون}
وقال: {أنشأكم مّن نّفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ} فنراه يعنى: فمنها مستقرٌّ ومنها مستودعٌ والله أعلم. وتقرأ {مستقرّ}). [معاني القرآن:1/ 246]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) :(القراء {فمستقر ومستودع}.
الحسن وشيبة بن نصاح وأبو عمرو {فمستقر ومستودع}، يصير فاعلاً من استقر، فهو مستقر). [معاني القرآن لقطرب: 521]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فمستقر}: في الصلب.
{ومستودع}: في الرحم). [غريب القرآن وتفسيره: 140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمستقرٌّ} في الصلب. {ومستودعٌ} في الرحم). [تفسير غريب القرآن:157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ ومستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون}
الأكثر في القراءة {مستقرّ} بفتح القاف، وقد قرئت بكسرها. و{مستودع} بالفتح لا غير.
- وأما رفع (مستقر ومستودع) فعلى معنى: لكم مستقرّ ولكم مستودع.
- ومن قرأ بالكسر (فمستقر ومستودع) فعلى معنى: فمنكم مستقر ومنكم مستودع.
وتأويل مستقر أي مستقر في الرحم ومستودع أي منكم مستودع في أصلاب الرجال، وعلى هذا أيضا فمستقر بفتح القاف، ومستودع.
أي فلهم مستقر ولكم في الأصلاب مستودع وجائز أن يكون فمستقر -بالكسر- ومستودع أي: فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع أي مستقر في الدنيا موجود، ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد.

- وجائز أن يكون (فمستقرّ) بالكسر، (ومستودع): فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع في الثرى.
وهذه الأقوال كلها قد قيلت واللّه أعلم بحقيقة ذلك). [معاني القرآن: 2/ 274-275]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع} قال عطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وألفاظهم متقاربة: فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب.
وقرأ جماعة بالفتح.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "المستقر": الرحم، و"المستودع": الأرض التي تموت بها. والفتح على معنى: ولكم في الأرحام مستقر وفي الأصلاب مستودع. والكسر بمعنى: فمنكم مستقر.
وقال سعيد بن جبير: قال ابن عباس: هل تزوجت؟ فقلت: لا. فقال: إن الله جل وعز يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه.
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما (فمستقر) بالكسر {ومستودع}.

وقال إبراهيم النخعي: المعنى: فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب.
وقال الحسن: فمستقر في القبر ومستودع في الدنيا يوشك أن يلحق بصاحبه.
- حدثني محمد بن إدريس قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا أبو داود عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز: {فمستقر ومستودع} قال: المستقر ما كان في الرحم والمستودع الصلب). [معاني القرآن: 2/ 461-463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون}
قال قتادة: (فصلنا) بمعنى بينا). [معاني القرآن:2/ 463]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَمُسْتَقَرٌّ} أي في الصلب، {وَمُسْتَوْدَعٌ} أي في الرحم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَمُسْتَقَرٌّ}: في الأصلاب
{وَمُسْتَوْدَعٌ}: في الأرحام). [العمدة في غريب القرآن: 129]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله:{فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ...}
يقول: رزق كل شيء، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شيء. وكذا جاء التفسير، وهو وجه الكلام.
وقد يجوز في العربية أن تضيف النبات إلى كل شيء وأنت تريد بكل شيء النبات أيضا، فيكون مثل قوله: {إنّ هذا لهو حقّ اليقين} واليقين هو الحقّ.
وقوله: {من النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ} الوجه الرفع في القنوان؛ لأن المعنى: ومن النخل قنوانه دانية. ولو نصب: وأخرج من النخل من طلعها قنوانا دانية لجاز في الكلام، ولا يقرأ بها لمكان الكتاب.
وقوله: {وجنّاتٍ مّن أعنابٍ} نصب، إلا أن جمع المؤنث بالتاء يخفض في موضع النصب، ولو رفعت الجنات تتبع القنوان كان صوابا.
وقوله: {وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ} الوجه فيه الرفع، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسي والأنهار كان صوابا.
وقوله: {والزّيتون والرّمّان} يريد شجرة الزيتون وشجر الرمان، كما قال: {واسأل القرية} يريد أهل القرية.
وقوله: {انظروا إلي ثمره إذا أثمر} يقول: انظروا إليه أول ما يعقد.

{وينعه}: بلوغه وقد قرئت (وينعه، ويانعه). فأما قوله: {وينعه} فمثل نضجه، ويانعه مثل ناضجه وبالغه). [معاني القرآن: 1/ 347-348]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قنوانٌ}: القنو هو العذق، والاثنان: قنوان، النون مكسورة، والجميع قنوانٌ على تقدير لفظ الاثنين، غير أن نون الاثنين مجرورة في موضع الرفع والنصب والجر، ونون الجميع يدخله الرفع والجر والنصب، ولم نجد مثله غير قولهم صنوٌ، وصنوان، والجميع صنوانٌ.
{وينعه إنّ في ذلكم}، ينعه: مصدر من ينع إذا أينع؛ أي: من مدركه، واحده يانع والجميع ينع، بمنزلة تاجر والجميع تجر، وصاحب والجميع صحب، ويقال: قد ينع الثمر فهو يينع ينوعاً، فمنه اليانع؛ ويقال: قد ينعت الثمرة وأينعت لغتان، فالآية فيها اللغتان جميعاً، قال:

في قبابٍ حول دسكرة ....... حولها الزيتون قد ينعا).
[مجاز القرآن:1/202]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهو الّذي أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ فأخرجنا منه خضراً نّخرج منه حبّاً مّتراكباً ومن النّخل من طلعها قنوان دانيةٌ وجنّاتٍ مّن أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهاً وغير متشابهٍ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآياتٍ لّقومٍ يؤمنون}
وقال: {فأخرجنا منه خضراً} يريد "الأخضر" كقول العرب: "أرنيها نمرةً أركها مطرةً".
وقال: {ومن النّخل من طلعها قنوان دانيةٌ} ثم قال: {وجنّاتٍ مّن أعنابٍ} أي: "وأخرجنا به جنّاتٍ من أعنابٍ".
ثم قال: {والزّيتون} وواحد: "القنوان": قنوٌ، وكذلك "الصّنوان" واحدها: صنوٌ). [معاني القرآن:1/ 246]

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (العمش "وجنات من أعناب" يرفع على الابتداء، كأنه قال: وثم جنات من أعناب أو "وفيها جنات من أعناب". الحسن وأبو عمرو وأهل المدينة {وجنات من أعناب} تكون نصبا على أخرجنا به نبات كل شيء، وأخرجنا به جنات.
أهل المدينة {انظروا إلى ثمره} بفتح الثاء والميم.
أصحاب عبد الله {إلى ثمره}.
[معاني القرآن لقطرب: 521]
وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: الثمر: المال والولد.
وقال الحارث بن حلزة:
ولقد رأيت معاشرًا = قد ثمروا مالاً وولدا
وسنذكر القراءة فيها في الكهف، إن شاء الله.
الحسن وأبو عمرو {وينعه}.
ابن أبي إسحاق "وينعه" بضم الياء؛ وقالوا ينع ينوعًا، وأينع إيناعًا، وهو الإدراك.
وقال ابن مقبل:
بل هل أريك حمول الحي غادية = كالنخل زينها ينع وإفضاح
يقول: احمرار.
قال: ويقال: حمام أفضح.
قال أبو دؤاد:
نخلات من نخل بيسان أينعن جميعا ونبتهن تؤام
وقال بشر:
كأن حمولهم لما استقلوا = نخيل محلم فيها ينوع). [معاني القرآن لقطرب: 522]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {خضرا نخرج منه} أي أخضر، وقالوا: خضرت الأرض خضرًا، وخضارة في المصدر.
فأما قوله عز وجل {قنوان دانية} فالواحد: قنو، وقنا مقصور؛ وهو العذق وقالوا: قني، وثلاثة أقناء؛ وقالوا: قنوان وقنوان، بالكسر والضم.
وقال امرئ القيس:
فأثت أعاليه وآدت أصوله = ومال بقنوان من البسر أحمرا
[وزاد محمد بن صالح]:
قال: أهل الحجاز يقولون: قنوان بكسر القاف؛ وقيس: قنوان؛ وتميم وضبة يقولون: قنيان؛ وكلب تقول: قنيان.
وأنشد لامرئ القيس البيت.
أثت: كثرت والتفت.
وقال آخر:
[معاني القرآن لقطرب: 549]
لذها ذنب كالقنو قد مذلت به = وأسحم للتخطار بعد التشدد). [معاني القرآن لقطرب: 550]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({خضرا}: أخضر وفي الحديث " تجنبوا من خضراتكم ذوات الريح" يعني البصل والثوم.
{قنوان}: أعذاق الواحد قنو.
{وينعه}: إدراكه، يقال "أينعت الثمرة" إذا أدركت وينعت). [غريب القرآن وتفسيره: 140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ((القنوان) عذوق النّخل. واحدها قنو. جمع على لفظ تثنيته، غير أن الحركات تلزم نونه في الجمع، وهي في الاثنين مكسورة، مثل:
صنو وصنوان في التّثنية. وصنوان في الجمع.
{انظروا إلى ثمره إذا أثمر} وهو غضّ.
{و ينعه} أي إدراكه ونضجه. يقال: ينعت الثّمرة وأينعت: إذا أدركت. وهو الينع والينع والينوع). [تفسير غريب القرآن: 157]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبّا متراكبا ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب والزّيتون والرّمّان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون}
قال أهل اللغة: أصل كلمة ماء ماه إلا أن الهمزة أبدلت من الهاء لخفاء الهاء، والدليل على ذلك قولهم أمواه في جمعه، ومياه، ويصغر مويه.
قال الشاعر:

سقى الله أمواها عرفت مكانها ....... جرابا وملكوما وبذّر والغمرا
وقوله: {فأخرجنا منه خضرا}
معنى خضر كمعنى أخضر، يقال اخضر فهو أخضر وخضر، مثل أعوز فهو أعور وعور.
وقوله: {ومن النّخل من طلعها قنوان دانية}
{قنوان} جمع قنو مثل صنو وصنوان، وإذا ثنيت القنو فهما قنوان يا هذا بكسر النون، والقنو العذق بكسر العين وهي الكباسة، والعذق النخلة.
و(دانية) أي قريبة المتناول، ولم يقل ومنها قنوان بعيدة.
لأن في الكلام دليلا أن البعيدة السحيقة من النخل قد كانت غير سحيقة، واجتزئ بذكر القريبة عن ذكر البعيدة، كما قال عزّ وجلّ:

{سرابيل تقيكم الحرّ} ولم يقل وسرابيل تقيكم البرد.
لأن في الكلام دليلا على أنها تقي البرد لأن ما يستر من الحر يستر من البرد.
وقوله: {وجنّات من أعناب}
عطف على قوله {خضرا} أي فأخرجنا من الماء خضرا وجناب من أعناب والجنة البستان، وإنما سمي البستان جنة، وكل نبت متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة، وهو مشتق من جننت الشيء إذا سترته.
ومن هذا قيل للترس مجن لأنه يستر.
وقوله: {والزّيتون والرّمّان مشتبها وغير متشابه}.
أي في الطعم وفيه ما يشبه طعم بعضه طعم بعض.
وقرن الزيتون بالرمان لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره.
قال الشاعر:

بورك الميت الغريب كما ....... بورك نضر الرمّان والزيتون
ومعناه أن البركة في ورقه واشتماله على عوده كله.
وقوله: {انظروا إلى ثمره}
يقال ثمرة وثمر وثمار، وثمر جمع ثمار، فمن قرأ إلى ثمره بالضم أراد جمع الجمع، وإن شئت قلت إلى ثمره فخففت لثقل الضمة.
{وينعه}، الينع: النضج، يقال ينع الشجر وأينع إذا أدرك.
قال الشاعر:

في قباب حول دسكرة ....... حولها الزيتون قد ينعا
قال أبو عبيدة البيت ليزيد بن معاوية أو للأحوص.
احتج اللّه عليهم بتصريف ما خلق ونقله من حال إلى حال، بما يعلمون أنه لا يقدر عليه المخلوقون، وأنه كذلك يبعثهم لأنهم كانوا ينكرون البعث فقال لهم: {إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون}.
فأعلمهم أن فيما قص دليلا لمن صدّق). [معاني القرآن: 2/ 275-277]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا} خضرا بمعنى أخضر). [معاني القرآن:2/ 463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {ومن النخل من طلعها قنوان دانية}

قال قتادة: (القنوان): العذوق، وكذلك هو عند أكثر أهل اللغة يقال: عذق، وقنو بمعنى واحد؛ فأما العذق: فالنخلة، وقيل القنوان: الجمار.
وقال البراء بن عازب: دانية قريبة والمعنى ومنها قنوان بعيدة كما قال تعالى: {سرابيل تقيكم الحر}). [معاني القرآن:2/ 463-464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه} أي مشتبها في المنظر وغير متشابه في الطعم). [معاني القرآن:2/ 464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} أي ونضجه يقال ينع وينع وأينع وينع إذا نضج وأدرك
وقال الحجاج في خطبته: أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها). [معاني القرآن: 2/ 464-465]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((القنوان) عذوق النخل، واحدها قنو، جمع على لفظ تثنينه، ومثله صنوان.
{ويَنْعِهِ} إدراكه. يقال: ينعت وأينعت، وهو الينع والينع). [تفسير المشكل من غريب القرآن:78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قنوان}: أعذاق
{وَيَنْعِهِ}: إدراكه). [العمدة في غريب القرآن: 129]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 10:47 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) }

تفسير قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (والنصب في الفصل أقوى إذا قلت هذا ضارب زيدٍ فيها وعمراً كلّما طال الكلام كان أقوى وذلك أنّك لا تفصل بين الجارّ وبين ما يعمل فيه فكذلك صار هذا أقوى.
فمن ذلك قوله جلّ ثناؤه: (وجاعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً) ). [الكتاب: 1/ 174]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما ينتصب فيه المصدر المشبّه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره
وذلك قولك مررت به فإذا له صوتٌ صوت حمار ومررت به فإذا له صراخٌ صراخ الثّكلى.
وقال الشاعر وهو النابغة الذّبيانّى:
مقذوفةٍ بدخيس النّحض بازلها ....... له صريفٌ صريف القعو بالمسد
وقال:
لها بعد إسناد الكليم وهدئه ....... ورنّة من يبكى إذا كان باكيا
هديرٌ هدير الثّور ينفض رأسه
....... يذبّ بروقيه الكلاب الضّواريا
فإنّما انتصب هذا لأنّك مررت به في حال تصويتٍ ولم ترد أن تجعل الآخر صفةً للأوّل ولا بدلاً منه. ولكنّك لمّا قلت له صوتٌ علم أنه قد كان ثمّ عملٌ فصار قولك له صوتٌ بمنزلة قولك فإذا هو يصوت فحملت الثاني على المعنى. وهذا شبيهٌ في النصب لا في المعنى بقوله تبارك وتعالى: (وجاعل اللّيل سكنًا والشّمس والقمر حسباناً) لأنّه حين قال جاعل الليل فقد علم القارئ أنّه على معنى جعل فصار كأنه قال وجعل اللّيل سكنًا، وحمل الثاني على المعنى. فكذلك له صوتٌ فكأنّه قال فإذا هو يصوت فحمله على المعنى فنصبه كأنّه توهّم بعد قوله له صوتٌ يصوت صوت الحمار أو يبديه أو يخرجه صوت حمار ولكنّه حذف هذا لأنه صار له صوتٌ بدلاً منه). [الكتاب: 1/ 355-356]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (ثمّ أسماء الليالي في ابتداء الهلال إلى آخر الشهر
قالت العرب للهلال في أوّل ليلةٍ يطلع: هلالٌ. والثانية لا يقال له: هلالٌ، إلى مثلها من الشهر المقبل. وإن لم ير إلاّ بعد الثالثة فهو قمرٌ.
وقال بعضهم: يقال له في الثالثة هلالٌ أيضاً.
وقال بعضهم: ما لم يستدر فهو هلالٌ، ثم يسمّى قمراً إذا استدار بخطٍّ دقيقٍ قبل أن يغلظ). [الأزمنة: 20]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والسكن: ما سكنت إليه قال الله جل وعز: {وجعل الليل سكنا} قال الراجز:

(أقامها بسكن وأدهان) ). [إصلاح المنطق: 55]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال أبو اليقظان: لما خرج شبيب بن يزيد نعيم الخارجيّ بالموصل بعث إليه الحجّاج قائدًا فقتله كذلك حتى أتى على خمسة قوّاد قتلهم وهزم جيوشهم وكان أحد القوّاد موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، ثم خرج شبيب من الموصل يريد الكوفة وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة فطمع شبيب أن يلقى الحجاج قبل أن يصل إلى الكوفة فأقحم الحجاج خيله فدخل الكوفة قبله، ومرّ شبيب بعتّاب بن ورقاء فقتله ومرّ بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهرب منه، وقدم شبيبٌ الكوفة آلى ألاّ يبرح عنهم أو يلقى الحجاج فيقتله أو يقتل دونه، فخرج الحجاج إليه في خيله، فلما قرب منه عمد إلى سلاحه فألبسه أبا الورد مولاه وحمله على الدّابة التي كان عليهم، فلما تواقفا قال شبيب: أروني الحجاج، فأومأوا له إلى أبي الورد فحمل عليه فقتله، ثم خرج من الكوفة يريد الأهواز فغرق في دجيل وهو يقول: {ذلك تقدير العزيز العليّم} ). [عيون الأخبار: 2/ 121-122]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى فقلت: هذا ضارب زيد أمس وعمرو، وهذا معطي الدراهم أمس وعمرو جاز لك أن تنصب عمراً على المعنى لبعده من الجار. فكأنك قلت: وأعطى عمراً فمن ذلك قول الله عز وجل: {جاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً} على معنى: وجعل، فنصب). [المقتضب: 4/ 154]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) }

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) }


تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (أهل الحجاز يقولون: هي «النخل» وهي «البسر» و«التمر» و«الشعير».
قال الفراء في كتاب: «الجمع واللغات»: وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، فإن أهل الحجاز يؤنثونه وربما ذكروا، والأغلب عليهم التأنيث. وأهل نجد يذكرون ذلك وربما أنثوا، والأغلب عليهم التذكير). [المذكور والمؤنث: 90-91]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (

نخل يكاد ذراه من قنوانه ....... بذريعتين يميله الإيقار
قوله من قنوانه القنوان العذوق وهو من قول الله تعالى: {قنوان دانية} قد انتهى حملها ودنا إنضاجها). [نقائض جرير والفرزدق: 869]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي: العذق عند أهل الحجاز النخلة نفسها. والعذق القنو الذي يقال له الكباسة وهو القنا أيضًا [مقصور]. [قال أبو عبيد]: فمن قال: قنو قال للإثنين: قنوان وللجميع قنوان بالكسر في أوله، ومثله صنو وصنوان [وصنوان للجميع]. ومن قال: قنا، قال لجمعه: أقناء [ممدود]). [الغريب المصنف: 2/ 489]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة فمن أخذها بحقها بورك له فيها».
ويروى أن هذا المال حلو خضر فمن أخذه بحقه ....
قال: حدثنيه يزيد عن محمد بن عمرو عن المقبري عن عبيد سنوطا قال: دخلنا على أم محمد امرأة حمزة بن عبد المطلب فذكرت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «خضرة» يعني الغضة الحسنة، وكل شيء غض طري فهو خضر.
وأصله من خضرة الشجر.
ومنه قيل للرجل إذا مات شابا غضا: قد اختضر.
وحدثني بعض أهل العلم أن شيخا كبيرا من العرب كان قد أولع به شاب من شبابهم فكلما رآه.
قال: قد أجززت يا أبا فلان!
يقول: قد آن لك أن تجزز يعني الموت.
فيقول له الشيخ: أي بني!
وتختضرون: أي تموتون شبابا.
ومنه قيل: خذ هذا الشيء خضرا مضرا.
فالخضر: الحسن الغض، والمضر إتباع.
وقال الله تبارك وتعالى: {فأخرجنا منه خضرا}.
يقال: إنه الأخضر، وهو من هذا.
وإنما سمي الخضر لأنه كان إذا جلس في موضع اخضر ما حوله). [غريب الحديث: 2/ 154-148]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

فأثت أعاليه وآدت أصوله ....... ومال بقنوان من البسر أحمرا
...
والقنوان: جمع قنو، ويقال: قنوان وقنيان؛ وهي الكبائس. قال: وأهل وادي القرى، وأهل المدينى يسمون العذق: القنا، والجمع أقناء). [شرح ديوان امرئ القيس: 414]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "إني لأرى رؤوساٌ قد أينعت"، يريد أدركت، يقال: أينعت الثمرة إيناعاٌ وينعت ينعاٌ، ويقرأ: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} و(يُنْعِهِ) كلاهما جائز). [الكامل: 2/ 498]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والعذق: الكباسة، والكباسة تسمى القنو وجمعه قنوان). [الأمالي: 2/ 53]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون (95) فالق الإصباح وجعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم (96)}
هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر، ويتصل المعنى بما قبله لأن القصد أن الله لا هذه الأصنام، وقال مجاهد وأبو مالك هذه إشارة إلى الشق الذي في حبة البر ونواة التمر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والعبرة على هذا القول مخصوصة في بعض الحب وبعض النوى، وليس لذلك وجه، وقال الضحاك وقتادة والسدي وغيرهما هذه إشارة إلى فعل الله في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا هو الظاهر الذي يعطي العبرة التامة، فسبحان الخلاق العليم، وقال الضحاك: فالق بمعنى خالق، وقال السدي وأبو مالك: يخرج الحيّ من الميّت إشارة إلى إخراج النبات الأخضر والشجر الأخضر من الحب اليابس والنوى اليابس، فكأنه جعل الخضرة والنضارة حياة واليبس موتا ومخرج الميّت من الحيّ إشارة إلى إخراج اليابس من النبات والشجر، وقال ابن عباس وغيره، بل ذلك كله إشارة إلى إخراج الإنسان الحي من النطفة الميتة وإخراج النطفة الميتة من الإنسان الحي، وكذلك سائر الحيوان والطير من البيض والحوت وجميع الحيوان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول أرجح وإنما تعلق قائلو القول الأول بتناسب تأويلهم مع قوله:
فالق الحبّ والنّوى وهما على هذا التأويل الراجح معنيان متباينان فيهما معتبر، وقال الحسن: المعنى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وقوله: ذلكم اللّه ابتداء وخبر متضمن التنبيه، فأنّى تؤفكون أي تصرفون وتصدون). [المحرر الوجيز: 3/ 424-425]

تفسير قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وفالق الإصباح أي شاقه ومظهره، والفلق الصبح، وقرأ الجمهور «فالق الإصباح» بكسر الهمزة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعيسى بن عمر وأبو رجاء «فالق الأصباح» بفتح الهمزة جمع صبح، وقرأت فرقة «فالق الإصباح» بحذف التنوين «فالق» لالتقاء الساكنين، ونصب «الإصباح» ب «فالق» كأنه أراد «فالق الإصباح» بتنوين القاف، وهذه قراءة شاذة، وإنما جوز سيبويه مثل هذا في الشعر وأنشد عليها: [المتقارب]
فألفيته غير مستعتب ....... ولا ذاكر الله إلّا قليلا
وحكى النحاس عن المبرد جواز ذلك في الكلام، وقرأ أبو حيوة وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب «فلق الإصباح» بفعل ماض، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «وجاعل الليل» وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «وجعل الليل»، وهذا لما كان «فالق» بمعنى الماضي فكأن اللفظ «فلق الإصباح» وجعل، ويؤيد ذلك نصب الشّمس والقمر، وقرأ الجمهور «سكنا» وروي عن يعقوب «ساكنا» قال أبو عمرو الداني ولا يصح ذلك عنه، ونصبه بفعل مضمر إذا قرأنا «وجاعل» لأنه بمعنى المضي، وتقدير الفعل المضمر وجاعل الليل يجعله سكنا، وهذا مثل قولك هذا معطي زيد أمس درهما، والذي حكاه أبو علي في هذا أن ينتصب بما في الكلام من معنى معطي. وقرأ أبو حيوة «والشمس والقمر» بالخفض عطفا على لفظ «الليل» وحسباناً جمع حساب كشهبان في جمع شهاب، أي تجري بحساب، هذا قول ابن عباس والسدي وقتادة ومجاهد، وقال مجاهد في صحيح البخاري المراد حسبان كحسبان إلى حي وهو الدولاب والعود الذي عليه دورانه). [المحرر الوجيز: 3/ 425-426]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر قد فصّلنا الآيات لقومٍ يعلمون (97) وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون (98)}
هذه المخاطبة تعم المؤمنين والكافرين، فالحجة بها على الكافرين قائمة والعبرة بها للمؤمنين ممكنة متعرضة، وجعل هنا بمعنى خلق لدخولها على مفعول واحد، وقد يمكن أن تكون بمعنى صير ويقدر المفعول الثاني في لتهتدوا لأنه يقدر وهو الذي جعل لكم النجوم هداية، وفي ظلمات هي هاهنا على حقيقتها في ظلمة الليل بقرينة النجوم التي لا تكون إلا بالليل، ويصح أن تكون «الظلمات» هاهنا الشدائد في المواضع التي يتفق أن يهتدى فيها الشمس، وذكر الله تعالى النجوم في ثلاث منافع وهي قوله:
{ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح} [الملك: 5] وقوله: {وجعلناها رجوماً للشّياطين} [الملك: 5] وقوله تعالى: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر}، فالواجب أن يعتقد أن ما عدا هذه الوجوه من قول أهل التأثير باطل واختلاق على الله وكفر به، وفصّلنا معناه بينا وقسمنا والآيات الدلائل ولقومٍ يعلمون تخصيص لهم بالذكر وتنبيه منهم لتحصلهم الآية المفصلة المنصوبة، وغيرهم تمر عليهم الآيات وهم معرضون عنها). [المحرر الوجيز: 3/ 426-427]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ ... الآية}، الإنشاء فعل الشيء، ومن نفسٍ واحدةٍ يريد آدم عليه السلام، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي «فمستقر» بفتح القاف على أنه موضع استقرار، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فمستقر» بكسر القاف على أنه اسم فاعل، وأجمعوا على فتح الدال من «مستودع» بأن يقدر موضع استيداع، وأن يقدر أيضا مفعولا ولا يصح ذلك في مستقر لأن استقر لا يتعدى فيبنى منه مفعول أما أنه روى هارون الأعور عن أبي عمرو «ومستودع» بكسر الدال، فمن قرأ «فمستقر ومستودع» على أنها موضع استقرار وموضع استيداع علقها بمجرور تقديره فلكم مستقر ومستودع، ومن قرأ «فمستقر ومستودع» على اسم الفاعل في «مستقر» واسم المفعول في «مستودع» علقها بمجرور تقديره فمنكم مستقر ومستودع واضطرب المتأولون في معنى هذا الاستقرار والاستيداع، فقال الجمهور مستقر في الرحم ومستودع في ظهور الآباء حتى يقضي الله بخروجهم، وقال ابن عون: مشيت إلى منزل إبراهيم النخعي وهو مريض فقالوا قد توفي فأخبرني بعضهم أن عبد الرحمن بن الأسود سأله عن «مستقر ومستودع» فقال: مستقر في الرحم ومستودع في الصلب، وقال الحسن بن أبي الحسن: مستقر في القبور ومستودع في الدنيا، وقال ابن عباس: المستقر الأرض والمستودع عند الرحم، وقال ابن جبير: المستودع في الصلب والمستقر في الآخرة والذي يقتضيه النظر أن ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه وليس بمستقر فيه استقرارا مطلقا لأنه ينتقل لا محالة ثم ينتقل إلى الرحم ثم ينتقل إلى القبر ثم ينتقل إلى المحشر ثم ينتقل إلى الجنة أو النار فيستقر في أحدهما استقرارا مطلقا، وليس فيها مستودع لأنه لا نقلة له بعد وهو في كل رتبة متوسطة بين هذين الظرفين «مستقر» بالإضافة إلى التي قبلها و «مستودع» بالإضافة إلى التي بعدها لأن لفظ الوديعة يقتضي فيها نقلة ولا بد، ويفقهون معناه يفهمون وقد تقدم تفسير مثل هذا آنفا). [المحرر الوجيز: 3/ 427-428]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حبًّا متراكباً ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجنّاتٍ من أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهاً وغير متشابهٍ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآياتٍ لقومٍ يؤمنون (99)}
السّماء في هذا الموضع السحاب، وكل ما أظلك فهو سماء، وماءً أصله موه تحركت الواو وانفتح ما قبلها فجاء ماه فبدلت الهاء بالهمزة لأن الألف والهاء ضعيفان مهموسان، وقوله: نبات كلّ شيءٍ قال بعض المفسرين أي مما ينبت، وحسن إطلاق العموم في كلّ شيءٍ لأن ذكر النبات قبله قد قيد المقصد وقال الطبري والمراد ب كلّ شيءٍ ما ينمو من جميع الحيوانات والنبات والمعادن وغير ذلك، لأن ذلك كله يتغذى وينمو بنزول الماء من السماء، والضمير في منه يعود على النبات، وفي الثاني يعود على الخضر، وخضراً بمعنى أخضر، ومنه قوله عليه السلام: «الدنيا خضرة حلوة» بمعنى خضراء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكأن «خضرا» إنما يأتي أبدا لمعنى النضارة وليس للون فيه مدخل، وأخضر إنما تمكنه في اللون، وهو في النضارة تجوز، وقوله: حبًّا متراكباً يعم جميع السنابل وما شاكلها كالصنوبر، والرمان وغيرها من جميع النبات، وقوله تعالى: ومن النّخل تقديره ونخرج من النخل ومن طلعها قنوانٌ ابتداء خبره مقدم، والجملة في موضع المفعول بنخرج، و «الطلع» أول ما يخرج من النخلة في أكمامه، وقنوانٌ جمع قنو وهو العذق بكسر العين وهي الكباسة، والعرجون عوده الذي ينتظم التمر، قرأ الأعرج «قنوان» بفتح القاف، وقال أبو الفتح ينبغي أن يكون اسما للجمع غير مكسر لأن فعلان ليس من أمثلة الجمع قال المهدوي وروي عن الأعرج ضم القاف، وكذلك أنه جمع «قنو» بضم القاف، قال الفراء وهي لغة قيس وأهل الحجاز، والكسر أشهر في العرب، وقنو يثنى قنوان منصرفة النون، ودانيةٌ معناه قريبة من المتناول، قاله ابن عباس والبراء بن عازب والضحاك وقيل قريبة بعضها من بعض، وقرأ الجمهور «وجنات» بنصب جنات عطفا على قوله نبات، وقرأ الأعمش ومحمد بن أبي ليلى ورويت عن أبي بكر عن عاصم «وجنات» بالرفع على تقدير ولكم جنات أو نحو هذا، وقال الطبري وهو عطف على قنوان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله ضعيف والزّيتون والرّمّان بالنصب إجماعا عطفا على قوله:
{حبًّا}، {ومشتبهاً وغير متشابهٍ} قال قتادة: معناه تتشابه في اللون وتتباين في الثمر، وقال الطبري: جائز أن تتشابه في الثمر وتتباين في الطعم، ويحتمل أن يريد تتشابه في الطعم وتتباين في المنظر، وهذه الأحوال موجودة بالاعتبار في أنواع الثمرات، وقوله تعالى: انظروا وهو نظر بصر يترتب عليه فكرة قلب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم «إلى ثمره» بفتح الثاء والميم وهو جمع ثمرة كبقرة وبقر وشجرة وشجر، وقرأ يحيى بن وثاب ومجاهد «ثمره» بضم الثاء والميم قالا وهي أصناف المال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأن المعنى انظروا إلى الأموال التي تتحصل منه، وهي قراءة حمزة والكسائي، قال أبو علي والأحسن فيه أن يكون جمع ثمره كخشبة وخشب وأكمة وأكم، ومنه قول الشاعر:
[الطويل]
... ... ... ... ....... ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر
نظيره في المعتل لابة ولوب وناقة ونوق وساحة وسوح.
ويجوز أن يكون جمع جمع فتقول ثمرة وثمار وثمر مثل حمار وحمر، وقرأت فرقة «إلى ثمره» بضم الثاء وإسكان الميم كأنها ذهبت إلى طلب الخفة في تسكين الميم، والثمر في اللغة جنى الشجر وما يطلع، وإن سمي الشجر ثمارا فتجوز، وقرأ جمهور الناس و «ينعه» بفتح الياء وهو مصدر ينع يينع إذا نضج، يقال ينع وأينع، وبالنضج فسر ابن عباس هذه الآية، ومنه قول الحجاج «إني لأرى رؤوسا قد أينعت»، ويستعمل ينع بمعنى استقل واخضر ناضرا، ومنه قول الشاعر: [المديد]
في قباب حول دسكرة ....... حولها الزّيتون قد ينعا
وقيل في ينعه إنه جمع يانع مثل في تاجر وتجر وراكب وركب ذكره الطبري، وقرأ ابن محيصن وقتادة والضحاك «وينعه» بضم الياء أي نضجه، وقرأ ابن أبي عبلة واليماني. «ويانعه»، وقوله إنّ في ذلكم لآياتٍ إيجاب تنبيه وتذكير وتقدم تفسير مثله). [المحرر الوجيز: 3/ 428-430]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 01:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى يخرج الحيّ من الميّت ومخرج الميّت من الحيّ ذلكم اللّه فأنّى تؤفكون (95) فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنًا والشّمس والقمر حسبانًا ذلك تقدير العزيز العليم (96) وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر قد فصّلنا الآيات لقومٍ يعلمون (97)}
يخبر تعالى أنّه فالق الحبّ والنّوى، أي: يشقّه في الثّرى فتنبت الزّروع على اختلاف أصنافها من الحبوب، والثّمار على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها من النّوى؛ ولهذا فسّر [قوله] {فالق الحبّ والنّوى}، بقوله: {يخرج الحيّ من الميّت} أي: يخرج النّبات الحيّ من الحبّ والنّوى، الّذي هو كالجماد الميّت، كما قال: {وآيةٌ لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون * [وجعلنا فيها جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ وفجّرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون * سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض] ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون} [يس: 33 -36].
وقوله: {ومخرج الميّت من الحيّ} معطوفٌ على {فالق الحبّ والنّوى} ثمّ فسّره ثمّ عطف عليه قوله: {ومخرج الميّت من الحيّ}
وقد عبّروا عن هذا [وهذا] بعباراتٍ كلّها متقاربةٌ مؤدّيةٌ للمعنى، فمن قائلٍ: يخرج الدّجاجة من البيضة، والبيضة من الدّجاجة، من قائلٍ: يخرج الولد الصّالح من الكافر، والكافر من الصّالح، وغير ذلك من العبارات الّتي تنتظمها الآية وتشملها.
ثمّ قال: {ذلكم اللّه} أي: فاعل هذه الأشياء هو اللّه وحده لا شريك له {فأنّى تؤفكون} أي: فكيف تصرفون من الحقّ وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون مع اللّه غيره). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 304]

تفسير قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكنًا} أي: خالق الضّياء والظّلام، كما قال في أوّل السّورة: {وجعل الظّلمات والنّور} فهو سبحانه يفلق ظلام اللّيل عن غرّة الصّباح، فيضيء الوجود، ويستنير الأفق، ويضمحلّ الظّلام، ويذهب اللّيل بدآدئه وظلام رواقه، ويجيء النّهار بضيائه وإشراقه، كما قال [تعالى]: {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا} [الأعراف: 54]، فبيّن تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادّة المختلفة الدّالّة على كمال عظمته وعظيم سلطانه، فذكر أنّه فالق الإصباح وقابل ذلك بقوله: {وجاعل اللّيل سكنًا} أي: ساجيًا مظلمًا تسكن فيه الأشياء، كما قال: {والضّحى واللّيل إذا سجى} [الضّحى: 1، 2]، وقال {واللّيل إذا يغشى * والنّهار إذا تجلّى} [اللّيل: 1، 2]، وقال {والنّهار إذا جلاها * واللّيل إذا يغشاها} [الشّمس: 3، 4].
وقال صهيبٌ الرّوميّ [رضي اللّه عنه] لامرأته وقد عاتبته في كثرة سهره: إنّ اللّه جعل اللّيل سكنًا إلّا لصهيبٍ، إنّ صهيبًا إذا ذكر الجنّة طال شوقه، وإذا ذكر النّار طار نومه، رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {والشّمس والقمر حسبانًا} أي: يجريان بحسابٍ مقنّنٍ مقدّرٍ، لا يتغيّر ولا يضطرب، بل كلٌّ منهما له منازل يسلكها في الصّيف والشّتاء، فيترتّب على ذلك اختلاف اللّيل والنّهار طولًا وقصرًا، كما قال [تعالى] {هو الّذي جعل الشّمس ضياءً والقمر نورًا وقدّره منازل [لتعلموا عدد السّنين والحساب]} الآية [يونس: 5]، وكما قال: {لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون} [يس: 40]، وقال: {والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره} [الأعراف: 54].
وقوله: {ذلك تقدير العزيز العليم} أي: الجميع جارٍ بتقدير العزيز الّذي لا يمانع ولا يخالف العليم بكلّ شيءٍ، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء، وكثيرًا ما إذا ذكر اللّه تعالى خلق اللّيل والنّهار والشّمس والقمر، يختم الكلام بالعزّة والعلم، كما ذكر في هذه الآية، وكما في قوله: {وآيةٌ لهم اللّيل نسلخ منه النّهار فإذا هم مظلمون * والشّمس تجري لمستقرٍّ لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 37، 38].
ولمّا ذكر خلق السموات والأرض وما فيهنّ في أوّل سورة {حم} السّجدة، قال: {وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم} [فصّلت: 12]). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 304-305]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر}، قال بعض السّلف: من اعتقد في هذه النّجوم غير ثلاثٍ فقد أخطأ وكذب على اللّه: أنّ اللّه جعلها زينةً للسّماء ورجومًا للشّياطين، ويهتدى بها في ظلمات البرّ والبحر.
وقوله: {قد فصّلنا الآيات} أي: قد بيّنّاها ووضّحناها {لقومٍ يعلمون} أي: يعقلون ويعرفون الحقّ ويجتنبون الباطل). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 305]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ فمستقرٌّ ومستودعٌ قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون (98) وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا ومن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجنّاتٍ من أعنابٍ والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآياتٍ لقومٍ يؤمنون (99)}
يقول تعالى: {وهو الّذي أنشأكم من نفسٍ واحدةٍ} يعني: آدم عليه السّلام، كما قال: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرًا ونساءً} [النّساء: 1].
وقوله: {فمستقرٌ} اختلفوا في معنى ذلك، فعن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وأبي عبد الرّحمن السّلميّ، وقيس بن أبي حازمٍ ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وإبراهيم النّخعيّ، والضّحّاك وقتادة والسّدّي، وعطاءٍ الخراسانيّ: {فمستقرٌ} أي: في الأرحام قالوا -أو: أكثرهم -: {ومستودعٌ} أي: في الأصلاب.
وعن ابن مسعودٍ وطائفةٍ عكس ذلك. وعن ابن مسعودٍ أيضًا وطائفةٍ: فمستقرٌّ في الدنيا، ومستودعٌ حيث يموت. وقال سعيد بن جبير: {فمستقرٌ} في الأرحام وعلى ظهر الأرض، وحيث يموت. وقال الحسن البصريّ: المستقرّ الّذي [قد] مات فاستقرّ به عمله. وعن ابن مسعودٍ: ومستودعٌ في الدّار الآخرة.
والقول الأوّل هو الأظهر، واللّه أعلم.
وقوله: {قد فصّلنا الآيات لقومٍ يفقهون} أي: يفهمون ويعون كلام اللّه ومعناه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 305-306]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً} أي بقدرٍ مباركًا، رزقًا للعباد وغياثًا للخلائق، رحمةً من اللّه لخلقه {فأخرجنا به نبات كلّ شيءٍ}، كما قال: {وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ}[الأنبياء: 30] {فأخرجنا منه خضرًا} أي: زرعًا وشجرًا أخضر، ثمّ بعد ذلك يخلق فيه الحبّ والثّمر؛ ولهذا قال: {نخرج منه حبًّا متراكبًا} أي: يركب بعضه بعضًا، كالسّنابل ونحوها {ومن النّخل من طلعها قنوانٌ} أي: جمع قنو وهي عذوق الرّطب {دانيةٌ} أي: قريبةٌ من المتناول، كما قال عليّ بن أبي طلحة الوالبيّ، عن ابن عبّاسٍ: {قنوانٌ دانيةٌ} يعني بالقنوان الدّانية: قصار النّخل اللّاصقة عذوقها بالأرض. رواه ابن جريرٍ.
قال ابن جريرٍ: وأهل الحجاز يقولون: قنوان، وقيسٌ يقولون: قنوان، وقال امرؤ القيس:
فأثّت أعاليه وآدت أصوله ....... ومال بقنوانٍ من البسر أحمرا
قال: وتميمٌ يقولون قنيان بالياء -قال: وهي جمع قنوٍ، كما أنّ صنوانٌ جمع صنوٍ
وقوله: {وجنّاتٍ من أعنابٍ} أي: ونخرج منه جنّاتٍ من أعنابٍ، وهذان النّوعان هما أشرف عند أهل الحجاز، وربّما كانا خيار الثّمار في الدّنيا، كما امتنّ تعالى بهما على عباده، في قوله: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} [النّحل: 67]، وكان ذلك قبل تحريم الخمر.
وقال: {وجعلنا فيها جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ}[يس: 34].
وقوله: {والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابهٍ} قال قتادة وغيره: يتشابه في الورق، قريب الشّكل بعضه من بعضٍ، ويتخالف في الثّمار شكلًا وطعمًا وطبعًا.
وقوله: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} أي: نضجه، قاله البراء بن عازبٍ، وابن عبّاسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّي، وقتادة، وغيرهم. أي: فكّروا في قدرة خالقه من العدم إلى الوجود، بعد أن كان حطبًا صار عنبًا ورطبًا وغير ذلك، ممّا خلق تعالى من الألوان والأشكال والطّعوم والرّوائح، كما قال تعالى: {وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ من أعنابٍ وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل [إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون]} [الرّعد: 4] ولهذا قال هاهنا: {إنّ في ذلكم لآياتٍ}، أي: دلالاتٍ على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته {لقومٍ يؤمنون} أي: يصدّقون به، ويتّبعون رسله). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 306-307]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة