العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (77) إلى الآية (79) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (77) إلى الآية (79) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن القطمير القشرة التي تكون على النواة، والنقير النقطة التي على ظهرها، والفتيل الذي في شق النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/20] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة أنه سمع عطاء يقول: القطمير القشر الذي يكون
[الجامع في علوم القرآن: 1/91]
بين النواة والتمرة، والنقير الذي في ظهر النواة، والفتيل الذي في بطن النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/92] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {ولا تظلمون فتيلا} قال: الفتيل الّذي في شقّ النّواة). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 86]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم}
- أخبرنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ، وأصحابًا، له أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا كنّا في عزٍّ ونحن مشركون، فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً، فقال: «إنّي أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم» فلمّا حوّله الله إلى المدينة أمر بالقتال فكفّوا، فأنزل الله عزّ وجلّ {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس} [النساء: 77]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/68]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلاً}.
ذكر أنّ هذه الآية نزلت في قومٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا قد آمنوا به وصدّقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد، وقد فرض عليهم الصّلاة والزّكاة، وكانوا يسألون اللّه أن يفرض عليهم القتال، فلمّا فرض عليهم القتال شقّ عليهم ذلك وقالوا ما أخبر عنهم في كتابه.
فتأويل قوله: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم} ألم تر بقلبك يا محمّد فتعلم إلى الّذين قيل لهم من أصحابك حين سألوك أن تسأل ربّك أن يفرض عليهم القتال: كفّوا أيديكم، فأمسكوها عن قتال المشركين وحربهم. {وأقيموا الصّلاة} يقول: وأدّوا الصّلاة الّتي فرضها اللّه عليكم بحدودها. {وآتوا الزّكاة} يقول: وأعطوا الزّكاة أهلها، الّذين جعلها اللّه لهم من أموالكم، تطهيرًا لأبدانكم وأموالكم؛ كرهوا ما أمروا به من كفّ الأيدي عن قتال المشركين، وشقّ ذلك عليهم. {فلمّا كتب عليهم القتال}
يقول: فلمّا فرض عليهم القتال الّذي كانوا سألوا أن يفرض عليهم {إذا فريقٌ منهم} يعني: جماعةٌ منهم {يخشون النّاس} يقول: يخافون النّاس أن يقاتلوهم {كخشية اللّه} كخوفهم الله {أو أشدّ خشيةً} أو أشدّ خوفًا. وقالوا: جزعًا من القتال الّذي فرض اللّه عليهم {لم كتبت علينا القتال} لم فرضت علينا القتال، ركونًا منهم إلى الدّنيا، وإيثارًا للدّعة فيها والخفض، على مكروه لقاء العدوّ ومشقّة حربهم وقتالهم {لولا أخّرتنا} يخبر عنهم قالوا: هلا أخّرتنا {إلى أجلٍ قريبٍ} يعني إلى أن يموتوا على فرشهم وفي منازلهم.
وبنحو الّذي قلنا إنّ هذه الآية نزلت فيه قال أهل التّأويل.
ذكر الآثار بذلك، والرّواية عمّن قاله:
- حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي قال: أخبرنا الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ، وأصحابًا، له أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون، فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً. فقال: إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فلمّا حوّله اللّه إلى المدينة أمر بالقتال فكفّوا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم} الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم} عن النّاس {فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم} نزلت في أناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال ابن جريجٍ: وقوله: {وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} قال: إلى أن يموت موتًا هو الأجل القريب.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة} فقرأ حتّى بلغ: {إلى أجلٍ قريبٍ} قال: كان أناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو يومئذٍ بمكّة قبل الهجرة، تسرّعوا إلى القتال وسارعوااليه، فقالوا لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ذرنا نتّخذ معاول فنقاتل بها المشركين بمكّة. فنهاهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك قال: لم أؤمر بذلك فلمّا كانت الهجرة وأمر بالقتال، كره القوم ذلك، فصنعوا فيه ما تسمعون، فقال اللّه تبارك وتعالى: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} قال: هم قومٌ أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال، ولم يكن عليهم إلاّ الصّلاة والزّكاة، فسألوا اللّه أن يفرض عليهم القتال {فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً} الآية إلى: {إلى أجلٍ قريبٍ} وهو الموت قال اللّه: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى}.
وقال آخرون: نزلت هذه وآياتٌ بعدها في اليهود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة} إلى قوله: {لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً} ما بين ذلك في اليهود.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم} إلى قوله: {لم كتبت علينا القتال} نهى اللّه تبارك وتعالى هذه الأمّة أن يصنعوا صنيعهم). [جامع البيان: 7/230-233]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {قل متاع الدّنيا قليلٌ} قل يا محمّد لهؤلاء القوم الّذين قالوا {ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} عيشكم في الدّنيا وتمتّعكم بها قليلٌ، لأنّها فانيةٌ، وما فيها فانٍ {والآخرة خيرٌ}
يعني: ونعيم الآخرة خيرٌ، لأنّها باقيةٌ، ونعيمها باقٍ دائمٌ. وإنّما قيل: والآخرة خيرٌ ومعنى الكلام ما وصفت من أنّه معنيّ به نعيمها، لدلالة ذكر الآخرة بالّذي ذكرت به على المعنى المراد منه {لمن اتّقى} يعني: لمن اتّقى اللّه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، فأطاعه في كلّ ذلك. {ولا تظلمون فتيلاً} يعني: ولا ينقصكم اللّه من أجور أعمالكم فتيلاً؛ وقد بيّنّا معنى الفتيل فيما مضى بما أغنى عن إعادته ههنا). [جامع البيان: 7/233-234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلًا (77)
قوله تعالى: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفوا أيديكم قال: نزلت في يهود.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم قال: هم قومٌ أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال.
قوله تعالى: وأقيموا الصّلاة. [5621]
حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: أقيموا الصّلاة قال: فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلّا بها وبالزّكاة.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد، ثنا (عبد الرّحمن بن نمرٍ) قال: سألت الزّهريّ عن قوله: وأقيموا الصّلاة قال الزّهريّ: إقامتها: أن يصلّي الصّلوات الخمس لوقتها.
وروي عن عطاء بن أبي رباحٍ، وقتادة نحو قول الحسن.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله لأهل الكتاب: وأقيموا الصّلاة أمرهم أن يصلّوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: وآتوا الزّكاة. [الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: وآتوا الزّكاة يعني بالزّكاة طاعة اللّه والإخلاص.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكرٍ وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: ثنا وكيعٌ، عن أبي جنابٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وآتوا الزّكاة قال: ما يوجب الزّكاة؟ قال: (مائتين) فصاعدًا.
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: وآتوا الزّكاة قال: زكاة المال من كلّ مائتي درهمٍ خمسة دراهم.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: وآتوا الزّكاة قال: فريضةٌ واجبةٌ، لا تنفع الأعمال إلا بها مع الصّلاة. وروي عن قتادة نحو ذلك.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله لأهل الكتاب وآتوا الزّكاة أمرهم أن يؤتوا الزّكاة، يدفعونها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن أبي حيّان التّيميّ، عن الحارث العكليّ في قوله: وآتوا الزّكاة قال: صدقة الفطر.
قوله تعالى: فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية الله أو أشد خشية. [5630]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعليّ بن زنجة قالا: ثنا عليّ بن الحسن، عن الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عبد الرّحمن وأصحاباً له أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً، قال: إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم، فلمّا حوّله اللّه إلى المدينة أمره بالقتال فكفّوا، فأنزل اللّه تعالى: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشد خشيةً.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فلمّا كتب عليهم القتال لم يكن عليهم إلا الصّلاة والزّكاة، فسألوا اللّه أن يفرض عليهم القتال فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: كتب يعني: فرض.
قوله تعالى: وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال. [5633]
أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قوله: وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال فنهى اللّه هذه الأمّة أن يصنعوا صنيعهم.
قوله تعالى: لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ. [5634]
حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ وهو الموت.
قوله تعالى: قل متاع الدّنيا قليلٌ. [5635]
حدّثني أبي، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، ثنا حمّاد ابن زيدٍ، عن هشامٍ قال: قرأ الحسن: قل متاع الدّنيا قليلٌ قال: رحم اللّه عبداً صحبها على حسب ذلك، ما الدّنيا كلّها من أوّلها إلى آخرها إلا كرجلٍ نام نومةً فرأى في منامه بعض ما يحبّ، ثمّ انتبه.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ الرّقّيّ، ثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران قال: الدّنيا قليلٌ، وقد مضى القليل وبقي قليلٌ من قليلٍ.
قوله تعالى: والآخرة خيرٌ لمن اتّقى. [5637]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: لمن اتّقى يقول اتّقى معاصي اللّه.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية، أمّا قوله: لمن اتّقى يقول: لمن اتّقى فيما بقي.
قوله تعالى: ولا تظلمون فتيلا
قد تقدم تفسيره. آية 49). [تفسير القرآن العظيم: 3/1003-1006]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إن الفتيل الذي في شق النواة). [تفسير مجاهد: 166]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس قاسم بن القاسم السّيّاريّ، ثنا إبراهيم بن هلالٍ، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ وأصحابًا له أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة فقالوا: يا نبيّ اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً. قال: «إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فكفّوا» فأنزل اللّه تعالى {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، فلمّا كتب عليهم القتال، إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس} [النساء: 77] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريّ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/336]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (س) ابن عباس - رضي الله عنه - أنّ عبد الرحمن بن عوفٍ وأصحاباً له أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة، فقالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا في عزٍّ، ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلّة، فقال: إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا، فلما حوّله الله إلى المدينة أمر بالقتال، فكفّوا، فأنزل الله عز وجل {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصلاة} إلى قوله: {ولا تظلمون فتيلاً} [النساء: 77].
أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
(فتيلاً) الفتيل: ما يكون في شق النواة: وقيل: هو ما يفتل بين الإصبعين من الوسخ). [جامع الأصول: 2/93-94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" من طريق عكرمة عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم، فلما حوله الله إلى المدينة أمره الله بالقتال فكفوا، فأنزل الله {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: كان أناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم - وهم يومئذ بمكة قبل الهجرة - يسارعون إلى القتال فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ذرنا نتخذ معاول نقاتل بها المشركين، وذكر لنا أن عبد الرحمن بن عوف كان فيمن قال ذلك فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: لم أومر بذلك، فلما كانت الهجرة وأمروا بالقتال كره القوم ذلك وصنعوا فيه ما تسمعون قال الله تعالى {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: هم قوم أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال ولم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} إلى قوله {لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} ما بين ذلك في يهود.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم} الآية، قال: نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {إلى أجل قريب} قال: هو الموت.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج {إلى أجل قريب} أي إلى أن يموت موتا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هشام قال: قرأ الحسن {قل متاع الدنيا قليل} قال: رحم الله عبدا صحبها على ذلك ما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه فلم ير شيئا
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: الدنيا قليل وقد مضى أكثر القليل وبقي قليل من قليل). [الدر المنثور: 4/536-539]

تفسير قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر في قوله تعالى وإن تصبهم حسنة يقول نعمة يقولون هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقول مصيبة يقولون هذه من عندك قال يقول كل من عند الله النعم والمصائب). [تفسير عبد الرزاق: 1/179]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: حيثما تكونوا ينلكم الموت فتموتوا، {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} يقول: لا تجزعوا من الموت ولا تهربوا من القتال وتضعفوا عن لقاء عدوّكم حذرًا على أنفسكم من القتل والموت، فإنّ الموت بإزائكم أين كنتم، وواصلٌ إلى أنفسكم حيث كنتم ولو تحصّنتم منه بالحصون المنيعة.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} فقال بعضهم: يعني به قصورٌ محصّنةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} يقول: في قصورٍ محصّنةٍ.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، قال: حدّثنا أبو همّامٍ، قال: حدّثنا كثيرٌ أبو الفضل، عن مجاهدٍ، قال: كان فيمن قبلكم امرأةٌ، وكان لها أجيرٌ، فولدت جاريةً فقالت لأجيرها: اقتبس لنا نارًا. فخرج فوجد بالباب رجلاً، فقال له الرّجل: ما ولدت هذه المرأة؟ قال: جاريةً قال: أما إنّ هذه الجارية لا تموت حتّى تبغي بمائةٍ، ويتزوّجها أجيرها، ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فقال الأجير في نفسه: فأنا أريد هذه بعد أن تفجر بمائةٍ. فأخذ شفرةً فدخل، فشقّ بطن الصّبيّة.وخرج على وجهه وركب البحر وخيط بطن الصبيه وعولجت فبرئت، فشبّت، وكانت تبغي، فأتت ساحلاً من سواحل البحر، فأقامت عليه تبغي. ولبث الرّجل ما شاء اللّه، ثمّ قدم ذلك السّاحل ومعه مالٌ كثيرٌ، فقال لامرأةٍ من أهل السّاحل: ابغيني امرأةً من أجمل امرأةٍ في القرية أتزوّجها. فقالت: ههنا امرأةٌ من أجمل النّاس، ولكنّها تبغي. قال: ائتني بها. فأتتها فقالت: قد قدم رجلٌ له مالٌ كثيرٌ، وقد قال لي كذا، فقلت له كذا. فقالت: إنّي قد تركت البغاء، ولكن إن أراد تزوّجته. قال: فتزوّجها، فوقعت منه موقعًا، فبينا هو يومًا عندها، إذ أخبرها بأمره، فقالت: أنا تلك الجارية، وأرته الشّقّ في بطنها، وقد كنت أبغي، فما أدري بمائةٍ أو أقلّ أو أكثر؛ قال: فإنّه قال لي: يكون موتها بعنكبوت. قال: فبنى لها برجًا بالصّحراء وشيّده. فبينما هما يومًا في ذلك البرج، إذا عنكبوتٌ في السّقف فقال فقال هذا عنكبوت فقالت هذا يقتلني؟ لا يقتله أحدٌ غيري. فحرّكته فسقط، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدخته، وساح سمّه بين ظفرها واللّحم، فاسودّت رجلها فماتت، فنزلت هذه الآية: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} قال: قصورٌ مشيّدةٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك: قصورٌ بأعيانها في السّماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} وهي قصورٌ بيضٌ في سماء الدّنيا مبنيّةٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع في قوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} يقول: ولو كنتم في قصورٍ في السّماء.
واختلف أهل العربيّة في معنى المشيّدة، فقال بعض أهل البصرة منهم: المشيّدة: الطّويلة. قال: وأمّا المشيد بالتّخفيف، فإنّه المزيّن.
وقال آخرون منهم نحو ذلك القول، غير أنّه قال: المشيد بالتّخفيف: المعمول بالشّيد، والشّيد: الجصّ.
وقال بعض أهل الكوفة: المشيّد والمشيد أصلهما واحدٌ، غير أنّ ما شدّد منه فإنّما يشدّد لتردّد الفعل فيه في جمعٍ مثل قولهم: هذه ثيابٌ مصبّغةٌ، وغنمٌ مذبّحةٌ، فشدّد لأنّها جمعٌ يفرّق فيها الفعل، وكذلك مثله قصورٌ مشيّدةٌ، لأنّ القصور الكثيرةٌ يوجد فيها التّشييد، ولذلك قيل: بروجٌ مشيّدةٌ، ومنه قوله: {وغلّقت الأبواب} وكما يقال: كسّرت العود: إذا جعلته قطعًا، أي قطعةً بعد قطعةٍ. وقد يجوز في ذلك التّخفيف.
فإذا أفرد من ذلك الواحد، فكان الفعل يتردّد فيه ويكثر تردّده في جمعٍ منه، جاز التّشديد عندهم والتّخفيف، فيقال منه: هذا ثوبٌ مخرّقٌ وجلدٌ مقطّعٌ، لتردّد الفعل فيه وكثرته بالقطع والخرق. وإن كان الفعل لا يكثر فيه ولا يتردّد لم يجيزوه إلاّ بالتّخفيف، وذلك نحو قولهم: رأيت كبشًا مذبوحًا، ولا يجيزون فيه مذبّحًا، لأنّ الذّبح لا يتردّد فيه تردّد التّخرّق في الثّوب. وقالوا: فلهذا قيل: قصرٌ مشيدٌ، لأنّه واحدٌ، فجعل بمنزلة قولهم: كبشٌ مذبوحٌ. وقالوا: جائزٌ في القصر أن يقال قصرٌ مشيدٌ بالتّشديد، لتردّد البناء فيه والتّشييد، ولا يجوز ذلك في كبشٍ مذبوحٍ، لما ذكرنا). [جامع البيان: 7/234-237]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه} وإن ينلهم رخاءٌ وظفرٌ وفتحٌ ويصيبوا غنيمةً يقولوا هذه من عند اللّه، يعني: من قبل اللّه ومن تقديره، {وإن تصبهم سيّئةٌ} يقول: وإن تنلهم شدّةٌ من عيشٍ وهزيمةٌ من عدوٍّ وجراحٌ وألمٌ، يقولوا لك يا محمّد: هذه من عندك بخطئك التّدبير. وإنّما هذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن الّذين قال فيهم لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم}.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، وابن أبي جعفرٍ قالا: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك} قال: هذه في السّرّاء والضّرّاء.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك} فقرأ حتّى بلغ: {وأرسلناك للنّاس رسولاً} قال: إنّ هذه الآيات نزلت في شأن الحرب. فقرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعًا} فقرأ حتّى بلغ: {وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه} من عند محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، أساء التّدبير وأساء النّظر، ما أحسن التّدبير ولا النّظر). [جامع البيان: 7/238-239]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل كلٌّ من عند اللّه}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {قل كلٌّ من عند اللّه} قل يا محمّد لهؤلاء القائلين إذا أصابتهم حسنةً هذه من عند اللّه قل{قل كلٌّ من عند اللّه}, وإذا أصابتهم سيّئةٌ هذه من عندك: كلّ ذلك من عند اللّه دوني ودون غيري، من عنده الرّخاء والشّدّة، ومنه النّصر والظّفر، ومن عنده الفلل والهزيمة.
كما:
- حدّثني المثنّى،قال حدثنا اسحاق قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: {قل كلٌّ من عند اللّه} النّعم والمصائب.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قل كلٌّ من عند اللّه} النّصر والهزيمة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا} يقول: الحسنة والسّيّئة من عند اللّه، أمّا الحسنة فأنعم بها عليك، وأمّا السّيّئة فابتلاك بها). [جامع البيان: 7/239-240]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فمال هؤلاء القوم} فما شأن هؤلاء القوم الّذين إن تصبهم حسنةً يقولوا هذه من عند اللّه، وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك {لا يكادون يفقهون حديثًا} يقول: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به من أنّ كلّ ما أصابهم من خيرٍ أو شرٍّ وسرا وضرٍّ وشدّةٍ ورخاءٍ، فمن عند اللّه، لا يقدر احد على ذلك غيره، ولا يصيب أحدًا سيّئةٌ إلاّ بتقديره، ولا ينال رخاءٌ ونعمةٌ إلاّ بمشيئته. وهذا إعلامٌ من اللّه عباده أنّ مفاتح الأشياء كلّها بيده، لا يملك شيئًا منها أحدٌ غيره). [جامع البيان: 7/240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا (78)
قوله تعالى: أينما تكونوا.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، قوله: أينما تكونوا قال: من الأرض يدرككم الموت.
قوله تعالى: يدرككم الموت. [5640]
حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عيسى بن حميدٍ الرّاسبيّ، ثنا كثيرٌ الكوفيّ، ثنا مجاهدٌ أبو الحجّاج قال: كان قبل أن يبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم امرأةٌ وكان لها أجيرٌ، فولدت المرأة، فقالت لأجيرها: انطلق فاقتبس لي ناراً، فانطلق الأجير، فإذا هو برجلين قائمين على الباب، فقال أحدهما لصاحبه:
ما ولدت؟ فقالت: ولدت جاريةً. فقال أحدهما لصاحبه: لا تموت هذه الجارية حتّى تزني بمائةٍ ويتزوّجها الأجير، ويكون موتها بعنكبوتٍ، فقال الأجير: أما واللّه لأكذّبنّ حديثكما، فرمى بما في يده، وأخذ السّكّين فشحذها وقال: ألا تراني أتزوّجها بعد ما تزني بمائةٍ.
قال: فسمعت مجاهداً يقول: ففرى كبدها ورمى بالسّكّين وظنّ أنّه قد قتلها، فصاحت الصّبيّة، فقامت أمّها فرأت بطنها قد شقّ فخاطته وداوته حتّى برئت، وركب الأجير رأسه، فلبث ما شاء اللّه أن يلبث وأصاب الأجير مالا، فأراد أن يطلع أرضه فينظر من مات منهم ومن بقي، فأقبل حتّى نزل على عجوزٍ، وقال للعجوز، ابغي لي أحسن امرأةٍ في البلد فأصيب منها وأعطيها، فانطلقت العجوز إلى تلك المرأة وهي أحسن جاريةٍ في البلد، فدعتها إلى الرّجل، وقالت: تصيبين منه معروفاً، فأبت عليها وقالت: إنّه قد كان ذاك منّي فيما مضى، فأمّا اليوم فقد بدا لي ألا أفعل، فرجعت إلى الرّجل فأخبرته، فقال: فاخطبيها عليّ، فخطبها وتزوّجها فأعجب بها، فلمّا أنس إليها حدّثها حديثه، فقالت: واللّه لئن كنت صادقاً، لقد حدّثتني أمّي حديثك وإنّي لتلك الجارية. قال: أنت؟ قالت: أنا. قال: واللّه لئن كنت أنت إنّ بك لعلامةً لا تخفى، فكشفت بطنها فإذا هو بأثر السّكّين، فقال: صدقني واللّه الرّجلان واللّه لقد زنيت بمائةٍ، وإنّي أنا الأجير، ولقد تزوّجتك، ولتكوننّ الثّالثة، وليكوننّ موتك بعنكبوتٍ، وقالت: واللّه لقد كان ذاك منّي، ولكن لا أدري أو أقلّ أو أكثر، فقال:
واللّه ما نقص واحداً ولا زاد واحداً، ثمّ انطلق إلى ناحية القرية فبنى فيه مخافة العنكبوت، فلبث ما شاء اللّه أن يلبث حتّى إذا جاء الأجل ذهب ينظر فإذا هو العنكبوت في سقف البيت، وهي إلى جنبه، فقال: واللّه إنّي لأرى العنكبوت في سقف البيت، فقالت: هذه الّتي تزعمون أنّها تقتلني، واللّه لأقتلنّها قبل أن تقتلني، فقام الرجل، فزاولها وألقاها، فقالت: واللّه لا يقتلها أحدٌ غيري، فوضعت إصبعها عليها، فشدختها فطار السّمّ حتّى وقع بين الظّفر واللّحم فاسودّت رجلها فماتت، وأنزل اللّه تعالى على نبيّه حين بعث أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ.
قوله تعالى: ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ. [5641]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية قوله: لو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ قال: قصورٍ في السّماء وروي عن الرّبيع، والسّدّيّ، وأبي مالكٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: مشيّدةٍ. [5642]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ قال: حصينةٍ. وروي عن أبي مالكٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وهي قصورٌ بيضٌ في السّماء الدّنيا مبنيّةٌ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن هلال ابن خبّابٍ، عن عكرمة: مشيّدةٍ قال: مجصّصةٍ.
قوله تعالى: وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه. [5645]
حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه قال: هذه في السّرّاء.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم- يعني ابن اليمان- ثنا الحكم، حدّثني السّدّيّ قوله: إن تصبهم حسنةٌ قال: والحسنة الخصب تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم وتحسّن حالهم، وتلد نساؤهم الغلمان. قالوا: هذه من عند الله.
قوله تعالى: وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك. [5647]
حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن يعني الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قال: فهذه في الضّرّاء.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا سهلٌ- يعني: ابن بكّارٍ- ثنا الأسود بن شيبان، حدّثني عقبة بن واصل بن أخي مطرّفٍ، عن مطرّفٍ أنّ عبد اللّه قال: ما تريدون من القدر؟ ما تكفيكم الآية الّتي في سورة النّساء: وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك؟ أي من نفسكٍ، واللّه ما وكّلوا القدر وقد أمروا، وإليه يصيرون.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم يعني ابن يمان، ثنا رجلٌ سمّاه، حدّثني السّدّيّ قال: وإن تصبهم سيّئةٌ والسّيّئة الجدب والضّرر في أموالهم وتأشّموا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: هذه من عندك، يقولون: بتركنا ديننا واتّباع محمّدٍ أصابنا هذا البلاء، فأنزل اللّه تعالى: قل كلٌّ من عند اللّه.
قوله تعالى: قل كلٌّ من عند اللّه. [5650]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: قل كلٌّ من عند اللّه يقول: الحسنة والسّيّئة من عند اللّه. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً. [5651]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، حدّثني السّدّيّ قوله: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً قال: يقول: القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 3/1006-1009]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {أينما تكونوا} قال: من الأرض.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {ولو كنتم في بروج مشيدة} يقول في قصور محصنة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة {في بروج مشيدة} قال: المجصصة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {في بروج مشيدة} قال: هي قصور بيض في سماء الدنيا مبينة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية {في بروج مشيدة} قال: قصور في السماء، واخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سفيان في الآية قال: يرون أن هذه البروج في السماء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: كان قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأة وكان لها أجير فولدت المرأة فقالت لأجيرها: انطلق فاقتبس لي نارا فانطلق الأجير فإذا هو برجلين قائمين على الباب فقال أحدهما لصاحبه: وما ولدت فقال: ولدت جارية، فقال أحدهما لصاحبه لا تموت هذه الجارية حتى تزني بمائة ويتزوجها الأجير ويكون موتها بعنكبوت، فقال الأجير: أما والله لأكذبن حديثهما فرمى بما في يده وأخذ السكين فشحذها وقال:
ألا تراني أتزوجها بعدما تزني بمائة ففرى كبدها ورمى بالسكين وظن أنه قد قتلها فصاحت الصبية فقامت أمها فرأت بطنها قد شق فخاطته وداوته حتى برئت، وركب الأجير رأسه فلبث ما شاء الله أن يلبث وأصاب الأجير مالا فأراد أن يطلع أرضه فينظر من مات منهم ومن بقي فأقبل حتى نزل على عجوز وقال للعجوز: أبغي لي أحسن امرأة في البلد أصيب منها وأعطيها فانطلقت العجوز إلى تلك المرأة وهي أحسن جارية في البلد فدعتها إلى الرجل وقالت: تصيبين منه معروفا فأبت عليها وقالت: إنه قد كان ذاك مني فيما مضى فأما اليوم فقد بدا لي أن لا أفعل، فرجعت إلى الرجل فأخبرته فقال: فاخطيبها لي، فخطبها وتزوجهت فأعجب بها، فلما أنس إليها حدثها حديثه فقالت: والله لئن كنت صادقا لقد حدثتني أمي حديثك وإني لتلك الجارية، قال: أنت قالت: أنا، قال: والله لئن كنت أنت إن بك لعلامة لا تخفى، فكشف بطنها فإذا هو بأثر السكين فقال: صدقني والله الرجلان والله لقد زنيت بمائة وإني أنا الأجير وقد تزوجتك ولتكونن الثالثة وليكونن موتك بعنكبوت، فقالت: والله لقد كان ذاك مني ولكن لا أدري مائة أو أقل أو أكثر، فقال: والله ما نقص واحدا ولا زاد واحدا ثم انطلق إلى ناحية القرية فبنى فيه مخافة العنكبوت فلبث ما شاء الله أن يلبث حتى إذا جاء الأجل ذهب ينظر فإذا هو بعنكبوت في سقف البيت وهي إلى جانبه فقال: والله إني لأرى العنكبوت في سقف البيت، فقالت: هذه التي تزعمون أنها تقتلني والله لأقتلنها قبل أن تقتلني، فقام الرجل فزاولها وألقاها فقالت: والله لا يقتلها أحد غيري فوضعت أصبعها عليها فشدختها فطار السم حتى وقع بين الظفر واللحم فاسودت رجلها فماتت وأنزل الله على نبيه حين بعث {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله {وإن تصبهم حسنة} يقول: نعمة {وإن تصبهم سيئة} قال: مصيبة {قل كل من عند الله} قال: النعم والمصائب، واخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} قال: هذه في السراء والضراء، وفي قوله {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: هذه في الحسنات والسيئات.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وإن تصبهم حسنة} الآية، قال: إن هذه الآيات نزلت في شأن الحرب {قل كل من عند الله} قال: النصر والهزيمة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {قل كل من عند الله} يقول: الحسنة والسيئة من عند الله أما الحسنة فأنعم بها عليك وأما السيئة فابتلاك الله بها، وفي قوله {ما أصابك من حسنة فمن الله} قال: ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصاب من الغنيمة والفتح {وما أصابك من سيئة} قال: ما أصابه يوم أحد أن شج في وجهه وكسرت رباعيته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطرف بن عبد الله قال: ما تريدون من القدر ما يكفيكم الآية التي في سورة النساء {وإن تصبهم حسنة} الآية). [الدر المنثور: 4/539-542]

تفسير قوله تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني خالد بن حميدٍ أنّه بلغه عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابكم من سيئةٍ فمن نفسك}، قال: هذا يوم أحدٍ، يقول: ما فتحت لك من فتحٍ فمنّي، وما كانت من نكبةٍ، وأنا قدّرت ذلك عليك). [الجامع في علوم القرآن: 1/56]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني إسماعيل بن عيّاشٍ عن عبد الوهّاب بن مجاهدٍ قال: سمعت أبي يقول: كان في قراءة ابن مسعودٍ وأبيّ بن كعبٍ: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك} وأنا كتبتها عليك). [الجامع في علوم القرآن: 2/129]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر في قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك قال كان الحسن يقول ما أصابك من نعمة فمن الله وما أصابك من سيئة يقول من مصيبة فمن نفسك يقول بذنبك ثم قال قل كل من عند الله النعم والمصائب). [تفسير عبد الرزاق: 1/179]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولًا وكفى بالله شهيدًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ - في قوله: {ما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} - قال: بذنبك، وإنّا قدّرناها عليك). [سنن سعيد بن منصور: 4/1312]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيدًا} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} ما يصيبك يا محمّد من رخاءٍ ونعمةٍ وعافيةٍ وسلامةٍ، فمن فضل اللّه عليك يتفضّل به عليك إحسانًا منه إليك.
وأمّا قوله: {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك}
يعني: وما أصابك من شدّةٍ ومشقّةٍ وأذًى ومكروهٍ، فمن نفسك، يعني: بذنبٍ استوجبتها به اكتسبته نفسك. كما:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} أمّا من نفسك، فيقول: من ذنبك.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} عقوبةً يا ابن آدم بذنبك. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: لا يصيب رجلاً خدش عودٍ ولا عثرة قدمٍ ولا اختلاج عرقٍ إلاّ بذنبٍ، وما يعفو اللّه أكثر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} يقول: الحسنة: ما فتح اللّه عليه يوم بدرٍ وما أصابه من الغنيمة والفتح، والسّيّئة: ما أصابه يوم أحدٍ أن شجّ في وجهه وكسرت رباعيته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال كان الحسن يقول ما أصابك من نعمه فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسيك يقول: بذنبك. ثمّ قال: {كلٌّ من عند اللّه} النّعم والمصائب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، وابن أبي جعفرٍ، قالا: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال: هذه في الحسنات والسّيّئات.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال: عقوبةً بذنبك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} بذنبك، كما قال لأهل أحدٍ: {أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم} بذنوبكم.
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {ما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال: بذنبك، وأنا قدّرتها عليك.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} وأنا الّذي قدّرتها عليك.
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ قال: حدّثنيه إسماعيل بن أبي خالدٍ عن أبي صالحٍ، بمثله.
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وما وجه دخول من في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ} و{من سيّئةٍ} قيل: اختلف في ذلك أهل العربيّة، فقال بعض نحويّي البصرة: أدخلت من، لأنّ من تحسن مع النّفي، مثل: ما جاءني من أحدٍ. قال: وجعل الخبر بالفاء لأن ما بمنزلة من.
وقال بعض نحويّي الكوفة: أدخلت من مع ما، كما تدخل على إن في الجزاء لأنّهما حرفا جزاءٍ، وكذلك تدخل مع من إذا كانت جزاءً، فتقول العرب: ما يزرك من أحدٍ فتكرمه، كما تقول: إن يزرك من أحد فتكرمه. قال: وأدخلوها مع ما ومن، ليعلم بدخولها معهما أنّهما جزاءٌ. قالوا: وإذا دخلت معهما لم تحذف، لأنّها إذا حذفت صار الفعل رافعًا شيئينٍ، وذلك أنّ ما في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ} رفع بقوله: {أصابك} فلو حذفت من رفع قوله: {أصابك} السّيّئة، لأنّ معناه: إن تصبك سيّئةٌ، فلم يجز حذف من لذلك، لأنّ الفعل الّذي هو على فعل أو يفعل لا يرفع شيئينٍ، وجاز ذلك مع من، لأنّها تشتبه بالصّفات، وهي في موضع اسمٍ، فأمّا إن، فإنّ من تدخل معها وتخرج، ولا تدخل مع أي لأنّها تعرب فيبين فيها الإعراب، ودخلت مع ما لأنّ الإعراب لا يظهر فيها). [جامع البيان: 7/241-244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيدًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وأرسلناك للنّاس رسولاً} إنّما جعلناك يا محمّد رسولاً بيننا وبين الخلق تبلّغهم ما أرسلناك به من رسالةٍ، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرّسالة إلى من أرسلت، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم، وإن ردّوا فعليها. {وكفى باللّه} عليك وعليهم {شهيدًا} يقول: حسبك اللّه تعالى ذكره شاهدًا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم، فإنّه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك به، ومجازيهم ما عملوا من خيرٍ وشرٍّ جزاءهم المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته). [جامع البيان: 7/245]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولًا وكفى باللّه شهيدًا (79)
قوله تعالى: ما أصابك من حسنةٍ.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك، أنبأ بقيّة، عن مبشّرٍ عن الحجّاج بن أرطأة، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن الله قال: هذا يوم أحد.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه. قال: ما فتح اللّه عليك يوم بدرٍ. وروي عن الضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: من حسنةٍ. [5654]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه قال: ما أصاب من الغنيمة والفتح. وروي عن الضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: فمن اللّه. [5655]
وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه قال أمّا الحسنة فأنعم اللّه بها عليك.
قوله تعالى: وما أصابك. [5656]
وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: وما أصابك من سيّئةٍ قال: يوم أحدٍ
قوله تعالى: من سيّئةٍ. [5657]
حدّثنا أبي، ثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك، ثنا بقيّة، عن مبشّرٍ، عن حجّاجٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك قال: هذا يوم أحدٍ، يقول: ما كانت من نكبةٍ فبذنبك، وأنا قدّرت ذلك عليك
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وما أصابك من سيّئةٍ والسّيّئة ما أصابه يوم أحدٍ أن شبح وجهه وكسرت رباعيته.
قوله تعالى: فمن نفسك. [5659]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: فمن نفسك قال: أمّا السّيّئة فابتلاك اللّه بها.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك، ثنا بقيّة، عن مبشّر بن عبيدٍ، عن حجّاجٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: فمن نفسك قال: فبذنبك، وأنا قدّرت ذلك عليك.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ قوله: وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك قال: فبذنبك، وأنا قدّرتها عليك.
قوله تعالى: وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيداً. [5662]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ عن أبي صالحٍ أرسل قال: بعث.
قوله تعالى: رسولا. [5663]
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني اللّيث أنّ سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ حدّثه، عن شريك بن أبي نمرٍ أنّه سمع أنس بن مالكٍ يقول: بينا نحن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جلوسٌ في المسجد، إذ دخل رجلٌ على جملٍ، فأناخه في المسجد، ثمّ عقله، ثمّ قال: أيّكم محمّدٌ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئٌ بين ظهرانيهم. قال: فقلنا له: هو الأبيض الرّجل المتّكئ. قال:
يا ابن المطّلب، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد أجبتك. فقال له الرّجل: إنّي سائلك فمشدّدٌ عليك في المسألة فلا تجدنّ في نفسك عليّ. قال: سل عمّا بدا لك، فقال: أنشدك بربّك وربّ من كان قبلك، اللّه أرسلك إلى النّاس كلّهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ نعم). [تفسير القرآن العظيم: 3/1009-1011]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: هذا يوم أحد يقول: ما كانت من نكبة فبذنبك وأنا قدرت ذلك عليك.
وأخرج سعيد ين منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وأنا قدرتها عليك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: عقوبة بذنبك يا ابن آدم، قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا يصيب رجلا خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: بذنبك كما قال لأهل أحد (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) (التوبة الآية 122) بذنوبكم.
وأخرج ابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف عن مجاهد قال: هي في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك
وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد أن ابن عباس كان يقرأ وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك قال مجاهد: وكذلك في قراءة أبي، وابن مسعود). [الدر المنثور: 4/542-544]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم كتبت علينا القتال} معناها: لم فرضته علينا.

{لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} معناها: هلاّ أخرتنا). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ويكون كتب، بمعنى: فرض، كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} أي: فرض. و{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} و{وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} أي: فرضت). [تأويل مشكل القرآن: 462] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشية وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدّنيا قليل والآخرة خير لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا}
قيل كان المسلمون قبل أن يؤمروا بالقتال قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أذنت لنا أن نعمل معاول نقاتل بها المشركين، فأمروا بالكف وأداء ما افترض عليهم غير القتال، فلما كتب عليهم القتال خشي فريق منهم
{وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجل قريب} المعنى: هلّا أخرتنا، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن متاع الدنيا قليل وأن الآخرة لأهل التّقى). [معاني القرآن: 2/78-79]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (الفتيل): الذي في وسط شق النواة، والنواة تسمى: الجريمة).
[ياقوتة الصراط:198-199]

تفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{في بروجٍ مّشيّدةٍ...}
يشدّد ما كان من جمع؛ مثل قولك: مررت بثياب مصبّغةٍ وأكبشٍ مذبّحةٍ. فجاز التشديد لأن الفعل متفرق في جمع. فإذا أفردت الواحد من ذلك فإن كان الفعل يتردّد في الواحد ويكثر جاز فيه التشديد والتخفيف؛ مثل قولك: مررت برجل مشجّج، وبثوب ممزّق؛ جاز التشديد؛ لأن الفعل قد تردد فيه وكثر. وتقول: مررت بكبشٍ مذبوح، ولا تقل مذبح لأن الذبح لا يتردّد كتردّد التخرق، وقوله: {وبئرٍ معطّلةٍ وقصرٍ مشيد} يجوز فيه التشديد؛ لأن التشييد بناء فهو يتطاول ويتردّد. يقاس على هذا ما ورد). [معاني القرآن: 1/277]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك...}
وذلك أن اليهود لمّا أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة قالوا: ما رأينا رجلا أعظم شؤما من هذا؛ نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا، فقال الله تبارك وتعالى: [إن أمطروا وأخصبوا] قالوا: هذه من عند الله، وإن غلت أسعارهم قالوا: هذا من قبل محمد (صلى الله عليه وسلم).

وقول الله تبارك وتعالى:
{قل كلٌّ مّن عند اللّه}.
وقوله: {فمال هؤلاء القوم} {فمال} كثرت في الكلام، حتى توهّموا أن اللام متصلة بـ (ما) وأنها حرف في بعضه. ولاتصال القراءة لا يجوز الوقف على اللام؛ لأنها لام خافضة). [معاني القرآن: 1/278]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بروج} البرج: الحصن.

{مشيّدةٍ}: مطوّلة، والمشيد: المزّيّن، الشّيد: الجصّ والصّاروج، والبروج: القصور). [مجاز القرآن: 1/132]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بروج مشيدة}: حصون مجصصة والجص يقال له التشيد والصاروج أيضا). [غريب القرآن وتفسيره: 121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{وإن تصبهم حسنةٌ} أي: خصب

{وإن تصبهم سيّئةٌ} أي: قحط.
{يقولوا هذه من عندك} أي: بشؤمك {قل كلٌّ من عند اللّه}). [تفسير غريب القرآن: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}
الحسنة هاهنا: الخصب والمطر، يقول: إن أصابهم خصب وغيث قالوا: هذا من عند الله.

والسيئة: الجدب والقحط، يقول: وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك، أي: بشؤمك، يقول الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
ومثل هذا قوله حكاية عن فرعون وملئه: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} يريد إذا جاءهم الخصب والمطر ،قالوا: هذا هو ما لم نزل نتعرّفه.

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أي: يتشاءمون بهم.
{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: ما تطيّروا بموسى- لمجيئه- من عند الله.
ونحو قوله:
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا} أي: خصبا وخيرا.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: جدب وقحط.
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بذنوبهم {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
ثم قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من خير {فَمِنَ اللَّهِ}، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي: من شر {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنبك.

الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره، على ما بيّنت في باب الكناية). [تأويل مشكل القرآن:391-392]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلمهم أن آجالهم تخطئهم ولو تحصنوا بأمنع الحصون فقال:
{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئة يقولوا هذه من عندك قل كلّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}
لأن مفعّلة، وفعّل للتكثير، يقال: شاد الرجل بناءه يشيده شيدا إذا رفعه وإذا. طلاه بالشيد، وهو ما يطلى به البناء من الكلس والجصّ وغيره، ويقال أيضا قد أشاد الرجل بناءه.
فأمّا في الذكر فأشدت بذكر فلان لا غير إذا رفعت من ذكره.
وقوله عزّ وجلّ:
{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئة يقولوا هذه من عندك}.
قيل كانت اليهود - لعنت - تشاءمت برسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عند دخوله المدينة فقالت: منذ دخل المدينة نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا، فأعلم اللّه عز وجل أن الخصب والجدب من عند اللّه). [معاني القرآن: 2/79]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} قال قتادة: البروج القصور المحصنة.

ومعروف في اللغة أن: البروج الحصون والمشيدة تحتمل معنيين:
1-أن تكون مطولة.

2-والآخر أن تكون مشيدة بالشيد وهو الجص، وكذلك قال عكرمة وقال السدي: هي قصور بيض في السماء الدنيا مبنية.
وقيل المشيدة: المطولة، والمشيدة: مخففة المعمولة بالشيد.
وقيل المشيدة: على التكثير يقع للجميع). [معاني القرآن: 2/134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} الحسنة ههنا: الخصب، والسيئة: الجدب). [معاني القرآن: 2/134-135]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {ولو كنتم في بروج مشيدة} أي: قصور مطولة). [ياقوتة الصراط: 200]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (البروج) الحصون،

و(المشيدة) المطولة.
{وإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} أي: خصب، و{سَيِّئَةٌ} قحط.

{يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ} أي: بشؤمك).
[تفسير المشكل من غريب القرآن:62-63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بُرُوجٍ}: قصور.

{مُّشَيّدَةٍ}: مجصّصة مرفوعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{مّا أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نّفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيداً}
قال: {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نّفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً} فجعل الخبر بالفاء لأن {ما} بمنزلة {من} وأدخل {من} على السيئة لأن {ما} نفي و{من} تحسن في النفي مثل قولك: "ما جاءني من أحد"). [معاني القرآن: 1/207]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{ما أصابك من حسنةٍ} أي: من نعمة {فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ} أي: بلية {فمن نفسك} أي: بذنوبك، الخطاب للنبي، والمراد غيره). [تفسير غريب القرآن:130-131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ثم قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من خير {فَمِنَ اللَّهِ}، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي: من شر {فَمِنْ نَفْسِكَ}أي: بذنبك. الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره، على ما بيّنت في باب الكناية).
[تأويل مشكل القرآن: 392] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيّئة فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيدا} فذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يراد به الخلق.
ومخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تكون للناس جميعا لأنه عليه السلام لسانهم، والدليل على ذلك: قوله
{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}فنادى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده وصار الخطاب شاملا له ولسائر أمّته، فمعنى {ما أصابك من حسنة فمن اللّه}، أي: ما أصبتم من غنيمة أو أتاكم من خصب فمن تفضل اللّه.
{وما أصابك من سيّئة} أي: من جدب أو غلبة في حرب فمن نفسك، أي: أصابكم ذلك بما كسبتم كما قال اللّه جلّ وعز {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
ومعنى
{وأرسلناك للنّاس رسولا} معنى الرسول ههنا: مؤكد لقوله: {وأرسلناك} لأن {وأرسلناك للنّاس} تدل على أنه رسول.
{وكفى باللّه شهيدا} أي: اللّه قد شهد أنه صادق، وأنه رسوله، و{شهيدا} منصوب على التمييز، لأنك إذا قلت كفى الله ولم تبين في أي شيء الكفاية كنت مبهما.
والفاء دخلت في قوله جل وعز: {ما أصابك من حسنة فمن اللّه} لأن الكلام في تقدير الجزاء، وهو بمنزلة قولك: إن تصبك حسنة فمن اللّه).
[معاني القرآن: 2/79-80]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}
{من حسنة} أي: خصب، وقيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم لأن المخاطبة له بمنزلة المخاطبة لجميع الناس، والمعنى: {ما أصابك من حسنة فمن الله} أي: من خصب ورخاء
{وما أصابك من سيئة} أي: من جدب وشدة فمن نفسك أي فبذنبك عقوبة قاله قتادة، ويروى أن اليهود قالوا لما قدم المسلمون إلى المدينة أصابنا الجدب وقل الخصب فأعلم الله جل وعز أن ذلك بذنوبهم.

وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ (وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك) وقيل القول محذوف، أي: يقولون هذا). [معاني القرآن: 2/135-136]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) }

تفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألت الخليل عن مهما فقال هي ما أدخلت معها ما لغواً بمنزلتها مع متى إذا قلت متى ما تأتني آتك وبمنزلتها مع إن إذا قلت إن ما تأتني آتك وبمنزلتها مع أين كما قال سبحانه وتعالى: {أينما تكونوا يدرككم
الموت} وبمنزلتها مع أيٍ إذا قلت: {أياماً تدعوا فله الأسماء الحسنى} ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظاً واحداً فيقولوا ماما فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى وقد يجوز أن يكون مه كإذ ضم إليها ما). [الكتاب: 3/59-60]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (والبروج: النجوم، كلّ برجٍ يومان وثلثٌ، وهي للشمس شهرٌ، وهي اثنا عشر برجاً، مسير القمر في كلّ برجٍ يومان وثلثٌ.
والبرج أيضاً: القصر المستطيل). [الأزمنة: 31] (م)
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
لها محرم يطوى على صعدائها = كطي الدهاقين البناء المشيدا
...
والمشيد المجصص والشيد الجص). [نقائض جرير والفرزدق: 479]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (قال أبو عبيدة: البناء المُشَيَّد المطول والمَشِيد المعمول بالشِّيد وهو كل شيء طليت به الحائط من جص أو بلاط. وقال الكسائي: مَشِيد للواحد، وقال الله تعالى: {وقَصْر مَشِيد}، والمَشِيد
للجميع. قال الله تعالى: {في بروج مُشَيَّدة} ). [الغريب المصنف: 1/264-265] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وكل بابٍ فأصله شيءٌ واحدٌ، ثم تدخل عليه دواخل؛ لاجتماعها في المعنى. وسنذكر إن كيف صارت أحق بالجزاء? كما أن الألف أحق بالاستفهام، وإلا أحق بالاستثناء، والواو أحق بالعطف مفسراً إن شاء الله في هذا الباب الذي نحن فيه.

فأما إن فقولك: إن تأتني آتك، وجب الإتيان الثاني بالأول، وإن تكرمني أكرمك، وإن تطع الله يغفر لك، كقوله عز وجل: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم} {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم}.
والمجازاة ب إذما قولك: إذما تأتني آتك؛ كما قال الشاعر:
إذ ما أنيت على الرسول فقل له = حقاً عليك إذا اطمأن المجلـس
ولا يكون الجزاء في إذ ولا في حيث بغير ما؛ لأنهما ظرفان يضافان إلى الأفعال. وإذا زدت على كل واحد منهما ما منعتا الإضافة فعملتا. وهذا في آخر الباب يشرح بأكثر من هذا الشرح إن شاء الله.
وأما المجازاة بـ (من) فقوله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً}.
وبـ (ما) قوله: {ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها}.
وبـ أين قوله عز وجل: {أينما تكونوا يدرككم الموت}. وقال الشاعر:
أين تضرب بنا العداة تجـدنـا = نصرف العيس نحوها للتلاقي
وبـ أنى قوله:
فأصبحت أنى تأتها تلتبس بـهـا = كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
ومن حروف المجازاة مهما. وإنما أخرنا ذكرها؛ لأن الخليل زعم أنها ما مكررة، وأبدلت من الألف الهاء. وما الثانية زائدة على ما الأولى؛ كما تقول: أين وأينما، ومتى ومتى ما، وإن وإما، وكذلك حروف المجازاة إلا ما كان من حيثما وإذما. فإن ما فيهما لازمة. لا يكونان للمجازاة إلا بها، كما تقع رب على الأفعال إلا بـ ما في قوله: {ربما يود الذين كفروا}، ولو حذفت منها ما لم تقع إلا على الأسماء النكرات، نحو: رب رجل يا فتى.
والمجازاة بـ(أي) قوله: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} ). [المقتضب: 2/45-48] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال طرفة بن العبد:
كقنطرة الرومي أقسم ربها = لتكتنفًا حتى تشاد بقرمد
قوله"حتى تشاد" يقول: تطلى، وكل شيء طليت به البناء من جص أو جيار، وهو الكلس، فهو المشيد، يقال: دار مشيدةٌ، وقصر مشيدٌ، قال الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} وقال الشماخ:

لا تحسبني وإن كنت امرأً غمرًا = كحية الماء بين الطين والشيد
وقال عدي بن زيد العبادي:
شاده مرمرًا وجلله كِْلـ = ـسًا فللطير في ذراه وكور
والمقرمد: المطلي أيضًا، فمن ثم قال: "حتى تشاد بقرمد" في معنى حتى تطلى، ومن ذلك قول النابغة:
............ = رابي المجسة بالعبير مقرمد).
[الكامل: 1/131-132]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وأنا قضيتها عليك). [مجالس ثعلب: 368]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: ألم تر إلى الّذين قيل لهم اختلف المتأولون فيمن المراد بقوله الّذين قيل لهم؟ فقال ابن عباس وغيره: كان عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن عمرو الكندي وجماعة سواهم قد أنفوا من الذل بمكة قبل الهجرة وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيح لهم مقاتلة المشركين، فأمرهم الله تعالى بكف الأيدي، وأن لا يفعلوا، فلما كان بالمدينة وفرض القتال، شق ذلك على بعضهم وصعب موقعه، ولحقهم ما يلحق البشر من الخور والكع عن مقارعة العدو فنزلت الآية فيهم، وقال قوم:
كان كثير من العرب قد استحسنوا الدخول في دين محمد عليه السلام على فرائضه التي كانت قبل القتال من الصلاة والزكاة ونحوها والموادعة وكف الأيدي، فلما نزل القتال شق ذلك عليهم وجزعوا له، فنزلت الآية فيهم، وقال مجاهد وابن عباس أيضا: إنما الآية حكاية عن اليهود أنهم فعلوا ذلك مع نبيهم في وقته، فمعنى الحكاية عنهم تقبيح فعلهم، ونهي المؤمنين عن فعل مثله، وقالت فرقة: المراد بالآية المنافقون من أهل المدينة عبد الله بن أبيّ وأمثاله، وذلك أنهم كانوا قد سكنوا على الكره إلى فرائض الإسلام مع الدعة وعدم القتال، فلما نزل القتال شق عليهم وصعب عليهم صعوبة شديدة، إذ كانوا مكذبين بالثواب، ذكره المهدوي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحسن هذا القول أن ذكر المنافقين يطرد فيما بعدها من الآيات، ومعنى كفّوا أيديكم أمسكوا عن القتال، والفريق: الطائفة من الناس، كأنه فارق غيره. وقوله: يخشون النّاس كخشية اللّه يعني أنهم كانوا يخافون الله في جهة الموت، لأنهم لا يخشون الموت إلا منه، فلما كتب عليهم قتال الناس رأوا أنهم يموتون بأيديهم، فخشوهم في جهة الموت كما كانوا يخشون الله، وقال الحسن: قوله: كخشية اللّه يدل على أنها في المؤمنين، وهي خشية خوف لا خشية مخالفة، ويحتمل أن يكون المعنى يخشون الناس على حد خشية المؤمنين الله عز وجل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ترجيح لا قطع، وقوله: أو أشدّ خشيةً قالت فرقة: أو بمعنى الواو، وفرقة: هي بمعنى «بل»، وفرقة: هي للتخيير، وفرقة: على بابها في الشك في حق المخاطب، وفرقة: هي على جهة الإبهام على المخاطب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد شرحت هذه الأقوال كلها في سورة البقرة في قوله: أو أشدّ قسوةً [الآية: 74] أن الموضعين سواء، وقولهم، لم كتبت علينا القتال؟ رد في صدر أوامر الله تعالى وقلة استسلام، «والأجل القريب» يعنون به موتهم على فرشهم، هكذا قال المفسرون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يحسن إذا كانت الآية في اليهود أو المنافقين، وأما إذا كانت في طائفة من الصحابة، فإنما طلبوا التأخر إلى وقت ظهور الإسلام وكثرة عددهم.
قوله تعالى: قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلاً (77)
المعنى: قل يا محمد لهؤلاء: متاع الدّنيا، أي الاستمتاع بالحياة فيها الذي حرصتم عليه وأشفقتم من فقده قليلٌ، لأنه فان زائل والآخرة التي هي نعيم مؤبد خيرٌ لمن أطاع الله واتقاه في الامتثال لأوامره، على المحاب والمكاره، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «تظلمون» بالتاء على الخطاب، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «يظلمون» بالياء على ترك المخاطبة وذكر الغائب، والفتيل الخيط في شق نواة التمرة، وقد تقدم القول فيه). [المحرر الوجيز: 2/604-606]

تفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً (78)
المعنى: أينما تكونوا يدرككم الموت جزاء وجوابه. وهكذا قراءة الجمهور، وقرأ طلحة بن سليمان «يدرككم» بضم الكافين ورفع الفعل، قال أبو الفتح: ذلك على تقدير دخول الفاء كأنه قال: فيدرككم الموت، وهي قراءة ضعيفة، وهذا إخبار من الله يتضمن تحقير الدنيا، وأنه لا منجى من الفناء والتنقل، واختلف المتأولون في قوله: في بروجٍ فالأكثر والأصح أنه أراد البروج والحصون التي في الأرض المبنية، لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة، فمثل الله لهم بها، قال قتادة: المعنى في قصور محصنة، وقاله ابن جريج والجمهور، وقال السدي: هي بروج في السماء الدنيا مبنية، وحكى مكي هذا القول عن مالك، وأنه قال: ألا ترى إلى قوله والسّماء ذات البروج [البروج: 1] وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال: في بروجٍ مشيّدةٍ، معناه في قصور من حديد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا لا يعطيه اللفظ، وإنما البروج في القرآن إذا وردت مقترنة بذكر السماء بروج المنازل للقمر وغيره على ما سمتها العرب وعرفتها، وبرج معناه ظهر، ومنه البروج أي المطولة الظاهرة، ومنه تبرج المرأة، ومشيّدةٍ قال الزجّاج وغيره: معناه مرفوعة مطولة، لأن شاد الرجل البناء إذا صنعه بالشيد وهو الجص إذا رفعه، وقالت طائفة: مشيّدةٍ معناه: محسنة بالشيد، وذلك عندهم أن «شاد الرجل» معناه: جصص بالشيد، وشيد معناه: كرر ذلك الفعل فهي للمبالغة، كما تقول: كسرت العود مرة، وكسرته في مواضع منه كثيرة مرارا، وخرقت الثوب وخرقته، إذا كان الخرق منه في مواضع كثيرة، فعلى هذا يصح أن تقول: شاد الرجل الجدار مرة وشيد الرجل الجدار إذا أردت المبالغة، لأن التشييد منه وقع في مواضع كثيرة، ومن هذا المعنى قول الشاعر [عدي بن زياد العبادي]: [الخفيف]
شاده مرمرا وجلّله كل = سا فللطير في ذراه وكور
والهاء والميم في قوله: وإن تصبهم رد على الذين قيل لهم، كفوا أيديكم وهذا يدل على أنهم المنافقون، لأن المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة، ولأن اليهود لم يكونوا للنبي عليه السلام تحت أمر، فتصيبهم بسببه أسواء، ومعنى الآية، وإن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من هزم عدو أو غنيمة أو غير ذلك رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع الله، لا أنه ببركة اتباعك والإيمان بك، وإن تصبهم سيّئةٌ، أي هزيمة أو شدة جوع وغير ذلك، قالوا: هذه بسببك، لسوء تدبيرك، كذا قال ابن زيد، وقيل لشؤمك علينا. قاله الزجّاج وغيره، وقوله: قل كلٌّ من عند اللّه إعلام من الله تعالى، أن الخير والشر، والحسنة والسيئة خلق له ومن عنده، لا رب غيره ولا خالق ولا مخترع سواه، فالمعنى: قل يا محمد لهؤلاء: ليس الأمر كما زعمتم من عندي ولا من عند غيري، بل هو كله من عند الله، قال قتادة: النعم والمصائب من عند الله، قال ابن زيد، النصر والهزيمة، قال ابن عباس: السيئة والحسنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله شيء واحد، ثم وبخهم بالاستفهام عن علة جهلهم، وقلة فهمهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق، والفقه في اللغة الفهم، وأوقفته الشريعة على الفهم في الدين وأموره، وغلب عليه بعد الاستعمال في علم المسائل الأحكامية، والبلاغة في الاستفهام عن قلة فقههم بينة، لأنك إذا استفهمت عن علة أمر ما، فقد تضمن كلامك إيجاب ذلك الأمر تضمنا لطيفا بليغا، ووقف أبو عمرو والكسائي على قوله فما ووقف الباقون على اللام في قوله: فما ل، اتباعا للخط، ومنعه قوم جملة، لأنه حرف جر فهي بعض المجرور، وهذا كله بحسب ضرورة وانقطاع نفس، وأما أن يختار أحد الوقف فيما ذكرناه ابتداء فلا). [المحرر الوجيز: 2/606-608]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيداً (79) من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ومن تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً (80) ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيّت طائفةٌ منهم غير الّذي تقول واللّه يكتب ما يبيّتون فأعرض عنهم وتوكّل على اللّه وكفى باللّه وكيلاً (81)
قالت فرقة: ما شرطية، ودخلت من بعدها لأن الشرط ليس بواجب فأشبه النفي الذي تدخله من، وقالت فرقة ما بمعنى الذي، ومن لبيان الجنس، لأن المصيب للإنسان أشياء كثيرة: حسنة وسيئة، ورخاء وشدة، وغير ذلك، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وغيره داخل في المعنى، وقيل:
الخطاب للمرء على الجملة، ومعنى هذه الآية عند ابن عباس وقتادة والحسن والربيع وابن زيد وأبي صالح وغيرهم، القطع واستئناف الإخبار من الله تعالى، بأن الحسنة منه وبفضله، والسيئة من الإنسان بإذنابه، وهي من الله بالخلق والاختراع، وفي مصحف ابن مسعود، «فمن نفسك» «وأنا قضيتها عليك» وقرأ بها ابن عباس، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود «وأنا كتبتها» وروي أن أبيا وابن مسعود قرأ «وأنا قدرتها عليك» ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي عليه السلام معناها، أن ما يصيب ابن آدم من المصائب، فإنما هي عقوبة ذنوبه. ومن ذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما نزلت من يعمل سوءاً يجز به [النساء: 123] جزع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألست تمرض؟ ألست تسقم؟ ألست تغتم؟
وقال أيضا عليه السلام: «ما يصيب الرجل خدشة عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر». ففي هذا بيان أو تلك كلها مجازاة على ما يقع من الإنسان، وقالت طائفة: معنى الآية كمعنى التي قبلها في قوله: وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه [النساء: 78] على تقدير حذف يقولون، فتقديره فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا، يقولون: ما أصابك من حسنة، ويجيء القطع على هذا القول من قوله: وأرسلناك، وقالت طائفة: بل القطع في الآية من أولها، والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله، وتقدير ما بعده وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك، على جهة الإنكار والتقرير، فعلى هذه المقالة ألف الاستفهام محذوقة من الكلام، وحكى هذا القول المهدوي، ورسولًا نصب على الحال، وهي حال تتضمن معنى التأكيد في قوله تعالى، وأرسلناك للنّاس رسولًا ثم تلاه بقوله: وكفى باللّه شهيداً توعد للكفرة، وتهديد تقتضيه قوة الكلام، لأن المعنى شهيدا على من كذبه.
والمعنى أن الرسول إنما يأمر وينهى بيانا من الله وتبليغا، فإنما هي أوامر الله ونواهيه، وقالت فرقة:
سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبني فقد أحب الله»، فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة، وقالوا: هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده، وهو في هذا القول مدّع للربوبية، فنزلت هذه الآية تصديقا للرسول عليه السلام، وتبيينا لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى). [المحرر الوجيز: 2/608-610]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 05:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا (77) أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا (78) ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيدًا (79)}
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام -وهم بمكّة -مأمورين بالصّلاة والزّكاة وإن لم تكن ذات النّصب، لكن كانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصّفح والعفو عن المشركين والصّبر إلى حينٍ، وكانوا يتحرّقون ويودّون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبًا لأسبابٍ كثيرةٍ، منها: قلّة عددهم بالنّسبة إلى كثرة عدد عدّوهم، ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلدٌ حرامٌ وأشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداءً لائقًا. فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلّا بالمدينة، لمّا صارت لهم دارٌ ومنعةٌ وأنصارٌ، ومع هذا لمّا أمروا بما كانوا يودّونه جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة النّاس خوفًا شديدًا {وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} أي: لو ما أخّرت فرضه إلى مدّةٍ أخرى، فإنّ فيه سفك الدّماء، ويتم الأبناء، وتأيّم النّساء، وهذه الآية في معنى قوله تعالى {ويقول الّذين آمنوا لولا نزلت سورةٌ فإذا أنزلت سورة محكمةٌ وذكر فيها القتال [رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا اللّه لكان خيرًا لهم]} [محمّدٍ: 20، 21].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعليّ بن زنجة قالا حدّثنا عليّ بن الحسن، عن الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ وأصحابًا له أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فقالوا: يا نبيّ اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون، فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً: قال: "إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم". فلمّا حوّله اللّه إلى المدينة أمره بالقتال، فكفّوا. فأنزل اللّه: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم [وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية الله أو أشدّ خشيةً]} الآية.
ورواه النّسائيّ، والحاكم، وابن مردويه، من حديث عليّ بن الحسن بن شقيق، به.
وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ: لم يكن عليهم إلّا الصّلاة والزّكاة، فسألوا اللّه أن يفرض عليهم القتال، فلمّا كتب عليهم القتال: {إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} وهو الموت، قال اللّه تعالى: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى}
وعن مجاهدٍ: إنّ هذه الآيات نزلت في اليهود. رواه ابن جريرٍ.
وقوله: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى} أي: آخرة المتّقي خيرٌ من دنياه.
{ولا تظلمون فتيلا} أي: من أعمالكم بل توفّونها أتمّ الجزاء. وهذه تسليةٌ لهم عن الدّنيا. وترغيبٌ لهم في الآخرة، وتحريضٌ لهم على الجهاد.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدّورقي، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن هشام قال: قرأ الحسن: {قل متاع الدّنيا قليلٌ} قال: رحم اللّه عبدًا صحبها على حسب ذلك، ما الدّنيا كلّها أوّلها وآخرها إلّا كرجلٍ نام نومةً، فرأى في منامه بعض ما يحبّ، ثمّ انتبه.
وقال ابن معين: كان أبو مسهر ينشد:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له = من اللّه في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدّنيا رجالا فإنها = متاع قليلٌ والزّوال قريب). [تفسير القرآن العظيم: 2/359-360]

تفسير قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} أي: أنتم صائرون إلى الموت لا محالة، ولا ينجو منه أحدٌ منكم، كما قال تعالى: {كلّ من عليها فانٍ [ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام]} [الرّحمن: 26، 27] وقال تعالى {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} [آل عمران: 185] وقال تعالى: {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد} [الأنبياء: 34] والمقصود: أنّ كلّ أحدٍ صائرٌ إلى الموت لا محالة، ولا ينجيه من ذلك شيءٌ، وسواءٌ عليه جاهد أو لم يجاهد، فإنّ له أجلًا محتومًا، وأمدًا مقسومًا، كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه: لقد شهدت كذا وكذا موقفًا، وما من عضوٍ من أعضائي إلّا وفيه جرحٌ من طعنةٍ أو رميةٍ، وها أنا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء.
وقوله: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} أي: حصينةٍ منيعةٍ عاليةٍ رفيعةٍ. وقيل: هي بروجٌ في السّماء. قاله السّدّيّ، وهو ضعيفٌ. والصّحيح: أنّها المنيعة. أي: لا يغني حذرٌ وتحصّنٌ من الموت، كما قال زهير بن أبي سلمى:
ومن خاف أسباب المنيّة يلقها = ولو رام أسباب السّماء بسلّم
ثمّ قيل: "المشيّدة" هي المشيدة كما قال: "وقصرٍ مشيدٍ" [الحجّ: 45] وقيل: بل بينهما فرقٌ، وهو أنّ المشيّدة بالتّشديد، هي: المطوّلة، وبالتّخفيف هي: المزيّنة بالشّيد وهو الجصّ.
وقد ذكر ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ هاهنا حكايةً مطوّلةً عن مجاهدٍ: أنّه ذكر أنّ امرأةً فيمن كان قبلنا أخذها الطّلق، فأمرت أجيرها أن يأتيها بنارٍ، فخرج، فإذا هو برجلٍ واقفٍ على الباب، فقال: ما ولدت المرأة؟ فقال: جاريةً، فقال: أما إنّها ستزني بمائة رجلٍ، ثمّ يتزوّجها أجيرها، ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فكرّ راجعًا، فبعج الجارية بسكّينٍ في بطنها، فشقّه، ثمّ ذهب هاربًا، وظنّ أنّها قد ماتت، فخاطت أمّها بطنها، فبرئت وشبّت وترعرعت، ونشأت أحسن امرأةٍ ببلدتها فذهب ذاك [الأجير] ما ذهب، ودخل البحور فاقتنى أموالًا جزيلةً، ثمّ رجع إلى بلده وأراد التّزويج، فقال لعجوزٍ: أريد أن أتزوّج بأحسن امرأةٍ بهذه البلدة. فقالت له: ليس هنا أحسن من فلانةٍ. فقال: اخطبيها عليّ. فذهبت إليها فأجابت، فدخل بها فأعجبته إعجابًا شديدًا، فسألته عن أمره ومن أين مقدمه ؟ فأخبرها خبره، وما كان من أمره في هربه. فقالت: أنا هي. وأرته مكان السّكّين، فتحقّق ذلك فقال: لئن كنت إيّاها فلقد أخبرتني باثنتين لا بدّ منهما، إحداهما: أنّك قد زنيت بمائة رجلٍ. فقالت: لقد كان شيءٌ من ذلك، ولكن لا أدري ما عددهم؟ فقال: هم مائةٌ. والثّانية: أنّك تموتين بالعنكبوت. فاتّخذ لها قصرًا منيعًا شاهقًا، ليحرزها من ذلك، فبينا هم يومًا إذا بالعنكبوت في السّقف، فأراها إيّاها، فقالت: أهذه الّتي تحذرها عليّ، واللّه لا يقتلها إلّا أنا، فأنزلوها من السقف فعمدت إليها فوطئتا بإبهام رجلها فقتلتها، فطار من سمّها شيءٌ فوقع بين ظفرها ولحمها، فاسودّت رجلها وكان في ذلك أجلها.
ونذكر هاهنا قصّة صاحب الحضر، وهو "السّاطرون" لمّا احتال عليه "سابور" حتّى حصره فيه، وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين، وقالت العرب في ذلك أشعارًا منها:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـ = لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلّله كل = سًا فللطّير في ذراه وكور
لم تهبه أيدي المنون فباد الـ = ملك عنه فبابه مهجور
ولما دخل على عثمان جعل يقول: اللّهمّ اجمع أمّة محمّدٍ، ثمّ تمثّل بقول الشّاعر:
أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع = لعادٍ ملاذّا في البلاد ومربعا
يبيّت أهل الحصن والحصن مغلقٌ = ويأتي الجبال في شماريخها معا
وقوله: {وإن تصبهم حسنةٌ} أي: خصبٌ ورزقٌ من ثمارٍ وزروعٍ وأولادٍ ونحو ذلك هذا معنى قول ابن عبّاسٍ وأبي العالية والسّدّيّ {يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ} أي: قحطٌ وجدبٌ ونقصٌ في الثّمار والزّروع أو موت أولادٍ أو نتاجٍ أو غير ذلك. كما يقوله أبو العالية والسّدّيّ. {يقولوا هذه من عندك} أي: من قبلك وبسبب اتّباعنا لك واقتدائنا بدينك. كما قال تعالى عن قوم فرعون: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه} [الأعراف: 131] وكما قال تعالى: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ [فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة]} الآية [الحجّ: 11]. وهكذا قال هؤلاء المنافقون الّذين دخلوا في الإسلام ظاهرًا وهم كارهون له في نفس الأمر؛ ولهذا إذا أصابهم شرٌّ إنّما يسندونه إلى اتّباعهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال السّدّيّ: {وإن تصبهم حسنةٌ} قال: والحسنة الخصب، تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم، ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان قالوا: {هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ} والسّيّئة: الجدب والضّرر في أموالهم، تشاءموا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وقالوا: {هذه من عندك} يقولون: بتركنا ديننا واتّباعنا محمّدًا أصابنا هذا البلاء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل كلٌّ من عند اللّه} فقوله {قل كلٌّ من عند اللّه} أي الجميع بقضاء اللّه وقدره، وهو نافذٌ في البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {قل كلٌّ من عند اللّه} أي: الحسنة والسّيّئة. وكذا قال الحسن البصريّ.
ثمّ قال تعالى منكرًا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصّادرة عن شكٍّ وريبٍ. وقلّة فهمٍ وعلمٍ، وكثرة جهلٍ وظلمٍ: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا}
ذكر حديثٍ غريبٍ يتعلّق بقوله تعالى: {قل كلٌّ من عند اللّه}
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا السّكن بن سعيدٍ، حدّثنا عمر بن يونس، حدّثنا إسماعيل بن حمّادٍ، عن مقاتل بن حيّان، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: كنّا جلوسًا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فأقبل أبو بكرٍ وعمر في قبيلتين من النّاس، وقد ارتفعت أصواتهما، فجلس أبو بكرٍ قريبًا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ وجلس عمر قريبًا من أبي بكرٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم ارتفعت أصواتكما؟ " فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، قال أبو بكرٍ: الحسنات من اللّه والسّيّئات من أنفسنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فما قلت يا عمر؟ " قال: قلت: الحسنات والسّيّئات من اللّه. تعالى. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أوّل من تكلّم فيه جبريل وميكائيل، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكرٍ، وقال جبريل مقالتك يا عمر فقال: نختلف فيختلف أهل السّماء وإن يختلف أهل السّماء يختلف أهل الأرض. فتحاكما إلى إسرافيل، فقضى بينهم أنّ الحسنات والسّيّئات من اللّه". ثمّ أقبل على أبي بكرٍ وعمر فقال "احفظا قضائي بينكما، لو أراد اللّه ألّا يعصى لم يخلق إبليس".
قال شيخ الإسلام تقيّ الدّين أبو العبّاس ابن تيميّة: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة). [تفسير القرآن العظيم: 2/360-362]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى -مخاطبًا -للرّسول [صلّى اللّه عليه وسلّم] والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه} أي: من فضل اللّه ومنّه ولطفه ورحمته {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} أي: فمن قبلك، ومن عملك أنت كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ} [الشّورى: 30].
قال السّدّيّ، والحسن البصريّ، وابن جريج، وابن زيدٍ: {فمن نفسك} أي: بذنبك.
وقال قتادة: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} عقوبةً يا ابن آدم بذنبك. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "لا يصيب رجلًا خدش عودٍ، ولا عثرة قدمٍ، ولا اختلاج عرق، إلّا بذنبٍ، وما يعفو اللّه أكثر".
وهذا الّذي أرسله قتادة قد روي متّصلًا في الصّحيح: "والّذي نفسي بيده، لا يصيب المؤمن همٌّ ولا حزنٌ، ولا نصبٌ، حتّى الشّوكة يشاكها إلّا كفّر اللّه عنه بها من خطاياه".
وقال أبو صالحٍ: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} أي: بذنبك، وأنا الّذي قدّرتها عليك. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، حدّثنا سهلٌ -يعني ابن بكّار -حدّثنا الأسود بن شيبان، حدّثني عقبة بن واصل بن أخي مطرّف، عن مطرّف بن عبد اللّه قال: ما تريدون من القدر، أما تكفيكم الآية الّتي في سورة النّساء: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك} أي: من نفسك، واللّه ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليه يصيرون.
وهذا كلامٌ متينٌ قويٌّ في الرّدّ على القدريّة والجبريّة أيضًا، ولبسطه موضعٌ آخر.
وقوله تعالى: {وأرسلناك للنّاس رسولا} أي: تبلغهم شرائع اللّه، وما يحبّه ويرضاه، وما يكرهه ويأباه.
{وكفى باللّه شهيدًا} أي: على أنّه أرسلك، وهو شهيدٌ أيضًا بينك وبينهم، وعالمٌ بما تبلغهم إيّاه، وبما يردون عليك من الحق كفرا وعنادًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/363]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة