تفسير قوله تعالى: {يس (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يس} [يس: 1]
حدّثنا عثمان، عن قتادة، قال: يا إنسان، والسّين حرفٌ من اسم الإنسان يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا إنسان). [تفسير القرآن العظيم: 2/799]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يس...}...
- حدثني شيخ من أهل الكوفة عن الحسن نفسه , قال: يس: (يا رجل).
وهو في العربيّة بمنزلة حرف الهجاء؛ كقولك: {حم} , وأشباهها.
القراءة بوقف النون من يس.
وقد سمعت من العرب من ينصبها فيقول: {ياسين والقرآن الحكيم}كأنه يجعلها متحركة كتحريك الأدوات إذا سكن ما قبلها؛ مثل ليت ولعلّ ينصب منها ما سكن الذي يلي آخر حروفه, ولو خفض كما خفض جير لا أفعل ذلك خفضت لمكان الياء التي في جير.). [معاني القرآن: 2/371]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قوله: {يس}: مجازه مجاز ابتداء أوائل السور.). [مجاز القرآن: 2/157]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يس}
قال: {يس}, يقال: معناها يا إنسان , كأنه يعني النبي صلى الله عليه فلذلك قال: {إنّك لمن المرسلين}؛ لأنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم.). [معاني القرآن: 3/37]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (جاء في التفسير : {يس (1) والقرآن الحكيم (2)}
معناه يا إنسان، وجاء يا رجل , وجاء يا محمد , والذي عند أهل العربية أنه بمنزلة " الم " افتتاح السّورة، وجاء أن معناه : القسم.
وبعضهم أعنى بعض العرب تقول: ياسن والقرآن بفتح النون، وهذا جائز في العربية، والتسكين أجود لأنها حروف هجاء, وقد شرحنا أشباه ذلك.
فأمّا من فتح فعلى ضربين:
على أن{يس} اسم للسورة حكاية كأنّه قال: اتل يس، وهو على وزن هابيل وقابيل لا ينصرف، ويجوز أن يكون فتح لالتقاء السّاكنين.). [معاني القرآن: 4/277]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {يس والقرآن الحكيم}
وقرأ عيسى : ياسين بفتح النون.
روى سفيان , عن أبي بكر الهذلي , عن الحسين: يس , قال: (افتتاح القرآن) .
وروى هشيم , عن حصين , عن الحسن قال : يس , قال: (يا إنسان) , وكذلك قال الضحاك.
وقال مجاهد: (من فواتح كلام الله جل وعز) .
وقال قتادة : (هو اسم للسورة).
وقراءة عيسى: تحتمل أن تكون اسما للسورة , ونصب بإضمار فعل, ويجوز أن يكون الفتح لالتقاء الساكنين.
قال سيبويه : وقد قرأ بعضهم يسن والقرآن , وق والقرآن , يعني بنصبهما جميعاً.
قال: فمن قال هذا , فكأنه جعله اسما أعجميا , ثم قال:أذكر ياسين .
قال أبو جعفر: هذا يدل على أن مذهب سيبويه في يس أنه اسم السورة , كما قال قتادة.
قال سيبويه : ويجوز أن يكون يس وص اسمين غير متمكنين ؛ فيلزما الفتح كما ألزمت الأسماء غير المتمكنة الحركات نحو : كيف , وأين , وحيث, وأمس.). [معاني القرآن: 5/471-472-473]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يس}: معناه عند ابن عباس: (يا إنسان : يريد محمد صلى الله عليه وسلم).). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 201]
تفسير قوله تعالى:{وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({والقرءان الحكيم} [يس: 2] المحكم). [تفسير القرآن العظيم: 2/799]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يس...}...
- حدثني شيخ من أهل الكوفة , عن الحسن نفسه , قال: يس: (يا رجل).
وهو في العربيّة بمنزلة حرف الهجاء؛ كقولك: {حم}, وأشباهها.
القراءة بوقف النون من يس.
وقد سمعت من العرب من ينصبها , فيقول: {ياسين والقرآن الحكيم}, كأنه يجعلها متحركة كتحريك الأدوات إذا سكن ما قبلها؛ مثل ليت ولعلّ ينصب منها ما سكن الذي يلي آخر حروفه.
ولو خفض كما خفض جير لا أفعل ذلك خفضت لمكان الياء التي في جير.). [معاني القرآن: 2/371] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {والقرآن الحكيم (2)}
معناه : أن آياته أحكمت , وبيّن فيها الأمر , والنهي, والأمثال, وأقاصيص الأمم السالفة.). [معاني القرآن: 4/277]
تفسير قوله تعالى:{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {إنّك لمن المرسلين {3} على صراطٍ مستقيمٍ {4}} [يس: 3-4] أقسم للنّبيّ عليه السّلام {والقرءان الحكيم {2} إنّك لمن المرسلين {3} على صراطٍ مستقيمٍ {4}} [يس: 2-4] على دينٍ مستقيمٍ.
والصّراط الطّريق المستقيم إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/799]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ)
: ({يس}
قال: {يس} , يقال معناها: يا إنسان, كأنه يعني : النبي صلى الله عليه , فلذلك قال: {إنّك لمن المرسلين}؛ لأنه يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.). [معاني القرآن: 3/37] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إنّك لمن المرسلين (3)}
هذا خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم , وهو جواب القسم : جواب: {والقرآن إنّك لمن المرسلين على صراط مستقيم}
أي: على طريق الأنبياء الذين تقدموك.
وأحسن ما في العربية أن يكون : {لمن المرسلين} خبر " إنّ " , ويكون {على صراط مستقيم} خبرا ثانيا.
فالمعنى: إنك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة.). [معاني القرآن: 4/277-278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنك لمن المرسلين (3) على صراط مستقيم}
خبر بعد خبر , ويجوز أن يكون {على صراط مستقيم} من صلة المرسلين , أي : لمن المرسلين على استقامة من الحق.). [معاني القرآن: 5/473-474]
تفسير قوله تعالى: {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {إنّك لمن المرسلين {3} على صراطٍ مستقيمٍ {4}} [يس: 3-4] أقسم للنّبيّ عليه السّلام {والقرءان الحكيم {2} إنّك لمن المرسلين {3} على صراطٍ مستقيمٍ {4}} [يس: 2-4] على دينٍ مستقيمٍ.
والصّراط الطّريق المستقيم إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/799] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {على صراطٍ مّستقيمٍ}
يكون خيراً بعد خبر: إنك لمن المرسلين، إنك على صراطٍ مستقيم. ويكون: إنك لمن الذين أرسلوا على صراطٍ مستقيم على الاستقامة.). [معاني القرآن: 2/372]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وأحسن ما في العربية أن يكون {لمن المرسلين}خبر " إنّ " , ويكون {على صراط مستقيم}خبرا ثانيا.
فالمعنى: إنك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة.). [معاني القرآن: 4/278] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنك لمن المرسلين (3) على صراط مستقيم}
خبر بعد خبر , ويجوز أن يكون {على صراط مستقيم} من صلة المرسلين , أي: لمن المرسلين على استقامة من الحق.). [معاني القرآن: 5/473-474] (م)
تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({تنزيل العزيز الرّحيم} [يس: 5]، يعني: القرآن، هو تنزيل العزيز الرّحيم، نزل مع جبريل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [تفسير القرآن العظيم: 2/799]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {تنزيل العزيز الرّحيم}
القراءة بالنصب، على قولك: حقّاً إنك لمن المرسلين تنزيلاً حقّاً, وقرأ أهل الحجاز بالرفع، وعاصم والأعمش ينصبانها, ومن رفعها جعلها خبراً ثالثاً: إنك لتنزيل العزيز الرحيم, ويكون رفعه على الاستئناف؛ كقولك: ذلك تنزيل العزيز الرحيم؛ كما قال : {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ}: أي: ذلك بلاغ.). [معاني القرآن: 2/372]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ : {تنزيل العزيز الرّحيم (5)}
تقرأ (تنزيل) بالرفع والنصب , فمن نصب ,فعلى المصدر على معنى : نزّل اللّه ذلك تنزيلا.
ومن رفع فعلى معنى : الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم.). [معاني القرآن: 4/278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تنزيل العزيز الرحيم}
أي: الذي أوحي إليك تنزيل العزيز الرحيم , والنصب لأنه مصدر.). [معاني القرآن: 5/474]
تفسير قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لتنذر قومًا} [يس: 6]، يعني: قريشًا.
{ما أنذر آباؤهم} [يس: 6] سعيدٌ، عن قتادة، قال: قال بعضهم: لتنذر قومًا لم ينذر آباؤهم، وقال بعضهم: بالّذي أنذر آباؤهم.
قال يحيى من قال: لم ينذر
[تفسير القرآن العظيم: 2/799]
آباؤهم، يعني: مثل قوله: {ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك} [القصص: 46]، يعني: قريشًا، ومن قال: مثل الّذي أنذر آباؤهم فيأخذها من هذه الآية: {أفلم يدّبّروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين} [المؤمنون: 68]، يعني: من كانوا قبل قريشٍ.
وتفسير السّدّيّ: {لتنذر قومًا} [يس: 6]، يعني: لتحذّر قومًا ما في القرآن من الوعيد {ما أنذر آباؤهم} [يس: 6] كما أنذر آباؤهم، يعني: كما حذّر آباؤهم.
قال: {فهم غافلون} [يس: 6] عمّا جاءهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غفلةٍ من البعث). [تفسير القرآن العظيم: 2/800]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {لتنذر قوماً مّا أنذر آباؤهم...}
يقال: لتنذر قوماً لم ينذر آباؤهم , أي: لم تنذرهم ولا أتاهم رسول قبلك.
ويقال: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، ثم تلقى الباء، فيكون (ما) في موضع نصبٍ , كما قال: {أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود}. ). [معاني القرآن: 2/372]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لتنذر قوماً مّا أنذر آباؤهم فهم غافلون}
وقال: {لتنذر قوماً مّا أنذر آباؤهم فهم غافلون}: أي: قوم لم ينذر آباؤهم ؛ لأنهم كانوا في الفترة.
وقال بعضهم : {مّا أنذره آباؤهم فهم غافلون}, فدخول الفاء في هذا المعنى ؛ كأنه لا يجوز - والله أعلم - وهو على الأول أحسن.). [معاني القرآن: 3/37]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون (6)}
جاء في التفسير : لتنذر قوما مثل ما أنذر آباؤهم.
وجاء لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم، فيكون (ما) جحدا وهذا - واللّه أعلم - الاختيار؛ لأن قوله " فهم غافلون " دليل على معنى : لم ينذر آباؤهم , وإذا كان قد أنذر آباؤهم , فهم غافلون ففيه بعد، ولكنه قد جاء في التفسير, ودليل النفي قوله: {وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير (44)}.
ولو كان آباؤهم منذرين , لكانوا منذرين دارسين لكتب, والله أعلم.). [معاني القرآن: 4/278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون}
قال قتادة : (قال قوم لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك من نذير , وقال قوم لتنذر قوما مثل ما أنذر آباؤهم).
قال أبو جعفر : المعنى على القول الثاني : لتنذر قوما بما أنذر آباؤهم , كما قال سبحانه: {فقل أنذرتكم صاعقة} ). [معاني القرآن: 5/474-475]
تفسير قوله تعالى:{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({لقد حقّ القول} [يس: 7] لقد سبق القول.
{على أكثرهم} [يس: 7]، يعني: من لا يؤمن.
قال: {فهم لا يؤمنون {7} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/800]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({لقد حقّ القول}: أي: وجب.).
[مجاز القرآن: 2/157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لقد حقّ القول على أكثرهم}: أي: وجب.). [تفسير غريب القرآن: 363]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون (7)}
القول ههنا - واللّه أعلم - مثل قوله: {ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين}
المعنى : لقد حق القول على أكثرهم بكفرهم وعنادهم, أضلّهم اللّه , ومنعهم من الهدى.). [معاني القرآن: 4/278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون}
أي : وجب القول عليهم بكفرهم , بأن لهم النار .
وقيل : عقوبة على كفرهم , ثم قال جل وعز: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا}
في معنى هذا أقوال:
قال الضحاك : (منعناهم من النفقة في سبيل الله , كما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك}).
وقيل : هذا في يوم القيامة إذا دخلوا النار , والماضي بمعنى المستقبل, أو لأن الله جل وعز أخبر به , أو على إضمار إذا كان.
وقيل : جعلنا بمعنى : وصفنا أنهم كذا .
وقد حكى سيبويه : أن (جعل ) تأتي في كلام العرب على هذا المعنى, وهو أحد أقواله في قولهم جعلت متاعك بعضه فوق بعض , وقوله جل وعز: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا}.). [معاني القرآن: 5/475-476]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَقَّ الْقَوْلُ}: أي : وجب.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 201]
تفسير قوله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون {8}} [يس: 8] فهم فيما يدعوهم إليه من الهدى بمنزلة الّذي في عنقه الغلّ فهو لا يستطيع أن يبسط يده، لا يقبلون الهدى.
والتّقمّح فيما
- حدّثني نصر بن طريفٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: {فهم مقمحون} [يس: 8] يداه إلى عنقه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/800]
والأذقان فيما ذكره سعيدٌ، عن قتادة، الوجوه، أي: قد غلّت يده، فهي عند وجهه.
وتفسير الحسن: المقمّح الطّامح ببصره، الّذي لا يبصر موطئ قدمه، أي: حيث يطأ، أي: لا يبصر الهدى.
عثمان، عن عمرٍو، عن الحسن، قال: {فهي إلى الأذقان} [يس: 8] مغلولةٌ، عن الخير.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: رافعوا رءوسهم، وأيديهم موضوعةٌ على أفواههم). [تفسير القرآن العظيم: 2/801]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان...}
فكنى عن هي، وهي للأيمان ولم تذكر, وذلك أن الغلّ لا يكون إلاّ باليمين، والعنق: جامعاً لليمين، والعنق، فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه، كما قال: {فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم} : فضمّ الورثة إلى الوصيّ , ولم يذكروا؛ لأن الصلح إنما يقع بين الوصيّ والورثة.
ومثله قول الشاعر:
وما أدري إذا يمّمت وجهاً = أريد الخير أيّهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه = أم الشرّ الذي لا يأتليني
فكنى عن الشرّ , وإنما ذكر الخير وحده، وذلك أن الشرّ يذكر مع الخير.
وهي في قراءة عبد الله : {إنا جعنا في أيمانهم أغلالاً فهي إلى الأذقان} : فكفت الأيمان من ذكر الأعناق في حرف عبد الله، وكفت الأعناق من الأيمان في قراءة العامّة.
والذقن أسفل اللّحيين, والمقمح: الغاضّ بصره بعد رفع رأسه, ومعناه: إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله.). [معاني القرآن: 2/373]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إلى الأذقان }: الذقن: مجتمع اللحيين.
{فهم مقمحون }: المقمح, والمقنع واحد، تفسيره : أي : يجذب الذقن حتى يصير في الصدر , ثم يرفع رأسه , قال بشر بن أبي خازم الأسدي:
ونحن على جوانبها قعودٌ= نغضّ الّطرف كالإبل القماح). [مجاز القرآن: 2/157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الأذقان}: واحدها ذقن وهو مجتمع اللحيين.
{مقتحمون}: رافعوا رؤوسهم، والناقة المقامح الممتنعة من الشرب عند الحوض رافعة رأسها والمقنع مثله).[غريب القرآن وتفسيره: 311]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فهم مقمحون}: «المقمح»: الذي يرفع رأسه، ويغض بصره, يقال: بعير قامح، وإبل قماح، إذا رويت من الماء وقمحت.
قال الشاعر - وذكر سفينة وركبانها -:
ونحن على جوانبها قعود = نغض الطرف كالإبل القماح يريد : إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل اللّه بموانع كالأغلال.). [تفسير غريب القرآن: 363]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن هذا قوله: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا}، أي قبضنا أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال). [تأويل مشكل القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ :{إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون (8)}
وقرأ ابن عباس , وابن مسعود رحمهما اللّه: (إنا جعلنا في أيمانهم), وقرأ بعضهم : (في أيديهم أغلالا) , وهاتان القراءتان لا يجب أن يقرأ بواحدة منهما؛ لأنهما بخلاف المصحف.
فالمعنى في قوله: (في أعناقهم). ومن قرأ (في أيمانهم) , ومن قرأ (في أيديهم) , فمعنى واحد.
وذلك أنه لا يكون الغل في العنق دون اليد , ولا في اليد دون العنق، فالمعنى: إنا جعلنا في أعناقهم , وفي أيمانهم أغلالا.
{فهي إلى الأذقان}:كناية عن الأيدي , لا عن الأعناق؛ لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن، والعنق هو مقارب للذقن، لا يجعل الغلّ العنق إلى الذقن.
وقوله: {فهم مقمحون}:المقمح " الرافع رأسه الغاضّ بصره، وقيل للكانونين شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رءوسها لشدة برده، ولذا قيل شهرا قماح، وإنما ذكرت الأعناق , ولم تذكر الأيدي إيجازا واختصارا ؛ لأن الغل يتضمّن العنق واليد.
ومن قرأ (في أيمانهم), فهو أيضا يدل على العنق.
ومثل هذا قول المثقّب:
فما أدري إذا يمّمت أرضا= أريد الخير أيّهما يليني؟
أألخير الذي أنا أبتغيه= أم الشّر الذي هو يبتغيني
وإنما ذكر الخير وحده، ثم قال: أيّهما يليني؛ لأن قد علم أن الإنسان الخير والشر معرّضان له، لا يدري إذا أمّ أرضا أيلقاه هذا أم هذا، ومثله من كتاب اللّه:{سرابيل تقيكم الحر}, ولم يذكر البرد لأن ما وقى هذا وقى هذا.). [معاني القرآن: 4/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فهي إلى الأذقان فهم مقمحون}
والمعنى : فأيديهم إلى الأذقان, ولم يجر للأيدي ذكر ؛ لأن المعنى قد عرف , كما قال:
فما أدري إذا يممت وجها = أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه = أم الشر الذي لا يأتليني
وفي قراءة عبد الله بن مسعود :{إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا }.
ثم قال تعالى: {فهم مقمحون}
قال مجاهد : (أي: رافعوا رءوسهم , وأيديهم على أفواههم) .
وقال الفراء : هو الرافع رأسه , الغاض بصره.
وقال أبو عبيدة: هو الذي يجذب , وهو رافع رأسه.
قال أبو جعفر : المعروف في اللغة: أن المقمح : الرافع رأسه لمكروه , ومنه قيل لكانونين شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت فيهما الماء , رفعت رؤوسها من البرد , ومنه قوله:
ونحن على جوانبها قعود = نغض الطرف كالإبل القماح). [معاني القرآن: 5/477-478]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُّقْمَحُونَ}: المقمح الذي يرفع رأسه , ويغض بصره.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 201]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الأَذْقَانِ}: جمع ذقن , {مُّقْمَحُونَ}: رفعوا رؤوسهم.). [العمدة في غريب القرآن: 250]
تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا} [يس: 9] نصر بن طريفٍ، عن أيّوب، عن عكرمة قال: {من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا} [يس: 9] قال: ما صنع اللّه فهو سدٌّ، وما صنع ابن آدم فهو سدٌّ.
وقد قالوا: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} [فصلت: 5] فلا نبصر ما تقول.
قال: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} [يس: 9] الهدى، وهذا كلّه كقوله: {وأضلّه اللّه على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً} [الجاثية: 23] وقوله: {وختم على سمعه} [الجاثية: 23] فلا يسمع الهدى، وعلى قلبه فلا يقبل الهدى، {وجعل على بصره غشاوةً} [الجاثية: 23] فلا يبصر الهدى {فمن يهديه من بعد اللّه} [الجاثية: 23]، أي: لا أحد.
وبعضهم يقول: {وجعلنا من بين أيديهم سدًّا} [يس: 9] ما كان عليه آباؤهم من أمر الجاهلية {ومن خلفهم} [يس: 9] من خلف آبائهم {سدًّا} [يس: 9] يعنيهم، وهو تكذيبهم بالبعث.
[تفسير القرآن العظيم: 2/801]
{فأغشيناهم} [يس: 9]، يعني: ظلمة الكفر.
{فهم لا يبصرون} [يس: 9] الهدى). [تفسير القرآن العظيم: 2/802]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأغشيناهم...} أي : فألبسنا أبصارهم غشاوة, ونزلت هذه الآية في قوم أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم من بني مخزوم، فأتوه في مصلاّه ليلا، فأعمى الله أبصارهم عنه، فجعلوا يسمعون صوته بالقرآن ولا يرونه, فذلك قوله: {فأغشيناهم} .
وتقرأ : {فأعشيناهم}: بالعين, أعشيناهم عنه؛ لأن العشو بالليل، إذا أمسيت , وأنت لا ترى شيئا , فهو العشو.). [معاني القرآن: 2/373]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا} , والسد , والسّد: الجبل, وجمعها: أسداد.
{فأغشيناهم}: أي: أغشينا عيونهم، وأعميناهم عن الهدى.
وقال الأسود بن يعفر - وكان قد كف بصره -:
ومن الحوادث لا أبالك أنني = ضربت على الأرض بالأسداد
ما أهتدي فيها لمدفع تلعة = بين العذيب، وبين أرض مراد). [تفسير غريب القرآن: 363]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (9)}
(سدّا) و (سدّا)- بالفتح والضم - , ومعناهما واحد.
وقد قيل: السد فعل الإنسان , والسّد خلقة المسدود.
وفيه وجهان:
أحدهما قد جاء في التفسير، وهو : أن قوما أرادوا بالنبي صلى الله عليه وسلم سوءا , فحال اللّه بينهم وبين ذلك فجعلوا بمنزلة من هذه حاله، فجعلوا بمنزلة من غلّت يمينه , وسدّ طريقه من بين يديه , ومن خلفه , وجعل على بصره غشاوة، وهو معنى : {فأغشيناهم}
ويقرأ : {فأعشيناهم } بالعين غير معجمة، فحال اللّه بينهم وبين رسوله , وكان في هؤلاء أبو جهل فيما يروى، ويجوز أن يكون وصف إضلالهم فقال:{إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان}, أي: أضللناهم , فأمسكنا أيديهم عن النفقة في سبيل اللّه , والسعي فيما يقرب إلى اللّه .
{وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا}, كما قال: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم}الآية, والدليل على هذا قوله:{وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}
لأن من أضله الله هذا الإضلال , لم ينفعه الإنذار.). [معاني القرآن: 4/280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا}
قال أبو جعفر : السد , والسد الجبل , والمعنى: أعميناهم , كما قال:
ومن الحوادث لا أبالك أنني = ضربت على الأرض بالأسداد
لا أهتدي فيها لموضع تلعة = بين العذيب وبين أرض مراد
قال عكرمة : (كل ما كان من صنعة الله عز وجل فهو سد, وما كان من صنعة المخلوقين , فهو سد).
وقال ابن أبي إسحاق : كل ما لا يرى فهو سد , وما رئي فهو سد.
ويروى : (أنهم أرادوا النبي صلى الله عليه وسلم بسوء , فأحال الله جل وعز بينهم وبينه , أي: فصاروا كأن بينهم وبينه سدا , وكأن في أعناقهم إغلالا) , كذا قال عكرمة , ونزلت في أبي جهل , ثم قال جل وعز: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} آية
التغشية : التغطية .
وروي عن ابن عباس , وعمر بن عبد العزيز : (فأغشيناهم) بالعين غير معجمة , كما قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} .). [معاني القرآن: 5/478-480]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((والسد) , و(السد): الجبل.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 201]
تفسير قوله تعالى: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} [يس: 10] قال السّدّيّ: يعني: إن أنذرت الكفّار أم لم تنذرهم فهو عليهم سواءٌ، يعني: الّذين لا يؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/802]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }, لها ثلاثة مواضع، لفظها لفظ الاستفهام , وليس باستفهام قال زهير: سواءٌ عليه أيّ حينٍ أتيته= أساعة نحسٍ تتّقى أم بأسعد
فخرج لفظها على لفظ الاستفهام , وإنما هو إخبار , وكذلك قال حسان بن ثابت:
ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ= أم لحاني بظره غيبٍ لئيم
وكذلك قول زهير:
وما أدرى وسوف إخال = أدرى أقومٌ آل حصنٍ أم نساء). [مجاز القرآن: 2/157-158]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ويجوز أن يكون وصف إضلالهم فقال: {إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان}
أي: أضللناهم , فأمسكنا أيديهم عن النفقة في سبيل اللّه , والسعي فيما يقرب إلى اللّه .
{وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا}, كما قال:{ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم} الآية.
والدليل على هذا قوله: {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}؛ لأن من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار). [معاني القرآن: 4/280] (م)
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (قوله جل وعز: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}
قال ثعلب: هذا خاص لقوم معينين، أنهم في علم الله لا يؤمنون.).[ياقوتة الصراط: 421]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّما تنذر} [يس: 11] إنّما يقبل نذارتك فينتذر كقوله فيتّعظ.
{من اتّبع الذّكر} [يس: 11]، يعني: القرآن، كقوله: {إنّما تنذر الّذين يخشون ربّهم بالغيب} [فاطر: 18].
قال: {وخشي الرّحمن بالغيب} [يس: 11] في السّرّ، قلبه مخلصٌ بالإيمان.
قال: {فبشّره بمغفرةٍ} [يس: 11] لذنبه.
{وأجرٍ كريمٍ} [يس: 11]، أي: وثوابٍ كريمٍ، الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/802]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إنّما تنذر من اتّبع الذّكر وخشي الرّحمن بالغيب فبشّره بمغفرة وأجر كريم (11)} أي : من استمع القرآن, وأتبعه.
{وخشي الرّحمن بالغيب}: أي: خاف الله من حيث لا يراه أحد.
{فبشّره بمغفرة وأجر كريم}: المعنى : من إتبع الذكر , وخشي الرحمن ؛فبشره بمغفرة , وأجر كريم.
المغفرة : هي العفو عن ذنوبه، وأجر كريم بالجنة.). [معاني القرآن: 4/280-481]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّا نحن نحيي الموتى} [يس: 12]، يعني: البعث.
{ونكتب ما قدّموا وآثارهم} [يس: 12] كقوله: {علمت نفسٌ ما قدّمت وأخّرت} [الانفطار: 5].
{ما قدّموا} [يس: 12] ما عملوا من خيرٍ وشرٍّ، {وآثارهم} [يس: 12] ما أخّروا من سنّةٍ حسنةٍ، فعمل بها بعدهم فلهم مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيءٌ، أو سنّةٍ سيّئةٍ فعمل بها بعدهم فإنّ عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيءٌ.
- أبو الأشهب، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما داعٍ دعا على هدًى، فاتّبع، فله مثل أجر من اتّبعه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، وأيّما داعٍ دعا إلى ضلالةٍ، فاتّبع، فعليه مثل وزر من اتّبعه ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا».
[تفسير القرآن العظيم: 2/802]
سعيدٌ، عن قتادة، عن عمر بن عبد العزيز، قال: {وآثارهم} [يس: 12] خطوهم.
قال قتادة: لو كان اللّه مغفلا شيئًا، أي: تاركًا شيئًا من شأنك يابن آدم لا يحصيه لأغفل هذه الآثار الّتي تعفوها الرّياح.
سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: ما خطا عبدٌ خطوةً إلا كتب له حسنةٌ أو سيّئةٌ.
قال: {وكلّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبينٍ} [يس: 12]، أي: في كتابٍ.
{مبينٍ} بيّنٍ، يعني: اللّوح المحفوظ، وهو تفسير السّدّيّ.
- نعيم بن يحيى، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ، قال: أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال: اكتب فقال: ربّ ما أكتب؟ قال: ما هو كائنٌ، فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فأعمال العباد تعرض في كلّ يوم اثنين وخميسٍ، فيجدونه على ما في الكتاب). [تفسير القرآن العظيم: 2/803]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ونكتب ما قدّموا...} أمّا ما قدّموا , فما أسلفوا من أعمالهم, وآثارهم ما استنّ به من بعدهم, وهو مثل قوله: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر}.
وقوله: {وكلّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مّبينٍ}, القراء مجتمعون على نصب (كلّ) لما وقع من الفعل على راجع ذكرها, والرفع وجه جيّد.
فد سمعت ذلك من العرب؛ لأن (كلّ) بمنزلة النكرة إذا صحبها الجحد؛ فالعرب تقول: هل أحد ضربته، وفي (كلّ) مثل هذا التأويل، ألا ترى أن معناه: ما من شيء إلاّ قد أحصيناه.). [معاني القرآن: 2/373]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وكلّ شيءٍ أحصيناه}: أي: جعلناه, {في إمام ٍمبينٍ}: أي: في كتاب مبين.). [مجاز القرآن: 2/158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ونكتب ما قدّموا} من أعمالهم، {وآثارهم}: ما استن به بعدهم من سننهم.
وهو مثل قوله: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر} أي : بما قدم من عمله , وأخر من أثر باق بعده.). [تفسير غريب القرآن: 364]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإمام: أصله ما ائتممت به. قال الله تعالى لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}. أي: يؤتمّ بك، ويقتدى بسنّتك.
ثم يجعل الكتاب إماما يؤتم بما أحصاه. قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} أي: بكتابهم الذي جمعت فيه أعمالهم في الدنيا.
وقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} يعني: كتابا، أو يعني: اللّوح المحفوظ). [تأويل مشكل القرآن: 459] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إنّا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين (12)}
ما أسلفوا من أعمالهم، ونكتب آثارهم , أي: من سنّ سنّة حسنة كتب له ثوابها، ومن سنّ سنّة سيّئة , كتب عليه عقابها.
وقد قيل: {وتكتب آثارهم}: أي : خطاهم، والأول أكثر , وأبين.). [معاني القرآن: 4/281] قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم}
روى سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس : (كانت الأنصار بعيدة من المسجد , فقالوا: نأخذ أمكنة تقرب من المسجد , فأنزل الله جل وعز: {ونكتب ما قدموا وآثارهم}, فقالوا : نثبت مكاننا).
وقال مسروق : ما من رجل يخطو خطوة إلا كتب الله له حسنة أو سيئة .
وقال مجاهد, وقتادة:{آثارهم }: (خطاهم) .
وقال سعيد بن جبير : (نكتب ما قدموا أعمالهم وآثارهم ما سنوا بعدهم).). [معاني القرآن: 5/480-481]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا}: أي: من أعمالهم, {وَآثَارَهُمْ}: أي: ما أستن به من عمل صالح يجري ثوابه عليهم.
وقيل: هو خطاهم إلى المساجد والطاعات، مثل قوله: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر}. ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 201]