تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلّكم تذكّرون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه يأمر في هذا الكتاب الّذي أنزله إليك يا محمّد بالعدل، وهو الإنصاف ومن الإنصاف: الإقرار بمن أنعم علينا بنعمته، والشّكر له على إفضاله، وتولي الحمد أهله وإذا كان ذلك هو العدل ولم يكن للأوثان والأصنام عندنا يدٌ تستحقّ الحمد عليها، كان جهلاً بنا حمدها وعبادتها، وهي لا تنعم فتشكر ولا تنفع فتعبد، فلزمنا أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له، ولذلك قال من قال: العدل في هذا الموضع: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان} قال: " شهادة أن لا إله إلاّ اللّه "
- وقوله: {والإحسان} فإنّ الإحسان الّذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الّذي وصفنا صفته: الصّبر للّه على طاعته فيما أمر ونهى، في الشّدّة والرّخاء، والمكره والمنشط، وذلك هو أداء فرائضه، كما؛
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: " {والإحسان} يقول: أداء الفرائض "
وقوله: {وإيتاء ذي القربى} يقول: وإعطاء ذي القربى الحقّ الّذي أوجبه اللّه عليك بسبب القرابة والرّحم، كما:
- حدّثني المثنّى، وعليٌّ، قالا: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: " {وإيتاء ذي القربى} يقول: الأرحام ".
وقوله: {وينهى عن الفحشاء} قال: " الفحشاء في هذا الموضع: الزّنى
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: " {وينهى عن الفحشاء،} يقول: الزّنى ".
وقد بيّنّا معنى الفحشاء بشواهده فيما مضى قبل.
وقوله: {والبغي} قيل: عني بالبغي في هذا الموضع: الكبر والظّلم
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: " {والبغي} يقول: الكبر والظّلم ".
وأصل البغي: التّعدّي ومجاوزة القدر والحدّ من كلّ شيءٍ وقد بيّنّا ذلك فيما مضى قبل.
وقوله: {يعظكم لعلّكم تذكّرون} يقول: يذكّركم أيّها النّاس ربّكم لتذّكّروا فتنيبوا إلى أمره ونهيه، وتعرفوا الحقّ لأهله، كما؛
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: " {يعظكم} يقول: يوصيكم، {لعلّكم تذكّرون} "
وقد ذكر، عن ابن عيينة أنّه كان يقول في تأويل ذلك: " إنّ معنى العدل في هذا الموضع استواء السّريرة والعلانية من كلّ عاملٍ للّه عملاً، وإنّ معنى الإحسان: أن تكون سريرته أحسن من علانيته، وإنّ الفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته "
وذكر عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه كان يقول في هذه الآية، ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت منصور بن معتمر، عن عامرٍ، عن شتير بن شكلٍ، قال: سمعت عبد اللّه، يقول: " إنّ أجمع آيةٍ في القرآن في سورة النّحل: {إنّ اللّه يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى} إلى آخر الآية "
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الشّعبيّ، عن شتير بن شكلٍ قال: سمعت عبد اللّه يقول: " إنّ أجمع آيةٍ في القرآن لخيرٍ أو لشرٍّ، آيةٌ في سورة النّحل: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان} الآية "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} الآية، " إنّه ليس من خلقٍ حسنٍ كان أهل الجاهليّة يعملون به ويستحسنونه إلاّ أمر اللّه به، وليس من خلقٍ سيّئٍ كانوا يتعايرونه بينهم إلاّ نهى اللّه عنه وقدّم فيه، وإنّما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها "). [جامع البيان: 14/334-337]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ المعتمر بن سليمان، قال: سمعت منصور بن المعتمر، يحدّث، عن عامرٍ، قال: جلس شتير بن شكلٍ ومسروق بن الأجدع فقال أحدهما لصاحبه: حدّث بما سمعت من عبد اللّه وأصدّقك أو أحدّثك وصدّقني قال: سمعت عبد اللّه يقول: " إنّ أجمع آيةٍ في القرآن للخير والشّرّ في سورة النّحل: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلّكم تذكرون} [النحل: 90] قال: صدقت «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/388]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الحسن بن حليمٍ المروزيّ، أنبأ أبو الموجّه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه، أنبأ عيينة بن عبد الرّحمن الغطفانيّ، عن أبيه، عن أبي بكرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذنبٍ أجدر أن تعجّل لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرّحم» صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/388]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90].
- عن شهرٍ حدّثني ابن عبّاسٍ قال: «بينما رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بفناء بيته جالسٌ، إذ مرّ به عثمان بن مظعونٍ، فكشر إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال له رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " ألا تجلس؟ "، قال: بلى، قال: فشخص رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - ببصره إلى السّماء، فنظر ساعةً إلى السّماء، فأخذ يضع بصره حيث وضع بصره عن يمينه في الأرض، فأخذ ينغض رأسه كأنّه يستفقه ما يقال له، وابن مظعونٍ ينظر، فلمّا قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - حتّى توارى في السّماء، فأقبل على عثمان بجلسته الأولى فقال له: يا محمّد، فيما كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة قال: " وما فعلت؟ "، قال: رأيتك شخصت ببصرك إلى السّماء، ثمّ وضعته حيث وضعته عن يمينك، فتحرّفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنّك تستفقه شيئًا يقال لك، قال: " وفطنت لذلك؟ "، قال عثمان: نعم، قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " أتاني رسول ربّي - عليه السّلام -[آنفًا] وأنت جالسٌ "، قال: رسول اللّه؟ قال: " نعم "، قال: فما قال لك؟ قال: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون} [النحل: 90]، قال عثمان: فذاك حين استقرّ الإيمان في قلبي وأحببت محمّدًا - صلّى اللّه عليه وسلّم».
رواه أحمد والطّبرانيّ، وشهرٌ وثّقه أحمد وجماعةٌ، وفيه ضعفٌ لا يضرّ، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- «وعن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - جالسًا إذ شخص ببصره، ثمّ صوّبه حتّى كاد أن يلزق بالأرض، قال: وشخص ببصره قال: " أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السّورة {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون} [النحل: 90]».
رواه أحمد وإسناده حسنٌ.
- وعن أبي الضّحى قال: اجتمع مسروقٌ وشتير بن شكلٍ في المسجد، فقال مسروقٌ: هل سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: إنّ أجمع آيةٍ في القرآن حلالٌ وحرامٌ وأمرٌ ونهيٌ {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} [النحل: 90] إلى آخر الآية؟ قال: نعم، قال: وأنا قد سمعته.
رواه الطّبرانيّ في حديثٍ طويلٍ مذكورٍ في سورة الطّلاق، وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقةٌ وفيه ضعفٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/48-49]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله جالسا إذ شخص بصره فقال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من السورة {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى قوله: {تذكرون} ). [الدر المنثور: 9/100]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري في الأدب، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله بفناء بيته جالسا إذ مر به عثمان بن مظعون رضي الله عنه فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلى السماء فنظر ساعة إلى السماء فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع رأسه فأخذ ينفض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له فلما قضى حاجته شخص بصر رسول الله إلى السماء كما شخص أول مرة فاتبعه بصره حتى توارى في السماء فأقبل إلى عثمان كجلسته الأولى فسأله عثمان رضي الله عنه فقال: أتاني جبريل آنفا، قال: فما قال لك قال: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى قوله: {تذكرون} قال عثمان رضي الله عنه: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا). [الدر المنثور: 9/100-101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الباوردي، وابن السكن، وابن منده وأبو نعيم في معرفة الصحابة عن عبد الملك بن عمير رضي الله عنه قال: بلغ أكثم بن صيفي مخرج رسول الله فأراد أن يأتيه، فأتى قومه فانتدب رجلين فأتيا رسول الله فقالا: نحن رسل أكثم يسألك من أنت وما جئت به فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنا محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله ثم تلا عليهما هذه الآية {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى قوله: {تذكرون} قالا: ردد علينا هذا القول، فردده عليهما حتى حفظاه فأتيا أكثم فأخبراه، فلما سمع الآية قال: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها فكونوا في هذا الأمر رؤوساء ولا تكونوا فيه أذنابا، ورواه الأموي في مغازيه وزاد فركب متوجها إلى النّبيّ فمات في الطريق: قال: ويقال نزلت فيه هذه الآية (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت) (النساء آية 100) الآية). [الدر المنثور: 9/101-102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن الله يأمر بالعدل} قال: شهادة أن لا إله إلا الله {والإحسان} قال: أداء الفرائض {وإيتاء ذي القربى} قال: إعطاء ذوي الرحم الحق الذي أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم {وينهى عن الفحشاء} قال: الزنا {والمنكر} قال: الشرك {والبغي} قال: الكبر والظلم: {يعظكم} يوصيكم {لعلكم تذكرون} ). [الدر المنثور: 9/102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب ومحمد بن نصر في الصلاة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أعظم آية في كتاب الله تعالى {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} آل عمران 2 وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر - الآية التي في النحل - {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وأكثر آية في كتاب الله تفويضا {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق 2 - 3 وأشد آية في كتاب الله رجاء {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الزمر 53 الآية). [الدر المنثور: 9/103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى آخرها ثم قال: إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه). [الدر المنثور: 9/103]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق العكلي عن أبيه قال: مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوم يتحدثون فقال: فيم أنتم فقالوا: نتذاكر المروءة فقال: أو ما كفاكم الله عز وجل ذاك في كتابه إذ يقول الله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} فالعدل الإنصاف، والإحسان التفضل فما بقي بعد هذا). [الدر المنثور: 9/103-104]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} الآية، قال: ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويعظمونه ويخشونه إلا أمر الله به وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها). [الدر المنثور: 9/104]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال: صف لي العدل فقلت: بخ، سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أبا ولكبيرهم ابنا وللمثل منهم أخا وللنساء كذلك وعاقب الناس على قدر ذنوبهم وعلى قدر أجسادهم ولا تضربن بغضبك سوطا واحدا متعديا فتكون من العادين). [الدر المنثور: 9/104]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: قال عيسى ابن مريم إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك والله أعلم). [الدر المنثور: 9/104]
تفسير قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني نافع بن يزيد أنه سأل يحيى بن سعيد عن قول الله: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}، قال: العهود). [الجامع في علوم القرآن: 1/117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً، إنّ اللّه يعلم ما تفعلون}.
يقول تعالى ذكره: وأوفوا بميثاق اللّه إذا واثقتموه، وعقده إذا عاقدتموه، فأوجبتم به على أنفسكم حقًّا لمن عاقدتموه به وواثقتموه عليه {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} يقول: ولا تخالفوا الأمر الّذي تعاقدتم فيه الأيمان، يعني بعد ما شددتم الأيمان على أنفسكم، فتحنثوا في أيمانكم وتكذّبوا فيها وتنقضوها بعد إبرامها، يقال منه: وكّد فلانٌ يمينه يوكّدها توكيدًا: إذا شدّدها، وهي لغة أهل الحجاز، وأمّا أهل نجدٍ، فإنّهم يقولون: أكّدتها أؤكّدها تأكيدًا.
وقوله: {وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً} يقول: وقد جعلتم اللّه بالوفاء بما تعاقدتم عليه على أنفسكم راعيًا يرعى الموفي منكم بعهد اللّه الّذي عاهد على الوفاء به والنّاقض.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل على اختلافٍ بينهم فيمن عني بهذه الآية وفيما أنزلت، فقال بعضهم: عني بها الّذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الإسلام، وفيهم أنزلت
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا ابن أبي ليلى، عن مزيدة، قوله: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم} قال: " أنزلت هذه الآية في بيعة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كان من أسلم بايع على الإسلام، فقال: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم} هذه البيعة الّتي بايعتم على الإسلام، {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} البيعة، فلا يحملكم قلّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة الّتي بايعتم على الإسلام، وإن كان فيهم قلّةٌ والمشركين فيهم كثرةٌ ".
وقال آخرون: نزلت في الحلف الّذي كان أهل الشّرك تحالفوا في الجاهليّة، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ في الإسلام أن يوفوا به ولا ينقضوه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} قال: " تغليظها في الحلف ".
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبل، وحدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} يقول: بعد تشديدها وتغليظها "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: " هؤلاء قومٌ كانوا حلفاء لقومٍ تحالفوا وأعطى بعضهم العهد، فجاءهم قومٌ، فقالوا: نحن أكثر وأعزّ وأمنع، فانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلينا، ففعلوا، فذلك قول اللّه تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً} أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ، هي أربى أكثر، من أجل أن كان هؤلاء أكثر من أولئك، نقضتم العهد فيما بينكم وبين هؤلاء، فكان هذا في هذا "
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: سألت يحيى بن سعيدٍ، عن قول اللّه: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} قال: " العهود ".
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تعالى أمر في هذه الآية عباده بالوفاء بعهوده الّتي يجعلونها على أنفسهم، ونهاهم عن نقض الأيمان بعد توكيدها على أنفسهم لآخرين بعقودٍ تكون بينهم بحقٍّ ممّا لا يكرهه اللّه.
وجائزٌ أن تكون نزلت في الّذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنهيهم عن نقض بيعتهم حذرًا من قلّة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين، وأن تكون نزلت في الّذين أرادوا الانتقال بحلفهم عن حلفائهم لقلّة عددهم في آخرين لكثرة عددهم.
وجائزٌ أن تكون في غير ذلك ولا خبر تثبت به الحجّة أنّها نزلت في شيءٍ من ذلك دون شيءٍ، ولا دلالة في كتابٍ، ولا حجّة عقلٍ أيّ ذلك عني بها، ولا قول في ذلك أولى بالحقّ ممّا قلنا لدلالة ظاهره عليه، وأنّ الآية كانت قد تنزل لسببٍ من الأسباب، ويكون الحكم بها عامًّا في كلّ ما كان بمعنى السّبب الّذي نزلت فيه
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً} قال: " وكيلاً "
وقوله: {إنّ اللّه يعلم ما تفعلون} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه أيّها النّاس يعلم ما تفعلون في العهود الّتي تعاهدون اللّه من الوفاء بها والأحلاف والأيمان الّتي تؤكّدونها على أنفسكم، أتبرّون فيها أم تنقضونها وغير ذلك من أفعالكم، محصٍ ذلك كلّه عليكم، وهو مسائلكم عنها وعمّا عملتم فيها، يقول: فاحذروا اللّه أن تلقوه وقد خالفتم فيها أمره ونهيه، فتستوجبوا بذلك منه ما لا قبل لكم به من ألم عقابه). [جامع البيان: 14/338-341]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها أي بعد تغليظها في الحلف يقول ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة يقول نقضت حبلها بعد إمرار قوة أن تكون أمة هي أربى من أمة قال يعني أكثر وأعز قال كانوا يتحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء ويحالون هؤلاء الذين أعز فنهوا عن ذلك يقول أن تكون أمة هي أربى من امة يعني أن يكون قوم أكثر من قوم وأعز). [تفسير مجاهد: 351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 91
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مزيدة بن جابر في قوله: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} قال: نزلت هذه الآية في بيعة النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان من أسلم بايع على الإسلام فقال: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام). [الدر المنثور: 9/104-105]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} قال: تغليظها في الحلف: {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} قال: وكيلا). [الدر المنثور: 9/105]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} يقول: بعد تشديدها وتغليظها). [الدر المنثور: 9/105]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} يعني بعد وتغليظها وتشديدها {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} يعني في العهد شهيدا والله أعلم بالصواب). [الدر المنثور: 9/105]