العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (101) إلى الآية (103) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (101) إلى الآية (103) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ (102) مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} قال لما نزلت آية الحج قال رجل أكل عام قال لو قلت ذلك لوجبت ولما قمتم بها.
عن معمر عن قتادة قال سألوا النبي فأكثروا عليه فقام مغضبا مستشيطا فقال سلوني فوالله لا تسألوني اليوم عن شيء ما دمت في مقامي هذا إلا حدثتكم به فقام رجل فقال من أبي يا رسول الله فقال أبوك حذافة واشتد غضب النبي فقال سلوني فلما رأى ذلك الناس منه كثر بكاؤهم فجثا عمر على ركبتيه.
قال معمر وأخبرنا الزهري عن أنس بن مالك قال فجثا عمر على ركبتيه وقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فقال النبي أولى أما والذي نفسي بيده لقد صورت لي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر.
عن معمر وقال الزهري فأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال فقالت أم عبد الله بن حذافة ما رأيت ولدا قط أعق منك أكنت تأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس قال والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته قال معمر وإنما لحقه بأبيه الذي كان له.
عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال نزلت لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم في رجل قال يا رسول الله من أبي قال أبوك فلان). [تفسير عبد الرزاق: 1/195-196]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: { [يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفورٌ حليمٌ (101) قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين (102) ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكنّ الّذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب، (عن) خصيف، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {لا تسألوا عن أشياء} - قال: يعني البحيرة، والسّائبة، والوصيلة، والحام، ألا ترى أنّه يقول: ما جعل اللّه من كذا وكذا؟ وأمّا عكرمة فإنّه قال: كانوا يسألون عن الآيات، فنهوا عن ذلك، ثمّ قال: {قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين}، فقلت : إنّه حدّثني مجاهدٌ بخلاف هذا، عن ابن عبّاسٍ، فما لك تقول هذا؟ فقال: هاه!). [سنن سعيد بن منصور: 4/1633-1634]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن عبيد بن عميرٍ، قال: إنّ اللّه أحلّ وحرّم، فما أحلّ فاستحلّوه، وما حرّم فاجتنبوه وترك من ذلك أشياء لم يحلّها ولم يحرّمها، فذلك عفوٌ من الله عفاه، ثمّ يتلو: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} إلى آخر الآية). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 312]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]
- حدّثنا منذر بن الوليد بن عبد الرّحمن الجاروديّ، حدّثنا أبي، حدّثنا شعبة، عن موسى بن أنسٍ، عن أنسٍ رضي اللّه عنه، قال: خطب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خطبةً ما سمعت مثلها قطّ، قال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا» ، قال: فغطّى أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وجوههم لهم خنينٌ، فقال رجلٌ: من أبي؟ قال: فلانٌ، فنزلت هذه الآية: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] رواه النّضر، وروح بن عبادة، عن شعبة
- حدّثنا الفضل بن سهلٍ، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا أبو الجويرية، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: كان قومٌ يسألون رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم استهزاءً، فيقول الرّجل: من أبي؟ ويقول الرّجل تضلّ ناقته: أين ناقتي؟ " فأنزل اللّه فيهم هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] حتّى فرغ من الآية كلّها "). [صحيح البخاري: 6/54]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)
سقط باب قوله لغير أبي ذرٍّ وقد تعلّق بهذا النّهي من كره السّؤال عمّا لم يقع وقد أسنده الدّارميّ في مقدّمة كتابه عن جماعةٍ من الصّحابة والتّابعين وقال بن العربيّ اعتقد قومٌ من الغافلين منع أسئلة النّوازل حتّى تقع تعلّقًا بهذه الآية وليس كذلك لأنّها مصرّحةٌ بأنّ المنهيّ عنه ما تقع المساءة في جوابه ومسائل النّوازل ليست كذلك وهو كما قال إلّا أنّه أساء في قوله الغافلين على عادته كما نبّه عليه القرطبيّ وقد روى مسلمٌ عن سعد بن أبي وقّاصٍ رفعه أعظم المسلمين بالمسلمين جرمًا من سأل عن شيءٍ لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته وهذا يبين المراد من الآية وليس ممّا أشار إليه بن العربيّ في شيءٍ
[4621] قوله حدّثنا منذر بن الوليد بن عبد الرّحمن أي بن حبيب بن علياء بن حبيب بن الجارود العبديّ البصريّ الجاروديّ نسبةً إلى جدّه الأعلى وهو ثقةٌ وليس له في البخاريّ إلّا هذا الحديث وآخر في كفّارات الأيمان وأبوه ماله في البخاريّ ذكرٌ إلّا في هذا الموضع ولا رأيت عنه راويًا إلّا ولده وحديثه هذا في المتابعات فإنّ المصنّف أورده في الاعتصام من رواية غيره كما سأبيّنه تنبيهٌ وقع في كلام أبي عليّ الغسّانيّ فيما حكاه الكرمانيّ أنّ البخاريّ روى هذا الحديث عن محمّدٍ غير منسوبٍ عن منذرٍ هذا وأن محمّدًا المذكور هو بن يحيى الذّهليّ ولم أر ذلك في شيءٍ من الرّوايات الّتي عندنا من البخاريّ وأظنّه وقع في بعض النّسخ حدّثنا محمّدٌ غير منسوبٍ والمراد به البخاريّ المصنّف والقائل ذلك الرّاوي عنه وظنّوه شيخًا للبخاريّ وليس كذلك واللّه أعلم قوله عن أنسٍ في رواية روح بن عبادة عن شعبة في الاعتصام أخبرني موسى قال سمعت أنس بن مالكٍ يقول قوله خطب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطبةً ما سمعت مثلها قطّ قال لو تعلمون ما أعلم وقع عند مسلمٍ من طريق النّضر بن شميلٍ عن شعبة في أوّله زيادةٌ يظهر منها سبب الخطبة ولفظه بلغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن أصحابه شيءٌ فخطب فقال عرضت عليّ الجنّة والنّار فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ ولو تعلمون ما أعلم قوله لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا قال فغطّى في رواية النّضر بن شميلٍ قال فما أتى على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومٌ كان أشدّ من ذلك غطوا رؤوسهم قوله لهم حنينٌ بالحاء المهملة للأكثر وللكشميهنيّ بالخاء المعجمة والأوّل الصّوت الّذي يرتفع بالبكاء من الصّدر والثّاني من الأنف وقال الخطّابيّ الحنين بكاءٌ دون الانتحاب وقد يجعلون الحنين والخنين واحدًا إلّا أنّ الحنين من الصّدر أي بالمهملة والخنين من الأنف بالمعجمة وقال عياض قوله فقال رجلٌ من أبي قال أبوك فلانٌ تقدّم في العلم أنّه عبد اللّه بن حذافة وفي روايةٍ للعسكريّ نزلت في قيس بن حذافة وفي روايةٍ للإسماعيليّ يأتي التّنبيه عليها في كتاب الفتن خارجة بن حذافة والأوّل أشهر وكلّهم له صحبةٌ وتقدّم فيه أيضًا زيادةٌ من حديث أبي موسى وأحلت بشرحه على كتاب الاعتصام وسيأتي إن شاء اللّه تعالى فاقتصر هنا على بيان الاختلاف في سبب نزول الآية قوله فنزلت هذه الآية هكذا أطلق ولم يقع ذلك في سياق الزّهريّ عن أنسٍ مع أنّه أشبع سياقًا من رواية موسى بن أنسٍ كما تقدّم في أوائل المواقيت ولذا لم يذكر ذلك هلال بن عليٍّ عن أنسٍ كما سيأتي في كتاب الرّقاق ووقع في الفتن من طريق قتادة عن أنسٍ في آخر هذا الحديث بعد أن ساقه مطوّلًا قال فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء وروى بن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر عن قتادة عن أنسٍ قال سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أحفوه بالمسألة فصعد المنبر فقال لا تسألوني عن شيءٍ إلّا أنبأتكم به فجعلت ألتفت عن يمينٍ وشمالٍ فإذا كلّ رجلٍ لافٌّ ثوبه برأسه يبكي الحديث وفيه قصّة عبد اللّه بن حذافة وقول عمر روى الطّبريّ من طريق أبي صالحٍ عن أبي هريرة قال خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غضبان محمارٌّ وجهه حتّى جلس على المنبر فقام إليه رجلٌ فقال أين أنا قال في النّار فقام آخر فقال من أبي فقال حذافة فقام عمر فذكر كلامه وزاد فيه وبالقرآن إمامًا قال فسكن غضبه ونزلت هذه الآية وهذا شاهدٌ جيّدٌ لحديث موسى بن أنسٍ المذكور وأمّا ما روى التّرمذيّ من حديث عليٍّ قال لمّا نزلت وللّه على النّاس حج البيت قالوا يا رسول اللّه في كلّ عامٍ فسكت ثمّ قالوا يا رسول اللّه في كلّ عامٍ فقال لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل اللّه يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا فهذا لا ينافي حديث أبي هريرة لاحتمال أن تكون نزلت في الأمرين ولعلّ مراجعتهم له في ذلك هي سبب غضبه وقد روى أحمد من حديث أبي هريرة والطّبريّ من حديث أبي أمامة نحو حديث عليٍّ هذا وكذا أخرجه من وجهٍ ضعيفٍ ومن آخر منقطع عن بن عبّاسٍ وجاء في سبب نزولها قولٌ ثالثٌ وهو ما يدل عليه حديث بن عبّاسٍ في الباب عقب هذا وهو أصحّ إسنادًا لكن لا مانع أن يكون الجميع سبب نزولها واللّه أعلم وجاء في سبب نزولها قولان آخران فأخرج الطّبريّ وسعيد بن منصورٍ من طريق خصيفٍ عن مجاهدٍ عن بن عبّاسٍ أنّ المراد بالأشياء البحيرة والوصيلة والسّائبة والحام قال فكان عكرمة يقول إنّهم كانوا يسألون عن الآيات فنهوا عن ذلك قال والمراد بالآيات نحو سؤال قريشٍ أن يجعل الصّفا لهم ذهبًا وسؤال اليهود أن ينزّل عليهم كتابا من السّماء ونحو ذلك وأخرج بن أبي حاتمٍ من طريق عبد الكريم عن عكرمة قال نزلت في الّذي سأل عن أبيه وعن سعيد بن جبيرٍ في الّذين سألوا عن البحيرة وغيرها وعن مقسمٍ فيما سأل الأمم أنبياءها عن الآيات قلت وهذا الّذي قاله محتمل وكذا ما أخرج بن أبي حاتمٍ من طريق عطيّة قال نهوا أن يسألوا مثل ما سأل النّصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين وقد رجّحه الماورديّ وكأنّه من حيث المعنى لوقوع قصّة المائدة في السّورة بعد ذلك واستبعد نزولها في قصّة من سأل عن أبيه أو عن الحجّ كلّ عامٍ وهو إغفالٌ منه لما في الصّحيح ورجح بن المنير نزولها في النّهي عن كثرة المسائل عمّا كان وعمّا لم يكن واستند إلى كثيرٍ ممّا أورده المصنّف في باب ما يكره من كثرة السّؤال في كتاب الاعتصام وهو متّجهٌ لكن لا مانع أن تتعدّد الأسباب وما في الصّحيح أصحّ وفي الحديث إيثار السّتر على المسلمين وكراهة التّشديد عليهم وكراهية التّنقيب عمّا لم يقع وتكلّف الأجوبة لمن يقصد بذلك التّمرّن على التّفقّه فاللّه أعلم وسيأتي مزيدٌ لذلك في كتاب الاعتصام إن شاء اللّه تعالى قوله رواه النّضر هو بن شميلٍ وروح بن عبادة عن شعبة أي بإسناده ورواية النّضر وصلها مسلمٌ ورواية روح بن عبادة وصلها المؤلّف في كتاب الاعتصام

[4622] قوله حدّثني الفضل بن سهلٍ هو البغداديّ وليس له في البخاريّ سوى هذا الموضع وشيءٌ تقدّم في الصّلاة وأبو النّضر هاشم بن القاسم وأبو خيثمة هو زهير بن معاوية وأبو الجويرية بالجيم مصغّرٌ اسمه حطّان بكسر المهملة وتشديد الطّاء بن خفافٍ بضمّ المعجمة وفاءين الأولى خفيفةٌ ثقةٌ ماله في البخاريّ سوى هذا الحديث وآخر تقدّم في الزّكاة ويأتي في الأشربة له ثالثٌ قوله عن بن عبّاس في رواية بن أبي حاتمٍ من طريق أبي النّضر عن أبي خيثمة حدّثنا أبو الجويرية سمعت أعرابيًّا من بني سليم سأله يعني بن عبّاسٍ قوله كان قومٌ يسألون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استهزاءً قد تقدّم طريق الجمع بينه وبين الّذي قبله والحاصل أنّها نزلت بسبب كثرة المسائل إمّا على سبيل الاستهزاء أو الامتحان وإمّا على سبيل التعنت عن الشّيء الّذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة وفي أوّل رواية الطّبريّ من طريق حفص بن نفيلٍ عن أبي خيثمة عن أبي الجويرية قال بن عبّاسٍ قال أعرابيٌّ من بني سليمٍ هل تدري فيم أنزلت هذه الآية فذكره ووقع عند أبي نعيمٍ في المستخرج من وجهٍ آخر عن أبي خيثمة عن أبي الجويرية عن بن عبّاس أنه سئل عن الضّالة فقال بن عبّاس من أكل الضّالة فهو ضال). [فتح الباري: 8/282]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا منذر بن الوليد بن عبد الرّحمن الجارودي ثنا أبي
ثنا شعبة عن موسى بن أنس رضي اللّه عنه خطب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم خطبة ما سمعت مثلها قطّ قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا الحديث
رواه النّضر وروح عن شعبة
أما حديث النّضر فأخبرنا عبد الرّحمن بن أحمد الغزّي أنا علّي بن إسماعيل أنا عبد اللّطيف بن عبد المنعم أنا مسعود بن محمّد الطريثيثي في كتابه أنا الحسن بن أحمد الحداد أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ثنا محمّد بن أحمد ثنا عبد الله بن محمّد بن شيرويه ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا النّضر بن شميل أنا شعبة
وبه إلى أبي نعيم ثنا محمّد بن إبراهيم ثنا أحمد بن علّي ثنا جلاد بن أسلم ثنا النّضر يعني ابن شميل أنا شعبة ثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال بلغ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم شيء فخطب فقال عرضت علّي الجنّة والنّار فلم أر كاليوم في الخير والشّر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أشد منه قال غطوا رؤوسهم ولهم حنين قال فقام عمر فقال رضينا باللّه ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم نبيا قال فقام ذاك الرجل فقال من أبي فقال أبوك فلان فنزلت هذه الآية {يا أيها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} 101 المائدة لفظ خلاد رواه مسلم والتّرمذيّ والنّسائيّ من حديث النّضر بن شميل أيضا وأما حديث روح فأسنده المؤلف في الرقاق والاعتصام). [تغليق التعليق: 4/204-206]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} (المائدة: 101)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء} هذا هكذا في رواية أبي ذر، وليس في رواية غيره لفظ: باب قوله: وإنّما هو (لا تسألوا) إلى آخره. قوله: (لا تسألوا) الآية تأديب من الله تعالى عباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء ممّا لا فائدة لهم في السّؤال والنقيب عنها لأنّها إن ظهرت تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبلغني أحد عن أحد شيئا آني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر) .

- حدّثنا منذر بن الوليد بن عبد الرّحمان الجاروديّ حدّثنا أبي حديثا شعبة عن موسى بن أنسٍ عن أنسٍ رضي الله عنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعت مثلها قطّ قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنينٌ فقال رجلٌ من أبى قال فلانٌ فنزلت هاذه الآية لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ومنذر، على وزن اسم الفاعل من الإنذار ابن الوليد بن عبد الرّحمن بن أبي حبيب ابن علباء بن حبيب بن الجارود العبدي البصريّ الجارودي، نسبة إلى جده الأعلى، وهو ثقة وليس له في البخاريّ إلاّ هذا الحديث وآخر في كفارت الأيمان، وأبوه ماله ذكر إلاّ في هذا الموضع، وموسى بن أنس هو ابن أنس بن مالك يروي عن أبيه هذا الحديث.
وأخرجه البخاريّ أيضا في الرقاق وفي الاعتصام عن محمّد بن عبد الرّحيم. وأخرجه مسلم في فضائل النّبي صلى الله عليه وسلم عن محمّد بن معمر وغيره. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن محمّد بن معمر. وأخرجه النّسائيّ في الرقاق عن محمود بن غيلان مختصرا.
قوله: (لهم حنين)، بالحاء المهملة في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بالخاء المعجمة، قال النّوويّ: في معظم النّسخ، ولمعظم الرواة يعني بالمعجمة، قال القرطبيّ: وهو المشهور، وهو خروج الصّوت من الأنف بغنة وفي (التّوضيح) وعند العذري بحاء مهملة، وممّن ذكرها القاضي وصاحب (التّحرير)، وذكر القزاز أنه قد يكون الحنين والخنين واحدًا إلّا أن الّذي بالمهملة من الصّدر وبالمعجمة من الأنف، وقال ابن سيّده الحنين من بكاء النّساء دون الانتحاب، وقيل: هو تردد البكاء حتّى يصير في الصّوت غنة، وقيل: هو رفع الصّوت بالبكاء، وقيل: هو صوت يخرج من الأنف حتّى يخن، والخنين أيضا الضحك إذا أظهره الإنسان فخرج خافيا. وقال في الحاء المهملة، الحنين الشّديد من البكاء والطرب، وقيل: هو صوت الطّرب كان ذلك عن حزن أو فرح، وقال الخطابيّ: الحنين بكاء دون الانتحاب. قلت: وأصله من حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها وإن لم يكن لها صوت عند ذلك، وقال ابن فارس، وقد يكون حنينها صوتها، ويدل عليه ما جاء في الحديث من حنين الجذع قوله: (فقال رجل: من أبي) قال بعضهم: تقدم في العلم أنه عبد الله بن حذافة. قلت: فيه نظر لا يخفى لأن الّذي في العلم من رواية شعيب عن الزّهريّ عن أنس وهذا من رواية شعبة عن موسى بن أنس عن أنس فمن أين التّعيين؟ على أن في رواية العسكري نزلت في قيس بن حذافة وفي رواية: خارجة بن حذافة، وكل هؤلاء صحابة.
رواه النّضر وروح بن عبادة عن شعبة
أي: روى هذا الحديث النّضر بن شميل، وروح بن عبادة عن شعبة بإسناده: أما رواية النّضر فوصلها مسلم، قال: حدثنا محمود ابن غيلان ومحمّد بن قدامة السّلميّ ويحيى بن محمّد اللؤلؤي، وألفاظهم متقاربة. قال محمود: حدثنا النّضر بن شميل، وقال الآخران أخبرنا النّضر أخبرنا شعبة حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك. قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أصحابه شيء، فخطب فقال: عرضت عليّ الجنّة والنّار الحديث، وفي آخره. فنزلت هذه الآية: {يا أيها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} (المائدة: 101) وأما رواية روح بن عبادة فوصلها البخاريّ في كتاب الاعتصام، ورواها مسلم أيضا. وقال: حدثنا محمّد ابن معمر بن ربعي القيسي حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة. قال رجل: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان، فنزلت: {يا أيها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} الآية بتمامها). [عمدة القاري: 18/212-213]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]
(باب قوله) عز وجل ({لا تسألوا}) الرسول -صلّى اللّه عليه وسلّم- ({عن أشياء أن تبد لكم}) أي تظهر
لكم ({تسؤكم}) [المائدة: 101] والجملة الشرطية وما عطف عليها وهو أن تسألوا عنها صفة لأشياء، ومعنى حين ينزل القرآن أي ما دام النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- في الحياة فإنه قد يؤمر بسبب سؤالكم بتكاليف تسوءكم وتتعرضون لشدائد العقاب بالتقصير في أدائها وسقط لفظ باب قوله لغير أبي ذر.
- حدّثنا منذر بن الوليد بن عبد الرّحمن الجاروديّ، حدّثنا أبي حدّثنا شعبة عن موسى بن أنسٍ عن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: خطب رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- خطبةً ما سمعت مثلها قطّ قال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا» قال: فغطّى أصحاب رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وجوههم لهم خنينٌ فقال رجلٌ من أبي؟ قال: فلانٌ. فنزلت هذه الآية: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}. رواه النّضر وروح بن عبادة عن شعبة.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي) بالجيم العبدي البصري قال: (حدّثنا أبي) الوليد قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن موسى بن أنس عن) أبيه (أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خطب رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- خطبة ما سمعت مثلها قط) وكان فيما رواه النضر بن شميل عن شعبة عند مسلم قد بلغه عن أصحابه شيء فخطب بسبب ذلك (قال): (لو تعلمون) من عظمة الله وشدّة عقابه بأهل الجرائم وأهوال القيامة (ما أعلم لضحكتم كثيرًا) (قال) أنس (فغطى أصحاب رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وجوههم لهم خنين) بالخاء المعجمة للكشميهني أي صوت مرتفع من الأنف بالبكاء مع غنة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حنين بالحاء المهملة أي صوت مرتفع بالبكاء من الصدر وهو دون الانتحاب (فقال رجل) هو عبد الله بن حذافة أو قيس بن حذافة أو خارجة بن حذافة وكان يطعن فيه (من أبي؟ قال) -صلّى اللّه عليه وسلّم- أبوك (فلان) أي حذافة (فنزلت هذه الآية {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق والاعتصام ومسلم في فضائل النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- والترمذي في التفسير والنسائي في الرقائق.
(رواه) أي حديث الباب (النضر) بن شميل فيما وصله مسلم (وروح بن عبادة) مما وصله البخاري في الاعتصام كلاهما (عن شعبة) بن الحجاج بإسناده وعند ابن جرير عن قتادة عن أنس أن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- سألوه حتى أحفوه بالمسألة فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلاّ بينته لكم فأشفق الصحابة أن يكون بين يدي أمر قد حضر قال: فجعلت لا ألتفت يمينًا وشمالًا إلاّ وجدت كلاًّ لافًّا رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى لغير أبيه فقال: يا نبي الله من أبي؟ قال: "أبوك حذافة" ثم قام عمر فقال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا عائذًا بالله من شر الفتن الحديث.
- حدّثنا الفضل بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا أبو الجويرية عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: كان قومٌ يسألون رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- استهزاءً فيقول الرّجل من أبي؟ ويقول الرّجل تضلّ ناقته أين ناقتي؟ فأنزل اللّه فيهم هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} حتّى فرغ من الآية كلّها.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الفضل بن سهل) البغدادي (قال: حدّثنا أبو النضر) بإسكان الضاد المعجمة هاشم بن القاسم الخراساني قال: (حدّثنا أبو خيثمة) بفتح الخاء المعجمة والمثلثة بينهما تحتية ساكنة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الجويرية) بضم الجيم مصغرًا حطان بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الجرمي بفتح الجيم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان قوم يسألون رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- استهزاء فيقول الرجل) له عليه الصلاة والسلام: (من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} حتى فرغ من الآية كلها) سقط إن تبد لكم تسؤكم في رواية أبي ذر.
وهذا الحديث من أفراد البخاري، وقيل نزلت في شأن الحج فعن علي لما نزلت {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسول الله أي كل عام؟ فسكت فقالوا: يا رسول الله أفي كل عام؟ قال "لا، ولو قلت نعم لوجبت" لا فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} رواه الترمذي وقال حديث غريب). [إرشاد الساري: 7/110-111]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، قال: حدّثنا منصور بن وردان، عن عليّ بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البختريّ، عن عليٍّ، قال: لمّا نزلت: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قالوا: يا رسول الله، في كلّ عامٍ؟ فسكت، قالوا: يا رسول الله في كلّ عامٍ؟ قال: لا، ولو قلت نعم لوجبت، فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديث عليٍّ.
وفي الباب عن أبي هريرة، وابن عبّاسٍ). [سنن الترمذي: 5/106]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن معمرٍ أبو عبد الله البصريّ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا شعبة قال: أخبرني موسى بن أنسٍ، قال: سمعت أنس بن مالكٍ، يقول: قال رجلٌ: يا رسول الله من أبي؟ قال أبوك فلانٌ. فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/106]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم}
- أخبرنا محمود بن غيلان، حدّثنا النّضر، حدّثنا شعبة، عن موسى بن أنسٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصحابه شيءٌ، فخطب فقال: «عرضت عليّ الجنّة والنّار، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا» قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومٌ أشدّ منه، قال: غطّوا رءوسهم، ولهم خنينٌ، فقام عمر بن الخطّاب، فقال: يا رسول الله، رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ نبيًّا، فقام ذلك الرّجل فقال: من أبي؟ فقال: «أبوك فلانٌ» قال: فنزلت {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/87]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
ذكر أنّ هذه الآية أنزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسبب مسائل كان يسألها إيّاه أقوامٌ، امتحانًا له أحيانًا، واستهزاءً أحيانًا، فيقول له بعضهم: من أبي؟ ويقول له بعضهم إذا ضلّت ناقته: أين ناقتي؟ فقال لهم تعالى ذكره: لا تسألوا عن أشياء من ذلك، كمسألة عبد اللّه بن حذافة إيّاه من أبوه {إن تبد لكم تسؤكم} يقول: إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا بعض بني نفيلٍ، قال: حدّثنا زهير بن معاوية، قال: حدّثنا أبو الجويرية، قال: قال ابن عبّاسٍ لأعرابيٍّ من بني سليمٍ: هل تدري فيما أنزلت هذه الآية {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} حتّى فرغ من الآية، فقال: كان قومٌ يسألون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استهزاءً، فيقول الرّجل: من أبي؟ والرّجل تضلّ ناقته فيقول: أين ناقتي؟ فأنزل اللّه فيهم هذه الآية.
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، وأبو داود، قالا: حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: سأل النّاس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أحفوه بالمسألة، فصعد المنبر ذات يومٍ فقال: لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ بيّنته لكم قال أنسٌ: فجعلت أنظر يمينًا وشمالاً، فأرى كلّ إنسانٍ لافًّا ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ كان ذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا رسول اللّه، من أبي؟ فقال: أبوك حذافة. قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم رسولاً، وأعوذ باللّه من سوء الفتن، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لم أر في الشّرّ والخير كاليوم قطّ، إنّه صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما وراء الحائط وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
- حدّثني محمّد بن معمرٍ البحرانيّ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا شعبة، قال: أخبرني موسى بن أنسٍ، قال: سمعت أنسًا، يقول: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، من أبي؟ قال: أبوك فلانٌ قال: فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.

- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، قال: فحدّثنا أنّ أنس بن مالكٍ حدّثهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سألوه حتّى أحفوه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يومٍ فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيءٍ إلاّ بيّنته لكم، فأشفق أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يكون بين يديه أمرٌ قد حضر، فجعلت لا ألتفت يمينًا ولا شمالاً إلاّ وجدت كلًّا لافًّا رأسه في ثوبه يبكي. فأنشأ رجلٌ كان يلاحى فيدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبيّ اللّه، من أبي؟ قال: أبوك حذافة. قال: ثمّ قام عمر أو قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم رسولاً، عائذًا باللّه أو قال: أعوذ باللّه من سوء الفتن. قال: وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لم أر في الخير والشّرّ كاليوم قطّ، صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما دون الحائط.
- حدّثنا أحمد بن هشامٍ، وسفيان بن وكيعٍ، قالا: حدّثنا معاذٌ، قال: حدّثنا ابن عونٍ، قال: سألت عكرمة مولى ابن عبّاسٍ عن قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، قال: ذاك يومٌ قام فيهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ أخبرتكم به، قال: فقام رجلٌ، فكره المسلمون مقامه يومئذٍ، فقال: يا رسول اللّه، من أبي؟ قال: أبوك حذافة قال: فنزلت هذه الآية.
- حدّثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: نزلت: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} في رجلٍ قال: يا رسول اللّه، من أبي؟ قال: أبوك فلانٌ.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة قال: سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أكثروا عليه، فقام مغضبًا خطيبًا فقال: سلوني، فواللّه لا تسألوني عن شيءٍ ما دمت في مقامي إلاّ حدّثتكم، فقام رجلٌ فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة، واشتدّ غضبه وقال: سلوني، فلمّا رأى النّاس ذلك كثر بكاؤهم، فجثا عمر على ركبتيه فقال: رضينا باللّه ربًّا.
قال معمرٌ: قال الزّهريّ: قال أنسٌ مثل ذلك: فجثا عمر على ركبتيه، فقال: رضينا باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم رسولاً، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أما والّذي نفسي بيده، لقد صوّرت لي الجنّة والنّار آنفًا في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ.
قال الزّهريّ: فقالت أمّ عبد اللّه بن حذافة: ما رأيت ولدًا أعقّ منك قطّ، أتأمن أن تكون أمّك قارفت ما قارف أهل الجاهليّة، فتفضحها على رءوس النّاس، فقال: واللّه لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقته.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، قال: غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا من الأيّام فقام خطيبًا، فقال: سلوني فإنّكم لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ أنبّأتكم به، فقام إليه رجلٌ من قريشٍ من بني سهمٍ يقال له عبد اللّه بن حذافة، وكان يطعن فيه، قال: فقال يا رسول اللّه، من أبي؟ قال: أبوك فلانٌ، فدعاه لأبيه، فقام إليه عمر فقبّل رجله وقال: يا رسول اللّه، رضينا باللّه ربًّا، وبك نبيًّا، وبالإسلام دينًا، وبالقرآن إمامًا، فاعف عنّا عفا اللّه عنك، فلم يزل به حتّى رضي، فيومئذٍ قال: الولد للفراش، وللعاهر الحجر.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا قيسٌ، عن أبي حصينٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو غضبان محمارٌّ وجهه، حتّى جلس على المنبر، فقام إليه رجلٌ فقال: أين أبي؟ قال: في النّار، فقام آخر فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة. فقام عمر بن الخطّاب فقال: رضينا باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم نبيًّا، وبالقرآن إمامًا، إنّا يا رسول اللّه حديثو عهدٍ بجاهليّةٍ وشركٍ، واللّه يعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه، ونزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
وقال آخرون: نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أجل مسألة سائلٍ سأله عن شيءٍ في أمر الحجّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا منصور بن وردان الأسديّ، قال: حدّثنا عليّ بن عبد الأعلى، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} قالوا: يا رسول اللّه، أفي كلّ عامٍ؟ فسكت، ثمّ قالوا: أفي كلّ عامٍ؟ فسكت، ثمّ قال: لا، ولو قلت نعم لوجبت فأنزل اللّه هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان، عن إبراهيم بن مسلمٍ الهجريّ، عن ابن عياضٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ، فقال رجلٌ: أفي كلّ عامٍ يا رسول اللّه؟ فأعرض عنه، حتّى عاد مرّتين أو ثلاثًا، فقال: من السّائل؟ فقال: فلانٌ، فقال: والّذي نفسي بيده، لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه، ولو تركتموه لكفرتم فأنزل اللّه هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} حتّى ختم الآية.
- حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي قال: أخبرنا الحسين بن واقدٍ، عن محمّد بن زيادٍ، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا أيّها النّاس، كتب اللّه عليكم الحجّ. فقام محصنٌ الأسديّ فقال: أفي كلّ عامٍ يا رسول اللّه؟ فقال: أما إنّي لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ثمّ تركتم لضللتم. اسكتوا عنّي ما سكتّ عنكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} إلى آخر الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن محمّد بن زيادٍ قال: سمعت أبا هريرة يقول: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله، إلاّ أنّه قال: فقام عكّاشة بن محصنٍ الأسديّ.
- حدّثنا زكريّا بن يحيى بن أبان المصريّ، قال: حدّثنا أبو زيدٍ عبد الرّحمن بن أبي الغمر، قال: حدّثنا أبو مطيعٍ معاوية بن يحيى، عن صفوان بن عمرٍو، قال: حدّثني سليم بن عامرٍ، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ، يقول: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النّاس فقال: كتب عليكم الحجّ، فقام رجلٌ من الأعراب فقال: أفي كلّ عامٍ؟ قال: فعلا كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأسكت وأغضب واستغضب. فمكث طويلاً ثمّ تكلّم فقال: من السّائل؟ فقال الأعرابيّ: أنا ذا، فقال: ويحك ماذا يؤمنك أن أقول نعم، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم؟ ألا إنّه إنّما أهلك الّذين قبلكم أئمّة الحرج، واللّه لو أنّي أحللت لكم جميع ما في الأرض وحرّمت عليكم منها موضع خفٍّ لوقعتم فيه. قال: فأنزل اللّه تعالى عند ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} إلى آخر الآية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أذّن في النّاس فقال: يا قوم، كتب عليكم الحجّ، فقام رجلٌ من بني أسدٍ فقال: يا رسول اللّه، أفي كلّ عامٍ؟ فأغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غضبًا شديدًا، فقال: والّذي نفس محمّدٍ بيده لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، وإذن لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فإذا أمرتكم بشيءٍ فافعلوا، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فانتهوا عنه فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، نهاهم أن يسألوا عن مثل الّذي سألت النّصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى اللّه تعالى عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظٍ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنّكم لا تسألون عن شيءٍ إلاّ وجدتم تبيانه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ قال: حدّثنا عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم}، قال: لمّا أنزلت آية الحجّ، نادى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النّاس فقال: يا أيّها النّاس، إنّ اللّه قد كتب عليكم الحجّ فحجّوا، فقالوا: يا رسول اللّه، أعامًا واحدًا أم كلّ عامٍ؟ فقال: لا بل عامًا واحدًا، ولو قلت كلّ عامٍ لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، ثمّ قال اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، قال: سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن أشياء فوعظهم، فانتهوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، قال: ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحجّ، فقيل: أواجبٌ هو يا رسول اللّه كلّ عامٍ؟ قال: لا، لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما أطقتم، ولو لم تطيقوا لكفرتم، ثمّ قال: سلوني فلا يسألني رجلٌ في مجلسي هذا عن شيءٍ إلاّ أخبرته، وإن سألني عن أبيه، فقام إليه رجلٌ فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة بن قيسٍ، فقام عمر فقال: يا رسول اللّه، رضينا باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم نبيًّا، ونعوذ باللّه من غضبه وغضب رسوله.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية من أجل أنّهم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لا تسألوا عن أشياء}، قال: هي البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام. ألا ترى أنّه يقول بعد ذلك: ما جعل اللّه من كذا ولا كذا؟.
قال: وأمّا عكرمة فإنّه قال: إنّهم كانوا يسألونه عن الآيات فنهوا عن ذلك ثمّ قال: {قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين}، قال: فقلت: قد حدّثني مجاهدٌ بخلاف هذا عن ابن عبّاسٍ، فما لك تقول هذا؟ فقال: هيه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن ابن عونٍ، عن عكرمة، عن الأعمش، قال: هو الّذي سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من أبي؟ وقال سعيد بن جبيرٍ: هم الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن البحيرة والسّائبة.
وأولى الأقوال بالصّواب في ذلك قول من قال: نزلت هذه الآية من أجل إكثار السّائلين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسائل، كمسألة ابن حذافة إيّاه من أبوه، ومسألة سائله إذ قال: إنّ اللّه فرض عليكم الحجّ: أفي كلّ عامٍ؟ وما أشبه ذلك من المسائل، لتظاهر الأخبار بذلك عن الصّحابة والتّابعين وعامّة أهل التّأويل.
وأمّا القول الّذي رواه مجاهدٌ عن ابن عبّاسٍ، فقولٌ غير بعيدٍ من الصّواب، ولكنّ الأخبار المتظاهرة عن الصّحابة والتّابعين بخلافه، وكرهنا القول به من أجل ذلك، على أنّه غير مستنكرٍ أن تكون المسألة عن البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام كانت فيما سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنه من المسائل الّتي كره اللّه لهم السّؤال عنها، كما كره اللّه لهم المسألة عن الحجّ، أكلّ عامٍ هو أم عامًا واحدًا؟ وكما كره لعبد اللّه بن حذافة مسألته عن أبيه، فنزلت الآية بالنّهي عن المسائل كلّها، فأخبر كلّ مخبرٍ منهم ببعض ما نزلت الآية من أجله وأجّل غيره.
وهذا القول أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّحّة، لأنّ مخارج الأخبار بجميع المعاني الّتي ذكرت إصحاحٌ، فتوجيهها إلى الصّواب من وجوهها أولى). [جامع البيان: 9/13-23]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفورٌ حليمٌ}.
يقول تعالى ذكره للّذين نهاهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن مسألة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عمّا نهاهم عن مسألتهم إيّاه عنه من فرائض لم يفرضها اللّه عليهم، وتحليل أمورٍ لم يحللها لهم، وتحريم أشياء لم يحرّمها عليهم قبل نزول القرآن بذلك: أيّها المؤمنون السّائلون عمّا سألوا عنه رسولي ممّا لم أنزل به كتابًا ولا وحيًا، لا تسألوا عنه، فإنّكم إن أظهر ذلك لكم تبيانٌ بوحي وتنزيلٍ ساءكم، لأنّ التّنزيل بذلك إذا جاءكم إنّما يجيئكم بما فيه امتحانكم واختباركم، إمّا بإيجاب عملٍ عليكم، ولزوم فرضٍ لكم، وفي ذلك عليكم مشقّةٌ ولزوم مؤنةٍ وكلفةٌ، وإمّا بتحريم ما لو لم يأتكم بتحريمه وحي كنتم من التّقدّم عليه في فسحةٍ وسعةٍ، وإمّا بتحليل ما تعتقدون تحريمه، وفي ذلك لكم مساءةٌ لنقلكم عمّا كنتم ترونه حقًّا إلى ما كنتم ترونه باطلاً، ولكنّكم إن سألتم عنها بعد نزول القرآن بها وبعد ابتدائكم شأن أمرها في كتابي إلى رسولي إليكم، بيّن لكم ما أنزلته إليه من إتيان كتابي وتأويل تنزيلي ووحيي.
وذلك نظير الخبر الّذي روي عن بعض أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي:
- حدّثنا به هنّاد بن السّريّ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هندٍ، عن مكحولٍ، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، قال: إنّ اللّه تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحّد حدودًا فلا تعتدّوها، وعفا عن أشياء من غير نسيانٍ فلا تبحثوا عنها.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: كان عبيد بن عميرٍ يقول: إنّ اللّه تعالى أحلّ وحرّم، فما أحلّ فاستحلّوه، وما حرّم فاجتنبوه، وترك من ذلك أشياء لم يحلّها ولم يحرّمها، فذلك عفوٌ من اللّه عفاه، ثمّ يتلو: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا الضّحّاك قال: أخبرنا ابن جريجٍ قال: أخبرني عطاءٌ، عن عبيد بن عميرٍ أنّه كان يقول: إنّ اللّه حرّم وأحلّ، ثمّ ذكر نحوه.
وأمّا قوله: {عفا اللّه عنها} فإنّه يعني به: عفا اللّه لكم عن مسألتكم عن الأشياء الّتي سألتم عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي كره اللّه لكم مسألتكم إيّاه عنها، أن يؤاخذكم بها، أو يعاقبكم عليها، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم. {واللّه غفورٌ}، يقول: واللّه ساترٌ ذنوب من تاب منها، فتاركٌ أن يفضحه في الآخرة {حليمٌ} أن يعاقبه بها لتغمّده التّائب منها برحمته وعفوه، عن عقوبته عليها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عبّاسٍ الّذي ذكرناه آنفًا.
- وذلك ما حدّثني به محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لا تسألوا عن أشياء} إن نزل القرآن فيها بتغليظٍ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن، فإنّكم لا تسألون عن شيءٍ إلاّ وجدتم تبيانه). [جامع البيان: 9/23-25]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفورٌ حليمٌ (101)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا منصور بن وردان الأسديّ عن عليّ بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختريّ عن عليٍّ قال: لمّا نزلت وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا قالوا: يا رسول اللّه الحجّ كلّ عامٍ. فسكت فنزلت يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً ثنا ابن وهبٍ، أخبرني إبراهيم بن نشيطٍ عن ابن لبيدٍ حصيفٍ عن شهر بن حوشبٍ عن عبد الرّحمن بن غنمٍ عن أبي مالكٍ الأشعريّ أو أبي عامرٍ- كلّهم كان ثقةً- أنّه بينما هم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد نزلت هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم فذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صفة قومٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النّبيّون والشّهداء بقربهم من اللّه يوم القيامة قال: فسكتوا فلم يسألوا عن شيءٍ
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا أبو النّضر حاتم بن الهيثم، ثنا أبو خيثمة زهير، ثنا أبو الجويرية قال: سمعت رجلا أعرابيًّا من بني سليمٍ أثنى وسأله ابن عبّاسٍ قال: هل تدري فيما أنزلت هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم قال: كان قومٌ يسألون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أشياء، فيقول الرّجل: من أبي؟ ويقول الرّجل تضلّ ناقته أين ناقتي؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم هذه الآية.
- حدّثنا يزيد بن عبد الصّمد الدّمشقيّ ثنا محمّد بن عثمان ثنا شعبة بن بشيرٍ، ثنا قتادة عن أنس بن مالكٍ في قول اللّه تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أحفوا بالمسألة قال: فخرج ذات يومٍ حتّى صعد المنبر فقال: لا تسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتكم به قال: فلمّا سمع ذلك القوم أشفقوا أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر قال: فجعلت ألتفت عن يميني وشمالي فإذا كلّ رجلٍ لافًّا ثوبه برأسه يبكي، قال: فأتاه رجلٌ فقال:
يا نبيّ اللّه من أبي؟ قال: أبوك حذافة وكان يلاحى فيدعى إلى غير أبيه فقال عمر ابن الخطاب: رضينا بالله وبالإسلام دينًا ونعوذ باللّه من سوء الفتن.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا كثير بن هشامٍ ثنا فرات بن سلمان عن عبد الكريم عن عكرمة يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم قال هو الّذي سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أبي؟. وأمّا سعيد بن جبيرٍ فقال: هم الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن البحيرة والسّائبة. وأمّا مقسم فقال هذا فينا سألت الأمم أنبياءها عن الآيات.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عثمان بن عمر، ثنا حوشب بن عقيلٍ الخنذمي قال: سألت الحسن عن هذه الآية يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم قال: فسألوه عن أشياء فوعظهم اللّه فاتّعظوا
قوله تعالى: وإن تسئلوا عنها حين ينزّل القرآن
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي عن أبيه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم نهاهم أن يسألوا عن مثل الّذي سألت النّصارى من المائدة ف أصبحوا بها كافرين فنهاهم اللّه عن ذلك وقال لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم إن نزل القرآن فيها بتغليظٍ ساءكم ذلك ولكن إنتظروا فإذا نزل القرآن فأنّكم لا تسألون عن شيءٍ إلا وجدتم تبيانه
قوله تعالى: عفا اللّه عنها واللّه غفورٌ حليمٌ
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن النبي قوله: لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفورٌ حليم قال: غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا من الأيّام، فقام خطيبًا، فقال: سلوني فإنّكم لا تسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتكم به، فقام إليه رجلٌ من قريشٍ من بني سهمٍ يقال له عبد اللّه بن حذافة، وكان يطعن فيه، فقال: يا رسول اللّه من أبي؟ قال: أبوك فلانٌ فدعاه لأبيه، فقام إليه عمر فقبّل رجله وقال: يا رسول الله رضينا بالله رب وبالإسلام دينًا وبك نبيًّا وبالقرآن إمامًا فاعف عنّا عفا اللّه عنك فلم يزل به حتّى رضي. فيومئذٍ قال الولد للفراش وللعاهر الحجر، وأنزل قد سألها قومٌ من قبلكم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1217-1219]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قطٌّ، فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً»، قال: فغطّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، ولهم خنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت هذه الآية {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: آية 101].
وفي رواية أخرى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظّهر، فقام على المنبر فذكر الساعة، وذكر أنّ فيها أموراً عظاماً، ثم قال: «من أحبّ أن يسأل عن شيءٍ فليسأل، فلا تسألوني عن شيءٍ إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي، فأكثر الناس البكاء، وأكثر أن يقول: سلوا» فقام عبد الله بن حذافة السّهميّ، فقال: من أبي؟ فقال: أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول: سلوني، فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبيّاً، فسكت ثم قال: عرضت عليّ الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ قال: ابن شهابٍ: فأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة: ما سمعت قطّّ أعقّ منك، أمنت أن تكون أمّك قارفت بعض ما يقارف أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ فقال عبد الله بن حذافة: لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقته.
وفي أخرى قال: بلغ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيءٌ، فخطب، فقال: «عرضت عليّ الجنة والنّار، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومٌ أشدّ منه، قال: غطوا رءوسهم، ولهم خنينٌ..»، ثم ذكر قيام عمر وقوله، وقول الرجل: من أبي؟ ونزول الآية.
وفي أخرى قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتّى أحفوه في المسألة، فصعد ذات يومٍ المنبر، فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بيّنته لكم، فلما سمعوا ذلك أرمّوا ورهبوا أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر، قال أنس: فجعلت أنظر يميناً وشمالاً، فإذا كلّ رجلٍ لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل -كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه - فقال: يا نبيّ الله، من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر، فقال: رضينا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، نعوذ بالله من الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت في الخير والشر كاليوم قطّ، إني صوّرت لي الجنة والنار، حتى رأيتهما دون الحائط».
قال قتادة: يذكر هذا الحديث عند هذه الآية {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرج الترمذي منه طرفاً يسيراً، قال: قال رجل: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان: فنزلت: {يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
[شرح الغريب]
(آنفاً) فعلت الشيء آنفاً، أي: الآن.
(الخنين) بالخاء المعجمة، شبيه بالبكاء مع مشاركة في الصوت من الأنف.
(عرض) عرض الشيء: جانبه.
(المقارفة) هاهنا: الزنا، وهي في الأصل: الكسب والعمل.
(أحفوه) الإحفاء في السؤال: الاستقصاء والإكثار.
(أرمّوا) أرمّ الإنسان: إذا أطرق ساكتاً من الخوف.
(رهبة) الرهبة: الخوف والفزع). [جامع الأصول: 2/122-125]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: كان قومٌ يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءاً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل، تضلّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية {يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم... } الآية كلها. أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/125]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوني عما شئتم، فقال رجل: من أبي؟ فقال: أبوك حذافة، فقام آخر، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال:أبوك سالمٌ مولى شيبة، فلما رأى عمر بن الخطاب ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب، قال: يا رسول الله، إنّا نتوب إلى الله عز وجل. أخرجه البخاري ومسلم). [جامع الأصول: 2/126]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا زهيرٌ، ثنا ابن فضيل، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، قال: ما رأيت قومًا كانوا خيرًا من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، (ما سألوه إلّا عن ثلاث (عشرة) مسألةً) حتّى قبض كلّهنّ من القرآن). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين}.
أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أنس قال خطب النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال رجل: من أبي قال فلان فنزلت هذه الآية {لا تسألوا عن أشياء}
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق قتادة عن أنس في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} أن الناس سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا أنبأتكم به فلما سمع ذلك القوم أرموا وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر فجعلت التفت عن يميني وشمالي فإذا كل رجل لاف ثوبه برأسه يبكي فأتاه رجل فقال: يا رسول الله من أبي قال: أبوك حذافة وكان إذا لحى يدعى إلى غير أبيه فقال عمر بن الخطاب: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ونعوذ بالله من سوء الفتن، قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إن الجنة والنار مثلتا لي حتى رأيتهما دون الحائط، قال قتادة: وإن الله يريه ما لا ترون ويسمعه ما لا تسمعون، قال: وأنزل عليه {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} الآية، قال قتادة: وفي قراءة أبي بن كعب (قد سألها قوم بينت لهم فأصبحوا بها كافرين)، واخرج البخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان ناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل: من أبي ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي فأنزل الله فيهم هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} حتى فرغ من الآية كلها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عون قال: سألت عكرمة مولى ابن عباس عن قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} قال: ذاك يوم قام فيهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به فقام رجل فكره المسلمون مقامه يومئذ فقال: يا رسول الله من أبي قال: أبوك حذافة، فنزلت هذه الآية.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، عن طاووس قال نزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} في رجل قال: يا رسول الله من أبي قال: أبوك فلان.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} الآية، قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام فقام خطيبا فقال: سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة - وكان يطعن فيه - فقال: يا رسول الله من أبي قال: أبوك فلان فدعاه لأبيه فقام إليه عمر فقبل رجله وقال: يا رسول الله رضينا بالله ربا وبك نبيا وبالقرآن إماما فاعف عنا عفا الله عنك فلم يزل به حتى رضي فيومئذ قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر وأنزل عليه {قد سألها قوم من قبلكم}.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار الوجهه حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين
آبائي قال: في النار، فقام آخر فقال: من أبي فقال: أبوك حذافة، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما إنا يا رسول الله حديث عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا فسكن غضبه ونزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء}.
وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: أيها الناس إن الله تعالى قد افترض عليكم الحج فقام رجل فقال: لكل عام يا رسول الله فسكت عنه حتى أعادها ثلاث مرات قال: لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وذكر أن هذه الآية في المائدة نزلت في ذلك {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج، فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال: أفي كل عام يا رسول الله قال: أما أني لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتكم لضللتم اسكتوا عني ما سكت عنكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن جرير والطبراني، وابن مردويه عن أبي أمامة الباهلي قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: إن الله تعالى كتب عليكم الحج، فقال رجل من الأعراب: أفي كل عام فسكت طويلا ثم تكلم فقال: من السائل فقال: أنا ذا، فقال: ويحك، ماذا يؤمنك أن أقول نعم والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لتركتم ولو تركتم لكفرتم ألا أنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحرج والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض من شيء وحرمت عليكم منها موضع خف بعير لوقعتم فيه وأنزل الله عند ذلك {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال كتب الله عليكم الحج، فقال رجل: يا رسول الله كل عام فأعرض عنه ثم قال: والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما أطقتموها ولو تركتموها لكفرتم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أين أبي قال: في النار، ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله الحج كل عام فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحول وركه فدخل البيت ثم خرج فقال: لم تسألوني عما لا أسألكم عنه ثم قال: والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت عليكم كل عام ثم لكفرتم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} الآية.
وأخرج أحمد والترمذي، وابن ماجه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والدار قطني والحاكم، وابن مردويه، عن علي، قال: لما نزلت {ولله على الناس حج البيت} آل عمران الآية 97 قالوا: يا رسول الله أفي كل عام فسكت ثم قالوا: أفي كل عام قال: لا: ولو قلت نعم لوجبت فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت آية الحج أذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا، فقالوا: يا رسول الله أعاما واحدا أم كل عام فقال: لا بل عاما واحدا ولو قلت كل عام لوجبت ولو وجبت لكفرتم وأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس فقال: يا قوم كتب عليكم الحج فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله أفي كل عام فغضب غضبا شديدا فقال: والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم وإذن لكفرتم فاتركوني ما تركتكم وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه فأنزل الله {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين فنهى الله عن ذلك وقال {لا تسألوا عن أشياء} أي إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقيل: أواجب هو يا رسول الله كل عام قال: لا ولو قلتها لوجبت عليكم كل عام ولو وجبت ما أطقتم ولو لم تطيقوا لكفرتم ثم قال: سلوني فلا يسألني رجل في مجلسي هذا عن شيء إلا أخبرته وإن سألني عن أبيه، فقام إليه رجل فقال: من أبي قال: أبوك حذافة بن قيس، فقام عمر فقال: يا رسول الله رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ونعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.
وأخرج ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص قال: إن كانوا ليسألون عن الشيء وهو لهم حلال فما يزالون يسألون حتى يحرم عليهم وإذا حرم عليهم وقعوا فيه.
وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود، وابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ، وابن مردويه من طريق خصيف عن مجاهد عن ابن عباس، في قوله {لا تسألوا عن أشياء} قال يعني بحيرة والسائبة والوصيلة والحام ألا ترى أنه يقول بعد ذلك: ما جعل الله من كذا ولا كذا قال: وأما عكرمة فإنه قال: إنهم كانوا يسألونه عن الآيات فنهوا عن ذلك ثم قال {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} قال: فقلت: قد حدثني مجاهد بخلاف هذا عن ابن عباس فما لك تقول هذا فقال: هاه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق عبد الكريم عن عكرمة في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} قال: هو الذي سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم: من أبي وأما سعيد بن جبير فقال: هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة وأما مقسم فقال: هي فيما سألت الأمم أنبياءها عن الآيات.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن نافع في قوله {لا تسألوا عن أشياء} قال: ما زال كثرة السؤال مذ قط تكره.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ (تبد لكم) برفع التاء ونصب الدال.
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الملك بن أبي جمعة الأزدي قال: سألت الحسن عن كسب الكناس فقال لي: ويحك، ما تسأل عن شيء لو ترك في منازلكم لضاقت عليكم ثم تلا هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}
وأخرج أحمد وأبو الشيخ والطبراني، وابن مردويه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع وهو مردف الفضل بن عباس على جمل آدم فقال: يا أيها الناس خذوا العلم قبل رفعه وقبضه، قال: وكنا نهاب مسألته بعد تنزيل الله الآية {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} فقدمنا إليه أعرابيا فرشوناه برداء على مسألته فاعتم بها حتى رأيت حاشية البرد على حاجبه الأيمن وقلنا له: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يرفع العلم وهذا القرآن بين أظهرنا وقد تعلمناه وعلمناه نساءنا وذرارينا وخدامنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه قد علا وجهه حمرة من الغضب فقال: أوليست اليهود والنصارى بين أظهرها المصاحف وقد أصبحوا ما يتعلقون منها بحرف مما جاء به أنبياؤهم ألا وإن ذهاب العلم أن تذهب حملته.
وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي مالك الأشعري قال: كنت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} قال: فنحن نسأله إذ قال: إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة، فقال أعرابي: من هم يا رسول الله قال: هم عباد من عباد الله من بلدان شتى وقبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها ولا دنيا يتبادلون بها يتحابون بروح الله يجعل الله وجوههم نورا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن يفزع الناس ولا يفزعون ويخاف الناس ولا يخافون.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن عبد الله بن مالك بن بحينة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المقبرة ثلاث مرات وذلك بعد نزول هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}
فأسكت القوم، فقام أبو بكر فأتى عائشة فقال: إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى على أهل المقبرة فقالت عائشة: صليت على أهل المقبرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك مقبرة بعسقلان يحشر منها سبعون ألف شهيد.
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة والخرائطي في مكارم الأخلاق عن معاذ بن جبل قال كنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فتقدمت به راحلته ثم إن راحلتي لحقت براحلته حتى تصحب ركبتي ركبته فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أسألك عن أمر يمنعني مكان هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} قال: ما هو يا معاذ قلت: ما العمل الذي يدخلني الجنة وينجيني من النار قال: قد سألت عن عظيم وإنه يسير شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروته أما رأس الأمر فالإسلام وعموده الصلاة وأما ذروته فالجهاد ثم قال: الصيام جنة والصدقة تكفر الخطايا وقيام الليل وقرأ {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} إلى آخر الآية، ثم قال: ألا أنبئكم ما هو أملك بالناس من ذلك ثم أخرج لسانه فأمسكه بين أصبعيه فقلت: يا رسول الله أكل ما نتكلم به يكتب علينا قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم إنك لن تزال سالما ما أمسكت فإذا تكلمت كتب عليك أو لك). [الدر المنثور: 5/545-556]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: { [يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفورٌ حليمٌ (101) قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين (102) ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكنّ الّذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب، (عن) خصيف، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {لا تسألوا عن أشياء} - قال: يعني البحيرة، والسّائبة، والوصيلة، والحام، ألا ترى أنّه يقول: ما جعل اللّه من كذا وكذا؟ وأمّا عكرمة فإنّه قال: كانوا يسألون عن الآيات، فنهوا عن ذلك، ثمّ قال: {قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين}، فقلت : إنّه حدّثني مجاهدٌ بخلاف هذا، عن ابن عبّاسٍ، فما لك تقول هذا؟ فقال: هاه!). [سنن سعيد بن منصور: 4/1633-1634] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين}.
يقول تعالى ذكره: قد سأل الآيات قومٌ من قبلكم: فلمّا آتاهموها اللّه أصبحوا بها جاحدين منكرين أن تكون دلالةً على حقيقة ما احتجّ بها عليهم، وبرهانًا على صحّة ما جعلت برهانًا على تصحيحه، كقوم صالحٍ الّذين سألوا الآية فلمّا جاءتهم النّاقة آيةً عقروها، وكالّذين سألوا عيسى مائدةً تنزل عليهم من السّماء، فلمّا أعطوها كفروا بها، وما أشبه ذلك، فحذّر اللّه تعالى المؤمنين بنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسلكوا سبيل من قبلهم من الأمم الّتي هلكت بكفرهم بآيات اللّه لمّا جاءتهم عند مسألتهموها، فقال لهم: لا تسألوا الآيات، ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، فقد سأل الآيات من قبلكم قومٌ فلمّا أوتوها أصبحوا بها كافرين.
- كالّذي حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} نهاهم أن يسألوا عن مثل الّذي سألت النّصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى اللّه عن ذلك.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قد سألها قومٌ من قبلكم} قد سأل الآيات قومٌ من قبلكم، وذلك حين قيل له: غيّر لنا الصّفا ذهبًا). [جامع البيان: 9/25-26]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين (102)
قوله تعالى: قد سألها قومٌ من قبلكم
- وبه عن السّدّيّ قوله: قد سألها قومٌ من قبلكم يقول: قد سأل الآيات قومٌ من قبلكم ذلك حين قيل له غيّر لنا الصّفا ذهبًا.
قوله تعالى: ثمّ أصبحوا بها كافرين
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، حدّثني أبي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين نهاهم أن يسألوا عن مثل الّذي سألت النّصارى من المائدة فأصبحوا بها كافرين فنهاهم الله عن ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1219]

تفسير قوله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا يقول: كان أهل الجاهلية يعتقون الإبل والغنم ويسيبونها، فأما الحامي فهو الإبل وكان يضرب في الإبل، فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس وسيبوه؛ وأما الوصيلة فمن الغنم، إذا وضعت أنثى بعد أنثى سيبوه). [الجامع في علوم القرآن: 2/132]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب في قوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قال البحيرة من الإبل التي تمنع درها للطواغيت والسائبة من الإبل ما كانوا يسبونها لطواغيتهم والوصيلة من الإبل ما كانت الناقة تبكر بأنثى ثم تثني بأنثى فيسمونها الوصيلة يقولون وصلت اثنتين ليس بينها ذكر وكانوا يجدعونها لطواغيتهم والحامي الفحل من الإبل يضرب الضراب المعدودة فإذا بلغ ذلك قيل هذا حام حمي ظهره فترك فيسموه الحامي.
قال معمر وقال قتادة إذا ضرب عشرا.
قال عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة أن النبي قال رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب وغير عهد إبراهيم.
عن معمر عن زيد ابن أسلم قال: قال رسول الله إني لأعرف أول من سيب السوائب و أول من غير عهد إبراهيم قالوا من هو يا رسول الله قالوا عمرو بن يحيى أخو بني كعب لقد رأيته يجر قصبه في النار يؤذي بريحه أهل النار وإني لأعرف أول من بحر البحائر قالوا من هو يا رسول الله قال رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما وحرم ألبانهما ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ولقد رأيته في النار هو وهما في النار تعضانه بأفواههما وتخبطانه بأخفافهما.
عن معمر عن قتادة قال البحيرة من الإبل كانت الناقة إذا نتجت خمسة بطون فإن كان الخامس ذكرا كان للرجال دون النساء وإن كانت أنثى بتكوا آذانها ثم أرسلوها فلم يجزوا لها وبرا ولم يشربوا لها لبنا ولم يركبوا لها ظهرا فإن كانت ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء وأما السائبة فإنهم كانوا يسيبون بعض إبلهم فلا تمنع حوضا أن تشرع فيه ولا مرعى أن ترعى فيه والوصيلة الشاة كانت إذا ولدت سبعة بطون فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكله الرجال و النساء وإن كانت أنثى تركت وإن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فترك لا يذبح). [تفسير عبد الرزاق: 1/196-198]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن داود بن أبي هندٍ عن محمّد بن أبي موسى في قول اللّه: {لكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب} قال: أهل الكتاب [الآية: 103]). [تفسير الثوري: 105]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن داود عن محمّدٍ قال: {وأكثرهم لا يعقلون} قال: المشركون [الآية: 103]). [تفسير الثوري: 105]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} [المائدة: 103]
{وإذ قال اللّه} [المائدة: 116]: " يقول: قال اللّه، وإذ ها هنا صلةٌ. المائدة: أصلها مفعولةٌ، كعيشةٍ راضيةٍ، وتطليقةٍ بائنةٍ، والمعنى: ميد بها صاحبها من خيرٍ، يقال: مادني يميدني " وقال ابن عبّاسٍ: {متوفّيك} [آل عمران: 55]: «مميتك»
- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: " البحيرة: الّتي يمنع درّها للطّواغيت، فلا يحلبها أحدٌ من النّاس، والسّائبة: كانوا يسيّبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيءٌ " قال: وقال أبو هريرة: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيّ يجرّ قصبه في النّار، كان أوّل من سيّب السّوائب» والوصيلة: النّاقة البكر، تبكّر في أوّل نتاج الإبل، ثمّ تثنّي بعد بأنثى، وكانوا يسيّبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكرٌ، والحام: فحل الإبل يضرب الضّراب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطّواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شيءٌ وسمّوه الحامي " وقال لي أبو اليمان: أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، سمعت سعيدًا، قال: يخبره بهذا، قال: وقال أبو هريرة سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: نحوه، ورواه ابن الهاد، عن ابن شهابٍ، عن سعيدٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
- حدّثني محمّد بن أبي يعقوب أبو عبد اللّه الكرمانيّ، حدّثنا حسّان بن إبراهيم، حدّثنا يونس، عن الزّهريّ، عن عروة، أنّ عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضًا، ورأيت عمرًا يجرّ قصبه، وهو أوّل من سيّب السّوائب»). [صحيح البخاري: 6/54-55]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام)
أي ما حرّم ولم يرد حقيقة الجعل لأنّ الكلّ خلقه وتقديره ولكنّ المراد بيان ابتداعهم ما صنعوه من ذلك قوله وإذ قال الله يقول قال الله وإذ ها هنا صلةٌ كذا ثبت هذا وما بعده هنا وليس بخاصٍّ به وهو على ما قدّمنا من ترتيب بعض الرّواة وهذا الكلام ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ قال الله يا عيسى بن مريم قال مجازه يقول اللّه وإذ من حروف الزّوائد وكذلك قوله وإذ علّمتك أي وعلّمتك قوله المائدة أصلها مفعولةٌ كعيشةٍ راضيةٍ وتطليقةٍ بائنةٍ والمعنى ميد بها صاحبها من خيرٍ يقال ما دنى يميدني قال بن التّين هو قول أبي عبيدة وقال غيره هي من ماد يميد إذا تحرّك وقيل من ماد يميد إذا أطعم قال بن التّين وقوله تطليقةٌ بائنةٌ غير واضحٍ إلّا أن يريد أنّ الزّوج أبان المرأة بها وإلّا فالظّاهر أنّها فرّقت بين الزّوجين فهي فاعل على بابها قوله وقال بن عبّاسٍ متوفّيك مميتك هكذا ثبت هذا هنا وهذه اللّفظة إنّما هي في سورة آل عمران فكأنّ بعض الرّواة ظنّها من سورة المائدة فكتبها فيها أو ذكرها المصنّف هنا لمناسبة قوله في هذه السّورة فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب ثمّ ذكر المصنّف حديث ابن شهابٍ عن سعيد بن المسيّب في تفسير البحيرة والسّائبة والاختلاف في وقفه ورفعه

[4623] قوله البحيرة الّتي يمنع درّها للطّواغيت وهي الأصنام فلا يحلبها أحدٌ من النّاس والبحيرة فعيلةٌ بمعنى مفعولةٍ وهي الّتي بحرت أذنها أي خرمت قال أبو عبيدة جعلها قومٌ من الشّاة خاصّةً إذا ولدت خمسة أبطنٍ بحروا أذنها أي شقّوها وتركت فلا يمسّها أحدٌ وقال آخرون بل البحيرة النّاقة كذلك وخلّوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحلٌ وأمّا قوله فلا يحلبها أحدٌ من النّاس فهكذا أطلق نفي الحلب وكلام أبي عبيدة يدلّ على أنّ المنفيّ إنّما هو الشّرب الخاصّ قال أبو عبيدة كانوا يحرّمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النّساء ويحلّون ذلك للرّجال وما ولدت فهو بمنزلتها وإن ماتت اشترك الرّجال والنّساء في أكل لحمها وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة قال البحيرة من الإبل كانت النّاقة إذا نتجت خمس بطونٍ فإن كان الخامس ذكرًا كان للرّجال دون النّساء وإن كانت أنثى بتكت أذنها ثمّ أرسلت فلم يجزّوا لها وبرًا ولم يشربوا لها لبنًا ولم يركبوا لها ظهرًا وإن تكن ميتةً فهم فيه شركاء الرّجال والنّساء ونقل أهل اللّغة في تفسير البحيرة هيآت أخرى تزيد بما ذكرت على العشر وهي فعيلةٌ بمعنى مفعولةٍ والبحر شقّ الأذن كان ذلك علامةً لها قوله والسّائبة كانوا يسيّبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيءٌ قال أبو عبيدة كانت السّائبة من جميع الأنعام وتكون من النّذور للأصنام فتسيّب فلا تحبس عن مرعًى ولا عن ماءٍ ولا يركبها أحدٌ قال وقيل السّائبة لا تكون إلّا من الإبل كان الرّجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره ليسيّبنّ بعيرًا وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة قال السّائبة كانوا يسيّبون بعض إبلهم فلا تمنع حوضًا أن تشرب فيه قوله قال وقال أبو هريرة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيّ الخ هكذا وقع في هذه الرّواية إيراد القدر المرفوع من الحديث في أثناء الموقوف وسأبيّن ما فيه بعد قوله والوصيلة النّاقة البكر تبكّر في أوّل نتاج الإبل بأنثى ثمّ تثنّي بعد بأنثى هكذا أورده متّصلًا بالحديث المرفوع وهو يوهم أنّه من جملة المرفوع وليس كذلك بل هو بقيّة تفسير سعيد بن المسيّب والمرفوع من الحديث إنّما هو ذكر عمرو بن عامرٍ فقط وتفسير البحيرة وسائر الأربعة المذكورة في الآية عن سعيد بن المسيّب ووقع في رواية الإسماعيليّ من طريق يعقوب بن إبراهيم أبن سعدٍ عن أبيه بهذا الإسناد مثل رواية الباب إلّا أنّه بعد إيراد المرفوع قال وقال بن المسيّب والوصيلة النّاقة إلخ فأوضح أنّ التّفسير جميعه موقوفٌ وهذا هو المعتمد وهكذا أخرجه بن مردويه من طريق يحيى بن سعيدٍ وعبيد الله بن زياد عن بن شهابٍ مفصّلًا قوله أن وصلت أي من أجل وقال أبو عبيدة كانت السّائبة مهما ولدته فهو بمنزلة أمّها إلى ستّة أولادٍ فإن ولدت السّابع أنثيين تركتا فلم تذبحا وإن ولدت ذكرًا ذبح وأكله الرّجال دون النّساء وكذا إذا ولدت ذكرين وإن أتت بتوأمٍ ذكرٍ وأنثى سمّوا الذّكر وصيلةً فلا يذبح لأجل أخته وهذا كلّه إن لم تلد ميّتًا فإن ولدت بعد البطن السّابع ميّتًا أكله النّساء دون الرّجال وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة قال الوصيلة الشّاة كانت إذا ولدت سبعةً فإن كان السّابع ذكرًا ذبح وأكل وإن كان أنثى تركت وإن كان ذكرًا وأنثى قالوا وصلت أخاها فترك ولم يذبح قوله والحام فحل الإبل يضرب الضّراب المعدود إلخ وكلام أبي عبيدة يدلّ على أنّ الحام إنّما يكون من ولد السّائبة وقال أيضًا كانوا إذا ضرب فحلٌ من ولد البحيرة فهو عندهم حامٍ وقال أيضًا الحام من فحول الإبل خاصّةً إذا نتجوا منه عشرة أبطنٍ قالوا قد حمى ظهره فأحموا ظهره ووبره وكلّ شيءٍ منه فلم يركب ولم يطرق وعرف بهذا بيان العدد المبهم في رواية سعيدٍ وقيل الحام فحل الإبل إذا ركب ولد ولده قال الشّاعر
حماها أبو قابوس في غير ملكه = كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا
وقال الفرّاء اختلف في السّائبة فقيل كان الرّجل يسيّب من ماله ما شاء يذهب به إلى السّدنة وهم الّذين يقومون على الأصنام وقيل السّائبة النّاقة إذا ولدت عشرة أبطنٍ كلّهنّ إناثٌ سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبرٌ ولم يشرب لها لبنٌ وإذا ولدت بنتها بحرت أي شقّت أذنها فالبحيرة ابنة السّائبة وهي بمنزلة أمّها والوصيلة من الشّاة إذا ولدت سبعة أبطنٍ إذا ولدت في آخرها ذكرا وانثى قيل وصلت أخاه فلا تشرب النّساء لبن الأمّ وتشربه الرّجال وجرت مجرى السّائبة إلّا في هذا وأمّا الحام فهو فحل الإبل كان إذا لقّح ولد ولده قيل حمى ظهره فلا يركب ولا يجزّ له وبرٌ ولا يمنع من مرعًى قوله وقال لي أبو اليمان عند غير أبي ذرٍّ وقال أبو اليمان بغير مجاورةٍ قوله سمعت سعيدًا يخبره بهذا قال وقال أبو هريرة سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه هكذا للأكثر يخبر بصيغة الفعل المضارع من الخبر متّصلٍ بهاء الضّمير ووقع لأبي ذرٍّ عن الحمويّ والمستملي بحيرةٌ بفتح الموحّدة وكسر المهملة وكأنّه أشار إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعدٍ وأنّ المرفوع منه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر عمرو بن عامرٍ حسب وهذا هو المعتمد فإنّ المصنّف أخرجه في مناقب قريشٍ قال حدّثنا أبو اليمان أنبأنا شعيبٌ عن الزّهريّ سمعت سعيد بن المسيّب قال البحيرة الّتي يمنع درّها إلخ لكنّه أورده باختصارٍ قال وقال أبو هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رأيت عمرو بن عامرٍ الخ قوله ورواه بن الهاد عن بن شهابٍ عن سعيدٍ عن أبي هريرة سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّا طريق بن الهاد فأخرجها بن مردويه من طريق خالد بن حميدٍ المهريّ عن بن الهاد وهو يزيد بن عبد اللّه بن أسامة بن الهاد اللّيثيّ بهذا الإسناد ولفظ المتن رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيّ يجرّ قصبه في النّار وكان أوّل من سيّب السّوائب والسّائبة الّتي كانت تسيّب فلا يحمل عليها شيءٌ إلى آخر التّفسير المذكور وقد أخرجه أبو عوانة وبن أبي عاصمٍ في الأوائل والبيهقيّ والطّبرانيّ من طرق عن اللّيث عن بن الهاد بالمرفوع فقط وظهر أنّ في رواية خالد بن حميدٍ إدراجًا وأنّ التّفسير من كلام سعيد بن المسيب والله أعلم وقوله في المرفوع وهو أوّل من سيّب السّوائب زاد في رواية أبي صالحٍ عن أبي هريرة عند مسلمٍ وبحر البحيرة وغيّر دين إسماعيل وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن زيد بن أسلم مرسلًا أوّل من سيّب السّوائب عمرو بن لحيٍّ وأوّل من بحر البحائر رجلٌ من بني مدلجٍ جدع أذن ناقته وحرّم شرب ألبانها والأوّل أصحّ واللّه أعلم ثمّ ذكر المصنّف حديث عائشة رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضًا ورأيت عمرًا يجرّ قصبه في النّار وهو أوّل من سيّب السّوائب هكذا وقع هنا مختصرًا وتقدّم في أبواب العمل في الصّلاة من وجهٍ آخر عن يونس عن زيدٍ مطوّلًا وأوّله خسفت الشّمس فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ سورةً طويلةً الحديث وفيه لقد رأيت في مقامي هذا كلّ شيءٍ وفيه القدر المذكور هنا وأورده في أبواب الكسوف من وجهٍ آخر عن يونس بدون الزّيادة وكذا من طريق عقيلٍ عن الزّهريّ وقد تقدّم بيان نسب عمرٍو الخزاعيّ في مناقب قريشٍ وكذا بيان كيفيّة تغييره لملّة إبراهيم عليه السّلام ونصبه الأصنام وغير ذلك). [فتح الباري: 8/283-285]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
عقب حديث 4623 صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال البحيرة الّتي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من النّاس والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجر قصبه في النّار كان أول من سيب السوائب والوصيلة النّاقة البكر الحديث
وقال أبو اليمان أنا شعيب عن الزّهريّ سمعت سعيدا يخبره بهذا قال وقال أبو هريرة سمعت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه سمعت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم
أما حديث أبي اليمان فأسنده المؤلف في الفضائل قال ثنا أبو اليمان فذكره
وأما حديث ابن الهاد فقرأته على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة أن الحافظ ضياء الدّين محمّد بن عبد الواحد المقدسي أخبرهم أنا أبو جعفر محمّد بن أحمد الصيدلاني أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم أنا أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نعيم ثنا سليمان بن أحمد ثنا مطلب بن شعيب ثنا عبد الله بن صالح حدثني اللّيث عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أول من سيب السوائب وبحر البحيرة وغير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن حندف وهو أبو خزاعة
رواه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب الأوائل عن أبي مسعود الرّازيّ وعبيدالله بن فضالة النّسائيّ كلاهما عن أبي صالح فوقع لنا بدلا عاليا
ورواه أبو عوانة في صحيحه عن محمّد بن عبيدالله بن المنادي ثنا يونس بن محمّد ثنا اللّيث به نحوه ولفظه رأيت عمرو بن عامر يجر قصبة في النّار وكان أول من سيب السوائب
وقال البيهقيّ أنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا محمّد بن عبيدالله هو ابن المنادي ثنا يونس بن محمّد مثله
وهكذا رواه أبو سلمة الخزاعيّ ويحيى بن بكير وشعيب بن اللّيث وغير واحد عن اللّيث مقتصرا على المرفوع فقط
ورواه خالد بن حميد المهدي عن ابن الهاد فأدرج كلام سعيد بن المسيب في الحديث
قال ابن مردويه في تفسيره ثنا محمّد بن أحمد ثنا أحمد بن محمّد بن عاصم ثنا أبو حفص عمر بن حفص الوصابي ثنا محمّد بن حميد ثنا خالد بن حميد المهري عن ابن الهاد الزّهريّ عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجر قصبة في النّار كان أول من سيب السوائب والسائبة الّتي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء والبحيرة الّتي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من النّاس والوصيلة النّاقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثنر تثنى ثانيًا فكانوا يسمونها للطواغيت). [تغليق التعليق: 4/206-208]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب: {ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} (المائدة: 103)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ما جعل الله} إلى آخره. قوله: (ما جعل الله)، أي: ما أوجبها، ولا أمر بها ولم يرد حقيقة الجعل لأن الكل خلقه وتدبيره، ولكن المراد بيان ابتداعهم فيما صنعوه من ذلك، والآن يأتي تفسير هذه الأشياء المذكورة.
...
- حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ عن صالحٍ بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب قال البحيرة الّتي يمنع درّها للطّواغيت فلا يحلبها أحدٌ من النّاس والسّائبة كانوا يسيّبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيءٌ.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرّة خصوصا على هذا النسق.
وهذا أخرجه مسلم في صفة أهل النّار عن عمرو النّاقد وغيره، وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن محمّد بن عبد الله المرفوع منه دون الموقوف.
قوله: (البحيرة) على وزن فعيلة مفعولة واشتقاقها من بحر إذا شقّ، وقيل هذا من الاتساع في الشّيء. قوله: (درها)، بفتح الدّال المهملة وتشديد الرّاء، وهو اللّبن. قوله: (للطواغيت)، أي: لأجل الطواغيت وهي الأصنام، وقال ابن الأثير: كانوا إذا ولدت إبلهم سبعا بحروا أذنها. أي: شقوها. وقالوا: اللّهمّ إن عاش ففتى وإن مات فذكى، فإذا مات أكلوه وسموه البحيرة. وقيل: البحيرة هي بنت السائبة، وقال أبو عبيدة جعلها قوم من الشّاء خاصّة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي: شقوها وتركت ولا يمسها أحد، وقال آخرون: بل البحيرة النّاقة كذلك يخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل، وقال عليّ بن أبي طلحة البحيرة هي النّاقة إذا انتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس، فإن كان ذكرا ذبحوه وأكله الرّجال دون النّساء، وإن كان أنثى جذعوا أذنها فقالوا هذه بحيرة، وعن السّديّ مثله. قوله: (فلا يحلبها أحد من النّاس)، أطلق نفي الحلب، وكلام أتى عبيدة يدل على أن المنفيّ هو الشّرب الخاص. قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النّساء ويحلون ذلك للرّجال، وما ولدت فهو بمنزلتها وإن ماتت اشترك الرّجال والنّساء في أكل لحمها. قوله: (والسائبة)، على وزن فاعلة بمعنى مسيبة، وهي المخلاة تذهب حيث شاءت وكانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء، وقال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد، قال: وقيل: السائبة لا تكون إلاّ من الإبل كان الرجل ينذر إن برىء من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرًا. وقال محمّد بن إسحاق السائبة هي النّاقة إذا ولدت عشرة إناث من الولد ليس بينهنّ ذكر سيبت فلم تركب ولم يجز وبرها ولم يجلب لبها إلّا لضيف.
قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قصبة في النّار كان أوّل من سيّب السّوائب.
أي: قال سعيد بن المسيب: قال أبو هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. هذا حديث مرفوع أورده في أثناء الموقوف. قوله: (عمرو بن عامر)، قال الكرماني: تقدم في: باب إذا انفلتت الدّابّة في الصّلاة ورأيت فيها عمرو بن لحي، بضم اللّام وفتح المهملة، وهو الّذي سيب السوائب. ثمّ قال: لعلّ عامر اسم ولحي لقب أو بالعكس أو أحدهما اسم الجد. قلت: ذكر في (التّوضيح) إنّما هو عمرو بن لحي، ولحي اسمه: ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السّماء، وقيل: لحي بن قمعة ابن الياس بن مضر، نبه عليه الدمياطي، وفي (تفسير ابن كثير) وعمر وهذا هو ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الّذين ولوا البيت بعد جرهم، وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل، عليه السّلام، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ودعا الرعاع من النّاس إلى عبادتها والتقرب بها، وشرع لهم هذه الشّرائع الجاهليّة في الأنعام وغيرها. قوله: (قصبه)، بضم القاف، واحدة الأقصاب.
والوصيلة النّاقة البكر تبكّر في أوّل نتاج الإبل ثمّ تثنّى بعد بأثنى وكانوا يسيّبونهم لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكرٌ.
هذا أيضا من تفسير سعيد بن المسيب الموقوف وليس بمتّصل بالمرفوع. قوله: (الوصيلة)، من الوصل بالغير في اللّغة والّتي في الآية الّتي فسرها ابن المسيب بقوله: النّاقة البكر تبكر أي: تبتدىء وكل من بكر إلى الشّيء فقد بادر إليه. قوله: (بأنثى)، يتعلّق بقوله: تبكر قوله: (ثمّ تثنى) من التّثنية أي: تأتي في المرة الثّانية بعد الأنثى الأولى بأنثى أخرى، والضّمير في: يسيبونها، يرجع إلى الوصيلة. قوله: (إن وصلت)، أي: من أجل أن وصلت (إحداهما) : أي: إحدى الأنثيين بالأنثى الأخرى، والحال أن ليس بينهما ذكر. وقال الكرماني: إن وصلت، بفتح الهمزة وكسرها. قلت: الأظهر أن يكون بالفتح على ما لا يخفى، وقال ابن الأثير: الوصيلة الشّاة إذا ولدت ستّة أبطن أنثيين أنثيين وولدت في السّابعة ذكرا، وأنثى. قالوا: وصلت أخاها فأحلوا لبنها للرّجال وحرموه على النّساء، وقيل: إن كان السّابع ذكرا ذبح وأكل منه الرّجال والنّساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم، إن كان ذكر أو أنث قالوا: وصلت أخاها ولم تذبح، وكان لبنها حرامًا على النّساء وقال ابن اسحاق الوصيلة الشّاة تنتج عشر أناث متتابعات في خمسة أبطن فيدعونها الوصيلة وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإناث، وتفسير ابن المسيب رواه عبد الرّزّاق عن معمر عن الزّهريّ عنه، وكذا روى عن مالك، رضي الله تعالى عنه.
والحام فحل الإبل يضرب الضّراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيءٌ وسمّوه الحامي.
هذا أيضا من تفسير ابن المسيب. قوله: (يضرب) أي: ينزو، يقال: ضرب الحمل النّاقة يضربها إذا نزا عليها، وأضرب فلان ناقته إذا أنزى الفحل عليها، وضراب الفحل نزوه على النّاقة، والضراب المعدود هو أن ينتج من صلبه بطن بعد بطن إلى أن يصير عشرة أبطن، فحينئذٍ يقولون: قد حمى ظهره. قوله: (ودعوه) أي: تركوه لأجل الطواغيت وهي الأصنام. قوله: (وسموه الحامي) لأنّه حمى ظهره، فلذلك يقال له: حام، مع أنه في الأصل محمي، وهذا التّفسير منقول عن ابن مسعود وابن عبّاس، وقيل: الحام هو الفحل يولد لولده فيقولون حمى ظهره فلا يجزون وبره ولا يمنعونه ماء ولا مرعى، وقيل: هو الّذي ينتج له سبع إناث متواليات قاله ابن دريد، وقيل: هو الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى، ويقال فيه: قد حمى ظهره.
وقال لي أبو اليمان أخبرنا شعيبٌ عن الزّهريّ سمعت سعيدا قال يخبره بهاذا قال وقال أبو هريرة سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
قوله: (وقال لي أبو اليمان) رواية أبي ذر، وفي رواية غيره، قال أبو اليمان: بغير لفظة لي، وأبو اليمان، بفتح الياء آخر الحروف: الحكم بن نافع يروي عن شعيب بن أبي حمزة الحمصي عن محمّد بن مسلم الزّهريّ، وقد تكرر هذا الإسناد على هذا النمط قوله: (يخبره) بضم الياء آخر الحروف وسكون الخاء المعجمة وكسر الباء الموحدة من الفعل المضارع من الإخبار، والضّمير المرفوع فيه يرجع إلى سعيد بن المسيب، والمنصوب يرجع إلى الزّهريّ، وفي رواية أبي ذر عن الحمويّ والمستملي: بحيرة، بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء وكأنّه أشار به إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزّهريّ. قوله: (قال وقال أبو هريرة) أي: قال سعيد بن المسيب. قال أبو هريرة: سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (نحوه) أي: نحو ما رواه في الرّواية الماضية، وهو قوله: (البحيرة) الّتي يمنع درها للطواغيت. وقد تقدم في مناقب قريش قال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزّهريّ سمعت ابن المسيب قال: البحيرة الّتي يمنع درها إلى آخره. ثمّ قال: وقال أبو هريرة عن النّبي صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ إلى آخره.
ورواه ابن الهاد عن ابن شهابٍ عن سعيدٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم.
أي: روى الحديث المذكور يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد اللّيثيّ عن محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ عن سعيد بن المسيب، وقال الحاكم: أراد البخاريّ أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهّاب بن بخت عن الزّهريّ كذا حكاه الحافظ المزي في (الأطراف) وسكت ولم ينبه عليه، وفيما قال الحاكم نظر لأن الإمام أحمد وابن جرير روياه من حديث اللّيث ابن سعد عن ابن الهاد عن الزّهريّ نفسه، والله أعلم.

- حدّثني محمّد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرمانيّ حدّثنا حسّان بن إبراهيم حدّثنا يونس عن الزّهريّ عن عروة أنّ عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضا ورأيت عمرا يجرّ قصبه وهو أوّل من سيّب السّوائب.

مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: {وهو أول من سبب السوائب} ومحمّد بن أبي يعقوب واسمه إسحاق أبو عبد الله الكرماني، قال البخاريّ: كتبت عنه بالبصرة قدم علينا، وقال: مات سنة أربع وأربعين ومائتين، وقال النّوويّ: الكرماني، بفتح الكاف. وقال الكرماني الشّارح: أقول بكسرها، وهي بلدتنا وأهل مكّة أعرف بشعابها، وحسان إمّا من الحسن أو من الحس وهو كرماني أيضا تقدما في أوائل البيع، ويونس بن يزيد الأيلي. والحديث من أفراده.
قوله: (يحطم) من الحطم وهو الكسر. قوله: (عمرا) هو عمرو بن عامر الخزاعيّ. قوله: (قصبه) واحد الأقصاب وهي الأمعاء). [عمدة القاري: 18/214-217]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} [المائدة: 103] {وإذ قال اللّه} يقول: قال اللّه {وإذ} ها هنا صلةٌ (المائدة) أصلها مفعولةٌ: كعيشةٍ راضيةٍ وتطليقةٍ بائنةٍ والمعنى ميد بها صاحبها من خيرٍ يقال: مادني يميدني، وقال ابن عبّاسٍ: متوفّيك مميتك.
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}) [المائدة: 103] ويجوز كون جعل بمعنى سمى فيتعدى لاثنين أحدهما محذوف أي ما سمى الله حيوانًا بحيرة، ومنع أبو حيان كون جعل هنا بمعنى شرع أو وضع أو أمر، وخرج الآية على التصيير وجعل المفعول الثاني محذوفًا أي ما صير الله بحيرة مشروعة.
...
- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ عن سعيد بن المسيّب، قال: البحيرة الّتي يمنع درّها للطّواغيت فلا يحلبها أحدٌ من النّاس والسّائبة كانوا يسيّبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيءٌ قال: وقال أبو هريرة قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيّ يجرّ قصبه في النّار كان أوّل من سيّب السّوائب» والوصيلة: النّاقة البكر تبكّر في أوّل نتاج الإبل ثمّ تثنّى بعد بأنثى وكانوا يسيّبونهم لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكرٌ والحام فحل الإبل يضرب الضّراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطّواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيءٌ وسمّوه الحامي. وقال أبو اليمان أخبرنا شعيبٌ عن الزّهريّ، سمعت سعيدًا قال: يخبره بهذا قال: وقال أبو هريرة سمعت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- نحوه. ورواه ابن الهاد عن ابن شهابٍ، عن سعيدٍ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- سمعت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد)
بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي قال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه أنه (قال: البحيرة التي يمنع درها للطواغيت) أي لبنها لأجل الأصنام (فلا يحلبها أحد من الناس) ذكر أو أنثى، وخص أبو عبيدة المنع بالنساء دون الرجال، وقال غيره: البحيرة فعيلة بمعنى مفعولة واشتقاقها من البحر وهو الشق يقال بحر ناقته إذا شق أذنها، واختلف فيها فقيل: هي الناقة تنتج خمسة أبطن آخرها ذكر فتشق أذنها وتترك فلا تركب ولا تحلب ولا تطرد عن مرعى ولا ماء.
(والسائبة) بوزن فاعلة بمعنى مسيبة (كانوا يسيبونها لآلهتهم) لأجلها تذهب حيث شاءت (لا يحمل عليها شيء) ولا تحبس عن مرعى ولا ماء، وذلك أن الرجل كان إذا مرض أو غاب له قريب نذر إن شفاه الله أو مريضه أو قدم غائبه فناقته سائبة فهي بمنزلة البحيرة، وقيل: هي من جميع الأنعام.
(قال) أي سعيد بن المسيب بالسند المذكور (وقال أبو هريرة) رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-):
(رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي، وسبق في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة ورأيت فيها عمرو بن لحيّ بضم اللام وفتح الحاء المهملة. قال الكرماني: عامر اسم ولحيّ لقب أو بالعكس أو أحدهما اسم الجدّ، وقال البرماوي: إنما هو عمرو بن لحيّ اسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو اهـ.
وعند أحمد من حديث ابن مسعود مرفوعًا: إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر، وعند عبد الرزاق من حديث زيد بن أسلم مرفوعًا: عمرو بن لحي أخو بني كعب. قال ابن كثير: فعمرو هذا ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم.
وعند ابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: لأكتم بن الجون "يا أكتم رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندف" (يجر قصبه) بضم القاف وسكون الصاد المهملة وبعدها موحدة يعني أمعاءه (في النار كان أوّل من سيب السوائب). قال سعيد بن المسيب: مما هو موقوف مدرج لا مرفوع (والوصيلة) فعيلة بمعنى فاعلة هي (الناقة البكر تبكر) أي تبادر (في أوّل نتاج الإبل) بأنثى (ثم تثنى) بفتح المثلثة وتشديد النون المكسورة (بعد بأنثى) ليس بينهما ذكر (وكانوا يسيبونهم) ولأبي ذر يسيبونها أي الوصيلة (لطواغيتهم) بالمثناة الفوقية من أجل (أن وصلت) بفتح الواو في الفرع كأصله وفي نسخة بضمها (إحداهما) أي إحدى الأنثيين (بـ) الأنثى (الأخرى ليس بينهما ذكر) ويجوز كسر الهمز من أن وصلت وهو الذي في الفرع ولم يضبطها في الأصل، وقيل الوصيلة من جنس الغنم فقيل هي الشاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين فإذا ولدت في آخرها عناقًا وجديًا قيل وصلت أخاها فجرت مجرى السائبة وقيل غير ذلك.
(والحام) هو (فحل الإبل يضرب الضراب المعدود) فينتج من صلبه بطن بعد بطن إلى عشرة أبطن (فإذا قضى ضرابه ودعوه) بتخفيف الدال ولأبي ذر ودّعوه بتشديدها (للطواغيت) أي تركوه لأجل الطواغيت (وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي) لأنه حمى ظهره وقيل الحام الفحل يولد لولده، وقيل الذي يضرب في إبل الرجل عشر سنين.
(وقال أبو اليمان) الحكم بن نافع ولأبي ذر وقال لي أبو اليمان (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (سمعت سعيدًا) يعني ابن المسيب (قال يخبره بهذا) بتحتية مضمومة فحاء معجمة ساكنة فموحدة من الإخبار أي سعيد بن المسيب يخبر الزهري، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: بحيرة بهذا بموحدة مفتوحة فحاء مهملة فتحتية ساكنة إشارة إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري. (قال): أي سعيد بن المسيب (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- نحوه) أي المذكور في الرواية السابقة وهو قوله البحيرة التي يمنع درها للطواغيت.
(ورواه) أي الحديث المذكور (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد) هو ابن المسيب (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه قال: (سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وهذا رواه ابن مردويه من طريق حميد بن خالد المهري عن ابن الهاد ولفظه: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب، والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء إلى آخر التفسير المذكور، وقال الحافظ ابن كثير فيما رأيته في تفسيره قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت عن الزهري كذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف وسكت ولم ينبه عليه، وفيما قاله الحاكم نظر فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه والله أعلم.
- حدّثني محمّد بن أبي يعقوب أبو عبد اللّه الكرمانيّ، حدّثنا حسّان بن إبراهيم، حدّثنا يونس عن الزّهريّ، عن عروة أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضًا، ورأيت عمرًا يجرّ قصبه وهو أوّل من سيّب السّوائب».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن أبي يعقوب) إسحاق (أبو عبد الله الكرماني) بكسر الكاف وضبطه النووي بفتحها والأول هو المشهور قال: (حدّثنا حسان بن إبراهيم) بن عبد الله الكرماني أبو هشام العنزي بنون مفتوحة بعدها زاي مكسورة قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-):
(رأيت جهنم) حقيقة أو عرض عليه مثالها وكان ذلك في كسوف الشمس (يحطم) بكسر الطاء أي يأكل (بعضها بعضًا ورأيت عمرًا) هو ابن عامر الخزاعي (يجر قصبه) بضم القاف وسكون المهملة أمعاءه أي في النار وسقط للعلم به (وهو أول من سيّب السوائب).
وقد سبق هذا الحديث مطوّلًا في أبواب العمل في الصلاة من وجه آخر عن يونس بن يزيد). [إرشاد الساري: 7/111-113]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ}
- أخبرنا مجاهد بن موسى، حدّثنا ابن عيينة، عن أبي الزّعراء، عن أبي الأحوص، عن أبيه، قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصعّد فيّ النّظر وصوّبه وقال: «أربّ إبلٍ أو غنمٍ» قلت: من كلٍّ قد آتاني الله فأكثر وأطاب، فقال: " ألست تنتجها وافيةً أعيانها وآذانها، فتجدع هذه وتقول: بحيرةٌ، وتفقأ هذه...؟ ساعد الله أشدّ وموساه أحدّ "
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن المبارك، حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن صالحٍ، عن ابن شهابٍ، قال: قال ابن المسيّب: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت عمرو بن لحيٍّ الخزاعيّ يجرّ قصبه في النّار، وكان أوّل من سيّب السّيوب»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/87-88]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ}
يقول تعالى ذكره: ما بحر اللّه بحيرةً، ولا سيّب سائبةً، ولا وصل وصيلةً، ولا حمى حاميًا، ولكنّكم الّذين فعلتم ذلك أيّها الكفرة، فحرّمتموه افتراءً على ربّكم.
- كالّذي حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: ثني أبي وشعيب بن اللّيث، عن اللّيث، عن ابن الهاد، وحدّثني يونس، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني ابن الهاد، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيّ يجرّ قصبه في النّار، وكان أوّل من سيّب السّائبة.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لأكثم بن الجون: يا أكثم، رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندفٍ يجرّ قصبه في النّار، فما رأيت رجلاً أشبه برجلٍ منك به، ولا به منك، فقال أكثم: أخشى أن يضرّني شبهه يا رسول اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا، إنّك مؤمنٌ، وهو كافرٌ، إنّه أوّل من غيّر دين إسماعيل، وبحر البحيرة، وسيّب السّائبة، وحمى الحامي.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا يونس، قال: ثني هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قد عرفت أوّل من بحر البحائر، رجلٌ من مدلجٍ، كانت له ناقتان، فجدع آذانهما وحرّم ألبانهما وظهورهما وقال: هاتان للّه، ثمّ احتاج إليهما فشرب ألبانهما وركب ظهورهما، قال: فلقد رأيته في النّار يؤذي أهل النّار ريح قصبه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبيدة، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: عرضت عليّ النّار، فرأيت فيها عمرو بن فلان بن فلان بن خندفٍ يجرّ قصبه في النّار، وهو أوّل من غيّر دين إبراهيم، وسيّب السّائبة، وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون. فقال أكثم: يا رسول اللّه، أيضرّني شبهه؟ قال: لا، لأنّك مسلمٌ، وإنّه كافرٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيّ يجرّ قصبه في النّار، وهو أوّل من سيّب السّوائب.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لأعرف أوّل من سيّب السّوائب، وأوّل من غيّر عهد إبراهيم، قالوا: من هو يا رسول اللّه؟ قال: عمرو بن لحيٍّ أخو بني كعبٍ، لقد رأيته يجرّ قصبه في النّار، يؤذي ريحه أهل النّار. وإنّي لأعرف أوّل من بحر البحائر. قالوا: من هو يا رسول اللّه؟ قال: رجلٌ من بني مدلجٍ كانت له ناقتان، فجدع آذانهما وحرّم ألبانهما، ثمّ شرب ألبانهما بعد ذلك، فلقد رأيته في النّار هو وهما يعضّانه بأفواههما، ويخبطانه بأخفافهما.
والبحيرة: الفعيلة، من قول القائل: بحرت أذن هذه النّاقة: إذا شقّها، أبحرها بحرًا، والنّاقة مبحورةٌ، ثمّ تصرف المفعولة إلى فعيلةٍ، فيقال: هي بحيرةٌ. وأمّا البحر من الإبل: فهو الّذي قد أصابه داءٌ من كثرة شرب الماء، يقال منه: بحر البعير يبحر بحرًا، ومنه قول الشّاعر:
لأعلطنّك وسمًا لا تفارقه = كما يحزّ بحمّى الميسم البحر
وبنحو الّذي قلنا في معنى البحيرة جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا محمّد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن أبيه، قال: دخلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أرأيت إبلك ألست تنتجها مسلّمةً آذانها، فتأخذ الموسى فتجدعها تقول: هذه بحيرةٌ، وتشقّ آذانها تقول هذه حرمٌ؟ قال: نعم، قال: فإنّ ساعد اللّه أشدّ، وموسى اللّه أحدّ، كلّ مالك لك حلالٌ لا يحرّم عليك منه شيءٌ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت أبا الأحوص، عن أبيه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: هل تنتج إبل قومك صحاحًا آذانها فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحرٌ، وتشقّها أو تشقّ جلودها فتقول: هذه حرمٌ، فتحرّمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم. قال: فإنّ ما آتاك اللّه لك حلٌّ، وساعد اللّه أشدّ، وموسى اللّه أحدّ وربّما قال: ساعد اللّه أشدّ من ساعدك، وموسى اللّه أحدّ من موساك.
وأمّا السّائبة: فإنّها المسيّبة المخلاّة، وكانت الجاهليّة يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه، فيحرّم الانتفاع به على نفسه، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبده سائبةً فلا ينتفع به ولا بولائه.
وأخرجت المسيّبة بلفظ السّائبة، كما قيل: عيشةٌ راضيةٌ، بمعنى: مرضيةٍ.
وأمّا الوصيلة، فإنّ الأنثى من نعمهم في الجاهليّة كانت إذا أتأمت بطنًا بذكرٍ وأنثى، قيل: قد وصلت الأنثى أخاها، بدفعها عنه الذّبح، فسمّوها وصيلةً.
وأمّا الحامي: فإنّه الفحل من النّعم يحمى ظهره من الرّكوب والانتفاع بسبب تتابع أولاد تحدث من فحلته. وقد اختلف أهل التّأويل في صفات المسمّيات بهذه الأسماء، وما السّبب الّذي من أجله كانت تفعل ذلك.
ذكر الرّواية بما قيل في ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ، أنّ أبا صالحٍ السّمّان، حدّثه أنّه، سمع أبا هريرة، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لأكثم بن الجون الخزاعيّ: يا أكثم، رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندفٍ يجرّ قصبه في النّار، فما رأيت من رجلٍ أشبه برجلٍ منك به، ولا به منك، فقال أكثم: أيضرّني شبهه يا نبيّ اللّه؟ قال: لا، لأنّك مؤمنٌ وهو كافرٌ، وإنّه كان أوّل من غيّر دين إسماعيل، ونصب الأوثان، وسيّب السّوائب فيهم.
وذلك أنّ النّاقة إذا تابعت ثنتي عشرة إناثًا ليس فيها ذكرٌ سيّبت، فلم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلاّ ضيفٌ. فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقّ أذنها ثمّ خلّي سبيلها مع أمّها في الإبل، فلم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلاّ ضيفٌ، كما فعل بأمّها، فهي البحيرة ابنة السّائبة.
والوصيلة: أنّ الشّاة إذا نتجت عشر إناثٍ متتابعاتٍ في خمسة أبطنٍ ليس فيهنّ ذكرٌ جعلت وصيلةً، قالوا: وصلت، فكان ما ولدت بعد ذلك لذكورهم دون إناثهم، إلاّ أن يموت منها شيءٌ فيشتركون في أكله ذكورهم وإناثهم.
والحامي: أنّ الفحل إذا نتج له عشر إناثٍ متتابعاتٍ ليس بينهنّ ذكرٌ حمي ظهره، ولم يركب، ولم يجزّ وبره، ويخلّى في إبله يضرب فيها، لا ينتفع به بغير ذلك. يقول اللّه تعالى ذكره: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} إلى قوله: {ولا يهتدون}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، في هذه الآية: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} - قال أبو جعفرٍ: سقط عليّ فيما أظنّ كلامٌ منه - قال: فأتيت علقمة فسألته، فقال: ما تريد إلى شيءٍ كانت تصنعه أهل الجاهليّة؟.
- حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مسلمٍ، قال: أتيت علقمة فسألته عن قول اللّه، تعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ}، فقال: وما تصنع بهذا؟ إنّما هذا شيءٌ من فعل الجاهليّة، قال: فأتيت مسروقًا فسألته، فقال: البحيرة: كانت النّاقة إذا ولدت بطنًا خمسًا أو سبعًا، شقّوا أذنها وقالوا: هذه بحيرةٌ. قال: {ولا سائبةٍ}، قال: كان الرّجل يأخذ بعض ماله فيقول: هذه سائبةٌ. قال: {ولا وصيلةٍ}، قال: كانوا إذا ولدت النّاقة الذّكر أكله الذّكور دون الإناث، وإذا ولدت ذكرًا وأنثى في بطنٍ قالوا: وصلت أخاها، فلا يأكلونهما، قال: فإذا مات الذّكر، أكله الذّكور دون الإناث. قال: {ولا حامٍ}، قال: كان البعير إذا ولد وولد ولده، قالوا: قد قضى هذا الّذي عليه، فلم ينتفعوا بظهره، قالوا: هذا حامٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيحٍ قال: سألت علقمة عن قوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ}، قال: ما تصنع بهذا؟ هذا شيءٌ كان يفعله أهل الجاهليّة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، {ما جعل اللّه من بحيرةٍ}، قال: البحيرة: الّتي قد ولّت خمسة أبطنٍ ثمّ تركت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن الشّعبيّ: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ}، قال: البحيرة: المخضرمة. {ولا سائبةٍ}، والسّائبة: ما سيّب للهدي والوصيلة: إذا ولدت بعد أربعة أبطنٍ فيما يرى جريرٌ ثمّ ولدت الخامس ذكرًا وأنثى وصلت أخاها. والحام: الّذي قد ضرب أولاد أولاده في الإبل.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ بنحوه، إلاّ أنّه قال: والوصيلة: الّتي ولدت بعد أربعة أبطنٍ ذكرًا وأنثى قالوا وصلت أخاها وسائر الحديث مثل حديث ابن حميدٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق الأزرق، عن زكريّا، عن الشّعبيّ، أنّه سئل عن البحيرة فقال: هي الّتي تجدع آذانها. وسئل عن السّائبة، فقال: كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم لتذبح، فتخلط بغنم النّاس، فلا يشرب ألبانها إلاّ الرّجال، فإذا مات منها شيءٌ أكله الرّجال والنّساء جميعًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} وما معها: البحيرة من الإبل يحرّم أهل الجاهليّة وبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلاّ على الرّجال، فما ولدت من ذكرٍ وأنثى فهو على هيئتها، وإن ماتت اشترك الرّجال والنّساء في أكل لحمها، فإذا ضرب الجمل من ولد البحيرة فهو الحامي، والسّائبة من الغنم على نحو ذلك إلاّ أنّها ما ولدت من ولدٍ بينها وبين ستّة أولادٍ كان على هيئتها، فإذا ولدت في السّابع ذكرًا أو أنثى أو ذكرين، ذبحوه، فأكله رجالهم دون نسائهم، وإن توأمت أنثى وذكرًا فهي وصيلةٌ، ترك ذبح الذّكر بالأنثى، وإن كانتا أنثيين تركتا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ}، فالبحيرة: النّاقة، كان الرّجل إذا ولدت خمسة أبطنٍ، فيعمد إلى الخامسة، فما لم يكن سقبًا فيبتك آذانها، ولا يجزّ لها وبرًا، ولا يذوق لها لبنًا، فتلك البحيرة {ولا سائبةٍ}، كان الرّجل يسيّب من ماله ما شاء. {ولا وصيلةٍ} فهي الشّاة إذا ولدت سبعًا عمد إلى السّابع، فإن كان ذكرًا ذبح، وإن كانت أنثى تركت، وإن كان في بطنها اثنان ذكرٌ وأنثى فولدتهما قالوا: وصلت أخاها، فيتركان جميعًا لا يذبحان، فتلك الوصيلة. وقوله: {ولا حامٍ}، كان الرّجل يكون له الفحل فإذا لقح عشرًا قيل: حامٌ، فاتركوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ} ليسيّبوها لأصنامهم {ولا وصيلةٍ} يقول: الشّاة {ولا حامٍ} يقول: الفحل من الإبل.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} تشديدٌ شدّده الشّيطان على أهل الجاهليّة في أموالهم، وتغليظٌ عليهم، فكانت البحيرة مثل الإبل إذا نتج الرّجل خمسًا من إبله نظر البطن الخامس، فإن كانت سقبًا ذبح فأكله الرّجال دون النّساء، وإن كان ميتةٍ اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم، وإن كانت حائلاً وهي الأنثى تركت فبتكت أذنها، فلم يجزّ لها وبرٌ، ولم يشرب لها لبنٌ، ولم يركب لها ظهرٌ، ولم يذكر للّه عليها اسمٌ. وكانت السّائبة: يسيّبون ما بدا لهم من أموالهم، فلا تمتنع من حوضٍ أن تشرع فيه، ولا من حمًى أن ترتع فيه. وكانت الوصيلة من الشّاء: من البطن السّابع، إذا كان جديًا ذبح فأكله الرّجال دون النّساء، وإن كان ميتةً اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم، وإن جاءت بذكرٍ وأنثى قيل وصلت أخاها، فمنعته الذّبح. والحام: كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرةٌ أو ولد ولده، قيل حامٌ، حمي ظهره، فلم يزمّ ولم يخطم ولم يركب.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} فالبحيرة من الإبل: كانت النّاقة إذا نتجت خمسة أبطنٍ، إن كان الخامس سقبٍا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم، وكانت أمّه من عرض الإبل، وإن كانت ربعةً استحيوها، وشقّوا أذن أمّها، وجزّوا وبرها، وخلّوها في البطحاء، فلم تجز لهم في ديةٍ، ولم يحلبوا لها لبنًا، ولم يجزّوا لها وبرًا، ولم يحملوا على ظهرها، وهي من الأنعام الّتي حرّمت ظهورها وأمّا السّائبة: فهو الرّجل يسيّب من ماله ما شاء على وجه الشّكر إن كثر ماله، أو برأ من وجعٍ، أو ركب ناقةً فأنجح، فإنّه يسمّي السّائبة يرسلها فلا يعرض لها أحدٌ من العرب إلاّ أصابته عقوبةٌ في الدّنيا وأمّا الوصيلة فمن الغنم، هي الشّاة إذا ولدت ثلاثة أبطنٍ أو خمسةً، فكان آخر ذلك جديًا ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة، وإن كانت عناقًا استحيوها، وإن كانت جديًا وعناقًا استحيوا الجدي من أجل العناق، فإنّها وصيلةٌ وصلت أخاها. وأمّا الحام: فالفحل يضرب في الإبل عشر سنين، ويقال: إذا ضرب ولد ولده قيل: قد حمي ظهره، فيتركونه لا يمسّ، ولا ينحر أبدًا، ولا يمنع من كلإٍ يريده، وهو من الأنعام الّتي حرّمت ظهورها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن ابن المسيّب، في قوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ}، قال: البحيرة من الإبل الّتي يمنع درّها للطّواغيت والسّائبة من الإبل: كانوا يسيّبونها لطواغيتهم. والوصيلة من الإبل كانت النّاقة تبكّر بأنثى، ثمّ تثنّي بأنثى، فيسمّونها الوصيلة، يقولون: وصلت اثنتين ليس بينهما ذكرٌ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم، أو يذبحونها، الشّكّ من أبي جعفرٍ. والحام: الفحل من الإبل كان يضرب الضّراب المعدود، فإذا بلغ ذلك قالوا: هذا حامٌ قد حمي ظهره، فترك، فسمّوه الحام. قال معمرٌ: قال قتادة: إذا ضرب عشرةً.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة قال: البحيرة من الإبل: كانت النّاقة إذا نتجت خمسة أبطنٍ، فإن كان الخامس ذكرًا كان للرّجال دون النّساء، وإن كانت أنثى بتكوا آذانها، ثمّ أرسلوها، فلم ينحروا لها ولدًا، ولم يشربوا لها لبنًا، ولم يركبوا لها ظهرًا وأمّا السّائبة، فإنّهم كانوا يسيّبون بعض إبلهم، فلا تمنع حوضًا أن تشرع فيه، ولا مرعى أن ترتع فيه والوصيلة: الشّاة كانت إذا ولدت سبعة أبطنٍ، فإن كان السّابع ذكرًا ذبح وأكله الرّجال دون النّساء، وإن كانت أنثى تركت.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سلمان، عن الضّحّاك: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} أمّا البحيرة: فكانت النّاقة إذا نتجوها خمسة أبطنٍ نحروا الخامس إن كان سقبًا، وإن كان ربعةً شقّوا أذنها واستحيوها، وهي بحيرةٌ وأمّا السّقب فلا يأكل نساؤهم منه، وهو خالصٌ لرجالهم، فإن ماتت النّاقة أو نتجوها ميّتًا فرجالهم ونساؤهم فيه سواءٌ يأكلون منه. وأمّا السّائبة: فكان يسيّب الرّجل من ماله من الأنعام، فيهمل في الحمّى فلا ينتفع بظهره ولا بولده، ولا بلبنه، ولا بشعره، ولا بصوفه وأمّا الوصيلة، فكانت الشّاة إذا ولدت سبعة أبطنٍ ذبحوا السّابع إذا كان جديًا، وإن كان عناقًا استحيوه، وإن كان جديًا وعناقًا استحيوهما كليهما، وقالوا: إنّ الجدي وصلته أخته، فحرّمته علينا. وأمّا الحامي: فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده، قالوا: قد حمى هذا ظهره، وأحرز أولاد ولده، فلا يركبونه، ولا يمنعونه من حمى شجرٍ، ولا حوضٍ ما شرع فيه، وإن لم يكن الحوض لصاحبه، وكانت من إبلهم طائفةٌ لا يذكرون اسم اللّه عليها في شيءٍ من شأنهم، لا إن ركبوا، ولا إن حملوا، ولا إن حلبوا، ولا إن نتجوا، ولا إن باعوا، ففي ذلك أنزل اللّه تعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ} إلى قوله: {وأكثرهم لا يعقلون}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ}، قال: هذا شيءٌ كانت تعمل به أهل الجاهليّة، وقد ذهب قال: البحيرة: كان الرّجل يجدع أذني ناقته ثمّ يعتقها، كما يعتق جاريته وغلامه، لا تحلب، ولا تركب والسّائبة: يسيّبها بغير تجديعٍ والحام: إذا نتج له سبع إناثٍ متوالياتٍ، قد حمي ظهره، ولا يركب، ولا يعمل عليه والوصيلة من الغنم: إذا ولدت سبع إناثٍ متوالياتٍ حمت لحمها أن يؤكل.
- حدّثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف قال: حدّثنا اللّيث بن سعدٍ قال: حدّثني ابن الهاد، عن ابن شهابٍ قال: قال سعيد بن المسيّب: السّائبة: الّتي كانت تسيّب فلا يحمل عليها شيءٌ والبحيرة: الّتي يمنع درّها للطّواغيت فلا يحلبها أحدٌ والوصيلة: النّاقة البكر تبكّر أوّل نتاج الإبل بأنثى، ثمّ تثنّي بعد بأنثى، وكانوا يسمّونها للطّواغيت، يدعونها الوصيلة، إن وصلت إحداهما بالأخرى والحامي: فحل الإبل يضرب العشر من الإبل، فإذا نقص ضرابه يدعونه للطّواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحملوا عليه شيئًا، وسمّوه الحامي.
وهذه أمورٌ كانت في الجاهليّة فأبطلها الإسلام، فلا نعرف قومًا يعملون بها اليوم فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما كانت الجاهليّة تعمل به لا يوصل إلى علمه إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثرٌ، ولا في الشّرك نعرفه إلاّ بخبرٍ، وكانت الأخبار عمّا كانوا يفعلون من ذلك مختلفةً الاختلاف الّذي ذكرنا، فالصّواب من القول في ذلك أن يقال: أمّا معاني هذه الأسماء، فما بيّنّا في ابتداء القول في تأويل هذه الآية. وأمّا كيفيّة عمل القوم في ذلك، فما لا علم لنا به. وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا، وغير ضائرٍ الجهل بذلك إذا كان المراد من علمه المحتاج إليه، موصّلاً إلى حقيقته، وهو أنّ القوم كانوا محرّمين من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرّمه اللّه اتّباعًا منهم خطوات الشّيطان، فوبّخهم اللّه تعالى بذلك، وأخبرهم أنّ كلّ ذلك حلالٌ، فالحرام من كلّ شيءٍ عندنا ما حرّم اللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، بنصٍّ أو دليلٍ والحلال منه: ما أحلّه اللّه ورسوله كذلك). [جامع البيان: 9/26-39]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون}.
اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بـ{الّذين كفروا} في هذا الموضع والمراد بقوله: {وأكثرهم لا يعقلون}، فقال بعضهم: المعنيّ بـ{الّذين كفروا}: اليهود، وبالّذين لا يعقلون: أهل الأوثان.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن محمّد بن أبي موسى: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب} قال: أهل الكتاب {وأكثرهم لا يعقلون} قال: أهل الأوثان.
وقال آخرون: بل هم أهل ملّةٍ واحدةٍ، ولكنّ المفترين: المتبوعون، والّذين لا يعقلون: الأتباع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا خارجة، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون} هم الأتباع وأمّا الّذين افتروا، يعقلون أنّهم افتروا.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب أن يقال: إنّ المعنيّين بقوله: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب} الّذين بحروا البحائر، وسيّبوا السّوائب، ووصلوا الوصائل، وحموا الحوامي، مثل عمرو بن لحيٍّ وأشكاله، ممّن سنّوا لأهل الشّرك السّنن الرّديئة وغيّروا دين اللّه دين الحقّ، وأضافوا إلى اللّه تعالى أنّه هو الّذي حرّم ما حرّموا وأحلّ ما أحلّوا، افتراءً على اللّه الكذب وهم يعلمون، واختلاقًا عليه الإفك وهم يعمهون فكذّبهم اللّه تعالى في قيلهم ذلك، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلّوا وتحريم ما حرّموا، فقال تعالى ذكره: ما جعلت من بحيرةٍ ولا سائبةٍ، ولكنّ الكفّار هم الّذين يفعلون ذلك ويفترون على اللّه الكذب.
وأن يقال: إنّ المعنيّين بقوله {وأكثرهم لا يعقلون} هم أتباع من سنّ لهم هذه السّنن من جهلة المشركين، فهم لا شكّ أنّهم أكثر من الّذين لهم سنّوا ذلك فوصفهم اللّه تعالى بأنّهم لا يعقلون، لأنّهم لم يكونوا يعقلون أنّ الّذين سنّوا لهم تلك السّنن، وأخبروهم أنّها من عند اللّه كذبةٌ في أخبارهم أفكةٌ، بل ظنّوا أنّهم فيما يقولون محقّون في أخبارهم صادقون.
وإنّما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أنّ ذلك التّحريم الّذي حرّمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى اللّه تعالى كذبٌ وباطلٌ.
وهذا القول الّذي قلنا في ذلك نظير قول الشّعبيّ الّذي ذكرناه، ولا معنى لقول من قال: عني بالّذين كفروا: أهل الكتاب، وذلك أنّ النّكير في ابتداء الآية من اللّه تعالى على مشركي العرب، فالختم بهم أولى من غيرهم، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يصرف من أجله عنهم إلى غيرهم وبنحو ذلك كان يقول قتادة.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأكثرهم لا يعقلون} يقول: لا يعقلون تحريم الشّيطان الّذي يحرّم عليهم، إنّما كان من الشّيطان ولا يعقلون). [جامع البيان: 9/40-41]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103)
قوله تعالى: ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن صالحٍ الوحاطيّ، ثنا جريجٍ، ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في خلقان من الثّياب، فقال لي، هل لك من مالٍ؟ قلت: نعم. قال: من أين المال؟ قال: فقلت من كلّ المال من الإبل والغنم والخيل والرّقيق. قال: فإذا أتاك اللّه مالا فلير عليك ثمّ قال: تنتج إبلك وافيةً آذانها قال: قلت نعم. قال: وهل تنتج الإبل إلا كذلك قال:
فلعلّك تأخذ موسى، فتقطع آذان طائفةٍ منها، وتقول: هذه بخير، وتشقّ آذان طائفةٍ منها وتقول هذه حرم؟ فقلت: نعم. قال: فلا تفعل إنّ كلّ ما أتاك اللّه لك حلٌّ، ثمّ قال: ما جعل (اللّه) من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ أمّا البحيرة فهي الّتي تجدعون آذانها فلا تنتفع إمرأته ولا بناته ولا أحدٌ من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها. فإذا ماتت اشتركوا فيها
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عمرٌو العنقزيّ عن إسرائيل عن إسحاق عن أبي الأحوص ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ قال: البحيرة:
النّاقة الّتي قد ولدت خمسة أبطنٍ فجعلها لآلهته فلا تشرب امرأته ولا أخته ولا ذات قرابةٍ من لبنها، ولا تنتفع بشيءٍ من وبرها، ولا تمنع الكلاء والماء فإذا ماتت كانوا فيها سواءً.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ: كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ.. فأمّا البحيرة فهي النّاقة إذا أنتجت خمسة أبطنٍ نظروا إلى الخامس فإن كان ذكرًا ذبحوه، فأكله الرّجال دون النّساء، وإن كانت أنثى جدعوا آذانها فقالوا: هذه بحيرةٌ.
- وأخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ما جعل اللّه من بحيرةٍ والبحيرة من الإبل كانت النّاقة إذا أنتجت خمسة أبطنٍ فإن كان الخامس ذكرًا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم، وكانت أمّه من عرض الإبل، وإن كانت ربعةً إستحيوها وشقّوا آذان أمّها وجزّوا وبرها وخلّوها من البطحاء فلا يجزّون له وبرًا ولا يحلبوا لها لبنًا ولم يجزّوا لها وبرًا، ولم يحملوا على ظهرها، وهي من الأنعام الّتي حرّمت ظهورها.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني اللّيثٌ، حدّثني عقيلٌ عن ابن شهابٍ قال: كان ابن المسيّب يقول: إنّ البحيرة الّتي يمنع درّها للطّواغيت ولا يحلبها أحدٌ من النّاس.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ في قوله: بحيرةٍ قال: إذا أنتجت النّاقة ستّة أبطنٍ إناثًا كلّها، شقّت آذانها ولا ينتفع منها بشيءٍ فما كان منها فللأوثان.
قوله تعالى: ولا سائبة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن صالحٍ الوحاطيّ، ثنا جريجٍ، ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقرأ ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ فقال: وأمّا السّائبة فهي الّتي يسيّبون لآلهتهم.
يذهبون إلى آلهتهم فيسيّبونها.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ ولا سائبةٍ قال: وأمّا السّائبة فكانوا يسيّبون من أنعامهم لآلهتهم، ولا يركبون لها ظهرًا، ولا يحلبون لها لبنًا، ولا يجزّون لها وبرًا، ولا يحملون عليها شيئًا، ولكن يحملون طائفةً من أنعامهم لا يذكرون شيئًا من إسم اللّه على شيءٍ منها لا أن يركبوا ولا أن ينتجوا ولا أن حملوا ولا أن ذبحوا
- وروي عن سعيد بن المسيّب قال: تسيّب فلا يحمل عليها شيء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ولا سائبةٍ والسّائبة في الغنم نحو ما فسّر من البحيرة إلا أنّها ما ولدت من ولدٍ بينها وبين ستّة أولادٍ كانت على هيئتها وإذا ولدت السّابع ذكرًا أو ذكرين، ذبحوه أكله رجالهم دون نسائهم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن بشر بن عبادة عن أبي روقٍ قوله: ولا سائبةٍ قال: كانت النّاقة تكون للرّجل لرحله فإذا خرج في وجهٍ فقضى حاجته في ذلك الوجه فجعلها سائبةً فما كان منها فهو للأوثان من لبنٍ أو وبرٍ أو غير ذلك.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ولا سائبةٍ وأمّا السّائبة فهو الرّجل يسيّب من ماله ما شاء على وجه الشّكر إن كثر ماله أو برئ من وجعٍ أو ركب ناقةً فانجمع فإنّه يسمّي السّائبة يرسلها ولا يعوض من أحدٌ من العرب إلا أصابته عقوبةٌ في الدّنيا.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا أبو الأصبغ، حدّثني محمّد بن سلمة قال ابن إسحاق: والسّائبة: النّاقة إذا ولدت عشرة إناث ليس بينهم ذكرٌ فسيّبت فلم تركب ولم يجزّ وبرها ولم يجلب لبنها إلا لضيفٍ.
قوله تعالى: ولا وصيلة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ الوحاطيّ، ثنا جريجٍ، ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلة فقال: وأمّا الوصيلة فالّتي تلد ستّة أبطنٍ وتلد السّابعة جدعت وقطن قرنها فيقولون قد وصلت فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع ممّا ورد على حوضٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا وصيلةٍ قال: وأمّا الوصيلة فالشّاة إذا أنتجت سبعة أبطنٍ نظروا السّابع فإن كان ذكرًا أو أنثى وهو من اشترك فيه الرّجال دون النّساء. وإن كانت أنثى استحيوها. وإن كان ذكرًا وأنثى في بطنٍ استحيوها، وقالوا وصلته أخته فحرّمته علينا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشر بن عبادة عن أبي روقٍ قوله:
ولا وصيلةٍ قال: الوصيلة من الغنم قال: كانت الشّاة إذا ولدت ستة أبطن أناث كلها وكان السابع جدي وعناق. قالوا: قد وصلت هذه فلا ينتفع منها بشيءٍ وما كان منها فهو للأوثان.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى، ثنا محمّد بن سلمة قال ابن إسحاق: والوصيلة من الغنم إذا ولدت عشر إناث في خمسة أبطن توأمين في كلّ بطنٍ سمّيت الوصيلة وتركت، فما ولدت بعد ذلك في ذكرٍ أو أنثى جعلت للذّكور دون الإناث، وإن كانت ميتةً اشتركوا فيها.
- وأخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال:
سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: الوصيلة من الغنم إذا ولدت سبع إناثٍ متوالياتٍ فقد حمت لحمها أن يؤكل.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع نبا عبد الرّزّاق، ثنا معمرٌ عن الزّهريّ عن ابن الأشيب ولا وصيلةٍ قال: فالوصيلة في الإبل كانت النّاقة تبكّر في الأنثى ثمّ تلت بأنثى، سمّوها الوصيلة، ويقولون: وصلت اثنين ليس بينهما ذكرٌ فكانوا يجدعونها لطواغيتهم- وروي عن مالك بن أنسٍ نحو ذلك.
قوله: ولا حام
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا حامٍ وأمّا الحام فالفحل من الإبل إذا ولد لولده.
قالوا حما هذا ظهره فلا يحملوا عليه شيئًا، ولا يجزّون له وبرًا، ولا يمنعوه من جمر، ولا من حوضٍ شرب فيه وإن كان الحوض لغير صاحبه.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا حامٍ قال: كان الرّجل له الفحل فإذا لقّح عشرًا، قيل حامٍ فاتركوه.
- وحدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ قوله: ولا حامٍ قال: كان الجمل إذا كان لصلبه عشرةٌ كلّها يضرب في الإبل، قالوا: قد حما هذا ظهره لا ينتفع منه بشيءٍ فهو للأوثان.
والوجه الثالث:
- حدثنا الحسن ابن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ عن الزّهريّ عن ابن المسيّب في قوله: ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ والحام الفحل من الإبل إذا كان يضرب الضّراب المعدود فإذا بلغ ذلك قالوا: قد حمى ظهره فيترك فسموه الحام قال معمرٌ: قال قتادة: إذا ضرب عشرةً.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ قال: سمعت مالكًا يقول أمّا الحام فمن الإبل كان يضرب في الإبل فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطّواويس وسيّبوه.
قوله تعالى: ولكنّ الّذين كفروا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة عن سفيان الثّوريّ عن داود بن أبي هند عن محمّد بن أبي موسى في قوله: ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب قال: أهل الكتاب.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، ثنا خارجة عن داود بن أبي هند عن الشّعبيّ في قوله: ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب قال: هم الأتباع.
قوله تعالى: يفترون على اللّه الكذب
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: يفترون يكذبون في الدّنيا.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، ثنا خارجة عن داود بن أبي هند عن الشّعبيّ في قوله: ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب قال: أمّا الّذين افتروا فعقلوا أنّهم افتروا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: يفترون أي يشركون.
قوله تعالى: وأكثرهم لا يعقلون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيد عن قتادة قوله: وأكثرهم لا يعقلون يقول: تحريم الشّيطان الّذي حرّم عليهم إنّما كان من الشّيطان ولا يعقلونه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1220-1225]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا أبو مشعر عن محمد بن قيس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو مشعر وثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أول من أله الإله وسيب السيوب وبحر البحائر وغير دين إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي بن قمعة كذا بن خندف قال النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يجر قصبه في النار يتأذى به أهل النار صنماه على ظهره وناقتين كان سيبهما ثم استعملهما يعضانه بأفواههما ويطآنه بأخفافهما أشبه ولده به أكثم بن أبي الجون فقال أكثم يا رسول الله أيضرني ذلك شيئا قال لا أنت رجل مؤمن وهو كافر). [تفسير مجاهد: 207-208]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) سعيد بن المسيب -رحمه الله -: قال: البحيرة: التي يمنع درّها للطّواغيت، فلا يحلبها أحدٌ من الناس، والسائبة: كانوا يسيّبونها لآلهتهم، لا يحمل عليها شيء، وقال: قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو ابن عامر الخزاعي يجرّ قصبه في النّار، وكان أول من سيّب السوائب». والوصيلة: الناقة البكر تبكّر في أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنّي بعد بأنثى، وكانوا يسيّبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى، ليس بينهما ذكر، والحام: فحل الإبل يضرب الضّراب المعدود، فإذا قضى ضرابه، ودعوه للطّواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شيءٌ، وسمّوه الحامي.
وفي رواية قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن لحيٍّ بن قمعة بن خندفٍ، أخا بني كعبٍ، وهو يجرّ قصبه في النار». وفي أخرى مثله، وقال «أبو خزاعة» أخرجه البخاري ومسلم.
[شرح الغريب]
(البحيرة والسائبة) كانت العرب إذا تابعت الناقة بين عشر إناث. لم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، وهي السائبة، أي أنهم يسيّبونها ويخلّونها لسبيلها، فما نتجت بعد ذلك من أنثى: شقوا أذنها، وخلوا سبيلها مع أمها في الإبل، وحرم منها ما حرم من أمها، وهي البحيرة بنت السائبة.
والبحيرة: هي المشقوقة الأذن، وقيل: البحيرة كانوا إذا ولد لهم سقب، بحروا أذنه، وقالوا: اللهم إن عاش ففتيّ، وإن مات فذكي، فإذا مات أكلوه.
وأما السائبة: فكان الرجل يسيّب من ماله، فيجيء به إلى السدنة، فيدفعه إليهم، فيطعمون منها أبناء السبيل، إلا النساء، فلا يطعمونهن منها شيئاً حتى يموت، فيأكله الرجال والنساء جميعاً.
(درّها) الدّر: اللبن.
(للطواغيت) والطواغيت: الأصنام التي كانوا يعبدونها، واحدها: طاغوت.
(قصبه) القصب: المعى. وجمعها: الأقصاب). [جامع الأصول: 2/126-128]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً، ورأيت عمراً يجر قصبه في النار، وهو أول من سيّب السوائب». أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(يحطم) الحطم: الكسر). [جامع الأصول: 2/128]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن مسعود - رضي الله عنه -: إنّ أهل الإسلام لا يسيّبون، وإن أهل الجاهليّة كانوا يسيّبون. أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون}.
أخرج البخاري ومسلم وعبد الرزاق، وعبد بن حميد والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة، التي يمنع درها للطواغيت ولا يحلبها أحد من الناس والسائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم
لا يحمل عليها شيء، قال: وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب قال ابن المسيب: والوصيلة، الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر والحامي: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل شيء وسموه الحتمي.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقان من الثياب فقال لي: هل لك من مال قلت: نعم، قال: من أي مال قلت: من كل المال من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالا فلير عليك ثم قال: تنتج إبلك رافية آذانها قلت: نعم وهل تنتج الإبل إلا كذلك قال: فلعلك تأخذ موسى قتقطع آذان طائفة منها وتقول: هذه بحر وتشق آذان طائفة منها وتقول: هذه الصرم قلت: نعم، قال: فلا تفعل إن كل ما آتاك الله لك حل ثم قال {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} قال أبو الأحوص: أما البحيرة فهي التي يجدعون آذانها فلا تنتفع امرأته ولا بناته ولا أحد من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها فإذا ماتت اشتركوا فيها.
وأمّا السائبة: فهي التي يسيبون لآلهتهم.
وأمّا الوصيلة: فالشاة تلد ستة أبطن وتلد السابع جديا وعناقا فيقولون: قد وصلت فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوض وإذا ماتت كانوا فيها سواء، والحام من الإبل إذا أدرك له عشرة من صلبه كلها تضرب حمى ظهره فسمي الحام فلا ينتفع له بوبر ولا ينحر ولا يركب له ظهر فإذا مات كانوا فيه سواء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: البحيرة، هي الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس فإن كان ذكرا ذبحوه فأكله الرجال دون النساء وإن كانت أنثى جدعوا آذانها فقالوا: هذه بحيرة.
وأمّا السائبة: فكانوا يسيبون من انعامهم لآلهتهم لا يركبون لها ظهرا ولا يحلبون لها لبنا ولا يجزون لها وبرا ولا يحملون عليها شيئا، وأما الوصيلة: فالشاة إذا أنتجت سبعة أبطن نظروا السابع فإن كان ذكرا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء وإن كانت أنثى اسحيوها وإن كان ذكرا وأنثى في بطن استحيوهما وقالوا: وصلته أخته فحرمته علينا.
وأمّا الحام: فالفحل من الإبل إذا ولد لولده قالوا: حمى هذا ظهره فلا يحملون عليه شيئا ولا يجزون له وبرا ولا يمنعونه من حمى رعى ولا من حوض يشرب منه وإن كان الحوض لغير صاحبه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {ما جعل الله من بحيرة} قال: البحيرة الناقة كان الرجل إذا ولدت خمسة فيعمد إلى الخامسة فما لم تكن سقيا فيبتك آذانها ولا يجز لها وبرا ولا يذوق لها لبنا فتلك البحيرة {ولا سائبة} كان الرجل يسيب من ماله ما شاء {ولا وصيلة} فهي الشاة إذا ولدت سبعا عمد إلى السابع فإن كان ذكرا ذبح وإن كانت أنثى تركت وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما قالوا: وصلت أخاها فيتركان جميعا لا يذبحان فتلك الوصيلة {ولا حام} كان الرجل يكون له الفحل فإذا ألقح عشرا قيل: حام فاتركوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ما جعل الله من بحيرة} الآية، قال: البحيرة من الإبل كان أهل الجاهلية يحرمون وبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها فإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها فإذا ضرب من ولد البحيرة فهو الحامي والسائبة من الغنم على نحو ذلك إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد كان على هيئتها فإذا ولدت في السابع ذكرا أو أنثى أو ذكرين ذبحوه فأكله رجالهم دون نسائهم وإن توأمت أنثى وذكر فهي وصيلة ترك ذبح الذكر بالأنثى وإن كانتا أنثيين تركتا.
وأخرج ابن المنذر عن أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فاستأخر عن قبلته وأعرض بوجهه وتعوذ بالله ثم دنا من قبلته حتى رأيناه يتناول بيده فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: يا نبي الله لقد صنعت اليوم في صلاتك شيئا ما كنت تصنعه،، قال: نعم عرضت علي في مقامي هذا الجنة والنار فرأيت في النار ما لا يعلمه إلا الله ورأيت فيها الحميرية صاحبة الهرة التي ربطتها فلم
تطعمها ولم تسقها ولم ترسلها فتأكل من خشاش الأرض حتى ماتت في رباطها ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قصبه في النار وهو الذي سيب السوائب وبحر البحيرة ونصب الأوثان وغير دين إسماعيل ورأيت فيها عمران الغفاري معه محجنه الذي كان يسرق به الحاج، قال: وسمى لي الرابع فنسيته، ورأيت الجنة فلم أر مثل ما فيها فتناولت منها قطفا لأريكموه فحيل بيني وبينه فقال رجل من القوم: كيف تكون الحبة منه قال: كأعظم دلو فرته أمك قط، قال محمد بن إسحاق: فسألت عن الرابع فقال: هو صاحب ثنيتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نزعهما.
وأخرج البخاري، وابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ورأيت عمرا يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكتم بن الجون: يا أكتم عرضت علي النار فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا به منك، فقال أكتم: أخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إنك مؤمن وهو كافر إنه أول من غير دين إبراهيم وبحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامي.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن مردويه عن ابن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته يجر أمعاءه في النار.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف أول من سيب السوائب ونصب النصب وأول من غير دين إبراهيم قالوا: من هو يا رسول الله قال: عمرو بن لحي أخو بني كعب لقد رأيته يجر قصبه في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه وإني لأعرف من بحر البحائر، قالوا: من هو يا رسول الله قال: رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما وحرم البانهما وظهورهما وقال: هاتان لله ثم احتاج إليهما فشرب البانهما وركب ظهورهما قال: فلقد رأيته في النار وهما يقضمانه بأفواههما ويطآنه باخفافهما.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر والناس في الصفوف خلفه فرأيناه تناول شيئا فجعل يتناوله فتأخر فتأخر الناس ثم تأخر الثانية فتأخر الناس فقلت: يا رسول الله رأيناك صنعت اليوم شيئا ما كنت تصنعه في الصلاة فقال: إنه عرضت علي الجنة بما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت قطفا من عنبها ولو أخذته لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه فحيل بيني وبينه وعرضت علي النار فلما وجدت سفعتها تأخرت عنها وأكثر من رأيت فيها النساء إن ائتمن أفشين وإن سألن ألحفن وإذا سئلن بخلن وإذا أعطين لم يشكرن ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكتم الخزاعي فقال معبد: يا رسول الله أتخشى علي من شبهه قال: لا أنت مؤمن وهو كافر وهو أول من حمل العرب على عبادة الأصنام.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} قال: لا يعقلون تحريم الشيطان الذي يحرم عليهم.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن أبي موسى في الآية قال: الآباء جعلوا هذا وماتوا ونشأ الأبناء وظنوا أن الله هو جعل هذا فقال الله {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب} الآباء فالآباء افتروا على الله الكذب والأبناء أكثرهم لا يعقلون يظنون الله هو الذي جعله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن أبي موسى في قوله {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب} قال: هم أهل الكتاب {وأكثرهم لا يعقلون} قال: هم أهل الأوثان.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} قال: الذين لا يعقلوهم الأتباع وأما الذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا). [الدر المنثور: 5/556-563]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم...}
خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم أن الله تبارك وتعالى قد فرض عليهم الحّج، فقام رجل فقال: يا رسول الله (أوفي) كلّ عام فأعرض عنه. ثم عاد (فقال: أفي كل عام فأعرض عنه، ثم عاد) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يؤمنك أن أقول (نعم) فيجب عليكم ثم لا تفعلوا فتكفروا اتركوني ما تركتكم".
و(أشياء) في موضع خفض لا تجرى. وقد قال فيها بعض النحويين: إنما كثرت في الكلام وهي (أفعال) فأشبهت فعلاء فلم تصرف؛ كما لم تصرف حمراء، وجمعها أشاوي - كما جمعوا عذراء عذارى، وصحراء صحاري - وأشياوات؛ كما قيل: حمراوات. ولو كانت على التوهّم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى؛ لأن الحرف إذا كثر به الكلام خفّ؛ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروه وفيه ياء زائدة تمنع من الإجراء. ولكنا نرى أن أشياء جمعت على أفعلاء، كما جمع ليّن وأليناء، فحذف من وسط أشياء همزة، كان ينبغي لها أن تكون (أشيئاء) فحذفت الهمزة لكثرتها. وقد قالت العرب: هذا من أبناوات سعد، وأعيذك بأسماوات الله، وواحدها أسماء وأبناء تجرى، فلو منعت أشياء الجري لجمعهم إياها أشياوات لم أجر أسماء ولا أبناء؛ لأنهما جمعتا أسماوات وأبناوات). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفور حليم (101)
(تبد لكم) - تظهر لكم، يقال بدا لي الشيء يبدو إذا ظهر.
جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم الحج، فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول اللّه أفي كل عام؟
فأعرض عنه - صلى الله عليه وسلم - فعاد الرجل ثانية، فأعرض عنه، ثم عاد ثالثة فقال - صلى الله عليه وسلم - ما يؤمنك أن أقول نعم فتجب فلا تقومون بها فتكفرون.
تأويل " تكفرون "، - واللّه أعلم - ههنا أنكم تدفعون لثقلها وجوبها فتكفرون.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم على أنبيائهم ".
وسأله - صلى الله عليه وسلم - رجل كان يتنازعه اثنان يدّعي كل واحد منهما أنّه أبوه فأخبر - صلى الله عليه وسلم - بأبيه منهما، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع.
فإنه إذا ظهر منه الجواب ساء ذلك. وخاصّة في وقت سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جهة تبيين الآيات، فنهى الله عن ذلك، وأعلم أنّه قد عفا عنها، ولا وجه عن مسألة ما نهى اللّه عنه، وفيه فضيحة على السائل إن ظهر.
و(أشياء) في موضع جر إلا أنها فتحت لأنها لا تنصرف.
وقال الكسائي أشبه آخرها آخر حمراء، ووزنها عنده أفعال، وكثر استعمالهم فلم تصرف.
وقد أجمع البصريون وأكثر الكوفيين على أن قول الكسائي خطأ في هذا، وألزموه ألا يصرف أبناء وأسماء.
وقال الأخفش - سعيد بن مسعدة - والفراء: أصلها أفعلاء كما تقول هين وأهوناء إلا إنّه كان الأصل أشيئاء على وزن " أشبعاع، فاجتمعت همزتان بينهما ألف، فحذفت الهمزة الأولى.
وهذا غلط أيضا؛ لأن شيئا فعل، وفعل لا يجمع على أفعلا " فأما هين.
فأصله أهين، فجمع على أفعلاء، كما يجمع فعيل على أفعلاء مثل نصيب وأنصباء.
وقال الخليل: أشياء اسم للجميع كان أصله فعلاء – شيئاء فاستثقلت الهمزتان فقلبت الأولى إلى أول الكلمة فجعلت لفعاء كما قالوا أنوق فقلبوا أينق، كما قلبوا قووس فقالوا قسيّ.
ويصدق قول الخليل جمعهم أشياء على أشاوى، وأشاياه وقول الخليل هو مذهب سيبويه وأبي عثمان المازني وجميع البصريين إلا الزيادى منهم، فإنه كان يميل إلى قول الأخفش.
وذكروا أن المازني ناظر الأخفش في هذا فقطع المازني الأخفش.
وذلك أنه سأله: كيف تصغر أشياء فقال: أشيّاء، فاعلم.
ولو كانت أفعلاء لردّت في التصغير إلى واحدها، فقيل شييئات، وإجماع البصريين أن تصغير أصدقاء إذا كان للمؤنثات صديّقات وإن كان للمذكرين صديّقون). [معاني القرآن: 2/211-213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} معنى إن تبد لكم إن تظهر قال شعبة أخبرني موسى بن أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبي فقال أبوك فلان فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} روى إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفرض الحج في كل سنة فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يسألني إنسان في مجلسي هذا عن شيء إلا أنبأته به فقال رجل يا رسول الله من أبي فأخبره ونزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وأن لا يكلفهم طلب حقائق الأشياء من عنده جل وعز وقيل إنما ينهى عن هذا لأن الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه وسلم اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم إلى الظاهر الذي يقدرون عليه). [معاني القرآن: 2/367-369]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} قال مقسم فيما سألت الأمم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم إياها ثم كفر قومهم بها بعد واختلف أهل التفسير في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة إذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا إلى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وإن كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الأم وتركهم الانتفاع بها وإن كانت ميتة اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أن يقال بحره إذا شقه والقول الآخر أنه من الاتساع في الشيء مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم إن برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك وإذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب والوصيلة في الغنم خاصة إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء وإذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها إلا الذكور خاصة وإن كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} الآية والحامي البعير إذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس أنه البعير إذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون قال الشعبي الذين لا يعقلون الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا). [معاني القرآن: 2/370-373]

تفسير قوله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ...}
قد اختلف في السائبة. فقيل: كان الرجل يسيّب من ماله ما شاء، يذهب به إلى الذين يقومون على خدمة آلهتهم. قال بعضهم: السائبة إذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلهنّ إناث سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف حتى تموت، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وبحرت أذن ابن ابنتها - يريد: خرقت - فالبحيرة ابنة السائبة، وهي بمنزلة أمّها. وأمّا الوصيلة فمن الشاء. إذا ولدت الشاة سبعة أبطن عناقين عناقين فولدت في سابعها عناقا وجديا قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبنها النساء وكان للرجال، وجرت مجرى السائبة. وأما الحامي فالفحل من الإبل؛ كان إذا لقح ولد ولده حمى ظهره، فلا يركب ولا يجزّ له وبر، ولا يمنع من مرعىً، وأيّ إبل ضرب فيها لم يمنع.
فقال الله تبارك وتعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} هذا أنتم جعلتموه كذلك. قال الله تبارك وتعالى: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون}). [معاني القرآن: 1/322]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ) (103) أي: ما حرّم الله البحيرة التي كان أهل الجاهلية يحرّمونها، وكانوا يحرّمون وبرها وظهرها ولحمها ولبنها على النساء، ويحلّونها للرجال، وما ولدت من ذكر أو أثنى فهو بمنزلتها، وإن ماتت البحيرة اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها، وإذا ضرب جملٌ من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسمٌ له.
والسائبة من النّعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولدٍ بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكراً أو ذكرين، ونحوه، فأكله الرجال دون النساء، وإن أتأمت بذكرٍ أو أنثى، فهو (وصيلة) (103)؛ فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته؛ وإن كانتا اثنتين تركتا، فلم تذبحا؛ وإذا ولدت سبعة أبطن، كلّ بطن ذكراً وأنثى، قالوا: قد وصلت أخاها؛ وإذا وضعت بعد سبعة أبطنٍ ذكراً أو أنثى قالوا: وصلت أخاها، فأحموها وتركوها ترعى ولا يمسّها أحد؛ فإن وضعت أنثى حيّةً بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النّعم لم تحم لا هي ولا أمّها؛ وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النّساء دون الرجال؛ فإن وضعت ذكراً حيّاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وكذلك إن وضعت ذكراً ميّتاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجال والنساء جميعاً بالتسوية؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكر منها الرجال دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أمها كسائر النّعم.
قال أبو الحسن الأثرم: والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه؛ أي سيبّته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام: تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتسيّب ولا تحبس عن رعىٍ، ولا عن ماءٍ ولا يركبها أحد.
(حامٍ) (103)، والحام من فحول الإبل خاصةً، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره، وكل شيء منه، فلم يمسّ، ولم يركب، ولم يطرق.
والبحيرة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحّروا أذنها وتركت، فلا يمسّها أحد ولا شيئاً منها يبحّرون أذنها؛ أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم؛ أي يذبح، يقال: أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون: بل البحيرة أنّها إذ انتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سقباً، أي ذكراً بحّروا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تركب ولم يضر بها فحلٌ، ولم تدفع عن ماءٍ، ولا عن مرعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المعيى تحرّجاً.
وقالوا: السائبة لا تكون إلاّ من الإبل، إن مرض الرّجل نذر؛ إن برىء ليسيبنّ بعيراً، أو إن قدم من سفر، أو غزوة، أو شكر رفع بلاءٍ أو نقمةٍ سيّب بعيراً، فكان بمنزلة البحيرة؛ وكذلك المعتق السائبة في الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا: الوصيلة من الغنم خاصةً إذا ولّدوها ذكراً جعلوها لأصنامهم فتقرّبوا به، وإذا ولّدوها أنثى؛ قالوا: هذه لنا خاصةً دون آلهتنا، وإذا ولّدوها ذكراً أو أنثى؛ قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.
وقالوا: بل (الحام) هو كما وصف في أول هذا الوجه، إلاّ أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
(يفترون على الله الكذب) (103) أي يختلقون الكذب على الله). [مجاز القرآن: 1/177-181]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}، فالبحيرة قالوا: فيها بحرت أذن الشاة، وبحرتها تبحيرًا؛ شققت أذنها؛ وكأن البحر من ذلك لانشقاقه وانفتاحه.
[معاني القرآن لقطرب: 499]
وقالوا: أول من وصل الوصيلة، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الحامي، وغير دين إبراهيم عليه السلام، عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.
وقال آخرون: البحيرة إذا نتجت الناقة خمسة أبطن، فكان آخرها سبقًا ذكرًا بحروا أذن الناقة؛ أي شقوها، وخلوا عنها، فلا تدفع عن ماء ولا مرعى، ولا يضربها فحل، ويلقاها المعيي فلا يركبها تحرجا.
وقالوا أيضًا: البحيرة في الشاء خاصة، إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها، وتركت فلا يمسها أحد.
وأما السائبة فهي ما جعلوا لآلهتهم من جزور أو غيرها.
وقال بعضهم كانت السائبة إذا آلفت إبل الرجل - صارت ألفا - سيب واحدة من إبله؛ فلا ترعى ولا تؤوى.
[وقال] بعضهم: السائبة من الإبل، كان الرجل إذا مرض، أو قدم من سفر، أو شكر دفع بلاء أو نعمة سيب بعيرًا، فكان بمنزلة البحيرة.
وقالوا: السائبة أيضًا من جميع النعم، تكون من النذور لأصنامهم، تسيب ولا تحبس عن رعي ولا ماء، ولا يركبها أحد.
وقالوا كانت العرب إذا بلغت إبل الرجل ألفًا فقأ عين بعير من خيارها ثم تعرى وسطها؛ يريد رد العين.
[معاني القرآن لقطرب: 500]
وأما الوصيلة من الشاء فالتي تلد سبعة أبطن، فإذا كان في السابع ذكر وأنثى؛ قالوا: أوصلت، فجعلوا الأنثى للآهلة؛ وكذلك الإبل إذا ولدت خمسة أبطن فكان الخامس أنثى شقوا أذنها، وسموها بحيرة.
وقال آخرون: الوصيلة إذا ولدت جديًا وعناقًا، قالوا أوصلت أخاها؛ فتحرم لحومها، فلا تؤكل.
وقالوا أيضًا: كانت العرب إذا ولدوا الشاة ذكرًا جعلوه لأصنامهم، فتقربوا به؛ فإذا ولدوها أنثى قالوا: هذه لنا خاصة دون آلهتنا؛ فإذا ولدوا ذكرًا وأنثى قالوا: أوصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لآلهتهم لمكانها؛ وقالوا: لا تكون وصيلة ميت يدعى له؛ أي لا توصل به، وقالوا: هذا وصيل هذا؛ إذا كان به متصلاً.
قال الشاعر:
كملقى عقيل أو كمهلك مالك = ولست لميت هالك بوصيل
وأما قوله عز وجل {ولا حام} فكان البعير ينتج عشرة أبطن فيحمى ظهره فلا يركب؛ وقالوا: حمي ظهره، ويرعى ويسقى حيث توجه؛ وقالوا: احموا ظهره ووبره وكل شيء منه؛ فلم يركب ولم يطرق.
وقد قال بعضهم: يدعونه لآلهتهم؛ وقالوا أيضًا: إذا ركب بن ابنه قال: حامي ظهره.
وقد قال آخرون في هذه الأشياء: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون البحيرة ولبنها ووبرها وظهرها ولحمها على النساء، ويحلونها للرجال؛ وما ولدت من ذكر أو أنثى فهو بمنزلتها؛ وإن ماتت البحيرة اشترك النساء والرجال في لحمها؛ وإذا ضرب جمل من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسم له.
والسائبة من النعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكرًا أو ذكرين؛ ذبحوه فأكله الرجال دون النساء؛ وإن أتأمت بذكر وأنثى فهي وصيلة، فلا يذبح الذكر، يترك من أجل أخته؛ وإن كانتا اثنتين تركتا فلم تذبحا؛ وإذا ولدت سبعة أبطن كل بطن ذكر وأنثى؛ قالوا: قد وصلت أخاها؛ وإذا وضعت بعد سبعة أبطن ذكرًا وأنثى حيين قالوا: وصلت أخاها فأحموها وتركوها ترعى، ولا يمسها أحد؛
[معاني القرآن لقطرب: 501]
فإن وضعت أنثى حية بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النعم، لم تحم هي ولا أمها؛ وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النساء دون الرجال؛ وإن وضعت ذكرًا حيًا بعد البطن السابع أكله الرجال دون النساء؛ وكذلك إن وضعت ذكرًا ميتًا بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وإن وضعت ذكرًا وأنثى ميتين بعد البطن السابع أكلها الرجال والنساء بالسوية؛ وإن وضعت ذكرًا وأنثى حيين بعد البطن السابع أكل الذكر منها الرجال دون النساء، والأنثى مع أمها كسائر النعم.
وأما الفرع: فأول ولد تضعه الناقة؛ فيفرع به لأصنامهم؛ أي لآلهتهم.
والنسيكة عند العرب: التي تذبح للنسك، ويقال: نسكتها؛ جعلتها قربانًا.
قال أبو علي: وأحسب العتيرة من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 502]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((البحيرة): كان أهل الجاهلية إذا نتجت ناقة خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذن الناقة وخلوا عنها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى ويلقاها المعيي فلا يركبها تحرجا.
103- {والسائبة}: كان الرجل إذا مرض أو قدم من سفر أو نذر نذرا سيب بعيرا من إبله بمنزلة البحيرة لا تمنع ولا تركب وقال بعضهم في السائبة أنهم كانوا يهدون لآلتهم الإبل والغنم فيسيبونها عندها فتختلط بإبل الناس وغنمهم. وقال فلا يشرب ألبانها إلا الرجال فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وإذا قال الرجل لعبده أنت سائبة فقد عتق.
103- {والوصيلة}: من الغنم كانت العرب إذا وضعت الشاةذكرا قالوا هذه لآلهتنا فتقربوا به وإذا ولدت أنثى قالوا هذه لنا. وإذا وضعت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها.
103- {ولا حام}: الحامي الذي نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فيدعونه فلا يركب وكانت العرب إذا بلغت إبل الرجل ألفا فقأ عين بعير منها فسرحة فلا ينتفع به ولا يهاج.
103- {ويفترون}: يختلفون). [غريب القرآن وتفسيره: 132-133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن. والخامس ذكر بحروه فأكله الرجال والنساء.
وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها، أي: شقّوها. وكانت حراما على النساء، لحمها ولبنها، فإذا ماتت حلت للنساء.
و(السّائبة) البعير يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه اللّه من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك.
و(الوصيلة) من الغنم. كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذبح. فأكل منه الرجال والنساء.
وإن كان أنثى تركت في الغنم.
وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: قد وصلت أخاها. فلم تذبح لمكانها.
وكانت لحومها حراما على النساء. ولبن الأنثى حراما على النساء. إلا أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال والنساء.
و(الحام): الفحل الذي ركب ولد ولده. ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن. قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء.
103 - {يفترون} يختلقون الكذب). [تفسير غريب القرآن: 147-148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103)
أثبت ما روينا في تفسير هذه الأسماء عن أهل اللغة ما أذكره ههنا:
قال أهل اللغة: البحيرة ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا، نحروا أذنها - أي شقوها - وامتنعوا من ركوبها وذبحها، ولا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعى، وإذا لقيها المعيى لم يركبها.
والسائبة. كان الرجل إذا نذر لقدوم من سفر أو برء من علّة أو ما أشبه ذلك قال ناقتي هذه سائبة، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها وأن لا تجلى عن ماء ولا تمنع من مرعى.
وكان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة، فلا عقل بينهما ولا ميراث.
وأما الوصيلة ففي الغنم، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.
وأمّا الحامي فالذكر من الإبل. كانت العرب إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن، حمي ظهره فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
فأعلم اللّه أنّه لم يحرم من هذه الأشياء شيئا، وأن الذين كفروا افتروا على اللّه). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (والبحيرة: المشقوقة الأذن. والسائبة: المسيبة: إذ كبرت سيبت، فلا يحمل عليها شيء.
والوصيلة: قال: كانت العرب إذا ولدت الشاة جديين - أخذوا واحدا لأنفسهم، وذبحوا الآخر للصنم، فإذا ولدت جديا وعناقا لم يذبحوها، ولم يذبحوا أخاها، وقالوا: قد وصلته، ولم تذبح، ولم تؤكل، وربيت وقالوا: قد وصلت أخاها. قال أبو العباس ثعلب: وأجمع الناس كلهم على أن الوصيلة لا تكون إلا في الغنم.
(ولا حام) قال: الحامي: البعير، الذي قد خرج من صلبه عشرة بطون، فإذا كان هكذا - قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يحمل عليه شيء، ويقولون: لا يحل لنا أن نستعمله). [ياقوتة الصراط: 213-215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((البحيرة) الناقة إذا نُتِجت هي خمسة أبطن، والخامس ذكر، نحروه، فأكلته الرجال والنساء، فإن كان الخامس أنثى شقوا آذانها وكان لحمها ولبنها على النساء خاصة، فإذا ماتت حلت لهن.
(السائبة) البعير يسيب بنذر يكون على الرجل من مرض أو خوف أو غيره.
و(الوصيلة) هي من الغنم، كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذُبح فأكل لحمه الرجال والنساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم تذبح لمكانها، وكان لحومها حراماً على النساء، ولبن الأنثى حراماً على النساء، فإن مات منها شي أكله الرجال والنساء.
و(الحامي) الفحل، إذ ركب ولد ولده، ويقال: إذا نتج من صلبة عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء.
فهذه أديان وشرائع اخترعوها، لم يأذن الله بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71-72]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَحِيرَةٍ}: الناقة التي نتجت
103- (السَآئِبَةٍ): التي تسيب فلا تركب
103- (الوَصِيلَةٍ): التي تركب فلا تذبح
103- {حَامٍ}: البعير الذي إذا نتج من صلبه عشرة فلا يركب
103- {يَفْتَرُونَ}: يكذبون). [العمدة في غريب القرآن: 123-124]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:44 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، ونهى عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات.
...
...
وقوله: وكثرة السؤال، فإنها مسألة الناس أموالهم، وقد يكون أيضا من السؤال عن الأمور وكثرة البحث عنها، كما قال سبحانه: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} ). [غريب الحديث: 3/411-413]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (أَشْيَاءُ في قول الخليل: إنما هي عنده فَعْلاءُ. وكان أصلها شيئاء يا فتى فكرهوا همزتين بينمها ألف فقلبوا؛ لنحو ما ذكرت لك من خطايا كراهة ألفين بينهما همزة، بل كان هذا أبعد، فقلبوا فصارت اللام التي هي همزة في أوله، فصار تقديره من الفعل: لَفْعَاء ولذلك لم ينصرف، قال الله عز وجل: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} ولو كان أَفْعالا لا تصرف كما ينصرف أحياء وما أشبهه.

وكان الأخفش يقول: أشياء أَفْعِلاءُ يافتى، جمع عليها فَعْل؛ كما جُمِع سمح على سُمَحاء، وكلاهما جمع لفعِيل؛ كما تقول في نصيب: أَنْصباءُ: وفي صديق: أَحصْدِقاءُ، وفي كريم: كُرَماءُ، وفي جليس: جلساء. فسمح وشيء على مثال فَعْل فخرج إلى مثال فَعيل .
قال المازني: فقلت له: كيف تصغرهن؟ فقال: أشياء. فسألته: لِمَ لَمْ ترده إلى الواحد؟ إنه أَفْعِلاءُ فقد وجب عليه فلم يأت بمقنع. وهذا ترك قوله؛ لأنه إذا زعم أنه أفعلاء فقد وجب عليه أن يصغر الواحد ثم يجمعه، فيقول في تصغير أشياء على مذهبه: شُيَيْئات فاعلم، تقدير: فُعَيْلاتُ ولا يجب هذا على الخليل لأنه إذا زعم أنه فَعْلاءُ فقد زعم أنه اسم واحد في معنى الجمع، بمنزلة قوم، ونفر، فهذا إنما يجب عليه تصغيره في نفسه. فقد ثبت قول الخليل بحجة لازمة .
ومما يؤكد ذلك السماع: قول الأصمعي - فيما حدث به علماؤنا -: أن أعرابياً سمع كلام خلف الأحمر فقال: يا أحمر، إن عندك لأشاوى فقلب الياء واواً، وأخرجه مُخْرَج صحراء وصحارى، فكل مقلوب فله لفظه). [المقتضب: 1/168-169]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) }

تفسير قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء الآية، اختلف الرواة في سببها فقالت فرقة منهم أنس بن مالك وغيره: نزلت بسبب سؤال عبد الله بن حذافة السهمي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر مغضبا، فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا أخبرتكم به، فقام رجل فقال أين أنا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في النار فقام عبد الله بن حذافة السهمي وكان يطعن في نسبه، فقال من أبي؟ فقال: أبوك حذافة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وفي الحديث مما لم يذكر الطبري فقام آخر فقال من أبي؟
فقال أبوك سالم مولى أبي شيبة، فقام عمر بن الخطاب فجثا على ركبتيه وقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمد نبيا نعوذ بالله من الفتن، وبكى الناس من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية بسبب هذه الأسئلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر مغضبا إنما كان بسبب سؤالات الاعراب والجهال والمنافقين، فكان منهم من يقول أين ناقتي؟ وآخر يقول ما الذي ألقى في سفري هذا؟ ونحو هذا مما هو جهالة أو استخفاف وتعنيت، وقال علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو أمامة الباهلي وابن عباس، في لفظهم اختلاف، والمعنى واحد. خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: أيها الناس كتب عليكم الحج وقرأ عليهم وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا [آل عمران: 97] قال علي:
فقالوا يا رسول الله: أفي كل عام؟ فسكت، فأعادوا، قال: لا ولو قلت نعم، لوجبت، وقال أبو هريرة: فقال عكاشة بن محصن وقال مرة فقال محصن الأسدي، وقال غيره فقام رجل من بني أسد، وقال بعضهم فقام أعرابي فقال يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من السائل؟
فقيل فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تطيقوه، ولو تركتموه، لهلكتم» فنزلت هذه الآية بسبب ذلك، ويقوي هذا حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي عليه السلام قال:
«إن أعظم المسلمين على المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت الآية بسبب قوم سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ونحو هذا من أحكام الجاهلية، وقاله سعيد بن جبير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وروي أنه لما بين الله تعالى في هذه الآيات أمر الكعبة والهدي والقلائد، وأعلم أن حرمتها هو الذي جعلها إذ هي أمور نافعة قديمة من لدن عهد إبراهيم عليه السلام، ذهب ناس من العرب إلى السؤال عن سائر أحكام الجاهلية ليروا هل تلحق بتلك أم لا، إذ كانوا قد اعتقدوا الجميع سنة لا يفرقون بين ما هو من عند الله وما هو من تلقاء الشيطان والمغيرين لدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
كعمرو بن لحي وغيره، وفي عمرو بن لحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والظاهر من الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحت عليه الأعراب والجهال بأنواع من السؤالات حسبما ذكرناه، فزجر الله تعالى عن ذلك بهذه الآية وأشياء اسم جمع لشيء أصله عند الخليل وسيبويه شيئا مثل فعال قلبت إلى لفعاء لثقل اجتماع الهمزتين، وقال أبو حاتم أشياء وزنها أفعال وهو جمع شيء وترك الصرف فيه سماع، وقال الكسائي: لم ينصرف أشياء لشبه آخرها بآخر حمراء، ولكثرة استعمالها، والعرب تقول أشياوات كما تقول حمراوات، ويلزم على هذا أن لا ينصرف أسماء لأنهم يقولون أسماوات، وقال الأخفش: أشياء أصلها أشياء على وزن أفعلاء، استثقلت اجتماع الهمزتين فأبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها ثم حذفت الياء استخفافا، ويلزم على هذا أن يكون واحد الأشياء شيئا مثل هين وأهوناء، وقرأ جمهور الناس «إن تبد» بضم التاء وفتح الدال وبناء الفعل للمفعول، وقرأ مجاهد «إن تبد» بفتح التاء وضم الدال على بناء الفعل للفاعل، وقرأ الشعبي «إن يبد لكم» بالياء من أسفل مفتوحة والدال مضمومة «يسؤكم» بالياء من أسفل، أي يبده الله لكم.
وقوله تعالى وإن تسئلوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم قال ابن عباس: معناه لا تسألوا عن أشياء في ضمن الإخبار عنها مساءة لكم إما لتكليف شرعي يلزمكم وإما لخبر يسوء. كما قيل للذي قال أين أنا؟ ولكن إذا نزل القرآن بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذ إن سألتم عن تفصيله وبيانه بين لكم وأبدى؟.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالضمير في قوله عنها عائد على نوعها لا على الأولى التي نهى عن السؤال عنها، وقال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا من غير نسيان عن أشياء فلا تبحثوا عنها، وكان عبيد بن عمير يقول:
إن الله أحل وحرم فما أحل فاستحلوا وما حرم فاجتنبوا وترك بين ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله عفاه، ثم يتلو هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل قوله تعالى: وإن تسئلوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم لقيتم عبء ذلك وصعوبته لأنكم تكلفون وتستعجلون علم ما يسوءكم كالذي قيل له إنه في النار، وقوله تعالى: عفا اللّه عنها تركها ولم يعرف بها، وهذه اللفظة التي هي عفا، تؤيد أن الأشياء التي هي في تكليفات الشرع، وينظر إلى ذلك قول النبي عليه السلام إن الله قد عفا لكم عن صدقة الخيل، وغفورٌ حليمٌ صفتان تناسب العفو وترك المباحثة والسماحة في الأمور). [المحرر الوجيز: 3/270-274]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ عامة الناس «قد سألها» بفتح السين. وقرأ إبراهيم النخعي «قد سألها» بكسر السين، والمراد بهذه القراءة الإمالة، وذلك على لغة من قال سلت تسأل، وحكي عن العرب هما يتساولان، فهذا يعطي هذه اللغة هي من الواو لا من الهمزة فالإمالة إنما أريدت وساغ ذلك لانكسار ما قبل اللام في سلت كما جاءت الإمالة في خاف لمجيء الكسرة في خاء خفت، ومعنى الآية أن هذه السؤالات التي هي تعنيتات وطلب شطط واقتراحات ومباحثات قد سألتها قبلكم الأمم ثم كفروا بها قال الطبري كقوم صالح في سؤالهم الناقة وكبني إسرائيل في سؤالهم المائدة. قال السدي: كسؤال قريش أن يجعل الله لهم الصفا ذهبا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما يتجه في قريش مثالا سؤالهم آية، فلما شق لهم القمر كفروا، وهذا المعنى إنما يقال لمن سأل النبي عليه السلام أين ناقتي؟ وكما قال له الأعرابي ما في بطن ناقتي هذه؟ فأما من سأله عن الحج أفي كل عام هو؟ فلا يفسر قوله قد سألها قوم الآية بهذه الأمثلة بل بأن الأمم قديما طلبت التعمق في الدين من أنبيائها ثم لم تف بما كلفت). [المحرر الوجيز: 3/274]

تفسير قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون (104) يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم تعملون (105)
لما سأل قوم عن هذه الأحكام التي كانت في الجاهلية هل تلحق بحكم الله في تعظيم الكعبة والحرم. أخبر تعالى في هذه الآية أنه لم يجعل شيئا منها ولا سنه لعباده. المعنى ولكن الكفار فعلوا ذلك إذ أكابرهم ورؤساؤهم كعمرو بن لحي وغيره يفترون على الله الكذب ويقولون هذه قربة إلى الله وأمر يرضيه، وأكثرهم يعني الأتباع لا يعقلون بل يتبعون هذه الأمور تقليدا وضلالا بغير حجة وجعل في هذه الآية لا يتجه أن تكون بمعنى خلق الله. لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء كلها. ولا هي بمعنى صير لعدم المفعول الثاني، وإنما هي بمعنى ما سنّ ولا شرع فتعدت تعدي هذه التي بمعناه إلى مفعول واحد و «البحيرة» فعيلة بمعنى مفعولة. وبحر شق، كانوا إذا أنتجت الناقة عشرة بطون شقوا أذنها بنصفين طولا فهي مبحورة وتركت ترعى وترد الماء ولا ينتفع منها بشيء ويحرم لحمها إذا ماتت على النساء ويحل للرجال، وقال ابن عباس كانوا يفعلون ذلك بها إذا أنتجت خمسة بطون، وقال مسروق إذا ولدت خمسا أو سبعا شقوا أذنها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويظهر مما يروى في هذا أن العرب كانت تختلف في المبلغ الذي تبحر عنده آذان النوق، فلكل سنة، وهي كلها ضلال، قال ابن سيده ويقال «البحيرة» هي التي خليت بلا راع، ويقال للناقة الغزيرة بحيرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أرى أن البحيرة تصلح وتسمن ويغزر لبنها فتشبه الغزيرات بالبحر، وعلى هذا يجيء قول ابن مقبل:
فيه من الأخرج المرتاع قرقرة = هدر الزيامي وسط الهجمة البحر
فإنما يريد النوق العظام وإن لم تكن مشققة الآذان. وروى الشعبي عن أبي الأحوص عن أبيه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي أرأيت إبلك ألست تنتجها مسلمة آذانها، فتأخذ الموسى فتقطع آذانها، فتقول هذه بحر، وتقطع جلودها فتقول هذه صرم فتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال نعم قال: فإن ما آتاك الله لك حل. وساعد الله أشد، وموسى الله أحد، والسائبة هي الناقة التي تسيب للآلهة، والناقة أيضا إذا تابعت اثنتي عشرة إناثا ليس فيهن ذكر سيبت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثم بن الجون الخزاعي: يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت أشبه به منك، قال أكثم: أيضرني شبهه يا رسول الله؟ قال: لا إنك مؤمن وإنه كافر، هو أول من غير دين إسماعيل عليه السلام ونصب الأوثان وسيب السوائب، وكانت السوائب أيضا في العرب كالقربة عند المريض يبرأ منه، والقدوم من السفر، وإذا نزل بأحدهم أمر يشكر الله عليه تقرب بأن يسيب ناقة فلا ينتفع منها بلبن ولا ظهر ولا غيره، يرون ذلك كعتق بني آدم، ذكره السدي وغيره، وكانت العرب تعتقد أن من عرض لهذه النوق فأخذها أو انتفع منها بشيء فإنه تلحقه عقوبة من الله، و «الوصيلة» قال أكثر الناس:
إن «الوصيلة» في الغنم قالوا إذا ولدت الشاة ثلاثة بطون أو خمسة فإن كان آخرها جذيا ذبحوه لبيت الآلهة وإن كانت عناقا استحيوها وإن كان جذي وعناق استحيوهما وقالوا هذه العناق وصلت أخاها فمنعته من أن يذبح، وعلى أن الوصيلة في الغنم جاءت الروايات عن أكثر الناس، وروي عن سعيد بن المسيب أن الوصيلة من الإبل كانت الناقة إذا ابتكرت بأنثى ثم ثنت بأخرى قالوا وصلت أنثيين، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم أو يذبحونها. شك الطبري في إحدى اللفظتين. وأما «الحامي» فإنه الفحل من الإبل إذا ضرب في الإبل عشرين وقيل إذا ولد من صلبه عشر، وقيل إذا ولد ولده قالوا حمي ظهره فسيبوه لم يركب ولا سخر في شيء، وقال علقمة لمن سأله في هذه الأشياء ما تريد إلى شيء كان من عمل أهل الجاهلية وقد ذهب؟
وقال نحوه ابن زيد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وجملة ما يظهر من هذه الأمور أن الله تعالى قد جعل هذه الأنعام رفقا لعباده ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة، فكان أهل الجاهلية يقطعون طريق الانتفاع ويذهبون نعمة الله فيها ويزيلون المصلحة التي للعباد في تلك الإبل، وبهذا فارقت هذه الأمور الأحباس والأوقاف، فإن المالك الذي له أن يهب ويتصدق له أن يصرف المنفعة في أي طريق من البر، ولم يسد الطريق إليها جملة كما فعل بالبحيرة والسائبة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجوز الأحباس والأوقاف، وقاسوا على البحيرة والسائبة، والفرق بين، ولو عمد رجل إلى ضيعة له فقال هذه تكون حبسا لا يجتنى ثمرها ولا يزرع أرضها ولا ينتفع منها بنفع لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة والسائبة، وأما الحبس البين طريقه واستمرار الانتفاع به فليس من هذا، وحسبك بأن النبي عليه السلام قال لعمر بن الخطاب في مال له: اجعله حبسا لا يباع أصله، وحبس أصحاب النبي عليه السلام وقوله تعالى ولكنّ الّذين كفروا الآية، وقد تقدم أن المفترين هم المبتدعون، وأن الذين لا يعقلون هم الأتباع، وكذلك نص الشعبي وغيره وهو الذي تعطيه الآية، وقال محمد بن أبي موسى: الذين كفروا وافتروا هم أهل الكتاب، والذين لا يعقلون هم أهل الأوثان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تفسير من انتزع ألفاظ آخر الآية عما تقدمها وارتبط بها من المعنى
وعما تأخر أيضا من قوله وإذا قيل لهم والأول من التأويلين أرجح). [المحرر الوجيز: 3/275-278]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 07:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} هذا تأديبٌ من اللّه [تعالى] لعباده المؤمنين، ونهيٌ لهم عن أن يسألوا {عن أشياء} ممّا لا فائدة لهم في السّؤال والتّنقيب عنها؛ لأنّها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربّما ساءتهم وشقّ عليهم سماعها، كما جاء في الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يبلغني أحدٌ عن أحدٍ شيئًا، إنّي أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر".
وقال البخاريّ: حدّثنا منذر بن الوليد بن عبد الرّحمن الجاروديّ، حدّثنا أبي، حدثنا شعبة، عن موسى بن أنسٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: خطب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطبة ما سمعت مثلها قطّ، قال "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا" قال: فغطّى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجوههم لهم حنينٌ. فقال رجلٌ: من أبي؟ قال: "فلانٌ"، فنزلت هذه الآية: {لا تسألوا عن أشياء}
رواه النّضر وروح بن عبادة، عن شعبة وقد رواه البخاريّ في غير هذا الموضع، ومسلمٌ، وأحمد، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من طرقٍ عن شعبة بن الحجّاج، به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا بشر، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} الآية، قال: فحدّثنا أنّ أنس بن مالكٍ حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سألوه حتّى أحفوه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يومٍ فصعد المنبر، فقال: "لا تسألوا اليوم عن شيءٍ إلّا بيّنته لكم". فأشفق أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر، فجعلت لا ألتفت يمينًا ولا شمالًا إلّا وجدت كلًّا لافًّا رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجلٌ كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبيّ اللّه، من أبي؟ قال: "أبوك حذافة". قال: ثمّ قام عمر -أو قال: فأنشأ عمر-فقال: رضينا باللّه ربّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ رسولًا عائذًا باللّه -أو قال: أعوذ باللّه-من شرّ الفتن قال: وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم أر في الخير والشّرّ كاليوم قطّ، صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما دون الحائط". أخرجاه من طريق سعيدٍ.
ورواه معمر، عن الزّهريّ، عن أنسٍ بنحو ذلك -أو قريبًا منه-قال الزّهريّ: فقالت أمّ عبد اللّه بن حذافة: ما رأيت ولدًا أعقّ منك قطّ، أكنت تأمن أن تكون أمّك قد قارفت ما قارف أهل الجاهليّة فتفضحها على رؤوس النّاس، فقال: واللّه لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقته.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا الحارث، حدّثنا عبد العزيز، حدّثنا قيس، عن أبي حصين، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو غضبان محمارٌّ وجهه حتّى جلس على المنبر، فقام إليه رجلٌ فقال: أين أبي ؟ فقال: "في النّار" فقام آخر فقال: من أبي؟ فقال: "أبوك حذافة"، فقام عمر بن الخطّاب فقال: رضينا باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ نبيًّا، وبالقرآن إمامًا، إنّا يا رسول اللّه حديثو عهدٍ بجاهليّةٍ وشرك، واللّه أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} إسناده جيّدٌ.
وقد ذكر هذه القصّة مرسلةً غير واحدٍ من السّلف، منهم أسباطٌ عن السّدّي أنه قال في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} قال: غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا من الأيّام، فقام خطيبًا فقال: "سلوني، فإنّكم لا تسألوني عن شيءٍ إلّا أنبأتكم به". فقام إليه رجلٌ من قريشٍ، من بني سهمٍ، يقال له: عبد اللّه بن حذافة، وكان يطعن فيه، فقال: يا رسول اللّه، من أبي؟ فقال: "أبوك فلانٌ"، فدعاه لأبيه، فقام إليه عمر بن الخطّاب فقبّل رجله، وقال: يا رسول اللّه، رضينا باللّه ربًّا، وبك نبيًّا، وبالإسلام دينًا، وبالقرآن إمامًا، فاعف عنّا عفا اللّه عنك، فلم يزل به حتّى رضي، فيومئذٍ قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا الفضل بن سهل، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا أبو الجويرية، عن ابن عبّاسٍ قال: كان قومٌ يسألون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استهزاءً، فيقول الرّجل: من أبي؟ ويقول الرّجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل اللّه فيهم هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} حتّى فرغ من الآية كلّها. تفرّد به البخاريّ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا منصور بن وردان الأسديّ، حدّثنا عليّ بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البختريّ -وهو سعيد بن فيروز-عن عليٍّ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسول اللّه، كلّ عامٍ؟ فسكت. فقالوا: أفي كلّ عامٍ؟ فسكت، قال: ثمّ قالوا: أفي كلّ عامٍ؟ فقال: "لا ولو قلت: نعم لوجبت"، فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} إلى آخر الآية.
وكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه، من طريق منصور بن وردان، به وقال التّرمذيّ: غريبٌ من هذا الوجه، وسمعت البخاريّ يقول: أبو البختريّ لم يدرك عليًّا.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان، عن إبراهيم بن مسلمٍ الهجريّ، عن أبي عياضٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ" فقال رجلٌ: أفي كلّ عامٍ يا رسول اللّه؟ فأعرض عنه، حتّى عاد مرّتين أو ثلاثًا، فقال: "من السّائل؟ " فقال: فلانٌ. فقال: "والّذي نفسي بيده، لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه، ولو تركتموه لكفرتم"، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} حتّى ختم الآية.
ثمّ رواه ابن جريرٍ من طريق الحسين بن واقدٍ، عن محمّد بن زيادٍ، عن أبي هريرة -وقال: فقام محصن الأسديّ-وفي روايةٍ من هذه الطّريق: عكاشة بن محصن-وهو أشبه.
وإبراهيم بن مسلمٍ الهجريّ ضعيفٌ.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبانٍ المصريّ قال: حدّثنا أبو زيدٍ عبد الرحمن ابن أبي الغمر، حدّثنا أبو مطيعٍ معاوية بن يحيى، عن صفوان بن عمرٍو، حدّثني سليم بن عامرٍ قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النّاس فقال: "كتب عليكم الحجّ". فقام رجلٌ من الأعراب فقال: أفي كلّ عامٍ؟ قال: فغلق كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأسكت واستغضب، ومكث طويلًا ثمّ تكلّم فقال: "من السّائل؟ " فقال الأعرابيّ: أنا ذا، فقال: "ويحك، ماذا يؤمّنك أن أقول: نعم، واللّه لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، ألا إنّه إنّما أهلك الّذين من قبلكم أئمّة الحرج، واللّه لو أنّي أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرّمت عليكم منها موضع خفٍّ، لوقعتم فيه" قال: فأنزل اللّه عند ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} إلى آخر الآية. في إسناده ضعفٌ.
وظاهر الآية النّهي عن السّؤال عن الأشياء الّتي إذا علم بها الشّخص ساءته، فالأولى الإعراض عنها وتركها. وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال:
حدّثنا حجّاج قال: سمعت إسرائيل بن يونس، عن الوليد بن أبي هشامٍ مولى الهمدانيّ، عن زيد بن زائدٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: "لا يبلّغني أحدٌ عن أحدٍ شيئًا؛ فإنّي أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر" الحديث.
وقد رواه أبو داود والتّرمذيّ، من حديث إسرائيل -قال أبو داود: عن الوليد-وقال التّرمذيّ: عن إسرائيل-عن السّدّيّ، عن الوليد بن أبي هاشمٍ، به. ثمّ قال التّرمذيّ: غريبٌ من هذا الوجه.
وقوله: {وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم} أي: وإن تسألوا عن هذه الأشياء الّتي نهيتم عن السّؤال عنها حين ينزل الوحي على الرّسول تبيّن لكم، وذلك [على اللّه] يسيرٌ.
ثمّ قال {عفا اللّه عنها} أي: عمّا كان منكم قبل ذلك، {واللّه غفورٌ حليمٌ}
وقيل: المراد بقوله: {وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم} أي: لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السّؤال عنها، فلعلّه قد ينزل بسبب سؤالكم تشديدٌ أو تضييقٌ وقد ورد في الحديث: "أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيءٍ لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته" ولكن إذا نزل القرآن بها مجملةً فسألتم عن بيانها حينئذ، تبينت لكم لاحتياجكم إليها.
{عفا اللّه عنها} أي: ما لم يذكره في كتابه فهو ممّا عفا عنه، فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها. وفي الصّحيح، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "ذروني ما تركتم؛ فإنّما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم".
وفي الحديث الصّحيح أيضًا: " إنّ اللّه فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها"). [تفسير القرآن العظيم: 3/203-207]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين} أي: قد سأل هذه المسائل المنهيّ عنها قومٌ من قبلكم، فأجيبوا عنها ثمّ لم يؤمنوا بها، فأصبحوا بها كافرين، أي: بسببها، أي: بيّنت لهم ولم ينتفعوا بها لأنّهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد، وإنّما سألوا على وجه التّعنّت والعناد.
قال، العوفي، عن ابن عبّاسٍ قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أذّن في النّاس فقال: "يا قوم كتب عليكم الحجّ". فقام رجلٌ من بني أسدٍ فقال: يا رسول اللّه، أفي كلّ عامٍ؟ فأغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غضبًا شديدًا فقال: "والّذي نفسي بيده لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، وإذًا لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، وإذا أمرتكم بشيءٍ فافعلوا، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فانتهوا عنه". فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} نهاهم أن يسألوا عن مثل الّذي سألت النّصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين. فنهى اللّه عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظٍ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنّكم لا تسألون عن شيءٍ إلّا وجدتم تبيانه رواه ابن جريرٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم} قال: لمّا نزلت آية الحجّ، نادى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النّاس فقال: "يا أيّها النّاس، إنّ اللّه قد كتب عليكم الحجّ فحجّوا". فقالوا: يا رسول اللّه، أعامًا واحدًا أم كلّ عامٍ؟ فقال: "لا بل عامًا واحدًا، ولو قلت: كلّ عامٍ لوجبت، ولو وجبت لكفرتم". ثمّ قال اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} إلى قوله: {ثمّ أصبحوا بها كافرين} رواه ابن جريرٍ.
وقال خصيف، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لا تسألوا عن أشياء} قال: هي البحيرة والوصيلة والسّائبة والحام، ألّا ترى أنّه يقول بعد ذلك "ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا كذا ولا كذا"، قال: وأمّا عكرمة فقال: إنّهم كانوا يسألونه عن الآيات، فنهوا عن ذلك. ثمّ قال: {قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين} رواه ابن جرير.
يعني عكرمة رحمه اللّه: أنّ المراد بهذا النّهي عن سؤال وقوع الآيات، كما سألت قريشٌ أن يجري لهم أنهارًا، وأن يجعل لهم الصّفا ذهبًا وغير ذلك، وكما سألت اليهود أن ينزل عليهم كتابًا من السّماء، وقد قال اللّه تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} [الإسراء: 59] وقال تعالى: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون. ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون. ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون} [الأنعام: 109-111] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/207-208]

تفسير قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون (104)}
قال البخاريّ: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: "البحيرة": الّتي يمنع درّها للطّواغيت، فلا يحلبها أحدٌ من النّاس. و"السّائبة": كانوا يسيبونها لآلهتهم، لا يحمل عليها شيءٌ -قال: وقال أبو هريرة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رأيت عمرو بن عامرٍ الخزاعيّ يجرّ قصبه في النّار، كان أوّل من سيّب السّوائب"-و"الوصيلة": النّاقة البكر، تبكّر في أوّل نتاج الإبل، ثمّ تثنّي بعد بأنثى، وكانوا يسيّبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. و"الحام": فحل الإبل يضرب الضرّاب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطّواغيت، وأعفوه عن الحمل، فلم يحمل عليه شيءٌ، وسمّوه الحامي.
وكذا رواه مسلمٌ والنّسائيّ، من حديث إبراهيم بن سعدٍ، به.
ثمّ قال البخاريّ: وقال لي أبو اليمان: أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ قال: سمعت سعيدًا يخبر بهذا. وقال أبو هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه. ورواه ابن الهاد، عن ابن شهابٍ، عن سعيدٍ، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال الحاكم: أراد البخاريّ أنّ يزيد بن عبد اللّه بن الهاد رواه عن عبد الوهّاب بن بخت، عن الزّهريّ. كذا حكاه شيخنا أبو الحجّاج المزنيّ في "الأطراف" وسكت ولم ينبّه عليه. وفيما قاله الحاكم نظرٌ، فإنّ الإمام أحمد وأبا جعفر بن جريرٍ روياه من حديث اللّيث بن سعدٍ، عن ابن الهاد، عن الزّهريّ نفسه. واللّه أعلم.
ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن أبي يعقوب أبو عبد اللّه الكرماني، حدّثنا حسّان بن إبراهيم، حدّثنا يونس، عن الزّهريّ، عن عروة؛ أنّ عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضًا، ورأيت عمرًا يجرّ قصبه، وهو أوّل من سيّب السّوائب". تفرّد به البخاريّ.
وقال ابن جريرٍ: حدثنا هنّاد، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لأكثم بن الجون: "يا أكثم، رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه في النّار، فما رأيت رجلًا أشبه برجلٍ منك به، ولا به منك". فقال أكثم: تخشى أن يضرّني شبهه يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا إنّك مؤمنٌ وهو كافرٌ، إنّه أوّل من غيّر دين إبراهيم، وبحّر البحيرة، وسيّب السّائبة، وحمى الحامي". ثمّ رواه عن هنّادٍ، عن عبدة، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه أو مثله.
ليس هذان الطّريقان في الكتب.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عمرو بن مجمّع، حدّثنا إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إن أوّل من سيّب السّوائب، وعبد الأصنام، أبو خزاعة عمرو بن عامرٍ، وإنّي رأيته يجرّ أمعاءه في النّار". تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لأعرف أوّل من سيّب السّوائب، وأوّل من غيّر دين إبراهيم عليه السّلام". قالوا: من هو يا رسول اللّه؟ قال: "عمرو بن لحيّ أخو بني كعبٍ، لقد رأيته يجرّ قصبه في النّار، يؤذي ريحه أهل النّار. وإنّي لأعرف أوّل من بحّر البحائر". قالوا: من هو يا رسول اللّه؟ قال: "رجلٌ من بني مدلج، كانت له ناقتان، فجدع آذانهما، وحرّم ألبانهما، ثمّ شرب ألبانهما بعد ذلك، فلقد رأيته في النّار وهما يعضّانه بأفواههما ويخبطانه بأخفافهما".
فعمرو هذا هو ابن لحيّ بن قمعة، أحد رؤساء خزاعة، الّذين ولوا البيت بعد جرهم. وكان أوّل من غيّر دين إبراهيم الخليل، فأدخل الأصنام إلى الحجاز، ودعا الرّعاع من النّاس إلى عبادتها والتّقرّب بها، وشرع لهم هذه الشّرائع الجاهليّة في الأنعام وغيرها، كما ذكره اللّه تعالى في سورة الأنعام، عند قوله تعالى: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} [الأنعام: 136] إلى آخر الآيات في ذلك.
فأمّا البحيرة، فقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هي النّاقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس، فإن كان ذكرًا ذبحوه، فأكله الرّجال دون النّساء. وإن كان أنثى جدعوا آذانها، فقالوا: هذه بحيرةٌ.
وذكر السّدّي وغيره قريبًا من هذا.
وأمّا السّائبة، فقال مجاهدٌ: هي من الغنم نحو ما فسّر من البحيرة، إلّا أنّها ما ولدت من ولدٍ كان بينها وبين ستّة أولادٍ كان على هيئتها، فإذا ولدت السّابع ذكرًا أو ذكرين، ذبحوه، فأكله رجالهم دون نسائهم.
وقال محمّد بن إسحاق: السّائبة: هي النّاقة إذا ولدت عشر إناثٍ من الولد ليس بينهنّ ذكرٌ، سيّبت فلم تركب، ولم يجزّ وبرها، ولم يحلب لبنها إلّا الضّيف.
وقال أبو روقٍ: السّائبة: كان الرّجل إذا خرج فقضيت حاجته، سيّب من ماله ناقةً أو غيرها، فجعلها للطّواغيت. فما ولدت من شيءٍ كان لها.
وقال السّدّي: كان الرّجل منهم إذا قضيت حاجته أو عوفي من مرضٍ أو كثر ماله سيّب شيئًا من ماله للأوثان، فمن عرض له من النّاس عوقب بعقوبةٍ في الدّنيا.
وأمّا الوصيلة، فقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هي الشّاة إذا نتجت سبعة أبطنٍ نظروا إلى السّابع، فإن كان ذكرًا أو أنثى وهو ميّتٌ اشترك فيه الرّجال دون النّساء، وإن كان أنثى استحيوها، وإن كان ذكرًا وأنثى في بطنٍ استحيوهما وقالوا: وصلته أخته فحرّمته علينا. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب: {ولا وصيلةٍ} قال: فالوصيلة من الإبل، كانت النّاقة تبتكر بأنثى، ثمّ تثنّى بأنثى، فسمّوها الوصيلة، ويقولون: وصلت أنثيين ليس بينهما ذكرٌ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم.
وكذا روي عن الإمام مالك بن أنسٍ، رحمه اللّه.
وقال محمّد بن إسحاق: الوصيلة من الغنم: إذا ولدت عشر إناثٍ في خمسة أبطنٍ، توأمين توأمين في كلّ بطنٍ، سمّيت الوصيلة وتركت، فما ولدت بعد ذلك من ذكرٍ أو أنثى، جعلت للذّكور دون الإناث. وإن كانت ميتةً اشتركوا فيها.
وأمّا الحام، فقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ قال: كان الرّجل إذا لقح فحله عشرًا، قيل حام، فاتركوه.
وكذا قال أبو روقٍ، وقتادة. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: وأمّا الحام فالفحل من الإبل، إذا ولد لولده قالوا: حمى هذا ظهره، فلا يحملون عليه شيئًا، ولا يجزّون له وبرًا، ولا يمنعونه من حمى رعيٍ، ومن حوضٍ يشرب منه، وإن كان الحوض لغير صاحبه.
وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: أمّا الحام فمن الإبل كان يضرب في الإبل، فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطّواويس وسيّبوه.
وقد قيل غير ذلك في تفسير هذه الآية. وقد ورد في ذلك حديثٌ رواه ابن أبي حاتمٍ، من طريق أبي إسحاق السّبيعي، عن أبي الأحوص الجشمي، عن أبيه مالك بن نضلة قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في خلقان من الثّياب، فقال لي: "هل لك من مالٍ؟ " قلت نعم. قال: "من أيّ المال؟ " قال: فقلت: من كلّ المال، من الإبل والغنم والخيل والرّقيق. قال: "فإذا آتاك اللّه مالًا فلير عليك". ثمّ قال: "تنتج إبلك وافيةً آذانها؟ " قال: قلت: نعم. قال: "وهل تنتج الإبل إلّا كذلك؟ " قال: "فلعلّك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفةٍ منها وتقول: هذه بحيرٌ، وتشقّ آذان طائفةٍ منها، وتقول: هذه حرمٌ؟ " قلت: نعم. قال: "فلا تفعل، إنّ كلّ ما آتاك اللّه لك حلٌّ"، ثمّ قال: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ} أمّا البحيرة: فهي الّتي يجدعون آذانها، فلا تنتفع امرأته ولا بناته ولا أحدٌ من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها، فإذا ماتت اشتركوا فيها. وأمّا السّائبة: فهي الّتي يسيّبون لآلهتهم، ويذهبون إلى آلهتهم فيسيّبونها، وأمّا الوصيلة: فالشّاة تلد ستّة أبطنٍ، فإذا ولدت السّابع جدعت وقطع قرنها، فيقولون: قد وصلت، فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوضٍ. هكذا يذكر تفسير ذلك مدرجًا في الحديث. وقد روي من وجهٍ آخر عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عوف بن مالكٍ، من قوله، وهو أشبه.
وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزّعراء عمرو بن عمرٍو، عن عمّه أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن أبيه، به. وليس فيه تفسير هذه والله أعلم.
وقوله: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون} أي: ما شرع اللّه هذه الأشياء ولا هي عنده قربةٌ، ولكنّ المشركين افتروا ذلك وجعلوه شرعًا لهم وقربةً يتقرّبون بها إليه. وليس ذلك بحاصلٍ لهم، بل هو وبالٌ عليهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/208-211]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة