الإسرائيليات في التفسير
  معنى الإسرائيليات
  المراد بالإسرائيليات أخبار بني إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، الذي قال الله فيه: {كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}. 
  
  أنواع ما بلغنا من أخبار بني إسرائيل:
  وما وصلنا من أخبار بني إسرائيل على مراتب وأنواع: 
  النوع الأول: ما قصّه الله في كتابه الكريم من أخبار بني إسرائيل كما قال الله  تعالى: {إنّ هذا القرآن يقصّ على بني إسرائيل أكثر الذين هم فيه يختلفون}. 
  وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث في أخبار بني إسرائيل. 
  وهذا النوع التصديق به واجب؛ لأنه من التصديق بكتاب الله تعالى، وبما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم. 
  
  والنوع الثاني:ما كان يحدّث به بعضُ أهل الكتاب في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ممن كان في المدينة ونجران وخيبر وغيرهم.
  فيحدّثون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أو   يحدّثون بعض أصحابه ببعض ما في كتبهم، وقد دخلها التحريف؛ فكان من حديثهم   ما هو حق لم يبلغه تحريفهم، ومنه ما غُيّر وبدّل، ولذلك كان ما يذكرونه على   ثلاثة أقسام:
  1: قسم  يخبرهم   النبي صلى الله عليه وسلم بتصديقهم فيه؛ كما في صحيح البخاري من حديث   إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:   جاء حَبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا   نجد: أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع،   والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك   النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول   الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون}).
  2: وقسم يكذّبهم   فيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في السنن الكبرى للنسائي من طريق ابن   جريج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله   عليه وسلم قيل له: إن اليهود تقول: إذا جاء الرجل امرأته مجباة جاء الولد   أحول، فقال: «كذبت يهود» فنزلت {نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم}).
  3: وقسم يقف فيه   فلا يصدّقهم ولا يكذبهم؛ كما روى عبد الرزاق وأحمد من  طريق ابن شهاب، عن   ابن أبي نملة، أن أبا نملة الأنصاري، أخبره أنه بينا هو جالس عند رسول الله   صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود، فقال: يا محمد، هل تتكلم هذه   الجنازة؟ 
  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله أعلم ". 
  قال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم.
  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا   حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه   ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم، وإن كان باطلا لم تصدقوهم)).
  
  وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في التحديث عنهم، ونهى عن تصديقهم وتكذيبهم.
  - في صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد من طريق حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار».
  - وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»
  - وفي صحيح البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير،   عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة   بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله   عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم} » الآية).
  
  والنوع الثالث:ما كان يحدّث به بعض الصحابة الذين قرؤوا كتب أهل الكتاب، ومنهم: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عمرو بن العاص. 
   1: عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي(ت: 43هـ).
  من بني قينقاع؛ من ذرية يوسف بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام. 
  وكان حبراً من أحبار اليهود، بل كان سيّدهم   وأعلمهم، وكان من أهل بيت ذوي علم، أسلم في مقدم رسول الله صلى الله عليه   وسلم إلى المدينة كما في صحيح البخاري من حديث معاوية بن مروان الفزاري عن   حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه، قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول   الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن   إلا نبي قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي   شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله  صلى  الله عليه وسلم «خبرني بهن آنفا جبريل» قال: فقال عبد الله ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "   أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول   طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الشبه في الولد: فإن الرجل إذا   غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها "   قال: أشهد أنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، إن   علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود ودخل عبد الله   البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أي رجل فيكم عبد الله بن سلام» قالوا أعلمنا، وابن أعلمنا، وأخيرنا، وابن أخيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفرأيتم إن أسلم عبد الله»   قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا   الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقالوا: شرنا، وابن شرنا، ووقعوا فيه). 
  قال جمهور المفسّرين: نزل فيه قول الله تعالى: {قُلْ   أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ   شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ  وَاسْتَكْبَرْتُمْ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  (10)} 
  وقال مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)}، قال: عبد الله بن سلام وغيره من علمائهم).
  وهو من المبشّرين بالجنّة، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: « ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي، إنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام» متفق عليه. 
  وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى».
  وهو الذي دلّ النبي صلى الله عليه وسلم على آية الرجم التي في التوراة لمّا كتمها اليهود، والخبر في الصحيحين. 
  - عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذا الموت قيل: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
  قال: «أجلسوني»
  ثم قال: «إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما   - يقولها ثلاث مرات- فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي   الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن   سلام الذي كان يهوديا، فأسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم   يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة» رواه الترمذي والنسائي في السنن الكبرى. 
  والمقصود أنّ عبد الله بن سلام كان عالماً بالتوراة؛ وربما بلغه بعض ما يقول كعب الأحبار فيخطّئه في بعض قوله ويصوّبه في بعضه. 
  لكن مروياته في كتب التفسير قليلة جداً.
  وروى عنه في التفسير: سعيد   بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن البصري، وعطاء بن يسار،  وعمرو  بن ميمون، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وبشر بن شغاف، وابنه يوسف بن  عبد  الله بن سلام، وحفيده محمد، وحفيده حمزة، وسيف السدوسي، وشهر بن حوشب.  
  
  من مروياته في التفسير: 
  أ: يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن سلام: {وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} قال: هي دمشق). رواه الثعلبي وابن عساكر. 
  ب: سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن سلام أن عزيرا هو العبد الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه). رواه ابن عساكر. 
  ج: أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن سلام أنه قال:   إنّ الله بدأ الخلق يوم الأحد، فخلق الأرَضِين في الأحد والاثنين، وخلق   الأقواتَ والرواسيَ في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس   والجمعة، وفرَغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم على عجل. فتلك   الساعة التي تقوم فيها الساعة). رواه الطبري. 
  أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي، ضعّفه جماعة من النقّاد، وقال الإمام أحمد: (حديثه عندي مضطرب، لا يقيم الإسناد، ولكن أكتب حديثه أعتبر بِه). 
  وقال: (يُكتب حديثه عن محمد بن كعب في التفسير). 
  د: عثمان بن الضحاك، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، قال: «نجد في التوراة أن عيسى ابن مريم يُدفن مع محمد صلى الله عليهما وسلم» رواه نعيم بن حماد في الفتن. 
  
  2: سلمان الفارسي الرامهرمزي (ت:36هـ)
  قال أبو عثمان النهدي: سمعت سلمان رضي الله عنه يقول: «أنا من رام هرمز» رواه البخاري في صحيحه.
  كان من علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمائهم، وقصة إسلامه من أعجب القصص، وملخّصها أنه نشأ  في قرية مجوسية، وكان أبوه كبير تلك  القرية وتاجرها؛ وكان أبوه يحبّه  محبّة شديدة ويحبسه من خوفه عليه، إلى أن  بعثه مرّة إلى حاجة فأبصر في  طريقه كنيسة فأعجبه صنيعة أهلها، ورأى أنهم  أهدى من المجوس، فلما علم أبوه  حبسه وقيّده؛ ثمّ إنه أطلق القيد عن نفسه،  وارتحل إلى العراق؛ يطلب  الحنيفية، حتى صحب بضعة عشر عالماً من علماء أهل  الكتاب؛ يمكث عند أحدهم  حتى إذا حضرته الوفاة سأله عن أعلم من يعرف؛ فيوصي  به. 
  وفي صحيح البخاري عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي، «أنه تداوله بضعة عشر، من رب إلى رب».
  حتى كان آخرهم الذي أرشده إلى المدينة، وأنه   قد أظلّه زمان نبيّ يبعث، فارتحل إليه مع جماعة من العرب فغدروا به ،   وأخذوا ماله ، وباعوه فاشتراه يهودي من أهل وادي القرى، وباعه ليهودي من   بني قريظة؛ ومكث في الرقّ إلى أن بلغه قدومُ النبي صلى الله عليه وسلم،  ورأى  خاتم النبوة بين كتفيه، وكانت علامة من جملة علامات وصفت له؛ فأكبّ  عليه  يقبّله ويبكي؛ فأسلم، ولكن حبسه الرقّ عن شهود بدر وأحد، ثم قال له  النبي  صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان؛ فكاتب على غرس ثلاثمائة نخلة  وأربعين  أوقية؛ فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى أدّى ما  عليه،  وعتق من الرقّ. 
  ثم شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الخندق وما بعدها من المشاهد، وهو الذي أشار بحفر الخندق. 
  آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي الدرداء؛ فنفعه الله به. 
  - عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى   النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان، وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا   الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو   الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل؟   قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل   ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من   آخر الليل قال: سلمان قم الآن، فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا،   ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله   عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان» رواه البخاري.
  كان عالماً حكيماً زاهداً متقللاً من الدنيا، يأكل من كسب يده، ويتصدّق، ولا يتكلّف. 
  
  روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً   طيباً مباركاً، وتولّى إمرة المدائن في فارس في عهد عمر، وتوفي سنة 36هـ،   في أوّل خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 
  روى عنه في التفسير: سعيد بن المسيّب، وأبو عثمان النهدي، وكعب بن سوار الأزدي، وعباد بن عبد الله الأسدي، وأبو قرّة الكندي.
  وما يروى عنه في التفسير على ثلاثة أضرب: 
  - منه ما يُسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا من المرفوع؛ إذا صحّ الإسناد إليه فهو حجّة. 
  - ومنه ما هو من قوله في التفسير، وهذا إذا كان له وجه في الاجتهاد فهو من قبيل تفسير الصحابي، وإذا كان مما يعرف من حال النزول فله حكم الرفع. 
  - ومنه ما يسنده إلى أهل الكتاب، أو ما يعرف من المتن أنه مما أخذ من أهل الكتاب؛ فهذا له حكم الإسرائيليات. 
  
  ومن مروياته في التفسير: 
  أ: عاصم بن سليمان , عن أبي عثمان النهدي , عن سلمان في قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أن   سلمان , قال: إنا نجد في التوراة أن الله خلق السموات والأرض , ثم خلق أو   جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق , ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة ,   وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة " قال: «فبها يتراحمون  ,  وبها يتعاطفون , وبها يتباذلون , وبها يتزاورون , وبها تحن الناقة ,  وبها  تنئج البقرة , وبها تثغو الشاة , وبها تتابع الطير وبها تتابع  الحيتان في  البحر , وإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ,  ورحمته أفضل  وأوسع» رواه عبد الرزاق وابن جرير. 
  وفي صحيح مسلم أن سلمان حدّث بهذا عن النبي   صلى الله عليه وسلم، وقد صح الحديث في هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله   عليه وسلم؛ فهو من الإسرائيليات التي ورد تصديقها في السنّة. 
  ب: عاصم عن أبي عثمان، عن سلمان قال:   لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض، رأى عبدًا على فاحشة، فدعا عليه،   فهلك. ثم رأى آخر على فاحشة، فدعا عليه فهلك. ثم رأى آخر على فاحشة، فدعا   عليه فهلك. فقال: أنزلوا عبدِي لا يُهْلِك عبادِي!). رواه ابن أبي شيبة وابن جرير. 
  ج: قال سليمان التيمي: حدثنا أبو عثمان، عن سلمان الفارسي، قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة). رواه عبد الرزاق وابن جرير. 
  
  3: عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي (ت:65 هـ)
  تقدّمت ترجمته، وكان رحمه الله فيما اشتهر عنه   قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وتعلّم السريانية؛ فكان يقرأ في تلك   الكتب ويحدّث منها، لما عرفه من الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في   التحديث عن بني إسرائيل، ولم يكن مكثراً من ذلك؛ فالمرويات الإسرائيلية   الصريحة أو التي يمكن أن يحكم بأنه من الإسرائيليات فيما يُروى عنه قليلة   ليست كثيرة، وبعضها لا يصحّ إسنادها إليه. 
  - سفيان بن عيينة، عن داود بن أبي هند، عن   عامر الشعبي، قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، بمكة فقلت: حدثني ما   سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحدثني عن السفطين فقال لي: سمعت   رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ولفظ بعضهم: «من هجر السيئات» رواه أبو يعلى الخليلي في الإرشاد وقال: (قال علي بن المديني: أراد بالسفطين كتبا أصابها يوم اليرموك).
  - وقال همام بن يحيى: حدثنا قتادة عن الحسن عن شريك بن خليفة قال: (رأيت عبد الله بن عمرو يقرأ بالسريانية).رواه ابن سعد.
  مما روي عنه من الإسرائيليات: 
  أ: هلال بن علي   العامري عن عطاء بن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله   عنهما، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ 
  قال: " أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}،   وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا   سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه   الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها   أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا). رواه البخاري في صحيحه، والإمام   أحمد في مسنده، وغيرهما.  
ب: عبد   الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن  عقبة بن أوس، عن عبد الله  بن  عمرو قال: وجدت في بعض الكتب يوم غزونا  اليرموك: "أبو بكر الصديق  أصبتم  اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه،  عثمان ذو النورين أوتي  كفلين  من الرحمة لأنه يُقتل، أصبتم اسمه"
  قال: "ثم يكون والي الأرض المقدسة وابنه"
  قال عقبة: قلت لابن العاص: سمهما كما سميت هؤلاء، قال: معاوية وابنه). رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة ونعيم بن  حماد في الفتن. 
  ج:   إسماعيل بن عياش، حدثني عمرو بن قيس  السكوني، قال: سمعت عبد الله بن  عمرو  بن العاص، يقول: من أشراط الساعة أن  يظهر القول ويخزن الفعل، ومن  أشراط  الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار،  وإن من أشراط الساعة أن  يقرأ  المثناة على رءوس الملأ لا يغير.
  قيل: يا أبا عبد الرحمن، كيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 
  قال: (ما جاءكم عمَّن تأمنونه على نفسه ودينه فخذوا به، وعليكم بالقرآن فإنه عنه تسألون، وبه تجزون، وكفى به واعظا لمن عقل).
  وقيل: يا أبا عبد الرحمن، فما المثناة؟ 
  قال: (ما استكتب من غير كتاب الله عز وجل).
  قال أبو عبيد: سألت رجلا من أهل العلم بالكتب    الأولى قد عرفها وقرأها عن المثناة، فقال: " إن الأحبار والرهبان من بني    إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا بينهم من غير  كتاب   الله عز وجل، فسموه المثناة كأنهم يعني أنهم أدخلوا فيه ما شاءوا،  وحرفوا   فيه ما شاءوا على خلاف كتاب الله تبارك تعالى ". 
  قال أبو عبيد: " فبهذا    عرفت تأويل حديث عبد الله بن عمرو أنه إنما كره الأخذ عن أهل الكتاب لذلك    المعنى، وقد كان عنده كتب وقعت يوم اليرموك فأظنه قال هذا لمعرفته بما  فيها   " رواه البيهقي في شعب الإيمان. 
     
  والنوع الرابع من الإسرائيليات:  ما  كان يُروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم يقرؤوا  كتب  أهل الكتاب، لكن لهم رواية عمّن قرأها؛ ككعب الأحبار، وغيره. 
  ومنهم: أبو هريرة، وابن عباس، وأبو موسى الأشعري. 
  وهذا النوع ينظر فيه من ثلاث جهات: 
الأولى:   تصريحهم  بالرواية عمّن يحدّث عن أهل الكتاب وعدمه؛ فما صرّحوا فيه   بالتحديث عمن  يحدّث عن أهل الكتاب؛ فهذا أمره بيّن أنّه ليس مما تلقوه عن   رسول الله صلى  الله عليه وسلم، فيكون حكمه حكم الإسرائيليات المعروف. 
والجهة الثانية: نكارة المتن وعدمها؛ فإذا كان المتن غير منكر؛ فقد جرت عادة المفسّرين على التساهل في الرواية، سواء أصرحوا أم لم يصرّحوا.
والجهة الثالثة: صحّة الإسناد إليهم، وقد جرى عمل كثير من المفسّرين على التساهل في الرواية بالأسانيد التي فيها ضعف محتمل للتصحيح ما لم يكن في المتن نكارة؛ فأما إذا كان المتن منكراً فإنّ من محققي المفسّرين من ينبّه لذلك.
  وأهل الحديث ينبّهون على الضعف الشديد في الإسناد وإن لم يكن المتن منكراً؛ ومن المفسّرين من يتساهل في ذلك. 
  
ولدراسة الإسرائيليات المروية عن الصحابة يُنظر أول ما ينظر في نكارة المتن؛ فإن كان المتن منكراً، نظر في الإسناد فإن كان الإسناد ضعيفاً حكم ببطلان نسبته إلى الصحابي الذي روي عنه، وإن كان الإسناد ظاهرُه الصحّة؛ وصرّحوا فيه بالأخذ عمن يروي الإسرائيليات فيكون له حكم الإسرائيليات وتردّ النكارة التي في الخبر؛ وقد يحكم بصحّة أصل القصّة دون زياداتها المنكرة، ويكون هذا هو الباعث على روايتهم للخبر. 
وأما إذا كان الخبر منكراً ولم يصرّحوا فيه بالرواية عمّن عرف برواية الإسرائيليات، وكان الإسناد إليهم ظاهره الصحّة فلا بد من جمع الطرق للتعرّف على العلّة، فقد يعثر على أنّ هذا الخبر أو بعضه قد روى من طريق صرّح فيها بالأخذ عمن يروي الإسرائيليات، وهذا بحثه في علل التفسير، وله أمثلة عدة يحسن بطالب العلم أن يجتهد في التدرّب على طريقة بحثها حتى يعرف طريقة المحققين من أهل العلم في اكتشاف علّة الرواية الباطلة المروية بإسناد ظاهره الصحة، وطرق بيان تلك العلّة.
مثال: هل كان إبليس من الملائكة؟ 
وإن كان المتن غير   منكر في أصله لكن فيه زيادات منكرة ؛ فتنكر تلك الزيادات، ويتوقّف في أصل   القصة فقد تكون صحيحة من غير تلك الزيادات المنكرة. 
  وغالب ما يصح إسناده إلى الصحابة رضي الله عنهم من تلك الإسرائيليات، لا تكون فيه نكارة.
وأما إذا كان المتن غير منكر فقد جرى كثير من المفسّرين على ذكرها، ولو كان في الإسناد ضعف. 
   
  والنوع الخامس: ما رواه بعض التابعين ممن قرأ كتب أهل الكتاب 
وله كتاب "المبتدأ" ذكر فيه بدء الخلق، وبعض أخبار الأولين، من الأنبياء والصالحين والأمم السابقة، وشحنه بالإسرائيليات، وتداوله القصاص وكان من هؤلاء القصاص ضعفاء ومخلطون ومنه من يروي ما فيه بالمعنى فيغيّر ويزيد، فلذلك كان ما يروى عن وهب بن منبّه من الإسرائيليات كثيراً جداً، وأكثر ما يروى عنه لا يصحّ إسناده إليه بسبب ضعف أكثر الرواة عنه، وأما وهب نفسه فهو ثقة صدوق احتجّ به البخاري ومسلم فيما يرويه عن الثقات. 
وما يصحّ إسناده إليه في كتب التفسير المسندة قليل جداً في جنب ما نُسب إليه، وقد ابتلي وهب بابن بنته عبد المنعم بن إدريس بن سنان اليماني، روى عنه جماعة مرويات كثيرة عن أبيه عن وهب بن منبّه مكذوبة عليه. 
قال أحمد بن حنبل: (عبد المنعم بن إدريس يكذب على وهب بن منبه). 
وكان الإمام أحمد يحذّر من الرواية عن عبد المنعم هذا ويأمر بهجر من يروي عنه. 
   عُمّر وهب بن منبّه حتى أدرك زمان هشام بن عبد الملك بن مروان، وحُبس في آخر حياته وامتحن، وقيل: إنه ضُرب، ومات من أثر الضرب. 
  توفي سنة 110هـ على أرجح الأقوال. 
  
  وعامّة ما يُروى عنه في التفسير من الإسرائيليات: 
  قال حماد بن سلمة: أخبرنا أبو سنان، عن وهب بن منبه، قال في قول الله: (فإذا هم بالساهرة) قال: الساهرة: جبل إلى جنب بيت المقدس). رواه ابن جرير. 
  
  روى عنه في التفسير خلق كثير:   منهم: محمد بن إسحاق بن يسار، وأبو سنان عيسى بن سنان القسملي، وعبد  الصمد  بن معقل، والمنذر بن النعمان الأفطس، وعمرو بن دينار، وسعيد بن عبد   العزيز، وابن أبي نجيح، وهارون بن عنترة، وربيعة بن أبي عبد الرحمن،   وغيرهم. 
قال   الألباني: (وهو بالنظر لكونه كان قبل إسلامه حبرا من أحبار اليهود فهو   كثير الرواية للإسرائيليات لكن قسم كبير منها لا يصح السند به إليه).
ومن أكثر ما أشاع الروايات الضعيفة والواهية عن وهب بن منبّه ابن بنته عبد المنعم بن إدريس اليماني، وهو متّهم بالكذب، ويروي عنه أيضاً محمّد بن إسحاق مرويات كثيرة بواسطة لا يسمّيها، وأحيانا يعنعن وهو موصوف بالتدليس. 
  والنوع السادس: ما كان يحدّث به بعض ثقات التابعين عمَّن قرأ كتب أهل الكتاب. 
  ومن هؤلاء الثقات: سعيد بن المسيّب، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وطاووس بن كيسان، ومحمد بن كعب القرظي، وقتادة، وغيرهم. 
  فهؤلاء لهم روايات لأخبار بني إسرائيل عن أمثال كعب ونوف وتبيع. 
  ومنه ما يصرّحون فيه بالتحديث عنهم، ومنه ما لا يصرّحون فيه بالتحديث. 
  ومنه ما يصحّ إسناده إليهم، ومنه ما لا يصح. 
  ومنه ما ليس فيه نكارة، ومنه ما فيه نكارة. 
  وقد تقدّم الكلام في القاعدة الضابطة لبحث   مسائل الإسرائيليات المروية عن الصحابة؛ وما هاهنا نظيرها إلا أنّ قول   التابعي ليس كقول الصحابي. 
  
  والنوع السابع: ما   يرويه بعض من لا يتثبّت في التلقّي؛ فيكتب عن الثقة والضعيف، ويخلط الغثّ   والسمين، وهؤلاء من أكثر من أشاع الإسرائيليات في كتب التفسير: 
  ومن هؤلاء: السدّي الكبير إسماعيل بن أبي كريمة، والضحاك بن مزاحم، وعطاء الخراساني، ومحمد بن إسحاق بن يسار. 
  وهؤلاء لا يتعمّدون الكذب، وهم أهل صدق في   أنفسهم، ولهم صلاح وعناية بالعلم، لكنّهم وقعوا في آفة عدم التثبّت، وخلط   الصحيح بالضعيف، وأخذ على بعضهم التدليس. 
  وأمثلهم محمد بن إسحاق إذا صرّح بالتحديث، وهو مع ذلك يروي كثيراً من الإسرائيليات. 
  
  والنوع الثامن: ما يرويه بعض شديدي الضعف والمتّهمين بالكذب ممن لهم تفاسير قديمة في القرن الثاني الهجري. 
  ومن هؤلاء : محمد بن السائب الكلبي، ومقاتل بن سليمان البلخي، وموسى بن عبد الرحمن الثقفي، وأبو الجارود زياد بن المنذر. 
  
  النوع التاسع: ما يرويه أصحاب كتب التفسير المشتهرة من تلك الإسرائيليات بأسانيدهم إلى من تقدّم؛ كما يروي عبد الرزاق وابن جرير الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد
وهؤلاء وإن كانوا لم يشترطوا الصحة في تفاسيرهم إلا أنّ الروايات الإسرائيلية المنكرة في تفاسيرهم أقلّ بكثير مما في تفاسير من بعدهم. 
النوع العاشر: ما يذكره بعض المتأخرين من  المفسّرين في تفاسيرهم من الإسرائيليات؛ كالثعلبي والماوردي والواحدي، وهذه  التفاسير فيما تتفرّد به مظنة الإسرائيليات المنكرة لتساهل أصحابها في  الرواية عن الكذابين والمتّهمين بالكذب وحذف الأسانيد اختصاراً.
وينقل عن هذه التفاسير كثيراً ابن الجوزي والرازي والقرطبي والخازن وغيرهم. 
  
والمقصود بهذا التقسيم والتنويع التنبيه إلى  أن الإسرائيليات على مراتب متفاوتة، والتعريف بطريقة دخول الإسرائيليات في كتب التفسير.
  
تدوين الإسرائيليات:
  ينبغي التنبّه في شأن الإسرائيليات المدونة في كتب التفسير إلى أمور: 
الأمر الأول: أن أكثر من تروى عنهم الإسرائيليات  من طبقة التابعين كانوا ثقات في أنفسهم ككعب الأحبار ووهب بن منبّه، لكن  ما ينقلونه من  الأخبار يدخله الخطأ من جهات؛ منها أن ينقلوا ما هو محرّف،  ومنها أن يخطئوا  في الفهم فينقلون بالمعنى ما أخطؤوا في فهمه أو ترجمته من  غير تعمّد، ومنه  ما يكون الخطأ فيه من قبل بعض الرواة عنهم؛ فينقل عنهم  ما لا يصحّ إسناده  إليهم، وربما حذفت الواسطة، وربما كتب الخبر الإسرائيلي  هكذا من غير أن  يبيّن مصدره؛ كما يكون في بعض التفاسير المروية عن ابن  عباس وسعيد بن  المسيب ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة. 
الأمر الثاني: أنَّ تداول القُصَّاص لتلك   الإسرائيليات كان من أسباب شهرتها ورواجها، والاختلاف في روايتها، وربما   رووا أشياء بالمعنى، وأخطؤوا فيها، وربّما كان في بعض القصّاص ضعفاء في   الضبط فيخلّطون في رواياتهم؛ فتكثر النكارة في تلك المرويات بما لا يصحّ عن   كعب ووهب وأضرابهما. 
الأمر الثالث: أنّ النكارة في رواية   الإسرائيليات في القرن الأول كانت أقلّ بكثير من النكارة فيمن أتى بعدهم؛   لأنّ بعض من تُروى عنهم الإسرائيليات قد ابتلوا برواة كذابين؛ في القرن   الثاني والثالث؛ فزادت النكارة وعظمت، ومنهم من يغيّر الإسناد فيجعله عن   بعض الصحابة؛ كما كان الكلبي يروي بعض تلك الإسرائيليات عن أبي صالح عن ابن   عباس، وهي كذب على ابن عباس، ومنهم من يروي الإسرائيليات المنكرة ولا   يسندها كمقاتل بن سليمان البلخي(ت: 150هـ). 
الأمر الرابع: أنّ بعض الكذابين والمتروكين قد  عرفوا برواية الإسرائيليات المنكرة، وقد تجنّب المفسّرون الكبار الرواية من  طريقهم: كالسدّي الصغير واسمه محمد بن مروان، وعبد المنعم بن إدريس  اليماني، وموسى بن عبد الرحمن الثقفي، وأبو الجارود زياد بن المنذر،  وأضرابهم. 
فهؤلاء تجنّب المفسّرون الكبار كعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم  الرواية من طريقهم، لكن يروي عنهم أمثال ابن شاهين والثعلبي والماوردي،  فأما ابن شاهين فيسند الرواية عنهم، وأما الثعلبي فذكر الإسناد في المقدمة  ثم حذفه في وسط كتابه حتى لا يطول الكتاب بتكرار الأسانيد، وأما الماوردي  فإنّه حذف الأسانيد كلها. 
 
طبقات رواة الإسرائيليات: 
مما تقدّم يتبيّن لنا أنّ رواة الإسرائيليات على طبقات متفاوتة: 
الطبقة الأولى: طبقة  الثقات الذين يروون عن الثقات بإسناد صحيح إلى من عرف بالقراءة من كتب أهل  الكتاب من الصحابة والتابعين؛ وهؤلاء مقلّون من رواية الإسرائيليات،  ويروون الإسرائيليات كما يروون سائر مسائل التفسير. 
ومن هؤلاء: أبو بشر  جعفر بن إياس اليشكري، وابن أبي نجيح المكي، والأعمش، وأبو رجاء العطاردي،  ويزيد بن أبي سعيد النحوي، والربيع بن أنس البكري، ومعمر بن راشد الأزدي،  والحسين بن واقد المروزي، وبكير بن معروف الدامغاني، وشيبان النحوي، وورقاء  بن عمر ، ويزيد بن زريع العيشي، وهشيم بن بشير الواسطي، وغيرهم من النقلة  الأثبات في رواية التفسير. 
الطبقة الثانية: طبقة  الرواة غير المتثبّتين، وهؤلاء وإن كانوا في أنفسهم من أهل الصدق والصلاح،  ومعروفون بالاشتغال بالتفسير والعناية به؛ إلا أنه أخذ عليهم الرواية عن  الضعفاء والمجاهيل دون تمييز، وخلط مرويات بعضهم ببعض، وخلط مرويات الثقات  بمرويات الضعفاء، وأخذ على بعضهم التدليس. 
ومن هؤلاء: الضحاك بن  مزاحم الهلالي، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، وعطاء بن أبي  مسلم الخراساني، وعطية بن سعيد العوفي، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وأبو معشر  المدني. 
1: الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي (ت: 105هـ)
عاش في القرن الأوّل،  وكان يمكنه أن يروي عن جماعة من الصحابة، لكن لم يثبت له سماع عن أحد منهم،  وما يرويه عن ابن عباس وعن غيره من الصحابة منقطع. 
قال الذهبي: (ورد أنه كان فقيه مكتب فيه ثلاثة آلاف صبي، وكان يركب حمارا ويدور عليهم، وله يد طولى في التفسير والقصص).
وقال سفيان الثوري: (كان الضحاك يعلّم ولا يأخذ أجرا).
وكان معروفاً بالتفسير والقصص، موصوفاً بالخشوع والورع، وإنكار المحدثات والبدع، وكان هجّيراه "لا حول ولا قوّة إلا بالله". 
قال سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة: (سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك). رواه ابن عدي.
وهو في نفسه صدوق، وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو زرعة، وضعّفه يحيى بن سعيد القطّان، وكان شعبة يتوقّى حديثه. 
له أقوال حسنة في التفسير، وله مرويات يرويها عن ابن عباس وابن مسعود والنزال بن سبرة وغيرهم. 
وكان يرسل كثيراً عن  ابن عباس وغيره من الصحابة في التفسير ، وهو لم يسمع منهم، وإنما يأخذه عن  أناس عنهم ؛ ويكون ممن يأخذ عنهم الثقة والضعيف، فلا يميّز؛ ولا يذكر  الواسطة حتى يُعرف، وقد يكون في بعض المرويات علل لا يتنبّه لها. 
ولذلك كان ما يرويه عن  ابن عباس وغيره من الصحابة منقطعاً لا يحكم بصحته، لكن يَستفيد منه في  التفسير مَن يعرف الصواب من الخطأ، ويعرف علل المرويات، وأما أقواله في  التفسير فتروى كما تروى سائر أقوال المفسّرين. 
2: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكوفي(ت:127هـ)
تقدّمت ترجمته، وأنّه كان رجلاً صالحاً في نفسه، وكان قاصّاً يعظ ويفسّر القرآن، في سدّة الجامع بالكوفة؛ فنسب إلى تلك السُّدَّة. 
وقد جمع تفسيراً كبيراً  من طريق أبي مالك الغفاري عن ابن عباس، ومن طريق أبي صالح مولى أمّ هانئ  عن ابن عباس، ومن طريق مرة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود، ومما رواه هو  عن أناس من الصحابة لم يسمّهم، ولا ندرى هل روايته عنهم متصلة أو مرسلة. 
وكتب من هذه الطرق  تفسيره الكبير ووضع الإسناد في أوّله؛ فكان مَن يروي عنه هذا التفسير يختصر  حكاية تلك الطرق فيقول: (عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس  - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه  وسلم).
وما في ضمن هذا التفسير لم يميّز فيه ما رواه عن كل طريق من هذه الطرق.
فكان ابن جرير يروي  تفسير السدي مفرّقا على الآيات ويكرر الإسناد في كلّ موضع، كما قال في  تفسير قول الله تعالى: {مالك يوم الدين}: (حدثني موسى بن هارون الهمداني،  قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد، قال: حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن  إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس -  وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه  وسلم: {ملك يوم الدين} ، هو يوم الحساب). 
فمن يقرأ هذا الكلام،  وهو لا يعرف تفسير السدّي قد يتوهّم أنّ السدّي يروي تفسير هذه الآية عن  كلّ أؤلئك؛ فربما نسب بعضهم هذا القول إلى ابن عباس، وربما نسبه بعضهم إلى  ابن مسعود، وربما نسبه بعضهم إلى جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه  وسلم، وليس الأمر كذلك، فقد يكون إنما روى هذا التفسير عن طريق واحد من تلك  الطرق، وقد يكون طريقاً ضعيفاً، لأنه لم يميّز الطرق التي يروي بها في كلّ  موضع. 
وفي تفسير السدّي إسرائيليات كثيرة. 
3: أبو عثمان عطاء بن أبي مسلم البلخي الخراساني(ت:135هـ) 
وهو عطاء بن عبد الله،  كان رجلاً صالحاً؛ معروفاً بكثرة العبادة، ونشر العلم والتذكير؛ شارك في  الجهاد في الثغور، وكان ربما أحيا أكثر الليل، وذكّر ووعظ بعد صلاة الصبح.
وكان فيما يذكر عنه إذا لم يجد أحداً يحدّثه يذهب إلى المساكين فيجالسهم، ويحدّثهم. 
وكان يقول: ما من عمل أرجى عندي في نفسي من نشر العلم. 
توفّي بأريحا سنة 135هـ. 
وهو رجل صالح في نفسه، لكن تُكُلّم فيه من جهة كثرة أخطائه وإرساله، وضعف ضبطه.
قال ابن حبان: (كان رديء الحفظ يخطىء ولا يعلم؛ فبطل الاحتجاج به).
وأكثر من يروي عنه في التفسير: ابن جريج وابنه عثمان بن عطاء. 
فأما رواية ابن جريج فهي منقطة؛ لم يسمع منه التفسير، وأما عثمان بن عطاء فضعيف. 
ويروي عنه من الثقات: معمر بن راشد، ويونس بن يزيد الأيلي وغيرهما. 
وله روايات في كتب التفسير المسندة كتفسير ابن وهب وتفسير عبد الرزاق وتفسير ابن المنذر وتفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرها. 
والإسرائيليات المروية عنه ليست كثيرة. 
4: محمد بن إسحاق بن يسار مولى بني مخزوم (ت:151هـ).
ولد ابن إسحاق سنة ثمانين، ورأى أنس بن مالكٍ بالمدينة، وسعيد بن المسيب.
وكان كثير الكتابة  والرواية، وهو صاحب كتاب " المبتدأ والمبعث والمغازي" المشتهر بالسيرة  النبوية لابن إسحاق؛ طبع بعضه ، وطبع تهذيبه لابن هشام. 
وطبع له أيضا كتاب "حرب البسوس". 
وكان علامة نسابة أخبارياً عالماً بالسيرة؛ وله كتب وصحف كثيرة، وكان موصوفاً بالحفظ. 
قال هارون بن معروفٍ:  سمعت أبا معاوية يقول: كان ابن إسحاق أحفظ الناس، وكان إذا كان عند الرجل  خمسة أحاديث أو أكثر جاء واستودعها ابن إسحاق يقول: (احفظها عني فإن نسيتها  كنت قد حفظتها علي).
وهو في نفسه صدوق غير  متّهم، لكن أُخذ عليه أنه يكتب عن كل أحد، وربّما دلّس بعض مروياته، وليس  هو بالمتثبّت المجوّد، بل يروي الغثّ والسمين. 
وكان ممن أشاع الإسرائيليات، والأشعار المنحولة، بسبب عدم تثبّته في الرواية، وحمله عن الضعفاء والمجاهيل. 
قال ابن أبي فديكٍ: رأيت محمد بن إسحاق يكتب عن رجلٍ من أهل الكتاب.
وقد روي عنه في كتب التفسير المسندة ما لا يكاد يحصى كثرة من المرويات، وعامّتها إنما يكون فيها ناقلاً عن غيره. 
وله  صحيفة عن وهب بن منبّه يروي عنه بعض ما فيها بلا واسطة، وفي بعضها يقول:  حدثني من لا أتهم عن وهب بن منبه، وهذه الصحيفة تضمنت آثاراً كثيرة عن وهب  بن منبّه، وقد روى منها ابن جرير في تفسيره فأكثر.
قال ابن جرير: (حدثنا  ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: فحدثني من لا  أتهم عن وهب بن منبه اليماني، وكان له علم بالأحاديث الأول، أنه كان يقول:  ذو القرنين رجل من الروم، ابن عجوز من عجائزهم، ليس لها ولد غيره، وكان  اسمه الإسكندر).
وقد  اختُلف في حكم روايته، والراجح فيها أن ما صرح  فيه بالتحديث عن ثقة؛ فلا  يقلّ عن رتبة الحسن إن شاء الله، ما لم تكن له علة أخرى، ولذلك فإن ما يرويه محمّد بن إسحاق عن وهب بن منبّه بالعنعنة أو بإبهام الواسطة فهو ضعيف لا تصح نسبته إلى وهب.
والطبقة الثالثة: طبقة  ضعفاء النقلة الذين ضعّفهم الأئمّة النقّاد في رواياتهم من غير أن  يُتّهموا بالكذب؛ لكن يكون ضعفهم راجع لضعف ضبطهم، وقلة تمييزهم للمرويات. 
والفرق بين أصحاب هذه الطبقة والتي قبلها أن أصحاب الطبقة الثانية إذا صرّحوا بالتحديث عن ثقة فإنّ حديثهم مقبول في الجملة. 
وأما أصحاب هذه الطبقة فإنهم لو صرّحوا بالتحديث فلا تقبل روايتهم لشدّة ضعفهم.
ومن أصحاب هذه الطبقة: يزيد بن أبان الرقاشي، وعلي بن زيد ابن جدعان، وموسى بن عبيدة الربذي، وجويبر بن سعيد الأزدي.
والطبقة الرابعة: طبقة الكذابين والمتّهمين بالكذب، وهؤلاء لا تعتبر رواياتهم للإسرائيليات ولا لغيرها. 
ومن هؤلاء: محمد بن  السائب الكلبي، ومقاتل بن سليمان البلخي، وأبو بكر سُلمى بن عبد الله  الهذلي، وأبو هارون عمارة بن جوين العبدي، وعثمان بن مطر الشيباني،  وإسماعيل بن يحيى التيمي، ومحمد بن مروان المعروف بالسدي الصغير، وأبو  الجارود زياد بن المنذر الهمداني، وموسى بن عبد الرحمن الثقفي، وعبد المنعم  بن إدريس اليماني.
  
1: محمد بن السائب الكلبي (ت: 146هـ)
كان من مشاهير رواة الإسرائيليات، وكان يسند كثيراً من رواياته عن أبي صالح  عن ابن عباس؛ فراجت رواياته واشتهرت، وهو متّهم بالكذب، متروك الحديث، وله  عناية بالتفسير، ولتفسيره روايات كثيرة؛ اشتهرت منها رواية محمد بن مروان  السدّي الصغير، وهو أكذب منه، وهي من الروايات التي ينقل منها الثعلبي في  تفسيره، وقد أخرجها الفيروزآبادي في كتاب سمّاه "تنوير المقباس من تفسير  ابن عباس" وهي كذب على ابن عباس. 
  ومن طريق الثعلبي اشتهرت بعض الأقوال الباطلة عن الكلبي وابن عباس؛ لكثرة من اختصر تفسيره ونقل منه. 
  قال معتمر بن سليمان: كان الكلبي كذابا.  وقال أبو حاتم الرازي: أجمعوا على ترك حديثه.
  وقال عبد الرحمن بن مهدي يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: قال الكلبي: كل شيء أحدّث عن أبي صالح فهو كذب). رواه ابن عدي.
  واشتهر تحذير العلماء منه، وتبيّن لهم أنّ ما حدّث به عن أبي صالح عن ابن  عباس فهو لا قيمة له من حيث الإسناد، لكن منه ما حُمل على أنه من تفسير  الكلبي نفسه، وكان في تفسيره صواب وخطأ. 
  قال يعلى بن عبيد: قال سفيان الثوري: اتقوا الكلبي؛ فقيل له: إنك تروي عنه.
  قال: أنا أَعْرَفُ بصدقه من كذبه). رواه ابن عدي.
  ثمّ إنّ الكلبي على ضعفه وكذبه بُلي برواة ضعفاء، ومنهم من يزيد في  تفسيره، منهم: السدي الصغير، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، ومحمد بن فضيل،  وحيّان بن عليّ العبدي، وغيرها. 
  قال جرير بن حازم: (كنا نسمع تفسير الكلبي خمسمائة آية ثم كثر بعد). رواه ابن حبّان. 
  وذكر الثعلبي في مقدّمة تفسيره طريقاً يروي به تفسير الكلبي في إسناده  رجل يقال له صالح بن محمد النهدي، قال الثعلبي: (زاد فيه صالح أربعة آلاف  حديث!!).
  والمقصود أن روايات المتهمين بالكذب للإسرائيليات لا ينبغي أن تعطى حكم  الإسرائيليات التي رواها الثقات بأسانيدهم الصحيحة إلى من قرأ كتب أهل  الكتاب. 
  2: مقاتل بن سليمان البلخي (ت:150هـ)
مقاتل بن سليمان مفسّر مشهور، لكنه متَّهم بالكذب عند أهل الحديث حتى عدّه  النسائي من كبار الوضَّاعين، وقد نُسبت إليه بدعة التشبيه، والله أعلم  بحقيقة نسبتها إليه، لكنه في جانب الرواية وما يتفرّد به ضعيف جداً، وله  أقوال في التفسير حسنة، وقد جمع نسخاً من التفسير وأدخل بعضها في بعض،  وفسّر بها.
  قال إبراهيم الحربي: (إنما جمع مقاتل بن سليمان تفسير القرآن وفسر عليه  من غير سماع ولو أن رجلا جمع تفسير معمر عن قتادة وشيبان عن قتادة كان يحسن  أن يفسر عليه). رواه ابن عساكر.
وقد تضمّن تفسير مقاتل جملة من الإسرائيليات المنكرة. 
وقد تجنّب عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وطبقتهم الرواية عنه، لكن  نقل منه الثعلبي جملة من أقواله ومروياته وفيها مناكير، ثم تبعه على ذلك  الواحدي، ونقل منه الماوردي بدون إسناد، وتبعه ابن الجوزي في زاد المسير،  ثم القرطبي في تفسيره، ثمّ شاعت بعض أقوال مقاتل في التفاسير التي أتت بعد  ذلك.
ولتفسير مقاتل بن سليمان روايات كثيرة مفقودة، لترك أهل الحديث لها،  وتفسيره المطبوع كتبه عبد الله بن ثابت بن يعقوب التَّوَّزي روايةً عن أبيه  عن الهذيل بن حبيب الدنداني عن مقاتل؛ ثم اشتهر هذا التفسير برواية عبد  الخالق بن الحسن المعدَّل ابن أبي روبا (ت:356هـ) وفيه أشياء يرويها  بإسناده إلى غير مقاتل، فمن الخطأ نسبة ذلك لمقاتل. 
 3: أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني (ت: بعد 150هـ)
  له تفسير معروف، روى له ابن جرير وابن أبي حاتم شيئاً يسيراً مما يرويه  عن زيد بن علي من أقواله في التفسير لا من الإسرائيليات، وذكر الدارقطني أن  ابن شاهين (ت:385هـ) فرّق تفسير أبي الجارود في تفسيره على الآيات. 
  يروي عن زيد بن علي ، وعن غيره، وكان له أتباع يُسمّون الجارودية نسبة إليه، وهم من فرق الزيدية. 
  قال يحيى بن معين: (كذاب عدو الله، ليس يسوى فلسا).
  وقال أحمد بن حنبل: (متروك الحديث). 
  وقال ابن حبان: (كان رافضيا، يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى  الله عليه وسلم ويروي في فضائل أهل البيت أشياء ما لها أصول، لا يحل كتب  حديثه).
روى له الثعلبي بعض موضوعاته ولم يكثر من الرواية عنه. 
4: موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني (ت: نحو 190هـ).
قال ابن عديّ: (يُعرف بأبي محمّد المفسّر). 
قال فيه ابن حبان: (شيخ دجال يضع الحديث، روى عنه عبد   الغني بن سعيد الثقفي، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في   التفسير؛ جمعه من كلام الكلبي ومقاتل بن سليمان وألزقه بابن جريج عن عطاء   عن ابن عباس، ولم يحدث به ابنُ عباس، ولا عطاء سمعه، ولا ابن جريج سمع من   عطاء، وإنما سمع ابن جريج من عطاء الخراساني عن ابن عباس في التفسير أحرفا   شبيها بجزء، وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس شيئا، ولا رواه، لا تحل   الرواية عن هذا الشيخ، ولا النظر في كتابه إلا على سبيل الاعتبار).
 5: عبد المنعم بن إدريس بن سنان اليماني (ت:228هـ) 
وهو ابن بنت وهب بن منبّه، يروي عنه كثيراً، ويضع عليه.
قال أحمد بن حنبل: (عبد المنعم بن إدريس يكذب على وهب بن منبه).
وقال البخاري: ذاهب الحديث. 
وقال ابن احبان: ( يروي عن أبيه عن وهب، روى عنه العراقيون، يضع الحديث على أبيه وعلى غيره من الثقات، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه).
وقال الذهبي: (مشهورٌ قَصَّاص، ليس يعتمد عليه، تركه غير واحد).
وكان العلماء يحذّرون من الرواية عن هؤلاء الكذابين كما روى عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه أنه قال في رجل من أهل الحديث: (لا تكتبوا عنه حتى لا يحدّث عن الكذابين، وذكر تفسير الكلبي وعبد المنعم، يعني أحاديث وهب بن منبه).
 وقد تجنّب أصحاب التفاسير المسندة الأوائل كسفيان الثوري وعبد  الرزاق  وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم تجنبوا الرواية عن هؤلاء  الكذابين؛  فلم يرووا عن مقاتل بن سليمان ولا عبد المنعم بن إدريس ولا موسى  الصنعاني،  وروى بعضهم من تفسير الكلبي ما يُنتقى من أقواله لا من  بواطيله. 
أسباب شهرة الإسرائيليات المنكرة:
من أكثر ما أشاع تلك الإسرائيليات المنكرة في التفاسير المتأخرة: رواية   المفسّرين الذين ليس لهم معرفة بالرجال وأحوال الرواة ولا يميزون الصحيح من   الضعيف ولا يتفطّنون لعلل المرويات؛ كالثعلبي والواحدي وغيرهما؛ فهؤلاء   أدخلوا في تفاسيرهم أشياء منكرة منها، ورووا من التفاسير التي حذّر منها   العلماء كتفسير مقاتل وتفسير الكلبي وغيرهما. 
ومنهم من ينقل منها دون ذكر الأسانيد كما فعل الماوردي، وكان يحكيها على   أنها من أقوال ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه وسعيد بن المسيب ومجاهد   وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغيرهم دون التثبّت من صحّة الإسناد إليهم.
وهذه التفاسير الثلاثة: تفسير الثعلبي   والماوردي والواحدي من أكثر التفاسير التي اعتمد عليها من بعدهم؛ كابن   الجوزي في زاد المسير، والرازي في التفسير الكبير، والقرطبي والخازن وابن   عادل الحنبلي وغيرهم؛ فالإسرائيليات التي تضمنتها هذه التفاسير فيها من   النكارة ما هو أكثر بكثير من التفاسير المسندة التي صنّفها الأئمة كعبد   الرزاق ووكيع وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وأضرابهم. 
  
حكم رواية الإسرائيليات 
  ورد في شأن أخبار بني إسرائيل أحاديث وآثار يظهر بالجمع بينها الهدي الصحيح في حكم روايتها والموقف منها. 
  - في صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد من طريق حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار».
  - وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»
  - وفي صحيح البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير،   عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة   بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله   عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم} » الآية).
  - مجالد، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا   تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم، وقد ضلوا، فإنكم إما أن   تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى حيا بين أظهركم، ما حل له   إلا أن يتبعني» رواه أحمد.
  - قال عطاء بن يسار: كانت يهود يحدثون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيسيخون كأنهم يتعجبون؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوهم , ولا تكذبوهم» , وقولوا: {آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}). رواه عبد الرزاق. 
  - روى البخاري في صحيحه من طريق ابن شهاب، عن   عبيد الله بن عبد الله، أن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " كيف تسألون  أهل  الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم  أحدث،  تقرؤونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله  وغيروه،  وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا  قليلا؟ ألا  ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم  رجلا يسألكم  عن الذي أنزل عليكم "
  - وروى عبد الرزاق في مصنفه من طريق  عمارة عن حريث بن ظهير , قال: قال عبد الله: «لا   تسألوا أهل الكتاب عن شيء , فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم فتكذبون  بحق  , أو تصدقون بباطل , وإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا في قلبه تالية  تدعوه  إلى الله وكتابه»
  - قال عبد الرزاق: وزاد معن عن القاسم بن عبد الرحمن , عن عبد الله في هذا الحديث , أنه قال: «إن كنتم سائليهم لا محالة , فانظروا ما قضى كتاب الله فخذوه , وما خالف كتاب الله فدعوه».
  
  والخلاصة في  شأن رواية الإسرائيليات: 
  1: أن الإذن   بالتحديث عنهم إذن مطلق يدخله التقييد، وتلك القيود منها ما نصّ عليه النبي   صلى الله عليه وسلم، ومنه ما نصّ عليه بعض أصحابه مما علموه وأدركوه من   هدي النبي صلى الله عليه وسلم لهم وتعليمه إيّاهم. 
  2: ما كان من أخبارهم يخالف دليلاً صحيحاً فهو باطل؛ لا تحلّ روايته إلا على سبيل الاعتبار والتشنيع ، وبيان تحريفهم. 
  ويجب تكذيبه، كما كذّب ابن عباس نوفا البكالي   لما زعم أن موسى الذي لقي الخضر ليس كليم الله، وإنما هو رجل آخر اسمه   موسى؛ كما في الصحيحين عن 
  سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر، فقال: (كذب عدو الله) ، وفي رواية لمسلم: قال ابن عباس: أسمعته يا سعيد؟ 
  قال سعيد: قلت: نعم.
  قال: كذب نوف.
  3: أن لا يعتقد تصديق ما يروى عنهم ما لم يشهد له دليل صحيح من الأدلة المعتبرة لدى أهل الإسلام. 
  4: أن بعض الإسرائيليات قد تتضمن زيادات منكرة لأخبار محتملة الصحة في الأصل؛ فتنكر الزيادات المنكرة، وتردّ، مع بقاء احتمال أصل القصة إذا كان له ما يعضده. 
  5: أن لا تجعل   أخبارهم مصدراً يعتمد عليه في التعلّم والتحصيل؛ ولذلك يحذّر طلاب العلم من   التفقه بها واعتمادها في أوّل الطلب، ويوجّهون إلى مناهل أهل الإسلام في   التعلّم، فإذا أحكم الطالب دراسة أصول العلم على منهج صحيح؛ فلا حرج عليه   أن يستأنس ببعض ما يروى من أخبار بني إسرائيل، وعلى ذلك يُحمل نهي ابن   مسعود وابن عباس، مع ما روي عن ابن عباس من التحديث ببعض أخبار بني   إسرائيل. 
  قال ابن تيمية: (وَمَعْلُوم   أَن هَذِه الاسرائيليات لَيْسَ لَهَا إسناد، وَلَا يقوم بهَا حجَّة فِي   شَيْء من الدّين إلا إذا كَانَت منقولة لنا نقلا صَحِيحا، مثل مَا ثَبت عَن   نَبينَا أَنه حَدثنَا بِهِ عَن بني اسرائيل).
  وقال: (الإسرائيليات إذا ذكرت على طريق الاستشهاد بها لما عرف صحته لم يكن بذكرها بأس).
  6: أن عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وعبد الله بن عمرو بن العاص لم يكونوا مكثرين من الروايات عن بني إسرائيل على سعة علمهم بها وقراءتهم لها، ودليل ذلك أن ما روي عنهم من الإسرائيليات قليل جداً. 
  7: أن الصحابة  الذين يُروى عنهم بعض أخبار بني إسرائيل ممن لم يقرؤوا كتب أهل الكتاب قلة،  وأكثر ما يُروى عنهم من ذلك لا يصحّ إسناده إليهم. 
8: أن من التابعين وأتباعهم من تساهل في رواية الإسرائيليات عن الضعفاء والمجاهيل؛ وتداولها القُصّاص والأخباريّون، وزاد فيها الكذابون والمتّهمون بالكذب؛ فكان ذلك من أسباب شهرتها وذيوعها حتى دوّنت في بعض التفاسير.
9: أن يفرّق بين الإذن المطلق بالتحديث عن بني إسرائيل وبين التحديث عن الكذابين والمتّهمين بالكذب الذين يروون الإسرائيليات المنكرة، وروايات هؤلاء في كتب التفسير كثيرة.
10: أنّ  رواية عدد  من المفسّرين لتلك الإسرائيليات في كتبهم كانت من باب جمع ما  قيل في  التفسير، وله فوائد جليلة منها التنبيه على علل بعض الأقوال.
  قال ابن كثير: (ولسنا نذكر من الإسرائيليات   إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله   عليه وسلم وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب، مما فيه بسط لمختصر عندنا، أو   تسمية لمبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا فنذكره على سبيل   التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه.
  وإنما الاعتماد والاستناد على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما صح نقله أو حسن وما كان فيه ضعف نبينه).
  وهذا وإن كان ذكره في مقدمة البداية والنهاية   إلا أنه منهج له في جميع كتبه ومنها التفسير، لكن فرق بين وضع الشرط وبين   تمام الالتزام به. 
  
  هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.