تفاسير القرن الثامن الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنّهم لهم المنصورون (172) وإنّ جندنا لهم الغالبون (173) فتولّ عنهم حتّى حينٍ (174) وأبصرهم فسوف يبصرون (175) أفبعذابنا يستعجلون (176) فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين (177) وتولّ عنهم حتّى حينٍ (178) وأبصر فسوف يبصرون (179)}
يقول تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} أي: تقدّم في الكتاب الأوّل أنّ العاقبة للرّسل وأتباعهم في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} [المجادلة:21]، وقال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافرٍ:51]؛ ولهذا قال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنّهم لهم المنصورون} أي: في الدّنيا والآخرة. كما تقدّم بيان نصرتهم على قومهم ممّن كذّبهم وخالفهم، وكيف أهلك اللّه الكافرين، ونجّى عباده المؤمنين). [تفسير ابن كثير: 7/ 45]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإنّ جندنا لهم الغالبون} أي: تكون لهم العاقبة). [تفسير ابن كثير: 7/ 45]
تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله جلّ وعلا {فتولّ عنهم حتّى حينٍ} أي: اصبر على أذاهم لك، وانتظر إلى وقتٍ مؤجّلٍ، فإنّا سنجعل لك العاقبة والنّصرة والظّفر؛ ولهذا قال بعضهم: غيّى ذلك إلى يوم بدرٍ. وما بعدها أيضًا في معناها). [تفسير ابن كثير: 7/ 45]
تفسير قوله تعالى: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأبصرهم فسوف يبصرون} أي: أنظرهم وارتقب ماذا يحلّ بهم من العذاب والنّكال على مخالفتك وتكذيبك؛ ولهذا قال على وجه التّهديد والوعيد: {فسوف يبصرون}). [تفسير ابن كثير: 7/ 45]
تفسير قوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال عزّ وجلّ {أفبعذابنا يستعجلون} أي: هم إنّما يستعجلون العذاب لتكذيبهم وكفرهم، فإنّ اللّه يغضب عليهم بذلك، ويعجّل لهم العقوبة، ومع هذا أيضًا كانوا من كفرهم وعنادهم يستعجلون العذاب والعقوبة). [تفسير ابن كثير: 7/ 45]
تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين} أي: فإذا نزل العذاب بمحلّتهم، فبئس ذلك اليوم يومهم، بإهلاكهم ودمارهم.
قال السّدّيّ: {فإذا نزل بساحتهم} يعني: بدارهم، {فساء صباح المنذرين} أي: فبئس ما يصبحون، أي: بئس الصّباح صباحهم؛ ولهذا ثبت في الصّحيحين من حديث إسماعيل بن عليّة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، رضي اللّه عنه، قال: صبّح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيبر، فلمّا خرجوا بفؤوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش، رجعوا [وهم] يقولون: محمّدٌ واللّه، محمّدٌ والخميس. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّه أكبر، خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين" ورواه البخاريّ من حديث مالكٍ، عن حميد، عن أنسٍ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا روح، حدّثنا سعيدٌ بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنسٍ بن مالكٍ، عن أبي طلحة قال: لـمّا صبّح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيبر، وقد أخذوا مساحيهم وغدوا إلى حروثهم وأرضيهم، فلمّا رأوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولّوا مدبرين، فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " اللّه أكبر، اللّه أكبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين" لم يخرجوه من هذا الوجه، وهو صحيحٌ على شرط الشّيخين). [تفسير ابن كثير: 7/ 45-46]
تفسير قوله تعالى: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وتولّ عنهم حتّى حينٍ. وأبصر فسوف يبصرون} تأكيدٌ لما تقدّم من الأمر بذلك). [تفسير ابن كثير: 7/ 46]
تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون (180) وسلامٌ على المرسلين (181) والحمد للّه ربّ العالمين (182)}
ينزّه تعالى نفسه الكريمة ويقدّسها ويبرّئها عمّا يقوله الظّالمون المكذّبون المعتدون -تعالى وتقدّس عن قولهم علوًّا كبيرًا-ولهذا قال: {سبحان ربّك ربّ العزّة}، أي: ذي العزّة الّتي لا ترام، {عمّا يصفون} أي: عن قول هؤلاء المعتدين المفترين.
{وسلامٌ على المرسلين} أي: سلام اللّه عليهم في الدّنيا والآخرة؛ لسلامة ما قالوه في ربّهم، وصحّته وحقّيّته.
{والحمد للّه ربّ العالمين} أي: له الحمد في الأولى والآخرة في كلّ حالٍ. ولـمّا كان التّسبيح يتضمّن التّنزيه والتّبرئة من النّقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أنّ الحمد يدلّ على إثبات صفات الكمال مطابقةً، ويستلزم التّنزيه من النّقص -قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرةٍ من القرآن؛ ولهذا قال: {سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد للّه ربّ العالمين}
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إذا سلمتم عليّ فسلموا على المرسلين، فإنّما أنا رسولٌ من المرسلين". هكذا رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، من حديث سعيدٍ، عنه كذلك.
وقد أسنده ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه، فقال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، حدّثنا أبو بكرٍ الأعين، ومحمّد بن عبد الرّحيم صاعقةٌ قالا حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا شيبان، عن قتادة قال: حدّثنا أنس بن مالكٍ، عن أبي طلحة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا سلّمتم عليّ فسلّموا على المرسلين".
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ، حدّثنا نوحٌ، حدّثنا أبو هارون، عن أبي سعيدٍ، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم أنه كان إذا سلّم قال: {سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد للّه ربّ العالمين} ثمّ يسلّم. إسناده ضعيفٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، حدّثنا شبابة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم: {سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد للّه ربّ العالمين} وروي من وجهٍ آخر متّصلٍ موقوفٍ على عليٍّ، رضي اللّه عنه.
قال أبو محمّدٍ البغويّ في تفسيره: أخبرنا أبو سعيدٍ أحمد بن شريحٍ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدّثنا إبراهيم بن سهلويه، حدّثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، حدّثنا وكيعٌ، عن ثابت بن أبي صفيّة، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: من أحبّ أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه: {سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد للّه ربّ العالمين}.
وروى الطّبرانيّ من طريق عبد اللّه بن صخر بن أنسٍ، عن عبد اللّه بن زيد بن أرقم، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "من قال دبر كلّ صلاةٍ: {سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون. وسلامٌ على المرسلين. والحمد للّه ربّ العالمين} ثلاث مرّاتٍ، فقد اكتال بالجريب الأوفى من الأجر".
وقد وردت أحاديث في كفّارة المجلس: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وقد أفردت لها جزءًا على حدةٍ، فلتكتب هاهنا إن شاء اللّه تعالى). [تفسير ابن كثير: 7/ 46-47]