تفاسير القرن الثامن الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما هذه الحياة الدّنيا إلا لهوٌ ولعبٌ وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون (64) فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدّين فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون (65) ليكفروا بما آتيناهم وليتمتّعوا فسوف يعلمون (66)}.
يقول تعالى مخبرًا عن حقارة الدّنيا وزوالها وانقضائها، وأنّها لا دوام لها، وغاية ما فيها لهوٌ ولعبٌ: {وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان} أي: الحياة الدّائمة الحقّ الّذي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هي مستمرّةٌ أبد الآباد.
وقوله: {لو كانوا يعلمون} أي: لآثروا ما يبقى على ما يفنى). [تفسير ابن كثير: 6/ 294]
تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ أخبر تعالى عن المشركين أنّهم عند الاضطرار يدعونه وحده لا شريك له، فهلّا يكون هذا منهم دائمًا، {فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدّين} كقوله {وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلا إيّاه فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم} [الإسراء::67]. وقال هاهنا: {فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون}.
وقد ذكر محمّد بن إسحاق، عن عكرمة بن أبي جهلٍ: أنّه لمّا فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة ذهب فارًّا منها، فلمّا ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة، اضطربت بهم السّفينة، فقال أهلها: يا قوم، أخلصوا لربّكم الدّعاء، فإنّه لا ينجي هاهنا إلّا هو. فقال عكرمة: واللّه إن كان لا ينجي في البحر غيره، فإنّه لا ينجّي غيره في البرّ أيضًا، اللّهمّ لك عليّ عهدٌ لئن خرجت لأذهبن فلأضعنّ يدي في يد محمّدٍ فلأجدنه رؤوفًا رحيمًا، وكان كذلك). [تفسير ابن كثير: 6/ 294-295]
تفسير قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ليكفروا بما آتيناهم وليتمتّعوا}: هذه اللّام يسمّيها كثيرٌ من أهل العربيّة والتّفسير وعلماء الأصول لام العاقبة؛ لأنّهم لا يقصدون ذلك، ولا شكّ أنّها كذلك بالنّسبة إليهم، وأمّا بالنّسبة إلى تقدير اللّه عليهم ذلك وتقييضه إيّاهم لذلك فهي لام التّعليل. وقد قدّمنا تقرير ذلك في قوله: {ليكون لهم عدوًّا وحزنًا} [القصص: 8]). [تفسير ابن كثير: 6/ 295]
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أولم يروا أنّا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطّف النّاس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه يكفرون (67) ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بالحقّ لـمّا جاءه أليس في جهنّم مثوًى للكافرين (68) والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ اللّه لمع المحسنين (69)}
يقول تعالى ممتنًّا على قريشٍ فيما أحلّهم من حرمه، الّذي جعله للنّاس سواءً العاكف فيه والبادي، ومن دخله كان آمنًا، فهم في أمنٍ عظيمٍ، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضًا ويقتل بعضهم بعضًا، كما قال تعالى: {لإيلاف قريشٍ إيلافهم رحلة الشّتاء والصّيف. فليعبدوا ربّ هذا البيت. الّذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ} [قريشٍ: 1-4].
وقوله: {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه يكفرون} أي: أفكان شكرهم على هذه النّعمة العظيمة أن أشركوا به، وعبدوا معه [غيره من] الأصنام والأنداد، و {بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28]، وكفروا بنبيّ اللّه وعبده ورسوله، فكان اللّائق بهم إخلاص العبادة للّه، وألّا يشركوا به، وتصديق الرّسول وتعظيمه وتوقيره، فكذّبوه وقاتلوه وأخرجوه من بين ظهرهم؛ ولهذا سلبهم اللّه ما كان أنعم به عليهم، وقتل من قتل منهم ببدرٍ، وصارت الدّولة للّه ولرسوله وللمؤمنين، ففتح اللّه على رسوله مكّة، وأرغم آنافهم وأذلّ رقابهم). [تفسير ابن كثير: 6/ 295]
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بالحقّ لـمّا جاءه} أي: لا أحد أشد عقوبةً ممّن كذب على اللّه فقال: إنّ اللّه أوحى إليه شيءٌ، ولم يوح إليه شيءٌ. ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل اللّه. وهكذا لا أحد أشدّ عقوبةً ممّن كذّب بالحقّ لـمّا جاءه، فالأوّل مفترٍ، والثّاني مكذّبٌ؛ ولهذا قال: {أليس في جهنّم مثوًى للكافرين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 295-296]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال {والّذين جاهدوا فينا} يعني: الرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدّين {لنهدينّهم سبلنا}، أي: لنبصرنهم سبلنا، أي: طرقنا في الدّنيا والآخرة.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن أبي الحواري، حدّثنا عبّاسٌ الهمدانيّ أبو أحمد -من أهل عكّا -في قول اللّه: {والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ اللّه لمع المحسنين} قال: الّذين يعملون بما يعلمون، يهديهم لما لا يعلمون. قال أحمد بن أبي الحواريّ: فحدّثت به أبا سليمان الدّارانيّ فأعجبه، وقال: ليس ينبغي لمن ألهم شيئًا من الخير أن يعمل به حتّى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به، وحمد اللّه حين وافق ما في نفسه.
وقوله: {وإنّ اللّه لمع المحسنين}، قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبي، حدّثنا عيسى بن جعفرٍ -قاضي الرّيّ -حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن المغيرة، عن الشّعبيّ قال: قال عيسى بن مريم، عليه السّلام: إنّما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك. [وفي حديث جبريل لـمّا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإحسان قال: "أخبرني عن الإحسان". قال: "أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك"). [تفسير ابن كثير: 6/ 296]