تفاسير القرن الثامن الهجري
تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرةٍ أنا ومن اتّبعني وسبحان اللّه وما أنا من المشركين (108)}
يقول [الله] تعالى لعبد ورسوله إلى الثّقلين: الإنس والجنّ، آمرًا له أن يخبر النّاس: أنّ هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنّته، وهي الدّعوة إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، يدعو إلى اللّه بها على بصيرة من ذلك، ويقينٍ وبرهانٍ، هو وكلّ من اتّبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بصيرةٍ ويقينٍ وبرهانٍ شرعيٍّ وعقليٍّ.
وقوله: {وسبحان اللّه} أي: وأنزّه اللّه وأجلّه وأعظّمه وأقدّسه، عن أن يكون له شريكٌ أو نظيرٌ، أو عديلٌ أو نديدٌ، أو ولدٌ أو والدٌ أو صاحبةٌ، أو وزيرٌ أو مشيرٌ، تبارك وتعالى وتقدّس وتنزّه عن ذلك كلّه علوًّا كبيرًا، {تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليمًا غفورًا} [الإسراء: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 422]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم ولدار الآخرة خيرٌ للّذين اتّقوا أفلا تعقلون (109)}
يخبر تعالى أنّه إنّما أرسل رسله من الرّجال لا من النّساء. وهذا قول جمهور العلماء، كما دلّ عليه سياق هذه الآية الكريمة: أنّ اللّه تعالى لم يوح إلى امرأةٍ من بنات بني آدم وحي تشريعٍ.
وزعم بعضهم: أنّ سارّة امرأة الخليل، وأمّ موسى، ومريم أمّ عيسى نبيات، واحتجوا بأن الملائكة بشّرت سارّة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وبقوله: {وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه} الآية. [القصص: 7]، وبأنّ الملك جاء إلى مريم فبشّرها بعيسى، عليه السّلام، وبقوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين} [آل عمران: 42، 43].
وهذا القدر حاصلٌ لهنّ، ولكن لا يلزم من هذا أن يكنّ نبيّاتٍ بذلك، فإن أراد القائل بنبوّتهنّ هذا القدر من التّشريف، فهذا لا شكّ فيه، ويبقى الكلام معه في أنّ هذا: هل يكفي في الانتظام في سلك النّبوّة بمجرّده أم لا؟ الّذي عليه [أئمّة] أهل السّنّة والجماعة، وهو الّذي نقله الشّيخ أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ عنهم: أنّه ليس في النّساء نبيّةٌ، وإنّما فيهنّ صدّيقاتٌ، كما قال تعالى مخبرًا عن أشرفهنّ مريم بنت عمران حيث قال: {ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام} [المائدة: 75] فوصفها في أشرف مقاماتها بالصّدّيقية، فلو كانت نبيّةً لذكر ذلك في مقام التّشريف والإعظام، فهي صدّيقةٌ بنصّ القرآن.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} أي: ليسوا من أهل السّماء كما قلتم. وهذا القول من ابن عبّاسٍ يعتضد بقوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق} الآية [الفرقان: 20] وقوله تعالى: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين ثمّ صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} [الأنبياء: 8، 9] وقوله تعالى: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل} الآية [الأحقاف: 9].
وقوله: {من أهل القرى} المراد بالقرى: المدن، لا أنّهم من أهل البوادي، الّذين هم أجفى النّاس طباعًا وأخلاقًا. وهذا هو المعهود المعروف أنّ أهل المدن أرقّ طباعًا، وألطف من أهل سوادهم، وأهل الرّيف والسّواد أقرب حالًا من الّذين يسكنون في البوادي؛ ولهذا قال تعالى: {الأعراب أشدّ كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله} [التّوبة: 97].
وقال قتادة في قوله: {من أهل القرى} لأنّهم أعلم وأحلم من أهل العمود.
وفي الحديث الآخر: أنّ رجلًا من الأعراب أهدى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ناقةً، فلم يزل يعطيه ويزيده حتّى رضي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد هممت ألّا أتّهب هبةً إلّا من قرشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثقفيٍّ، أو دوسي".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا شعبة، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّابٍ، عن شيخٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -قال الأعمش: هو [ابن] عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "المؤمن الّذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الّذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم".
وقوله: {أفلم يسيروا في الأرض} [يعني: هؤلاء المكذّبين لك يا محمّد في الأرض،] {فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم} أي: من الأمم المكذّبة للرّسل، كيف دمّر اللّه عليهم، وللكافرين أمثالها، كقوله: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحجّ: 46]، فإذا استمعوا خبر ذلك، رأوا أنّ اللّه قد أهلك الكافرين ونجّى المؤمنين، وهذه كانت سنّته تعالى في خلقه؛ ولهذا قال تعالى: {ولدار الآخرة خيرٌ للّذين اتّقوا} أي: وكما أنجينا المؤمنين في الدّنيا، كذلك كتبنا لهم النّجاة في الدّار الآخرة أيضًا، وهي خيرٌ لهم من الدّنيا بكثيرٍ، كما قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافرٍ: 50، 51].
وأضاف الدّار إلى الآخرة فقال: {ولدار الآخرة} كما يقال: "صلاة الأولى" و"مسجد الجامع" و"عام الأوّل" و "بارحة الأولى" و"يوم الخميس". قال الشّاعر:
أتمدح فقعسًا وتذمّ عبسًا = ألا للّه أمّك من هجين
ولو أقوت عليك ديار عبسٍ = عرفت الذّلّ عرفان اليقين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 422-424]
تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({حتّى إذا استيئس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين (110)}
يخبر تعالى أنّ نصره ينزل على رسله، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، عند ضيّق الحال وانتظار الفرج من اللّه تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك، كما في قوله تعالى: {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214]، وفي قوله: {كذبوا} قراءتان، إحداهما بالتّشديد: "قد كذّبوا"، وكذلك كانت عائشة، رضي اللّه عنها، تقرؤها، قال البخاريّ:
حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه، حدّثنا إبراهيم بن سعد، بن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزّبير، عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول اللّه: {حتّى إذا استيئس الرّسل} قال: قلت: أكذبوا أم كذّبوا؟ فقالت عائشة: كذّبوا. فقلت: فقد استيقنوا أنّ قومهم قد كذّبوهم فما هو بالظّنّ؟ قالت: أجل، لعمري لقد استيقنوا بذلك. فقلت لها: وظنّوا أنّهم قد كذّبوا؟ قالت معاذ اللّه، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النّصر، {حتّى إذا استيئس الرّسل} ممّن كذّبهم من قومهم، وظنّت الرّسل أنّ أتباعهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر اللّه عند ذلك.
حدّثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيبٌ، عن الزّهريّ قال: أخبرنا عروة، فقلت: لعلّها قد كذبوا مخفّفةً؟ قالت: معاذ اللّه. انتهى ما ذكره.
وقال ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة: أنّ ابن عبّاسٍ قرأها: {وظنّوا أنّهم قد كذبوا} خفيفةً -قال عبد اللّه هو ابن مليكة: ثمّ قال لي ابن عبّاسٍ: كانوا بشرًا وتلا ابن عبّاسٍ: {حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214]، قال ابن جريجٍ: وقال لي ابن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة: أنّها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من شيءٍ إلّا قد علم أنّه سيكون حتّى مات، ولكنّه لم يزل البلاء بالرّسل حتّى ظنّوا أنّ من معهم من المؤمنين قد كذّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها "وظنّوا أنّهم قد كذّبوا" مثقلةً، للتّكذيب.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنا ابن وهبٍ، أخبرني سليمان بن بلالٍ، عن يحيى بن سعيدٍ قال: جاء إنسانٌ إلى القاسم بن محمّدٍ فقال: إنّ محمّد بن كعبٍ القرظيّ يقول هذه الآية: {حتّى إذا استيئس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} فقال القاسم: أخبره عنّي أنّي سمعت عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تقول: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} تقول: كذّبتهم أتباعهم. إسنادٌ صحيحٌ أيضًا.
والقراءة الثّانية بالتّخفيف، واختلفوا في تفسيرها، فقال ابن عبّاسٍ ما تقدّم، وعن ابن مسعودٍ، فيما رواه سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه أنّه قرأ: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} مخفّفةً، قال عبد اللّه: هو الّذي تكره.
وهذا عن ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، مخالفٌ لما رواه آخرون عنهما. أمّا ابن عبّاسٍ فروى الأعمش، عن مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا} قال: لمّا أيست الرّسل أن يستجيب لهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذّبوهم، جاءهم النّصر على ذلك، {فنجّي من نشاء}
وكذا روي عن سعيد بن جبيرٍ، وعمران بن الحارث السّلميّ، وعبد الرّحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ بمثله.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا عارمٌ أبو النّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا شعيبٌ حدّثنا إبراهيم بن أبي حرة الجزريّ قال: سأل فتى من قريشٍ سعيد بن جبيرٍ فقال له: يا أبا عبد اللّه، كيف هذا الحرف، فإنّي إذا أتيت عليه تمنّيت أنّي لا أقرأ هذه السّورة: {حتّى إذا استيأس الرّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا}؟ قال: نعم، حتّى إذا استيأس الرّسل من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّ المرسل إليهم أنّ الرّسل كذبوا. فقال الضّحّاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجل يدعى إلى علمٍ فيتلكّأ! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلًا.
ثمّ روى ابن جريرٍ أيضًا من وجهٍ آخر: أنّ مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبيرٍ عن ذلك، فأجابه بهذا الجواب، فقام إلى سعيدٍ فاعتنقه، وقال: فرّج اللّه عنك كما فرجت عنّي.
وهكذا روي من غير وجهٍ عن سعيد بن جبيرٍ أنّه فسّرها كذلك، وكذا فسّرها مجاهد بن جبر، وغير واحدٍ من السّلف، حتّى إنّ مجاهدًا قرأها: "وظنّوا أنّهم قد كذبوا"، بفتح الذّال. رواه ابن جريرٍ، إلّا أنّ بعض من فسّرها كذلك يعيد الضّمير في قوله: {وظنّوا أنّهم قد كذبوا} إلى أتباع الرّسل من المؤمنين، ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم، أي: وظنّ الكفّار أنّ الرّسل قد كذبوا -مخفّفةً -فيما وعدوا به من النّصر.
وأمّا ابن مسعودٍ فقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا محمّد بن فضيلٍ عن جحش بن زيادٍ الضّبّيّ، عن تميم بن حذلم قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول في هذه الآية: {حتّى إذا استيأس الرّسل} من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظنّ قومهم حين أبطأ الأمر أنّهم قد كذبوا، بالتّخفيف.
فهاتان الرّوايتان عن كلٍّ من ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ، وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسّرها بذلك، وانتصر لها ابن جريرٍ، ووجّه المشهور عن الجمهور، وزيّف القول الآخر بالكلّيّة، وردّه وأباه، ولم يقبله ولا ارتضاه، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 424-426]
تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الّذي بين يديه وتفصيل كلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً لقومٍ يؤمنون (111)}
يقول تعالى: لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم، وكيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا الكافرين {عبرةٌ لأولي الألباب} وهي العقول، {ما كان حديثًا يفترى} أي: وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون اللّه، أي: يكذّب ويختلق، {ولكن تصديق الّذي بين يديه} أي: من الكتب المنزّلة من السّماء، وهو يصدّق ما فيها من الصّحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريفٍ وتبديلٍ وتغييرٍ، ويحكم عليها بالنّسخ أو التّقرير، {وتفصيل كلّ شيءٍ} من تحليلٍ وتحريمٍ، ومحبوبٍ ومكروهٍ، وغير ذلك من الأمر بالطّاعات والواجبات والمستحبّات، والنّهي عن المحرّمات وما شاكلها من المكروهات، والإخبار عن الأمور على الجليّة، وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتّفصيليّة، والإخبار عن الرّبّ تبارك وتعالى بالأسماء والصّفات، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقات، فلهذا كان: {هدًى ورحمةً لقومٍ يؤمنون} تهتدي به قلوبهم من الغيّ إلى الرّشاد، ومن الضّلالة إلى السّداد، ويبتغون به الرّحمة من ربّ العباد، في هذه الحياة الدّنيا ويوم المعاد. فنسأل اللّه العظيم أن يجعلنا منهم في الدّنيا والآخرة، يوم يفوز بالرّبح المبيضّة وجوههم النّاضرة، ويرجع المسودّة وجوههم بالصّفقة الخاسرة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 426-427]