تفاسير القرن الثامن الهجري
تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل ما سألتكم من أجرٍ فهو لكم إن أجري إلا على اللّه وهو على كلّ شيءٍ شهيدٌ (47) قل إنّ ربّي يقذف بالحقّ علام الغيوب (48) قل جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد (49) قل إن ضللت فإنّما أضلّ على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربّي إنّه سميعٌ قريبٌ (50)}.
يقول تعالى آمرًا رسوله أن يقول للمشركين: {ما سألتكم من أجرٍ فهو لكم} أي: لا أريد منكم جعلا ولا عطاء على أداء رسالة اللّه إليكم، ونصحي إيّاكم، وأمركم بعبادة اللّه، {إن أجري إلا على اللّه} أي: إنّما أطلب ثواب ذلك من عند اللّه {وهو على كلّ شيءٍ شهيدٌ} أي: عالمٌ بجميع الأمور، بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله إيّاي إليكم، وما أنتم عليه). [تفسير ابن كثير: 6/ 526]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل إنّ ربّي يقذف بالحقّ علام الغيوب}، كقوله تعالى: {يلقي الرّوح من أمره على من يشاء من عباده} [غافرٍ: 15]. أي: يرسل الملك إلى من يشاء من عباده من أهل الأرض، وهو علّام الغيوب، فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض). [تفسير ابن كثير: 6/ 526-527]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد} أي: جاء الحقّ من اللّه والشّرع العظيم، وذهب الباطل وزهق واضمحلّ، كقوله: {بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه [فإذا هو زاهقٌ]} [الأنبياء: 18]، ولهذا لـمّا دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسجد الحرام يوم الفتح، ووجد تلك الأصنام منصوبةً حول الكعبة، جعل يطعن الصّنم بسية قوسه، ويقرأ: {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا}، {قل جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد}. رواه البخاريّ ومسلمٌ والتّرمذيّ والنّسائيّ وحده عند هذه الآية، كلّهم من حديث الثّوريّ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن أبي معمر عبد اللّه بن سخبرة، عن ابن مسعودٍ، به.
أي: لم يبق للباطل مقالةً ولا رياسةً ولا كلمةً.
وزعم قتادة والسّدّيّ: أنّ المراد بالباطل ها هنا إبليس، إنّه لا يخلق أحدًا ولا يعيده، ولا يقدر على ذلك. وهذا وإن كان حقًا ولكن ليس هو المراد هاهنا واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 527]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل إن ضللت فإنّما أضلّ على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربّي} أي: الخير كلّه من عند اللّه، وفيما أنزله اللّه عزّ وجلّ من الوحي والحقّ المبين فيه الهدى والبيان والرّشاد، ومن ضلّ فإنّما يضلّ من تلقاء نفسه، كما قال عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، لمّا سئل عن تلك المسألة في المفوضة: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللّه، وإن يكن خطأً فمنّي ومن الشّيطان، واللّه ورسوله بريئان منه.
وقوله: {إنّه سميعٌ قريبٌ} أي: سميعٌ لأقوال عباده، قريبٌ مجيبٌ دعوة الدّاعي إذا دعاه. وقد روى النّسائيّ هاهنا حديث أبي موسى الّذي في الصّحيحين [أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال]: "إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّما تدعون سميعا " قريبا مجيبا"). [تفسير ابن كثير: 6/ 527]
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكانٍ قريبٍ (51) وقالوا آمنّا به وأنّى لهم التّناوش من مكانٍ بعيدٍ (52) وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكانٍ بعيدٍ (53) وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنّهم كانوا في شكٍّ مريبٍ (54)}.
يقول تعالى: ولو ترى -يا محمّد- إذ فزع هؤلاء المكذّبون يوم القيامة، {فلا فوت} أي: فلا مفرّ لهم، ولا وزر ولا ملجأ {وأخذوا من مكانٍ قريبٍ} أي: لم يكونوا يمنعون في الهرب بل أخذوا من أوّل وهلةٍ.
قال الحسن البصريّ: حين خرجوا من قبورهم.
وقال مجاهدٌ، وعطيّة العوفيّ، وقتادة: من تحت أقدامهم.
وعن ابن عبّاسٍ والضّحّاك: يعني: عذابهم في الدّنيا.
وقال عبد الرّحمن بن زيدٍ: يعني: قتلهم يوم بدرٍ.
والصّحيح: أنّ المراد بذلك يوم القيامة، وهو الطّامّة العظمى، وإن كان ما ذكر متّصلًا بذلك.
وحكى ابن جريرٍ عن بعضهم قال: إنّ المراد بذلك جيشٌ يخسف بهم بين مكّة والمدينة في أيّام بني العبّاس، ثمّ أورد في ذلك حديثًا موضوعًا بالكلّيّة. ثمّ لم ينبّه على ذلك، وهذا أمرٌ عجيبٌ غريبٌ منه). [تفسير ابن كثير: 6/ 528]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالوا آمنّا به} أي: يوم القيامة يقولون: آمنّا باللّه وبكتبه ورسله، كما قال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السّجدة: 12]؛ ولهذا قال تعالى: {وأنّى لهم التّناوش من مكانٍ بعيدٍ} أي: وكيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محلّ قبوله منهم وصاروا إلى الدّار الآخرة، وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء، فلو كانوا آمنوا في الدّنيا لكان ذلك نافعهم، ولكن بعد مصيرهم إلى الدّار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان، كما لا سبيل إلى حصول الشّيء لمن يتناوله من بعيدٍ.
قال مجاهدٌ: {وأنّى لهم التّناوش} قال: التّناول لذلك.
وقال الزّهريّ: التّناوش: تناولهم الإيمان وهم في الآخرة، وقد انقطعت عنهم الدّنيا.
وقال الحسن البصريّ: أما إنّهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال، تعاطوا الإيمان من مكانٍ بعيدٍ.
وقال ابن عبّاسٍ: طلبوا الرّجعة إلى الدّنيا والتّوبة ممّا هم فيه، وليس بحين رجعةٍ ولا توبةٍ. وكذا قال محمّد بن كعبٍ القرظيّ، رحمه اللّه). [تفسير ابن كثير: 6/ 528]
تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقد كفروا به من قبل} أي: كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة، وقد كفروا بالحقّ في الدّنيا وكذّبوا بالرّسل؟
{ويقذفون بالغيب من مكانٍ بعيدٍ}: قال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: {ويقذفون بالغيب} قال: بالظن.
قلت: كما قال تعالى: {رجمًا بالغيب} [الكهف: 22]، فتارةً يقولون: شاعرٌ. وتارةً يقولون: كاهنٌ. وتارةً يقولون: ساحرٌ. وتارةً يقولون: مجنونٌ. إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذّبون بالغيب والنّشور والمعاد، ويقولون: {إن نظنّ إلا ظنًّا وما نحن بمستيقنين} [الجاثية: 32].
قال قتادة: يرجمون بالظّنّ، لا بعث ولا جنّة ولا نار). [تفسير ابن كثير: 6/ 528-529]
تفسير قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون}: قال الحسن البصريّ، والضّحّاك، وغيرهما: يعني: الإيمان.
وقال السّدّي: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} وهي: التّوبة. وهذا اختيار ابن جريرٍ، رحمه اللّه.
وقال مجاهدٌ: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} من هذه الدّنيا، من مالٍ وزهرةٍ وأهلٍ. وروي [ذلك] عن ابن عبّاسٍ وابن عمر والرّبيع بن أنسٍ. وهو قول البخاريّ وجماعةٍ. والصّحيح: أنّه لا منافاة بين القولين؛ فإنّه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدّنيا وبين ما طلبوه في الآخرة، فمنعوا منه.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ هاهنا أثرًا غريبًا [عجيبًا] جدًّا، فلنذكره بطوله فإنّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، حدّثنا بشر بن حجرٍ السّاميّ، حدّثنا عليّ بن منصورٍ الأنباريّ، عن الشّرقيّ ابن قطامي، عن سعيد بن طريفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} إلى آخر الآية، قال: كان رجلٌ من بني إسرائيل فاتحًا -أي فتح اللّه له مالًا-فمات فورثه ابنٌ له تافهٌ -أي: فاسدٌ-فكان يعمل في مال اللّه بمعاصي اللّه. فلمّا رأى ذلك إخوان أبيه أتوا الفتى فعذلوه ولاموه، فضجر الفتى فباع عقاره بصامت، ثمّ رحل فأتى عينًا ثجاجة فسرح فيها ماله، وابتنى قصرًا. فبينما هو ذات يومٍ جالسٍ إذ شملت عليه [ريحٌ] بامرأةٍ من أحسن النّاس وجهًا وأطيبهم أرجا -أي: ريحًا-فقالت: من أنت يا عبد اللّه؟ فقال: أنا امرؤٌ من بني إسرائيل قالت: فلك هذا القصر، وهذا المال؟ قال: نعم. قالت: فهل لك من زوجةٍ؟ قال: لا. قالت: فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك؟ قال: قد كان ذلك. فهل لك من بعل؟ قالت: لا. قال: فهل لك إلى أن أتزوّجك؟ قالت: إنّي امرأةٌ منك على مسيرة ميلٍ، فإذا كان غدٌ فتزوّد زاد يومٍ وأتني، وإن رأيت في طريقك هولًا فلا يهولنّك. فلمّا كان من الغد تزوّد زاد يومٍ، وانطلق فانتهى إلى قصرٍ، فقرع رتاجه، فخرج إليه شابٌّ من أحسن النّاس وجهًا وأطيبهم أرجًا -أي: ريحًا-فقال: من أنت يا عبد اللّه؟ فقال: أنا الإسرائيليّ. قال فما حاجتك؟ قال: دعتني صاحبة هذا القصر إلى نفسها. قال: صدقت، قال فهل رأيت في طريقك [هولًا؟] قال: نعم، ولولا أنّها أخبرتني أن لا بأس عليّ، لهالني الّذي رأيت؛ أقبلت حتّى إذا انفرج بي السّبيل، إذا أنا بكلبة فاتحة فاها، ففزعت، فوثبت فإذا أنا من ورائها، وإذا جراؤها ينبحنّ في بطنها. فقال له الشّابّ: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزّمان، يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم ويبزّهم حديثهم.
قال: ثمّ أقبلت حتّى إذا انفرج بي السّبيل، إذا أنا بمائة عنزٍ حفّل، وإذا فيها جدي يمصّها، فإذا أتى عليها وظنّ أنّه لم يترك شيئًا، فتح فاه يلتمس الزّيادة. فقال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزّمان، ملكٌ يجمع صامت النّاس كلّهم، حتّى إذا ظنّ أنّه لم يترك شيئًا فتح فاه يلتمس الزّيادة.
قال: ثمّ أقبلت حتّى إذا انفرج بي السّبيل إذا أنا بشجرٍ، فأعجبني غصنٌ من شجرةٍ منها ناضرٌ، فأردت قطعه، فنادتني شجرةٌ أخرى: "يا عبد اللّه، منّي فخذ". حتّى ناداني الشّجر أجمع: "يا عبد اللّه، منّا فخذ". قال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزّمان، يقلّ الرّجال ويكثر النّساء، حتّى إن الرّجل ليخطب المرأة فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهنّ.
قال: ثمّ أقبلت حتّى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل قائمٍ على عينٍ، يغرف لكلّ إنسانٍ من الماء، فإذا تصدعوا عنه صبّ في جرّته فلم تعلق جرته من الماء بشيءٍ. قال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزّمان، القاصّ يعلّم النّاس العلم ثمّ يخالفهم إلى معاصي اللّه.
قال: ثمّ أقبلت حتّى إذا انفرج بي السّبيل إذا أنا بعنزٍ وإذا بقومٍ قد أخذوا بقوائمها، وإذا رجلٌ قد أخذ بقرنيها، وإذا رجلٌ قد أخذ بذنبها، وإذا رجلٌ قد ركبها، وإذا رجلٌ يحلبها. فقال: أمّا العنز فهي الدّنيا، والّذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها، وأمّا الّذي قد أخذ بقرنيها فهو يعالج من عيشها ضيقًا، وأمّا الّذي أخذ بذنبها فقد أدبرت عنه، وأمّا الّذي ركبها فقد تركها. وأمّا الّذي يحلبها فبخٍ [بخٍ]، ذهب ذلك بها.
قال: ثمّ أقبلت حتّى إذا انفرج بي السّبيل، وإذا أنا برجلٍ يمتح على قليب، كلّما أخرج دلوه صبّه في الحوض، فانساب الماء راجعًا إلى القليب. قال: هذا رجلٌ ردّ اللّه [عليه] صالح عمله، فلم يقبله.
قال: ثمّ أقبلت حتّى إذا انفرج بي السّبيل، إذا أنا برجلٍ يبذر بذرًا فيستحصد، فإذا حنطةٌ طيّبةٌ. قال: هذا رجلٌ قبل اللّه صالح عمله، وأزكاه له.
قال: ثمّ أقبلت حتّى [إذا] انفرج بي السّبيل، إذا أنا برجلٍ مستلقٍ على قفاه، قال: يا عبد اللّه، ادن منّي فخذ بيدي وأقعدني، فواللّه ما قعدت منذ خلقني اللّه فأخذت بيده، فقام يسعى حتّى ما أراه. فقال له الفتى: هذا عمر الأبعد نفد، أنا ملك الموت وأنا المرأة الّتي أتتك = أمرني اللّه بقبض روح الأبعد في هذا المكان، ثمّ أصيّره إلى نار جهنّم قال: ففيه نزلت هذه: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} الآية.
هذا أثرٌ غريبٌ، وفي صحّته نظرٌ، وتنزيل [هذه] الآية عليه وفي حقّه بمعنى أنّ الكفّار كلّهم يتوفّون وأرواحهم متعلّقةٌ بالحياة الدّنيا، كما جرى لهذا المغرور المفتون، ذهب يطلب مراده فجاءه الموت فجأةً بغتةً، وحيل بينه وبين ما يشتهي.
وقوله: {كما فعل بأشياعهم من قبل} أي: كما جرى للأمم الماضية المكذّبة للرّسل، لمّا جاءهم بأس اللّه تمنّوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم، {فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا باللّه وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا سنّة اللّه الّتي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} [غافرٍ: 84، 85].
وقوله: {إنّهم كانوا في شكٍّ مريبٍ} أي: كانوا في الدّنيا في شكٍّ وريبةٍ، فلهذا لم يتقبّل منهم الإيمان عند معاينة العذاب.
قال قتادة: إيّاكم والشّكّ والرّيبة. فإنّ من مات على شكٍّ بعث عليه، ومن مات على يقينٍ بعث عليه). [تفسير ابن كثير: 6/ 529-531]