العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 05:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير (285) لا يكلّف اللّه نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (286)} ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا اللّه بهما.
الحديث الأوّل: قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، أخبرنا شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن عبد الرّحمن، عن أبي مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من قرأ بالآيتين»، وحدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن أبي مسعودٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه».
وقد أخرجه بقيّة الجماعة من طريق سليمان بن مهران الأعمش، بإسناده، مثله. وهو في الصّحيحين من طريق الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن عبد الرّحمن، عنه، به. وهو في الصّحيحين أيضًا عن عبد الرّحمن، عن علقمة عن أبي مسعودٍ -قال عبد الرّحمن: ثمّ لقيت أبا مسعودٍ، فحدّثني به.
وهكذا رواه أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا شريكٌ، عن عاصمٍ، عن المسيّب بن رافعٍ، عن علقمة، عن أبي مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه».
الحديث الثّاني: قال الإمام أحمد: حدّثنا حسينٌ، حدّثنا شيبان، عن منصورٍ، عن ربعي، عن خرشة بن الحر، عن المعرور بن سويدٍ، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش، لم يعطهنّ نبيٌّ قبلي».
وقد رواه ابن مردويه، من حديث الأشجعيّ، عن الثّوريّ، عن منصورٍ، عن ربعي، عن زيد بن ظبيان، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش».
الحديث الثّالث: قال مسلمٌ: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا مالك بن مغول (ح) وحدّثنا ابن نمير، وزهير بن حربٍ جميعًا، عن عبد اللّه بن نمير -وألفاظهم متقاربةٌ -قال ابن نميرٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا مالك بن مغول، عن الزّبير بن عديٍّ عن طلحة، عن مرة، عن عبد اللّه، قال: «لمّا أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتهي به إلى سدرة المنتهى، وهي في السّماء السّادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، قال: {إذ يغشى السّدرة ما يغشى} [النّجم: 16]، قال: فراش من ذهبٍ. قال: وأعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثًا: أعطي الصّلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك باللّه من أمّته شيئًا المقحمات».
الحديث الرّابع: قال أحمد: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الرّازيّ، حدّثنا سلمة بن الفضل، حدّثني محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن مرثد بن عبد اللّه اليزنيّ، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فإنّي أعطيتهما من تحت العرش». هذا إسنادٌ حسنٌ، ولم يخرّجوه في كتبهم.
الحديث الخامس: قال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن كاملٍ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الحربيّ، أخبرنا مسدّد أخبرنا أبو عوانة، عن أبي مالكٍ، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فضّلنا على النّاس بثلاثٍ، أوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش، لم يعطها أحدٌ قبلي، ولا يعطاها أحدٌ بعدي». ثمّ رواه من حديث نعيم بن أبي هنديٍّ، عن ربعيٍّ، عن حذيفة، بنحوه.
الحديث السّادس: قال ابن مردويه: حدّثنا عبد الباقي بن نافعٍ، أنبأنا إسماعيل بن الفضل، أخبرنا محمّد بن حاتم بن بزيع، أخبرنا جعفر بن عونٍ، عن مالك بن مغول، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ قال: «لا أرى أحدًا عقل الإسلام ينام حتّى يقرأ خواتيم سورة البقرة، فإنّها كنزٌ أعطيه نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم من تحت العرش».
ورواه وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمير بن عمرٍو الخارفيّ، عن عليٍّ قال: «ما أرى أحدًا يعقل، بلغه الإسلام، ينام حتّى يقرأ آية الكرسيّ وخواتيم سورة البقرة، فإنّها من كنزٍ تحت العرش».
الحديث السّابع: قال أبو عيسى التّرمذيّ: حدّثنا بندار، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرّحمن الجرمي عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصّنعانيّ، عن النّعمان بن بشيرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عامٍ، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرأن في دارٍ ثلاث ليالٍ فيقربها شيطانٌ». ثمّ قال: هذا حديثٌ غريبٌ. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حمّاد بن سلمة به، وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه .
الحديث الثّامن: قال ابن مردويه: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن مدين، أخبرنا الحسن بن الجهم، أخبرنا إسماعيل بن عمرٍو، أخبرنا ابن أبي مريم، حدّثني يوسف بن أبي الحجّاج، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة وآية الكرسيّ ضحك، وقال: «إنّهما من كنز الرّحمن تحت العرش». وإذا قرأ: {من يعمل سوءًا يجز به} [النّساء: 123]، {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأنّ سعيه سوف يرى * ثمّ يجزاه الجزاء الأوفى} [النّجم:39-41]، استرجع واستكان».
الحديث التّاسع: قال ابن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن كوفيٍّ، حدّثنا أحمد بن يحيى بن حمزة، حدّثنا محمّد بن بكرٍ حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، حدّثنا عبد اللّه بن أبي حميدٍ، عن أبي مليح، عن معقل بن يسارٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعطيت فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش، والمفصل نافلة».
الحديث العاشر: قد تقدّم في فضائل الفاتحة، من رواية عبد اللّه بن عيسى بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: «بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده جبريل؛ إذ سمع نقيضًا فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السّماء، فقال: هذا بابٌ قد فتح من السّماء ما فتح قط. قال: فنزل منه ملك، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفًا منهما إلّا أوتيته»، رواه مسلمٌ والنّسائيّ، وهذا لفظه.
الحديث الحادي عشر: قال أبو محمّدٍ عبد اللّه بن عبد الرّحمن الدّارميّ في مسنده: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، حدّثنا أيفع بن عبد اللّه الكلاعيّ قال: «قال رجلٌ: يا رسول اللّه، أيّ آيةٍ في كتاب اللّه أعظم؟ قال: «آية الكرسيّ: {اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} قال: فأيّ آيةٍ في كتاب اللّه تحبّ أن تصيبك وأمّتك؟ قال: «آخر سورة البقرة، ولم يترك خيرًا في الدّنيا والآخرة إلّا اشتملت عليه».
فقوله تعالى: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه} إخبارٌ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «ذكر لنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لمّا نزلت هذه الآية: «ويحقّ له أن يؤمن».
وقد روى الحاكم في مستدركه: حدّثنا أبو النّضر الفقيه: حدّثنا معاذ بن نجدة القرشيّ، حدّثنا خلّاد بن يحيى، حدّثنا أبو عقيلٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: «لمّا نزلت هذه الآية على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «حقّ له أن يؤمن». ثمّ قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه..
وقوله: {والمؤمنون} عطفٌ على {الرّسول} ثمّ أخبر عن الجميع فقال: {كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} فالمؤمنون يؤمنون بأنّ اللّه واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ، لا إله غيره، ولا ربّ سواه. ويصدّقون بجميع الأنبياء والرّسل والكتب المنزّلة من السّماء على عباد اللّه المرسلين والأنبياء، لا يفرّقون بين أحدٍ منهم، فيؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعضٍ، بل الجميع عندهم صادقون بارّون راشدون مهديون هادون إلى سبل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعضٍ بإذن اللّه، حتّى نسخ الجميع بشرع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم خاتم الأنبياء والمرسلين، الّذي تقوم السّاعة على شريعته، ولا تزال طائفةٌ من أمّته على الحقّ ظاهرين.
وقوله: {وقالوا سمعنا وأطعنا} أي: سمعنا قولك يا ربّنا، وفهمناه، وقمنا به، وامتثلنا العمل بمقتضاه، {غفرانك ربّنا} سؤالٌ للغفر والرّحمة واللّطف.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن حرب الموصلي، حدثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون} إلى قوله: {غفرانك ربّنا} قال: «قد غفرت لكم»، {وإليك المصير} أي: إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن بيانٍ، عن حكيمٍ عن جابرٍ قال: «لمّا نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير} قال جبريل: إنّ اللّه قد أحسن الثّناء عليك وعلى أمّتك، فسل تعطه. فسأل: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلا وسعها} إلى آخر الآية). [تفسير ابن كثير: 1/ 733-737]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلا وسعها} أي: لا يكلّف أحدًا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم، وهذه هي النّاسخة الرّافعة لما كان أشفق منه الصّحابة، في قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} أي: هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذّب إلّا بما يملك الشّخص دفعه، فأمّا ما لا يمكن دفعه من وسوسة النّفس وحديثها، فهذا لا يكلّف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السّيّئة من الإيمان.
وقوله: {لها ما كسبت} أي: من خيرٍ، {وعليها ما اكتسبت} أي: من شرٍّ، وذلك في الأعمال الّتي تدخل تحت التّكليف، ثمّ قال تعالى مرشدًا عباده إلى سؤاله، وقد تكفّل لهم بالإجابة، كما أرشدهم وعلّمهم أن يقولوا: {ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا} أي: إن تركنا فرضًا على جهة النّسيان، أو فعلنا حرامًا كذلك، {أو أخطأنا} أي: الصواب في العمل، جهلًا منّا بوجهه الشّرعيّ.
وقد تقدّم في صحيح مسلمٍ لحديث أبي هريرة: «قال اللّه: نعم» ولحديث ابن عبّاسٍ قال اللّه: «قد فعلت».
وروى ابن ماجه في سننه، وابن حبّان في صحيحه من حديث أبي عمرٍو الأوزاعيّ، عن عطاءٍ -قال ابن ماجه في روايته: عن ابن عبّاسٍ. وقال الطّبرانيّ وابن حبّان: عن عطاءٍ، عن عبيد بن عمير، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان، وما استكرهوا عليه». وقد روي من طرق أخر وأعلّه أحمد وأبو حاتمٍ واللّه أعلم. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا أبو بكرٍ الهذليّ، عن شهرٍ، عن أمّ الدّرداء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عن ثلاثٍ: عن الخطأ، والنّسيان، والاستكراه» قال أبو بكرٍ: فذكرت ذلك للحسن، فقال: أجل، أما تقرأ بذلك قرآنًا: {ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.
وقوله: {ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا} أي: لا تكلّفنا من الأعمال الشّاقّة وإن أطقناها، كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والآصار الّتي كانت عليهم، الّتي بعثت نبيك محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم نبيّ الرّحمة بوضعه في شرعه الّذي أرسلته به، من الدّين الحنيف السّهل السّمح.
وقد ثبت في صحيح مسلمٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «قال اللّه: نعم».
وعن ابن عبّاسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:«قال اللّه: قد فعلت». وجاء الحديث من طرقٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «بعثت بالحنيفيّة السّمحة».
وقوله: {ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} أي: من التّكليف والمصائب والبلاء، لا تبتلينا بما لا قبل لنا به.
وقد قال مكحولٌ في قوله: {ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به} قال: «الغربة والغلمة»، رواه ابن أبي حاتمٍ، «قال اللّه: نعم» وفي الحديث الآخر: «قال اللّه: قد فعلت».
وقوله: {واعف عنّا} أي: فيما بيننا وبينك ممّا تعلمه من تقصيرنا وزللنا، {واغفر لنا} أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة، {وارحمنا} أي: فيما يستقبل، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنبٍ آخر، ولهذا قالوا: إنّ المذنب محتاجٌ إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو اللّه عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره. وقد تقدّم في الحديث «أنّ اللّه قال: نعم». وفي الحديث الآخر: «قال اللّه: قد فعلت».
وقوله: {أنت مولانا} أي: أنت وليّنا وناصرنا، وعليك توكّلنا، وأنت المستعان، وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة لنا إلّا بك {فانصرنا على القوم الكافرين} أي: الّذين جحدوا دينك، وأنكروا وحدانيّتك، ورسالة نبيّك، وعبدوا غيرك، وأشركوا معك من عبادك، فانصرنا عليهم، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدّنيا والآخرة، قال اللّه: نعم. وفي الحديث الّذي رواه مسلمٌ، عن ابن عبّاسٍ: «قال اللّه: قد فعلت».
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى بن إبراهيم، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق: «أنّ معاذًا، رضي اللّه عنه، كان إذا فرغ من هذه السّورة {فانصرنا على القوم الكافرين} قال: آمين».
ورواه وكيع عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ، عن معاذ بن جبلٍ: «أنّه كان إذا ختم البقرة قال: آمين» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 737-738]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة