تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين لا يشهدون الزّور} [الفرقان: 72] الشّرك.
وقال السّدّيّ: لا يحضرون الزّور، يعني مجالس الكذب والباطل.
{وإذا مرّوا باللّغو} [الفرقان: 72] الباطل، وهو ما فيه المشركون من الباطل.
وقال بعضهم: اللّغو هاهنا الشّتم والأذى.
قال: {مرّوا كرامًا} [الفرقان: 72] ليسوا من أهله.
سعيدٌ عن قتادة قال: {والّذين لا يشهدون الزّور وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} [الفرقان: 72] لا يشهدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالئونهم فيه). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين لا يشهدون الزّور...}
يقول: لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.
ويقال (أعياد المشركين لا يشهدونها) لأنها زور وكذب؛ إذ كانت لغير الله. وقوله: {باللّغو مرّوا كراماً} ذكر أنهم كانوا إذا أجروا ذكر النساء كنوا عن قبيح الكلام فيهنّ.
فذلك مرورهم به). [معاني القرآن: 2/274-273]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اللّغو} كل كلامٍ ليس بحسنٍ وهو في اليمين لا والله وبلى والله). [مجاز القرآن: 2/82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({مرّوا كراماً}: لم يخضوا فيه، وأكرموا أنفسهم عنه). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (والّذين لا يشهدون الزّور وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما}
قيل الزور الشرك باللّه، وجاء أيضا أنّهم لا يشهدون أعياد النصارى.
والذي جاء في الزور أنه الشرك باللّه، فأمّا النهي عن شهادة الزور في كتاب الله فقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما} تأويله أعرضوا عنه،
كما قال الله عزّ وجلّ: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه}
وتأويل {مرّوا باللّغو} مروا بجميع ما ينبغي أن يلغى.
ومعنى " يلغى " يطرح.
وجاء في التفسير أنّهم إذا أرادوا ذكر النكاح كنوا عنه.
وقال بعضهم: هو ذكر الرفث، والمعنى واحد.
وجاء أيضا أنهم لا يجالسون أهل اللغو وهم أهل المعاصي، ولا يمالئونهم عليها، أي يعاونونهم عليها.
وجاء أيضا في (لا يشهدون الزور) مجالس الغناء). [معاني القرآن: 4/77-76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين لا يشهدون الزور}
قال محمد بن الحنفية يعني الغناء
وقال الضحاك يعني الشرك
وأصل الزور في اللغة الكذب والشرك أشد الكذب
وقوله: {وإذا مروا باللغو مروا كراما}
قال الضحاك باللغو أي بالشرك
وروي عنه أيضا إذا ذكروا النكاح كنوا عنه
وقال الحسن اللغو المعاصي كلها
وأصل اللغو في اللغة ما ينبغي أن يلغى أي يطرح أي تركوه وأكرموا أنفسهم عنه). [معاني القرآن: 5/55-54]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم} [الفرقان: 73] القرآن.
{لم يخرّوا عليها صمًّا وعميانًا} [الفرقان: 73] لم يصمّوا عنها ولم يعموا عنها.
وقال قتادة: لم يصمّوا عن الحقّ ولم يعموا عنه). [تفسير القرآن العظيم: 1/492]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لم يخرّوا عليها صمّاً وعمياناً...}
يقال: إذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه. فذلك الخرور. وسمعت العرب تقول: قعد يشتمني، وأقبل يشتمني.
وأنشدني بعض العرب:
لا يقنع الجارية الخضاب=ولا الوشاحان ولا الجلباب
من دون أن تلتقي الأركاب=ويقعد الهن له لعاب
... يقال لموضع المذاكير: ركب. ويقعد كقولك: يصير). [معاني القرآن: 2/274]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لم يخرّوا عليها صماًّ وعمياناً} مجازه لم يقيموا عليها تاركين لها لم يقبلوها). [مجاز القرآن: 2/82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لم يخروا عليها صما}: لم يقيموا عليها، تاركين لها). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً} أي لم يتغافلوا عنها: فكأنهم صمّ لم يسمعوها، عمي لم يرها ).
[تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} إنْ ترجمته بمثل لفظه استغلق،
وإنْ قلت: لم يتغافلوا أدَّيت المعنى بلفظ آخر). [تأويل مشكل القرآن: 21-22]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا}
تأويله: إذا تليت عليهم خرّوا سجّدا وبكيّا، سامعين مبصرين لما أمروا به ونهوا عنه.
ودليل ذلك قوله: {وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدا وبكيّا}.
ومثل هذا من الشعر قوله:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم=ولم تكثر القتلى بها حين سلّت
تأويله: بأيدي رجال شاموا سيوفهم وقد كثرت القتلى، ومعنى يشيموا سيوفهم يغمدوا سيوفهم.
فالتأويل: والّذين إذا ذكروا بآيات ربّهم خرّوا ساجدين مطيعين). [معاني القرآن: 4/78-77]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا}
أي لم يتغافلوا عنها ويتركوها حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر). [معاني القرآن: 5/55]
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ} [الفرقان: 74]
[تفسير القرآن العظيم: 1/492]
تفسير ابن عبّاسٍ: أعوانًا على طاعة اللّه.
وتفسير الحسن: أي يرونهم مطيعين للّه.
قال: {واجعلنا للمتّقين إمامًا} [الفرقان: 74] قال قتادة: قادةً في الخير ودعاة هدًى يؤتمّ بهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وذرّيّاتنا...}
قرأ أصحاب عبد الله (وذرّيّتنا) والأكثر {وذرّيّاتنا} وقوله: {قرّة أعينٍ} ولو قيل: {عينٍ} كان صواباً كما قالت {قرّة عينٍ لي ولك} ولو قرئت: قرّات أعين لأنهم كثير كان صواباً. والوجه التقليل {قرّة أعين} لأنه فعلٌ والفعل لا (يكاد يجمع) ألا ترى أنه قال {لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً} فلم يجمعه وهو كثيرٌ. والقرّة مصدرٌ. تقول: قرّت عينك قرّةً.
وقوله: {للمتّقين إماماً} ولم يقل: أئمّةً وهو واحدٌ يجوز في الكلام أن تقول: أصحاب محمد أئمّة الناس وإمام الناس كما قال {إنّا رسول ربّ العالمين} للاثنين ومعناه: اجعنا أئمّةً يقتدى بنا. وقال مجاهد: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدى بنا من بعدنا). [معاني القرآن: 2/274]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ واجعلنا للمتّقين إماماً}
وقال: {للمتّقين إماماً} فـ"الإمام" ههنا جماعة كما قال: {فإنّهم عدوٌّ لي} ويكون على الحكاية كما يقول الرجل إذا قيل له: "من أميركم" قال: "هؤلاء أميرنا" وقال الشاعر:
يا عاذلاتي لا تردن ملامتي = إنّ العواذل ليس لي بأمير).
[معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {واجعلنا للمتقين إماما}: أي أمة وقد يقال في الكلام: أصحاب محمد يقتدى بهم. ومثله {والملائكة بعد ذلك ظهير}
والظهير: العون). [غريب القرآن وتفسيره: 279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من
الإنسان، يعني العجلة. كذلك قال أبو عبيدة.
ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب، ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم. وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، أو لاستقامة وزن البيت.
فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وحذف ومثلنا، لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة، كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي:اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون).
[تأويل مشكل القرآن: 197-205] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين واجعلنا للمتّقين إماما}
(وذرّيّتنا)
ويقرأ (وذرّيّاتنا) - سألوا أن يلحق اللّه بهم ذريتهم في الجنة، وأن يجعل أهلهم تقر بهم أعينهم.
{واجعلنا للمتقين إماما} أي واجعلنا ممن يهتدي به المتقون، ويهتدي بالمتقين). [معاني القرآن: 4/78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}
قال الضحاك أي مطيعين لك
ثم قال: {واجعلنا للمتقين إماما}
قال الضحاك أي اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير
وقال الحسن أي اجعلنا نقتدي بالمتقين الذين قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا). [معاني القرآن: 5/55]
تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أولئك يجزون الغرفة} [الفرقان: 75] كقوله: {وهم في الغرفات آمنون} [سبأ: 37] قوله: {بما صبروا} [الفرقان: 75] على طاعة اللّه وعن معصية اللّه.
{ويلقّون فيها} [الفرقان: 75] الجنّة.
{تحيّةً وسلامًا} [الفرقان: 75] التّحيّة السّلام، والسّلام الخير الكثير.
كقوله: {من كلّ أمرٍ {4} سلامٌ هي} [القدر: 4-5] حدّثنا عبد الوهّاب بن مجاهدٍ، عن أبيه قال: {من كلّ أمرٍ {4} سلامٌ هي} [القدر: 4-5]، خيرٌ كلّها {حتّى مطلع الفجر} [القدر: 5] يعني ليلة القدر). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويلقون...}
و{يلقّون فيها} كل قد قرئ به و{يلقون} أعجب إليّ؛ لأنّ القراءة لو كانت على {يلقّون} كانت بالباء في العربيّة؛ لأنك تقول: فلان يتلقّى بالسّلام وبالخير. وهو صواب يلقّونه ويلقّون به كما تقول: أخذت بالخطام وأخذته). [معاني القرآن: 2/275]
تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {خالدين فيها} [الفرقان: 76] لا يموتون ولا يخرجون منها.
{حسنت مستقرًّا} [الفرقان: 76] قرارهم فيها.
قوله: {ومقامًا} [الفرقان: 76] منزلًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/493]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل ما يعبأ بكم ربّي} [الفرقان: 77] ما يفعل بكم ربّي.
{لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77] لولا توحيدكم وإخلاصكم كقوله: {فادعوا اللّه مخلصين له الدّين} [غافر: 14] قال: {فقد كذّبتم} [الفرقان: 77] يعني المشركين.
{فسوف يكون لزامًا} [الفرقان: 77] أخذًا بالعذاب.
يعدهم بيوم بدرٍ.
سعيدٌ عن قتادة قال: كنّا نحدّث أنّه يوم بدرٍ.
فألزمهم اللّه يوم بدرٍ عقوبة كفرهمٍ وجحودهم، فعذّبهم بالسّيف يوم بدرٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/493]
وبلغني عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه كان يقول: قد مضت البطشة الكبرى يوم بدرٍ.
واللّزام والدّخان: الجوع الّذي كان أصابهم بمكّة، والرّوم، والقمر.
قال يحيى: يعني قوله: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر} [القمر: 1].
وأمّا الرّوم فإنّهم غلبوا فارس، وغلب المسلمون المشركين في يومٍ واحدٍ.
وقوله: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} [القمر: 45] يوم بدرٍ.
وقوله: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ} [المؤمنون: 77] يوم بدرٍ.
وقوله: {العذاب الأدنى} [السجدة: 21] يوم بدرٍ.
وقوله: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك} [الطور: 47] يوم بدرٍ.
وقوله: {قل يوم الفتح لا ينفع الّذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون} [السجدة: 29] يوم بدرٍ في قول بعضهم.
وقول الحسن: النّفخة الأولى بها يهلك آخر كفّار هذه الأمّة.
- عثمان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: ثلاث آياتٍ قد مضين، اثنتان منهم يوم بدرٍ، يومٌ ذو عذابٍ شديدٍ، {سيهزم الجمع} [القمر: 45]، {وانشقّ القمر} [القمر: 1] عثمان عن الأعمش أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/494]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما يعبأ بكم ربّي...}
ما استفهام أي ما يصنع بكم {لولا دعاؤكم} لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام {فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً} نصبت اللزام لأنك أضمرت في (يكون) اسماً إن شئت كان مجهولاً فيكون بمنزله قوله في قراءة أبيّ (وإن كان ذا عسرةٍ) وإن شئت جعلت فسوف يكون تكذيبكم عذاباً لازماً ذكر أنه ما نزل بهم يوم بدرٍ. والرفع فيه جائز لو أتى. وقد تقول العرب: لأضربنّك ضربةً تكون لزام يا هذا، تخفض كما تقول: دراك ونظار. وأنشد.
لا زلت محتملاً عليّ ضغينةً =حتى الممات تكون منك لزام
قال: أنشدناه في المصادر). [معاني القرآن: 2/275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قل ما يعبأ بكم ربّي} ومنه قولهم ما عبأت بك شيئاً أي ما عددتك شيئاً). [مجاز القرآن: 2/82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فسوف يكون لزاماً} أي جزاء وهو الفيصل قال الهذلي:
فإما ينجوا من حتف يومٍ=فقد لقيا حتوفهما لزاما
يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر وله موضع آخر فسوف يكون هلاكا قال أبو ذؤيب:
ففاجئه بعاديةٍ لزامٍ=كام يتفجّر الحوض اللقيف
الحوض اللقيف الذي قد تهدمت حجارته سقط بعضها على بعض ؛ لزام أي كثيرة بعضها في إثر بعض). [مجاز القرآن: 2/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً}
وقال: {ما يعبأ بكم} لأنّها من "عبأت به" فـ"أنّا أعبأ به" "عبأً"). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ما يعبأ بكم ربي}: ما عبأت به شيئا أي ما صنعت به شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 280]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قل ما يعبؤا بكم ربّي} مفسر في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 315]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}
في هذه الآية مضمر وله أشكلت: أي ما يعبأ بعذابكم ربّي لولا ما تدعونه من دونه من الشريك والولد. ويوضّح ذلك قوله: فسوف يكون لزاماً أي يكون العذاب لمن كذّب ودعا من دونه إلها- لازما.
ومثله من المضمر الشاعر:
من شاء دلّى النّفس في هوّة ضنك، ولكن من له بالمضيق
أراد: ولكن من له بالخروج من المضيق؟
وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}، أي من كان يريد علم العزّة: لمن هي؟ فإنها لله تعالى). [تأويل مشكل القرآن: 438]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما}
أي لولا توحيدكم إياه.
وجاء في التفسير {ما يعبأ بكم} ما يفعل بكم وتأويل {ما يعبأ بكم} أي: أيّ وزن يكون لكم عنده، كما تقول: ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن ولا قدر.
وأصل العبء في اللغة الثقل، ومن ذلك عبأت المتاع جعلت بعضه على بعض.
وقوله: {فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما} جاء في التفسير عن الجماعة أنه يعنى به يوم بدر، وجاء أنه لوزم بين القتلى لزاما.
وقرئت (لزاما)، وتأويله - واللّه أعلم - فسوف يكون تكذيبكم لزاما، يلزمكم فلا تعطون التوبة وتلزمكم العقوبة، فيدخل في هذا يوم بدر.
وغيره مما يلزمهم من العذاب.
وقال أبو عبيدة: لزاما فيصلا، وهو قريب مما قلنا، إلا أن القول أشرح.
وأنشد أبو عبيدة لصخر أخي الهذلي: فإمّا ينجوا من حتف أرض=فقد لقيا حتوفهما لزاما
وتأويل هذا أن الحتف إذا كان مقدرا فهو لازم، وإن نجا من حتف مكان لحقه في مكان آخر لازما له لزاما.
ومن قرأ (لزاما) بفتح اللام، فهو على مصدر لزم لزاما). [معاني القرآن: 4/79-78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه
وهذا أحسن ما قيل في الآية كما قال جل وعز: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}
وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل وقول الشاعر:
كأن بصدره وبجانبيه = عبيرا بات يعبأه عروس
أي يجعل بعضه على بعض
أي أي وزن لكم عند ربكم لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى طاعته
وقال القتبي المعنى ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره أي لولا شرككم
ثم قال سبحانه: {فقد كذبتم فسوف يكون لزاما}
روى مسروق عن عبد الله قال يعني يوم بدر
وكذلك قال مجاهد والضحاك
قال أبو إسحاق أي فسوف يكون التكذيب لازما يلزمكم ولا تعطون التوبة
وقال القتبي أي فسوف يكون العذاب لزاما
وقال أبو عبيدة لزاما أي فيصلا
وقال مسلم بن عمار سمعت ابن عباس يقرؤها فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما
وقال أبو زيد سمعت قعنبا يقرأ فسوف يكون لزاما بفتح اللام
قال أبو جعفر وهذا مصدر لزم والأول مصدر لزم
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يقول لولا إيمانكم
وأخبر الله جل وعز الكفار أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين فسوف يكون لزاما قال يقول موتا).
[معاني القرآن: 5/58-56]