باب ضمائر الفصل
باب: أنا وأنت وأنت وأنتما وأنتم أنتن
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب: أنا وأنت وأنت وأنتما وأنتم أنتن
اعلم أن هذه الألفاظ أصلها ضمائر منفصلةٌ تعودُ على متكلمٍ أو مخاطبٍ مذكرًا أو مؤنثًا مفردًا أو مثنى أو مجموعًا، ويجري مجراها «نحن» من باب النون، و«هو وهي وهما وهم وهن» من باب الهاء، فهي بالعودة على الأسماء أسماء، وهي في موضع معمولاتٍ إذا كانت أسماء، وإنما ذكرتها في الحروف لأنها قد تكون في بعض المواضع ليس لها محل من الإعراب فليست بأسماءٍ، فيحكم عليها بالحرفية، وذلك في باب الفصل الذي يسميه الكوفيون العماد.
وإنما سماه البصريون باب الفصل لأن هذه الألفاظ المذكورة يُفصل بها بين الخبر وذي الخبر من غير اعتدادٍ بها في الإعراب، ولا احتياج إليها في العودة على الأسماء وإنما وضعت تأكيدًا.
وسماه الكوفيون عمادًا لأن ما بعدها قد يعتمد عليه في بعض المواضع فيه، ويجعلونها حينئذٍ أسماء.
والصحيح أنها في هذا الباب حروف لا يحتاجإليها في العودة ولا يكون لها في بعض المواضع فيه محل إعراب.
وهذه الألفاظ تدخل بين المبتدأ والخبر، أو ما أصله المبتدأ والخبر، وذلك في باب «كان» وأخواتها، وفي باب «ظننت» وأخواتها، وفي باب «أعلمت» وأخواتها، وفي باب «ما» النافية و«لا» أختها عند بعضهم، وفي باب «لا» التي لنفي الجنس، إلا أنه بشرط [أن يكون] المبتدأ والخبر معرفتين،
وما أصله كذلك، أو نكرتين تقاربان المعرفة، وذلك للفصل [بين معرفتين أو] بين معرفة ونكرة كذلك، فتقول: زيد هو القائم، وإن زيدًا هو القائم، وكان زيد هو القائم، وظننت زيدًا هو القائم، وأعلمت زيدُا عمرًا هو القائم، وما زيد هو القائم، ولا رجلٌ هو أفضل منك، ولا رجل هو أفضل منك، وتقول في المعرفة والنكرة التي تقاربُ المعرفة لأنها لا تقبل الألف واللام كما لا تقبلها المعرفة، ولذلك صح الابتداء بها.
إلا أن هذه الألفاظ المذكورة لا تظهر حرفيتها نصًا إلا إذا كان الخبرُ منصوبً ظاهر الإعراب، وذلك في باب «كان» وفي باب «ظننت» وفي باب «أعلمت» وفي باب «ما» الحجازية ولا المشبهتين بـ «ليس» المذكورة تماثيلها قبل، ولا تظهر في باب المبتدأ ولا في باب «إن» ولا في باب لا النافية للجنس لارتفاع أخبارها، فتكون هذه الألفاظ إن شئت فصلًا، وإن شئت مبتدآتٍ وما بعدها أخبارها، وتكون إذ ذاك أسماءً، وليست غرضنا إلا إذا كانت فصلًا، وكذلك إذا لم يظهر الإعرابُ في أخبارها [فلا] تحتاج إلى خبرٍ منصوبٍ لكونه مبنيًا أو مقصورًا أو مضافًا إلى [ياء] المتكلم، نحو: كان زيدٌ هذا، وكان زيد المعطى وكان زيدٌ غلامي، وكذلك الحكمُ في باب «ظننت» و«أعلمت» و«ما» و«لا» المشبهتين بـ «ليس».
واعلم أن هذه الألفاظ إذا انتصب ما بعدها من الأخبار المذكورة فلا يصح أن تقع مبتدآت لبقائها دون أخبار، وإذا وقعت بين منصوبين في باب «ظننت» و«أعلمت» فلا يصح فيها أن تكون تابعة لما قبلها على البدل؛ لأن ما قبلها واضحُ البيان لظهوره، ولا يبين ظاهرُ بمضرٍ لعكس معنى
البدل، ولأن صيغة المرفوع لا تتبع المنصوب ولا المخفوض إلا نادرًا، نحو: مررت بك أنت.
واعلم أن هذه الألفاظ تجري [على] ما قبلها من الإفراد أو التثنية أو الجمع أو التذكير أو التأنيث أو الحضور، فتقول: زيدٌ والقائم، وأنا أنا القائم، وظننتكما أنتما القائمين، وظننتنا نحن القائمين، أو نحن القائمين، وظننتكن أنتن القائمات، قال الله تعالى: {إنكم أنتم الظالمون}، و{اللهم إن كان هذا هو الحق من عند}، و{كنا نحن الوارثين}، {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} {كنت أنت الرقيب عليهم}، {ولكن كانوا هم الظالمين}، فأما قول الشاعر:
وكائن بالأباطح من صديقٍ = يراني لو أصبت هو المصابا
فهو على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال: يرى مصابي هو المصاب، ولولا ذلك لقال: أنا المصابا.
وقد حكى الأخفش دخول الفصل بين الحال وذي الحال نحو: جاءني زيد هو ضاحكًا، ولا يقاس عليه لقلته.
وما عدا هذه المواضع التي ذكرنا فإن هذه الألفاظ فيه ضمائرُ أسماءٍ فاعرفه، والله الموفق). [رصف المباني: 128 - 130]