عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:31 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (67) إلى الآية (74) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}


قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (أتتّخذنا هزوًا)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي (هزؤًا)، و(كفؤًا) بالهمز والتخفيف، واختلف عن نافع وعاصم، وأما
[معاني القراءات وعللها: 1/155]
حمزة فإنه قرأ (كفؤا) " و(هزؤا)، وهما لغتان جيدتان، فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: أتتخذنا هزؤا [البقرة/ 67] في الهمز وتركه، والتخفيف والتثقيل، وكذلك جزا وكفواً [الإخلاص/ 4].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائيّ: هزواً، وكفواً بضمّ الفاء والزّاي والهمز، وجزا بإسكان الزاي والهمز.
وروى القصبيّ عن عبد الوارث عن أبي عمرو، واليزيديّ أيضا عن أبي عمرو: أنه خفّف «جزا» وثقل «هزواً، وكفواً».
وروى عليّ بن نصر وعباس بن الفضل عنه أنه خفّف «جزءا وكف ءا».
[الحجة للقراء السبعة: 2/100]
وروى محبوب عنه «كف ءا» خفيفا.
وروى أبو زيد وعبد الوارث في رواية أبي معمر أنه خيّر بين التّثقيل والتّخفيف.
وروى الأصمعيّ أنّه خفّف «هزءا وجزءا». وقرأهنّ حمزة ثلاثهنّ بالهمز أيضا. غير أنه كان يسكّن الزّاي من قوله «هزءا»، والفاء من قوله: «كف ءا» والزّاي من «جزء»، وإذا وقف قال: «هزوا» بلا همز، ويسكّن الزاي والفاء، ويثبت الواو بعد الزّاي وبعد الفاء، ولا يهمز، ووقف على قوله: «جزّا» بفتح الزّاي من غير همز، حكى ذلك أبو هشام عن سليم عن حمزة يرجع في الوقف إلى الكتاب.
واختلف عن عاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عنه:
«جزؤا وهزؤا وكفؤا» مثقّلات مهموزات. وروى حفص:
أنه لم يهمز «هزوا ولا كفوا» ويثقّلهما، وأثبت الواو وهمز «جزءا» وخفّفها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/101]
[حدثنا أبو بكر بن مجاهد قال]: حدثني وهيب بن عبد الله، عن الحسن بن المبارك، عن عمرو بن الصّباح، عن حفص، عن عاصم: «هزوا وكفوا» يثقّل ولا يهمز. ويقرأ «جزءا» مقطوعا بلا واو، يهمز ويخفّف. وكذلك قال هبيرة عن حفص عن عاصم «جزءا» خفيف مهموز. وحدّثني وهيب بن عبد الله المروذيّ قال: حدّثنا الحسن بن المبارك قال: قال أبو حفص: وحدّثني سهل أبو عمرو عن أبي عمر عن عاصم أنه كان يقرأ: «هزؤا وكفوا» يثقّل، فربما همز، وربّما لم يهمز. قال: وكان أكثر قراءته ترك الهمز.
حدّثني محمد بن سعد العوفيّ عن أبيه، عن حفص عن عاصم أنه لا ينقص، نحو «هزؤا وكفؤا» ويقول: أكره أن تذهب عني عشر حسنات بحرف أدعه إذا همزته. وذكر عاصم أن أبا عبد الرحمن السلميّ كان يقول ذلك، وروى حسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم «هزوا وكفوا» بواو ولم يذكر الهمز.
[الحجة للقراء السبعة: 2/102]
وروى المفضّل عن عاصم «هزءا» مهموزا ساكنة الزاي في كل القرآن.
واختلفوا عن نافع في ذلك، فروى ابن جمّاز وورش وخلف بن هشام عن المسيّبي وأحمد بن صالح المصري عن قالون: أنه ثقّل «هزؤا وكفؤا» وهمزهما [وخفف جزءا وهمزها] وكذلك قال يعقوب بن حفص عنه.
وقال إسماعيل بن جعفر عن نافع وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع «هزءا وجزءا وكف ءا» مخففات مهموزات.
وأخبرني محمد بن الفرج، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن نافع، وحدثنا القاضي عن قالون، عن نافع: أنه ثقّل (هزؤا) وهمزها، وخفّف (جزءا وكفؤا) وهمزهما.
وقال الحلوانيّ عن قالون: أنّه ثقّل (كفؤا) أيضا.
حدثني أبو سعيد البصريّ الحارثيّ عن الأصمعيّ عن
[الحجة للقراء السبعة: 2/103]
نافع أنه قرأ: «هزؤا» مثقّلة مهموزة.
وروى أبو قرّة عن نافع: هزءا خفيفة مهموزة. ولم يذكر غير هذا الحرف.
قال أبو زيد: هزئت هزءا ومهزأة. وقال: [أبو علي:
قوله تعالى] أتتّخذنا هزواً فلا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون المضاف محذوفا، لأن (الهزء) حدث، والمفعول الثاني في هذا الفعل يكون الأول، قال: لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء [الممتحنة/ 1] أو يكون: جعل الهزء المهزوء به مثل: الخلق، والصيد في قوله: أحلّ لكم صيد البحر [المائدة/ 96] ونحوه.
فأما قوله: لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزواً ولعباً [المائدة/ 57]. فلا تحتاج فيه إلى تقدير محذوف مضاف كما احتجت في الآية الأخرى، لأن الدّين ليس بعين.
وقول موسى عليه السلام: أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين [البقرة/ 67]
[الحجة للقراء السبعة: 2/104]
في جواب: أتتخذنا هزؤا يدلّ على أن الهازئ جاهل.
قال أبو الحسن: زعم عيسى أنّ كلّ اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فمن العرب من يثقّله ومنهم من يخفّفه، نحو: العسر واليسر والحكم والرّحم، فممّا يقوي هذه الحكاية أن ما كان على فعل من الجموع، مثل: كتاب، وكتب، ورسول ورسل، قد استمرّ فيه الوجهان، فقالوا: رسل، ورسل، حتى جاء ذلك في العين إذا كانت واوا نحو:
...... سوك الإسحل ونحو قوله:
وفي الأكفّ اللامعات سور
[الحجة للقراء السبعة: 2/105]
وحكى أبو زيد: قوم قول. فأما فعل في جمع أفعل نحو: أحمر وحمر: فكأنهم ألزموه الإسكان للفصل بين الجمعين. وقد جاء فيه التحريك في الشعر، وإذا كان الأمر على هذا يجب أن يكون ذلك مستمرا في نحو: الجزء، والكفء، والهزء. إلّا أنّ من ثقّل فقال: رأيت جزؤا، وكفؤا، فجاء به مثقّل العين محقّق الهمزة، فله أن يخفّف الهمزة، فإذا خفّفها وقد ضمّ العين لزم أن يقلبها واوا فيقول: رأيت جزوا، ولم يكن له كفواً أحدٌ [الإخلاص/ 4]. فإن خفّف كما يخفف الرحم فأسكن العين، قال: هزواً وجزوا فأبقى الواو التي انقلبت عن الهمزة لانضمام ما قبلها، وإن لم تكن ضمة العين في اللفظ لأنها مرادة في المعنى، كما قالوا: لقضو الرجل، فأبقوا الواو ولم يردّوا اللام التي هي ياء من قضيت، لأن الضمة وإن كانت محذوفة من اللفظ مرادة في المعنى.
وكذلك قالوا: رضي زيد، فيمن قال: علم ذاك، فلم يردّوا الواو التي هي لام لزوال الكسرة، لأنها مقدّرة مرادة، وإن كانت محذوفة من اللفظ. ومما يقوي أنّ هذه الحركة، وإن كانت محذوفة في اللفظ، مرادة في التقدير- رفضهم جمع كساء، وغطاء، ونحوه من المعتل اللام على فعل. ألا ترى أنّهم رفضوا جمعه على فعل لمّا كان في تقدير فعل، واقتصروا على أدنى العدد، نحو: أغطية وأكسية، وخباء وأخبية، فكذلك تقول: رأيت كفوا، فتثبت الواو وإن كنت قد حذفت الضمة الموجبة لاجتلابها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/106]
فأما من أسكن فقال: (الجزء والكفء)، كما تقول:
اليسر، فتكلّم به مسكّن العين، وخفّف الهمزة على هذا، فإنّ تخفيف الهمزة في قوله: أن يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها. فيقول: رأيت جزا، كما يقول: يخرج الخب في السماوات [النمل/ 25] فإذا وقف على هذا في القول الشائع، أبدل من التنوين الألف كما تقول: رأيت زيدا، فإذا وقف في الرفع والجرّ، حذف الألف كما يحذف من يد، وغد، فيهما. وعلى ما وصفنا تقول: لبؤة، فإذا خففت الهمزة قلت: لبوة، فإن أسكنت العين في من قال: عضد، وسبع، قلت: لبوة فلم تردّ الهمزة لتقدير الحركة،
وزعموا أنّ بعضهم قال: لباة، فهذا كأنّه كان: لبأة، ساكن العين ولم يقدّر فيها الحركة التي في لبؤة فخفّفها على قول من قال: «المراة والكماة» وليس هذا مما يقدح فيما حكاه عيسى. ألا ترى أنّهم قد قالوا: رضيوا، فجعلوا السكون الذي في تقدير الحركة بمنزلة السكون الذي لا تقدّر فيه الحركة، ولولا ذلك للزم حذف الياء التي هي لام كما لزم حذفها في قول من حرّك العين ولم يسكن.
فإذا كان الأمر في هذه الحروف على ما ذكرنا، فقراءة من قرأ بالضم وتحقيق الهمز في الجواز والحسن، كقراءة من
[الحجة للقراء السبعة: 2/107]
قرأ بالإسكان وقلب الهمزة واوا، لأنه تخفيف قياسيّ. ويجوز أن يأخذ الآخذ باللغتين جميعا كما روى أبو زيد عن أبي عمرو، أنه خيّر بين التخفيف والتثقيل. فأمّا قراءة حمزة للحروف الثلاثة بالإسكان والهمز فعلى قول من قال: اليسر والرّحم.
فأما اختياره في الوقف: هزواً بإسكان الزاي، وإثبات الواو بعدها، وبعد الفاء من كفو ورفضه الهمز في الوقف، فإنه ترك الهمز في الوقف هنا كما تركه في غير هذا الموضع ووجه تركه الهمز في الوقف أن الهمزة حرف قد غيّر في الوقف كثيرا. ألا ترى أنها لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة، فإذا كانت ساكنة، لزمها بدل الألف إذا انفتح ما قبلها. وبدل الياء إذا انكسر ما قبلها، وبدل الواو إذا انضمّ ما قبلها في لغة أهل الحجاز، وذلك قولك: لم أقرأ، تبدلها ألفا، ولم أهني تبدلها ياء، وهذه أكمو، تبدلها واوا.
فإذا كانت متحركة لزمها القلب في نحو: هذا الكلو، وبالكلي، ورأيت الكلا. فلما رأى هذه التغييرات تعتقب عليها في الوقف، غيّرها فيه. ألا ترى أن الهمزة الموقوف عليها لا تخلو من أن تكون في الوصل ساكنة أو متحركة، وقد تعاورها ما ذكرنا من التغيير في حال حركتها وسكونها، ألزمها التغيير في الوقف ولم يحقّقها فيه، لأن الوقف موضع يغيّر فيه الحروف التي لم تتغيّر تغيّر الهمزة فألزمها في الوقف التغيير، ولم يستعمل فيه التحقيق، لما رأى من حال الهمز في الوقف.
[الحجة للقراء السبعة: 2/108]
فإن قلت: فإنه قد غيّر ذلك في الوقف وإن لم يكن الهمز آخر الحرف الموقوف عليه: نحو يستهزؤن [النحل/ 34].
قيل: إن الوقف قد يغيّر فيه الحرف الذي قبل الحرف الموقوف عليه نحو: النقر والرّحل، فصار لذلك بمنزلة الموقوف عليه في التغيير.
فإن قلت: إن الهمزة في يستهزؤن ليس على حدّ النّقر.
قيل: يجوز أن تكون النون لما كانت تسقط للجزم والنصب عنده لم يعتدّ بها كما لا يعتدّ بأشياء كثيرة لا تلزم.
ويؤكد ذلك، أن النون إعراب وأنها بمنزلة الحركة من حيث كان إعرابا مثلها، فلم يعتدّ بها كما لا يعتدّ بالحركة.
فاختياره في الدّرج التحقيق، وفي الوقف التخفيف، مذهب حسن متجه في القياس. فأمّا وقفه على قوله: جزا بفتح الزاي من غير همز، فعلى قياس قوله: كفوا وهزوا.
ألا ترى أن (الجزء)، من أسكن العين منه فقياسه في الوقف في النصب جزا إذا وقف على قوله: وجعلوا له من عباده جزا [الزخرف/ 15] فإن وقف في الجرّ والرّفع، أسكن الزّاي في اللغة الشائعة فقال: هذا جز، ومررت بجز، وإن كان ممّن يقول: هذا فرجّ، فثقّل، لزمه أن يثقّل الحرف
[الحجة للقراء السبعة: 2/109]
الذي ألقى عليه حركة الهمزة. فإذا عضد هذا القياس أن يكون الكتاب عليه، جمع إليه موافقة الكتاب، وإنما جاء الكتاب فيما نرى على هذا القياس. وكذلك قراءة عاصم، وما روي عنه في ذلك، ليس يخرج من حكم التحقيق والتخفيف، والتخيير فيهما. وكذلك قول نافع ليس يخرج عما ذكرنا من حكم التحقيق والتخفيف). [الحجة للقراء السبعة: 2/110]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فتوبوا إلى بارئكم} {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}
[حجة القراءات: 96]
قرأ أبو عمرو إلى بارئكم ويأمركم وينصركم بالاختلاس وحجته في ذلك أنه كره كثرة الحركات في الكلمة الواحدة وروي عنه إسكان الهمزة قال الشّاعر:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
والكلام الصّحيح يا صاحب أقبل أو يا صاحب اقبل
وقرأ الباقون بارئكم ويأمركم بالإشباع على أصل الكلمة وهو الصّواب ليوفى كل حرف حقه من الإعراب). [حجة القراءات: 97] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا أتتخذنا هزوا}
قرأ حمزة وإسماعيل عن نافع هزءا ساكنة الزّاي وقرأ
[حجة القراءات: 100]
الباقون هزؤا بضم الزّاي وهما لغتان التّخفيف لغة تميم والتثقيل لغة أهل الحجاز
قال الأخفش وزعم عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه نحو اليسر واليسر والعسر والعسر فمن خفف طلب التّخفيف لأنّه استثقل ضمتين في كلمة واحدة
وقرأ حفص هزوا بغير همز لأنّه كره الهمز بعد ضمتين في كلمة واحدة فلينها). [حجة القراءات: 101]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (41- قوله: «هزوا، وكفوا، وجزءا» قرأه حمزة بإسكان الزاي والفاء، وضمها الباقون، وكلهم همز إلا حفصًا، فإنه أبدل من الهمزة واوًا مفتوحة، على أصل التخفيف؛ لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة، فهي تجري على البدل كقوله: «السفهاء لا» في قراءة الحرميين وأبي عمرو، كذلك يفعل حمزة إذا وقف كأنه يعمل الضمة التي كانت على الزاي والفاء في الأصل، وكان يجب عليه على أصل التخفيف لو تابع لفظه، أن يُلقي حركة الهمزة على الساكن الذي قبلها، كما يفعل في «جزءا» فقال في الوقف «جُزا» فكان يجب أن يقول: «كفا، وهزا» لكنه رفض ذلك لئلا يخالف الخط، فأعمل الضمة الأصلية التي كانت على الزاي والفاء في الهمزة، فأبدل منها واوًا مفتوحة، ليوافق الخط، ثم يأتي بالألف التي هي عوض من التنوين، بعد ذلك. وكل القراء أسكن الزاي من «جزءا» إلا أبا بكر فإنه ضمها، فأما «جزء» المرفوع فأبو بكر يضم الزاي وحده، وكلهم همزه إلا حمزة وهشامًا إذا وقفا،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/247]
فإنهما يُلقيان حركة الهمزة على الزاي، ويقفان بالروم لتلك الحركة، أو بالإشمام، فمن ضم الزاي والفاء أتى بهما على الأصل، ومن أسكنهما فعلى الاستخفاف، وهي لغة للعرب، حكى الأخفش عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف، أوله مضموم، ففيه لغتان: التثقيل والتخفيف نحو: «اليسر، والعسر، والهزؤ» ومثله ما كان من المجموع على «فعل» لك فيه التخفيف والتثقيل أيضًا، وقد تقدم ذكر علل تخفيف الهمزة وأحكامه، لكن لتخفيف الهمزة في: «هزوا وكفوا» مزية على ما تقدم، وذلك لما فيه من الثقل، لهمزة وضمتان في الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/248]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {هُزُوًا} [آية/ 67] و{جُزْؤًا} و{كُفْؤًا}:-
قرأها حمزة و- يل- عن نافع مخففات مهموزات.
وقرأ ياش- عن عاصم بالهمز والتثقيل في الأحرف الثلاثة.
و- ص- عن عاصم بالواو والتثقيل في {هُزُوًا} و{كُفُوًا} فقط، وهَمَزَ {جُزْءًا} وخففها.
وقرأ يعقوب {هُزُؤًا} بالتثقيل والهمز، وخفف {جُزْءًا} و{كُفْؤًا} وهمزهما.
و- ش- و- ن- عن نافع {كُفُؤًا} و{هُزُؤًا} بالتثقيل والهمز، و{جزْءًا} بالتخفيف والهمز.
وكذلك قراءة الباقين.
وكان حمزة يترك الهمز في الوقف، فيقف في {هزوًا} و{كفوًا} على التثقيل والواو، وفي {جُزَا} على فتح الزاي من غير همز.
[الموضح: 281]
الباقون يقفون كما يصلون إلا في المنون يبدلون من التنوين ألفًا كسائر الأسماء.
اعلم أن كل ما كان على فعل مضموم الفاء، فإن للعرب فيه وجهين:
أحدهما: تسكين عينه، والآخر: تحريكها بالضم، وذلك كاليسر واليسر ونحوه.
وقد استمرت هذه الطريقة في الجمع أيضًا فقالوا: كتب وكتب ونحوه، فإذا صح ذلك فإن تسكين العين في هزو وجزو وكفو وتحريكها معًا جائزان، ثم إن آخر الكلمة همزة، وتحقيق الهمزة وتخفيفها معًا فيها جائزان، وقد تمسك بكل واحد من هذه الأوجه الجائزة قوم، ومن ذلك حصل الاختلاف، فاذا حركت العين بالضم وأريد تخفيف الهمزة وجب قلبها واوًا لضمة ما قبلها، فيقال: رأيت كفوًا، فإن سكنت العين بعد تخفيف الهمزة أبقيت الواو المنقلبة عن الهمزة بحالها فيقال: كفوًا؛ لأن الضمة وإن زالت في اللفظ فهي في حكم الثبات؛ لأنها مرادة في المعنى، فأما إذا سكنت العين من أول الأمر على لغة من قال: اليسر بالإسكان، فأريد تخفيف الهمزة من الهزء، فإن تخفيفها إنما هو بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها، وذلك أن تقول: رأيت جزًا وكفًا بغير همز، وهذا جز وكف، ومررت بجز وكفٍ كيد ودم.
وأما ترك حمزة الهمزة في حال الوقف؛ فلأن الهمزة كثيرًا ما تغير في الوقف، ألا ترى أنك تبدل منها في حال الوقف حروف العلة على حسب حركات ما قبلها إن كانت ساكنةً، وعلى حسب حركات أنفسها إن كانت متحركةً.
فالساكنة نحو: لم أقرا ولم أهني وهذه أكمو، والمتحركة: هذا الكلو
[الموضح: 282]
ومررت بالكلي ورأيت الكلا، فإنما ذلك لأن الوقف موضع تغييرٍ، والهمزة قد تغير في غير حال الوقف فلأن تغير في حال الوقف أولى.
فلما كان كذلك اختار حمزة ترك الهمزة في حال الوقف). [الموضح: 283]

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}


قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}

قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}

قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من خشية اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (74)
قرأ ابن كثير ها هنا: (عمّا يعملون) - بالياء -.
وقوله: (إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (85) ) - بالياء - وقوله: (الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (144)) - بالياء - في هذه الثلاثة المواضع، وقرأ الباقي - بالتاء - وقرأ أبو عمرو في موضعين بالياء، قوله: (الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (144)، وقوله: (للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (149). والباقي بالتاء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية
[معاني القراءات وعللها: 1/156]
أبي بكر ويعقوب في موضعين بالياء، وهو قوله: (إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (85)، و: (الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون).
وروى حفص عن عاصم موضعا بالياء، قوله: (الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (144).
هذه وحدها بالياء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء وهي ستة مواضع: خمسة في البقرة، وواحدة في آل عمران، رأس تسع وتسعين منها.
قال أبو منصور: من قرأ (يعملون) فعلى الإخبار عنهم، ومن قرأ بالتاء فهو مخاطبة لهم). [معاني القراءات وعللها: 1/157]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والياء في قوله: وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون [البقرة/ 74]. فقرأ ابن كثير كلّ ما في القرآن من قوله: وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء، إلا ثلاثة أحرف: قوله: لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما يعملون [البقرة/ 74] بالياء وقوله: يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون [البقرة/ 85] بالياء.
وقوله: ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون [البقرة/ 144]، بالياء. وقرأ ما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء [الأنعام/ 132 والنمل/ 93].
وقرأ نافع من هذه الثلاثة الأحرف حرفين بالياء: قوله:
إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون بالياء، وكذلك:
ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وسائر القرآن بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/110]
وكذلك قرأ ما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون. بالتاء، وهما حرفان في آخر سورة هود، [الآية/ 123]، وآخر سورة النّمل [الآية/ 93] فهما عنده بالتاء.
وقرأ في سورة الأنعام: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء [الآية/ 132].
وقرأ ابن عامر كلّ ما جاء في القرآن من قوله: وما الله بغافل عما تعملون بالتاء. وقرأ في سورة الأنعام وآخر سورة هود وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء، وقرأ في آخر سورة النّمل، وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء فهذه حروف كذلك في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان. ورأيت في كتاب موسى بن موسى الختّلي عن ابن ذكوان: بالتاء.
وفي آخر النمل: بالتاء أيضا.
وقال الحلوانيّ عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر ذلك كلّه بالتاء وما ربّك بغافلٍ، وما اللّه بغافلٍ.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء في موضعين، قوله: يردّون إلى أشدّ العذاب، وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء. وقوله: ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وسائر القرآن بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/111]
وكلّ ما في القرآن من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون فهو بالياء، وهذا قول أبي بكر بن عيّاش عن عاصم. وقال حفص عن عاصم في رأس الأربع والأربعين والمائة: ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون [البقرة] بالياء، هذه وحدها، وسائر القرآن بالتاء.
وقال حفص: قرأ عاصم في سورة الأنعام: ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون [الآية/ 132] بالياء، وقرأ في آخر هود وآخر النّمل: وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء مثل قراءة نافع.
وقرأ أبو عمرو رأس الأربع والأربعين والمائة، والتسع والأربعين والمائة: وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وسائر القرآن من قوله: وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء.
وما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون فهو بالياء.
وقرأ حمزة والكسائيّ كلّ ما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء.
وكلّ ما في القرآن من قوله: وما اللّه بغافلٍ فهو ستّة مواضع. خمسة منها في سورة البقرة، وحرف في آل عمران عند المائة. وما ربّك بغافلٍ ثلاثة مواضع: في الأنعام وآخر هود وآخر النّمل.
[الحجة للقراء السبعة: 2/112]
قال أبو عليّ: القول في جملة ذلك أنّ ما كان قبله خطاب جعل بالتاء، ليكون الخطاب معطوفا على خطاب مثله- كقوله: ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة [البقرة/ 74] وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون، فالتاء هنا حسن، لأنّ المتقدّم خطاب. ولو كان: وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون على لفظ الغيبة. أي: وما الله بغافل عما يفعل هؤلاء الذين اقتصصنا عليكم قصصهم أيها المسلمون، لكان حسنا.
وإن كان الذي قبله غيبة، حسن أن يجعل على لفظ الغيبة، ليعطف ما للغيبة على مثله، كما عطفت ما للخطاب على مثله.
ويجوز فيما كان قبله لفظ غيبة الخطاب. ووجه ذلك أن تجمع بين الغيبة والخطاب، فتغلّب الخطاب على الغيبة، لأنّ الغيبة يغلب عليها الخطاب فيصير كتغليب المذكّر على المؤنّث، ألا ترى أنّهم قد بدءوا بالخطاب على الغيبة في باب الضمير، وهو موضع يردّ فيه كثير من الأشياء إلى أصولها؟
نحو: لك، ونحو قوله:
فلا بك ما أسال ولا أغاما فلمّا قدّموا المخاطب على الغائب فقالوا: أعطاكه ولم
[الحجة للقراء السبعة: 2/113]
يقولوا: أعطاهوك. علمت أنه أقدم في الرّتبة. كما أن المذكّر مع المؤنث كذلك. فإذا كان الأمر على هذا، أمكن في الخطاب في هذا النحو أن يعنى به الغيب والمخاطبون، فيغلّب الخطاب على الغيبة ويكون المعنى: ما الله بغافل عمّا تعملون.
أي فيجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
ويجوز في الخطاب بعد الغيبة وجه آخر، وهو أن يراد به: قل لهم أيها النبيّ: ما الله بغافل عمّا تعملون، فعلى هذا النحو تحمل هذه الفصول). [الحجة للقراء السبعة: 2/114]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة: [وَإِنْ مِنَ الْحِجَارَةِ]، وكذلك قراءته: [وَإِنْ مِنْهَا] مخففة.
قال ابن مجاهد: أحسبه أراد بقوله مخففة الميم؛ لأني لا أعرف لتخفيف النون معنى.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد صحيح؛ وذلك أن التخفيف في إِنَّ المكسورة شائع عنهم؛ ألا ترى إلى قول الله تعالى: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا}، {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} أي: إنهم على هذه الحال. وهذه اللام لازمة مع تخفيف النون
[المحتسب: 1/91]
فرقًا بين إِنْ مخففة من الثقيلة، وبين إِنْ التي للنفي بمنزلة "ما" في قوله سبحانه: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}، وقوله:
فما إنْ طبنا جُبْنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
وهذا واضح). [المحتسب: 1/92]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [لما يَهْبُطُ] بضم الباء.
قال أبو الفتح: قد بينا في كتابنا "المنصف" -وهو تفسير تصريف أبي عثمان- أن باب فَعَل المتعدي أن يجيء على يفعِل مكسور العين؛ كضرب يضرب وحبس يحبس، وباب فَعَل غير المتعدي أن يكون على يفعُل مضموم العين؛ كعقد يقعد وخرج يخرج، وأنهما قد يتداخلان فيجيء هذا في هذا، وهذا في هذا؛ كقتل يقتُل، وجليس يجلِس، إلا أن الباب ومجرى القياس على ما قدمناه، فهبط يهبُط على هذا بضم العين أقوى قياسًا من يهبِط، فهو كسقط يسقط؛ لأن هبط غير متعدٍّ في غالب الأمر كسقط.
وقد ذُهب في هذا الموضع إلى أن هبط هنا متعد، قالوا ومعناه: لما يهبُطُ غيره في طاعة الله عز وجل؛ أي: إذا رآه الإنسان خشع لطاعة خالقه، إلا أنه حُذف هنا المفعول تخفيفًا، ولدلالة المكان عليه، ونسب الفعل إلى الحجر؛ لأن طاعة رائيه لخالقه إنما كانت مسببة عن النظر إليه؛ أي: منها ما يهبُط الناظر إليه؛ أي: يُخْضِعه ويُخْشِعه، وقد جاء هبطته متعديًا كما ترى، قال:
ما راعني إلا جناح هابطا ... على البيوت قَوطَهُ العلابِطَا
وأعمله في القوط، فعلى هذا تقول: هبط الشيء وهبطته، وهلك الشيء وهلكته، قالوا في قول العجاج:
ومهمهٍ هالِك من تَعرَّجا
[المحتسب: 1/92]
قولين؛ أحدهما: أنه كأنه قال: هالكِ المتعرجين، والآخر: هالكِ مَن تعرجا؛ أي: مهلك من تعرج، فتقول على هذا: أصبحت ذا مال مهلوك، وهلكه الله يهلِكه هُلكًا. وإذا كانت كذلك، وكانت هبط هنا قد تكون متعدية، فقراءة الجماعة: {لما يَهْبِطُ} بكسر الباء أقوى قياسًا من يهبُط؛ لأن معناه لما يهبِط مبصرَه ويحطه من خشية الله.
ومن ذهب فيه إلى أن يهبط هنا غير متعد فكأنه قال: وإن منها لما لو هبط شيء غير ناطق من خشية الله لهبط هو، لا أن غير الناطق تصح منه الخشية؛ ألا ترى أن قوله:
لها حافِرٌ مثل قُعب الوليـ ... ـد تتخذُ الفار فيه مَغَارا
أي: لو اتخذت فيه مغارًا لغوره وتقعبه لوسعها وصلح لها، لا أنها هي تتخذ ألبتة.
ومثله مسألة الكتاب: أَخَذَتْنَا بالْجَودِ وفوقَه؛ أي: لو كان فوق الجود شيء من المطر لكانت قد أخذتْنا به.
وكلام العرب لمن عرفه، ومَن الذي يعرفه؟ ألطف من السحر، وأنقى ساحة من مشوف الفكر، وأشد تساقطًا بعضًا على بعض، وأمس تساندًا نفلًا إلى فرض). [المحتسب: 1/93]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما الله بغافل عمّا تعملون * أفتطمعون أن يؤمنوا لكم}
قرأ ابن كثير {وما الله بغافل عمّا يعملون} بالياء أي وما الله بغافل عمّا يعمل هؤلاء الّذين اقتصصنا عليكم قصصهم أيها المسلمون
وقرأ الباقون بالتّاء على الخطاب وحجتهم قوله قبلها {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة} {وما الله بغافل عمّا تعملون} ). [حجة القراءات: 101] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {وما الله بغافل عما تعملون} قرأه ابن كثير بالياء رده على قوله تعالى: {وما كادوا يفعلون} «71» ورده أيضًا على ما بعده من قوله: {وقد كان فريقٌ منهم}، وقوله: {يحرفون}، وقوله: {وهم يعملون} «75» فلما أتى ما قبله وما بعده على لفظ الغيبة، أجراه على ذلك، ولم يجره على قوله: {أفتطمعون}؛ لأنه خطاب للمؤمنين، و«يعلمون» يُراد به اليهود، وقرأه الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب الذي قبله في قوله: {ويريكم آياته} «73» وقوله: {ثم قست قلوبكم} «74» فجرى آخر الكلام على أوله بالخطاب كله لليهود، وهو الاختيار؛ لأن عليه الجماعة، وهو اختيار أبي عبيد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/248]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آية/ 74]:-
بالياء، قرأ ابن كثير في ثلاثة مواضع بالياء ههنا وهو بعد قوله: {مِنْ خَشْيَةِ الله}، وقوله {إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}، وقوله {الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}، والباقي بالتاء. وقرأ أبو عمرو في موضعين بالياء بعد {الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}، والباقي بالتاء. وقرأ أبو عمرو في موضعين بالياء بعد {الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} و{لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، والباقي بالتاء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} بالتاء في جميع القرآن.
[الموضح: 283]
أما القراءة بالياء فمحمولة على لفظ الغيبة، كأنه قال: وما الله بغافل عما يعمل هؤلاء الذين أخبرناكم عن حالهم وقصصنا عليكم قصتهم أيها المؤمنون.
وأما القراءة بالتاء فإنها على الخطاب؛ لأن ما قبله خطاب، فيكون معطوفًا على مثله، وهو قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}). [الموضح: 284]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس