عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 02:43 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله} الآية. أمر للمؤمنين بالثبوت على الإيمان والنفقة في سبيل الله، ويروى أن هذه الآية نزلت في غزوة العسرة، وهي غزوة تبوك، قاله الضحاك، وقال: الإشارة بقوله تعالى: {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا} إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحكمها باق يندب إلى هذه الأفعال بقية الدهر. وقوله تعالى: {مما جعلكم مستخلفين فيه} تزهيد وتنبيه على أن الأموال إنما تصير إلى الإنسان من غيره ويتركها لغيره، وليس له من ذلك إلا ما تضمنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت"، ويروى أن رجلا مر بأعرابي له إبل فقال له: يا أعرابي، لمن هذه الإبل؟ فقال: هي لله عندي، فهذا موافق مصيب إن كان ممن صحب قوله عمله). [المحرر الوجيز: 8/ 220]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما لكم لا تؤمنون بالله} الآية توطئة لدعائهم وإيجاب لأنهم أهل هذه الرتب الرفيعة، فإذا تقرر ذلك فلا مانع من الإيمان، وهذا كما تريد أن تندب رجلا إلى عطاء فتقول له: أنت يا فلان من قوم أجواد فينبغي أن تكرم، وهذا مطرد في جميع الأمور، إذا أردت من أحد فعلا خلقته بخلق أهل ذلك الفعل وجعلت له رتبتهم، فإذا تقرر في هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم، وأنهم ممن أخذ الله ميثاقهم، فكيف يمتنعون من الإيمان؟ وقرأ جمهور القراء: "وقد أخذ ميثاقكم" على بناء الفعل الفاعل، وقرأ أبو عمرو: "وقد أخذ" على بناء الفعل للمفعول، والآخذ على كل قول هو الله تعالى، وهذا الأخذ كان حين الإخراج من ظهر آدم عليه السلام على ما مضى في غير هذه السورة، والمخاطبة ببناء الفعل للمفعول أشد غلظا على المخاطب، ونحوه قول الله تعالى: {فاستقم كما أمرت}، وكما تقول لامرئ: افعل كما قيل لك، فهو أبلغ من قولك: افعل ما قلت لك.
وقوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين} قال الطبري: المعنى: إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن، وهذا معنى ليس في لفظ الآية وفيه إضمار كثير، وإنما المعنى عندي أن قول الله تعالى: {والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين} يقتضي أن يقدر بأثره: فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة إن كنتم مؤمنين، أي: إن دمتم على ما بدأتم به). [المحرر الوجيز: 8/ 220-221]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ بعض السبعة: "ينزل" مثقلة، وقرأ بعضهم: "ينزل" مخففة، وقرأها الحسن وعيسى بالوجهين، وقرأ الأعمش: "أنزل"، والعبد في قوله تعالى: "على عبده" محمد صلى الله عليه وسلم و"الآيات" آيات القرآن، و"الظلمات": الكفر، و"النور": الإيمان، وما في الآية وعد وتأنيس مؤكد). [المحرر الوجيز: 8/ 221]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير * من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم}
المعنى: وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله وأنتم تموتون وتتركون أموالكم؟ فناب مناب هذا القول قوله تعالى: {ولله ميراث السماوات والأرض} وفيه زيادة تذكير بالله عز وجل وعبرة، وعنه يلزم القول الذي قدرناه.
قوله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية، روي أنها نزلت بسبب أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنفقت نفقات كثيرة حتى قال الناس: هؤلاء أعظم أجرا من كل من أنفق قديما، فنزلت الآية مبينة أن النفقة قبل الفتح أعظم أجرا، وهذا التأويل على أن الآية نزلت بعد الفتح، وقد قيل. إنها نزلت قبل الفتح تحريضا على الإنفاق، والأول أشهر، وحكى الثعلبي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفى نفقاته، وفي معناه قول النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد رضي الله عنه: "اتركوا لي أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
واختلف الناس في الفتح المشار إليه في هذه الآية- فقال أبو سعيد الخدري، والشعبي: هو فتح الحديبية، وقد تقدم في سورة [الفتح] تقرير كونه فتحا، ورفعه أبو سعيد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل ما بين الهجرتين فتح الحديبية. وقال قتادة، ومجاهد، وزيد بن أسلم: هو فتح مكة الذي أزال الهجرة، وهذا هو المشهور الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"، وقال له رجل بعد فتح مكة: أبايعك على الهجرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الهجرة قد ذهبت بما فيها". وإن الهجرة لشأنها شديد، ولكن أبايعك على الجهاد"، وحكم الجهاد باق إلى غابر الدهر، فمن أنفق في وقت حاجة السبيل أعظم أجرا ممن أنفق مع استغناء السبيل، وأكثر المفسرين على أن قوله تعالى: "يستوي" مسند إلى "من" وترك ذكر المعادل الذي لا يستوي معه لأن قوله تعالى: {من الذين أنفقوا من بعد} قد فسره وبينه، ويحتمل أن يكون فاعل "يستوي" محذوفا تقديره: لا يستوي منكم الإنفاق، ويؤيد ذلك أن ذكره قد تقدم في قوله تعالى: {وما لكم ألا تنفقوا} ويكون قوله تعالى: "من أنفق" ابتداء وخبره الجملة الآتية بعد.
وقرأ جمهور السبعة: "وكلا وعد الله الحسنى"، وهي الوجه لأن "وعد" الله ليس يعوقه عائق على أن ينصب الفعل المقدم، وقرأ ابن عامر: "وكل وعد الله الحسنى"، فأما سيبويه رحمه الله فقدر الفعل خبرا لابتداء، وفيه ضمير عائد، وحذفه عنده قبيح لا يجري إلا في شعر ونحوه، ومنه قول الشاعر:
قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصنع
قال: ولكن حملوا الخبر على الصفات كقول جرير:
... ... ... .... وما شيء حميت بمستباح
وعلى الصلات كقوله تعالى: {أبعث الله بشرا رسولا}، وذهب غير سيبويه إلى أن "وعد" في موضع الصفة، كأنه قال: أولئك وكل وعد الله الحسنى، وصاحب هذا المذهب حصل في هذا التعسف في المعنى فرارا من حذف الضمير من خبر الابتداء، و"الحسنى": الجنة، قاله مجاهد، وقتادة، والوعد يتضمن ما قبل الجنة من نصر وغنيمة. وقوله تعالى: {والله بما تعملون خبير} قول فيه وعد ووعيد). [المحرر الوجيز: 8/ 221-224]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} الآية. قال بعض النحويين: "من" ابتداء، و"ذا" خبره، و"الذي" صفة، وقال آخرون منهم: "من" ابتداء، و"ذا" زائدة مع "الذي"، و"الذي" خبر الابتداء، وقال الحسن: نزلت هذه الآية في التطوع في جميع أمر الدين، و"القرض "و "السلف" ونحوه: أن يعطي الإنسان شيئا وينتظر جزاءه، و"التضعيف" من الله تعالى هو في الحسنات، يضاعف الله لمن يشاء من عشرة إلى سبعمائة، وقد ورد أن التضعيف يربى على سبعمائة، وقد مر ذكر ذلك في سورة [البقرة] بوجوهه من التأويل. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي: "فيضاعفه" بالرفع على العطف أو على القطع والاستئناف، وقرأ عاصم، وابن عامر: "فيضاعفه" بالنصب بالفاء في جواب الاستفهام، وفي ذلك قلق، قال أبو علي: لأن السؤال لم يقع عن القرض، وإنما وقع السؤال عن فاعل القرض، وإنما تنصب الفاء فعلا مردودا على فعل مستفهم عنه، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى، كأن قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض} بمنزلة أن لو قال: أيقرض الله أحد فيضاعفه، وقرأ ابن كثر: "فيضعفه" مشددة العين مضمومة الفاء، وكذلك قرأ ابن عامر، إلا أنه فتح الفاء. و"الأجر الكريم": الذي يقترن به رضى وإقبال، وهذا معنى الدعاء: "يا كريم العفو"، أي: أن مع عفوه رضى ومغنما، وعفو البشر ليس كذلك). [المحرر الوجيز: 8/ 224-225]

رد مع اقتباس