عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 04:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}
قارون: اسم أعجمي، فلذلك لم ينصرف. واختلف الناس في قرابة قارون لموسى عليه السلام، فقال ابن إسحاق: هو عمه، وقال ابن جريج، وإبراهيم النخعي: هو ابن عمه، وهذا أشهر، وقيل: ابن خالته، فهو بإجماع رجل من بني إسرائيل، كان ممن آمن بموسى، وحفظ التوراة، وكان من أقرأ الناس لها، وكان عند موسى عليه السلام من عباد المؤمنين، ثم لحقه الزهو والإعجاب، فبغى على قومه بأنواع من البغي، فمن ذلك كفره بموسى واستخفافه به، ومطالبته له بأن يجعل له شيئا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه عمد إلى امرأة مومسة ذات جمال، وقال لها: أنا أحسن إليك، وأحفظك في أهلي على أن تجيئي في ملأ من بني إسرائيل عندي فتقولي: يا قارون اكفني أمر موسى فإنه يتعرض في نفسي، فجاءت المرأة، فلما وقفت على الملأ أحدث الله تعالى لها توبة، فقالت: يا بني إسرائيل، إن قارون قال لي كذا وكذا، ففضحته في جميع القصة، وبرأ الله بقدرته نبيه موسى عليه السلام من مطالبته، وقيل: بل قالت المرأة ذلك عن موسى، فلما بلغه الخبر وقف المرأة بمحضر من بني إسرائيل، فقالت: يا نبي الله، كذبت أنا عليك، وإنما دفعني قارون إلى هذه المقالة. وكان من بغيه أنه زاد في ثيابه شبرا على ثياب الناس، قاله شهر بن حوشب، إلى غير ذلك مما يصدر عمن فسد اعتقاده. وكان من أعظم الناس مالا، وسميت أمواله كنوزا إذ كان ممتنعا من أداء الزكاة، وبسبب ذلك عادى موسى عليه السلام أول عداوته.
والمفاتيح: ظاهرها أنها التي يفتح بها، ويحتمل أن يريد بها الخزائن والأوعية الكبار، قاله الضحاك: لأن المفتاح في كلام العرب الخزانة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأكثر المفسرون في شأن قارون، فروي عن خيثمة أنه قال: نجد في الإنجيل مكتوبا: (إن مفاتيح قارون كانت من جلود الإبل، وكان المفتاح من نصف شبر، وكانت وقر ستين بغلا أو بعيرا لكل مفتاح كنز).
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وروي غير هذا مما يقرب منه، ذلك كله ضعيف، والنظر يشهد بفساد هذا، ومن كان الذي يميز بعضها من بعض؟ وما الداعي لهذا، وفي الممكن أن ترجع كلها إلى ما يحصى ويقدر على حمله بسهولة؟ وكان يلزم -على هذا- أن تكون "مفاتيح" بياء، وهي قراءة الأعمش، والذي يشبه هو: إما أن تكون المفاتيح من الحديد ونحوه، وعلى هذا تنوء بالعصبة; إذ كانت كثيرة لكثرة مخازنه، أو تكون "المفاتح" الخزائن، قال أبو صالح: كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا.
وأما قوله: "تنوء" فمعناه: تنهض بتحامل، ومن ذلك قول الشاعر يصف راميا:
حتى إذا ما التأمت مفاصله وناء في شق الشمال كاهله
والوجه أن يقال: إن العصبة تنوء بالمفاتيح المثقلة لها، وكذلك قال كثير من المتأولين: إن المراد هذا، لكنه قلب كما تفعل العرب كثيرا، فمن ذلك قول الشاعر:
فديت بنفسه نفسي ومالي ... وما آلوك إلا ما أطيق
وقول الآخر:
وتركب خيلا لا هوادة بينها ... وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
وهذا البيت لا حجة فيه; إذ يتجه على وجهه فتأمله، ومن ذلك قول الآخر:
ما كنت في الحرب العوان مغمرا ... إذ شب حر وقودها أجذالها
وقال سيبويه والخليل: التقدير: لتنيء العصبة، فجعل بدل ذلك تعدية الفعل بحرف الجر، كما تقول: ناء الحمل وأنأته ونؤت به بمعنى: جعلته ينوء، والعرب تقول: ناء الحمل بالبعير إذا أثقله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يسند "تنوء" إلى المفاتيح مجازا; لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها، وهذا مطرد في قولهم: ناء الحمل بالعير، ونحوه، فتأمله.
واختلف الناس في "العصبة"، كم هي؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاثة، وقال قتادة: العصبة: من العشرة إلى الأربعين، وقال مجاهد: خمسة عشر، وقيل: أحد عشر حملا على إخوة يوسف، وقيل: أربعون.
وقرأ بديل بن ميسرة: "لينوء" بالياء، ووجهها أبو الفتح على أنه يقرأ: "مفاتحه" جمعا، وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ: "ما إن مفتاحه" على الإفراد، فيستغنى على هذا عن توجيه أبي الفتح.
وقوله تعالى: {إذ قال له قومه} متعلق بقوله: "فبغى"، ونهوه عن الفرح المطغي الذي هو انهماك وانحلال نفس وأشر وإعجاب، و"لا يحب" -في هذا الموضع- صفة فعل; لأنه أمر قد وقع فمحال أن يرجع إلى الإرادة، وإنما هو لا يظهر عليهم بركته، ولا يهبهم رحمته). [المحرر الوجيز: 6/ 608-612]

تفسير قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وصوه بأن يطلب بماله رضى الله وآخرته. وقوله تعالى: {ولا تنس نصيبك من الدنيا} اختلف المتأولون فيه، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- والجمهور: معناه: لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك; إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فينبغي ألا تهمله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالكلام كله -على هذا التأويل- شدة في الموعظة. وقال الحسن وقتادة: معناه: ولا تضيع حظك أيضا من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه، ونظرك إلى عاقبة دنياك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالكلام -على هذا التأويل- هو في الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه، وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة. وقال الحسن: معناه: قدم الفضل وأمسك ما تبلغ به، وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف، وحكى الثعلبي أنه قيل: أرادوا بنصيبه الكفن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا وعظ متصل كأنهم قالوا: لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن، ونحو هذا قول الشاعر:
نصيبك مما تجمع الدهر كله ... رداءان تلوى فيهما وحنوط
وقوله: {وأحسن كما أحسن الله إليك} أمر بصلة المساكين وذوي الحاجة. وباقي الآية بين).[المحرر الوجيز: 6/ 612-613]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم}
القائل قارون. لما وعظه قومه وندبوه إلى اتقاء الله تعالى في المال الذي أعطاه تفضلا منه عليه، أخذته العزة بالإثم فأعجب بنفسه، وقال لهم على جهة الرد عليهم والروغان عما ألزموه فيه: إنما أوتيته على علم عندي، ولكلامه هذا وجهان يحملهما، وبكل واحد منهما قالت فرقة من المفسرين: فقال الجمهور منهم: إنه ادعى أن عنده علما استوجب به أن يكون ذلك النعيم له وكذلك المال، ثم اختلفوا في العلم الذي أشار إليه، ما هو؟ فقال بعضهم: علم التوراة وحفظها، قالوا: وكانت هذه مغالطة ورياء، وقال أبو سليمان الداراني: أراد العلم بالتجارات ووجوه تمييز المال، فكأنه قال: أوتيته بإدراكي وبسعيي، وقال ابن المسيب: أراد علم الكيمياء.
وقال ابن زيد وغيره: إنما أراد: أوتيته على علم من الله تعالى وتخصيص من لدنه قصدني به، فلا يلزمني فيه شيء مما قلتم، ثم جعل قوله: " عندي " كما تقول: "في معتقدي وعلى ما أراه".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وعلى كلا الاحتمالين معا فقد نبه القرآن على خطئه في اغتراره، وعارض منزعه بأن من معلومات الناس المتحققة عندهم أن الله تعالى قد أهلك من الأمم والقرون والملوك من هو أشد من قارون قوة وأكثر جمعا، إما للمال أو للحاشية. وقوله تعالى: {أولم يعلم} يرجح أن قارون تشبع بعلم نفسه على زعمه.
وقوله تعالى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}. قال محمد بن كعب: هو كلام متصل بمعنى ما قبله، والضمير في "ذنوبهم" عائد على من أهلك من القرون، أي: أهلكوا ولم يسأل غيرهم بعدهم عن ذنوبهم، أي: كل أحد إنما يسأل ويعاقب بحسب ما يخصه. وقالت فرقة: هو إخبار مستأنف عن حالهم يوم القيامة، معناه أن المجرمين لا يسألون عن ذنوبهم، أي أن الملائكة لا تسأل عن ذنوبهم; لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه ونحو ذلك، كقوله تبارك وتعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي آيات الله ما يقتضي أن الناس يوم القيامة يسألون، كقوله تبارك وتعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون}، وغير ذلك، وفيه آيات تقتضي أنه لا يسأل أحد، كقوله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان}، وغير ذلك، ويمكن أن تكون الآيات التي توجب السؤال إنما يريد بها أسئلة التوبيخ والتقرير، والذي ينفيه يراد به أسئلة الاستفهام على جهة الحاجة إلى علم ذلك من المسؤولين، أي أن ذلك لا يقع; لأن العلم بهم محيط، وسؤال التوبيخ غير معتد به). [المحرر الوجيز: 6/ 613-615]

رد مع اقتباس