عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 02:13 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ونفخ في الصّور فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون (68) وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنّبيّين والشّهداء وقضي بينهم بالحقّ وهم لا يظلمون (69) ووفّيت كلّ نفسٍ ما عملت وهو أعلم بما يفعلون (70)}.
يقول تعالى مخبرًا عن هول يوم القيامة، وما يكون فيه من الآيات العظيمة والزّلازل الهائلة، فقوله: {ونفخ في الصّور فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه}، هذه النّفخة هي الثّانية، وهي نفخة الصّعق، وهي الّتي يموت بها الأحياء من أهل السموات والأرض، إلّا من شاء اللّه كما هو مصرّحٌ به مفسّرًا في حديث الصّور المشهور. ثمّ يقبض أرواح الباقين حتّى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحيّ القيّوم الّذي كان أوّلًا وهو الباقي آخرًا بالدّيمومة والبقاء، ويقول: {لمن الملك اليوم} [غافرٍ:16] ثلاث مرّاتٍ. ثمّ يجيب نفسه بنفسه فيقول: {للّه الواحد القهّار} أي: الّذي هو واحدٌ وقد قهر كلّ شيءٍ، وحكم بالفناء على كلّ شيءٍ. ثمّ يحيي أوّل من يحيي إسرافيل، ويأمره أن ينفخ في الصّور أخرى، وهي النّفخة الثّالثة نفخة البعث، قال تعالى: {ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون} أي: أحياءٌ بعد ما كانوا عظامًا ورفاتًا، صاروا أحياءً ينظرون إلى أهوال يوم القيامة، كما قال تعالى: {فإنّما هي زجرةٌ واحدةٌ فإذا هم بالسّاهرة} [النّازعات:14، 13]، وقال تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنّون إن لبثتم إلا قليلا} [الإسراء:52]، وقال تعالى: {ومن آياته أن تقوم السّماء والأرض بأمره ثمّ إذا دعاكم دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون} [الرّوم:25].
قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن النّعمان بن سالمٍ قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعودٍ قال: سمعت رجلًا قال لعبد اللّه بن عمرٍو: إنّك تقول: السّاعة تقوم إلى كذا وكذا؟ قال: لقد هممت ألّا أحدّثكم شيئًا، إنّما قلت: سترون بعد قليلٍ أمرًا عظيمًا. ثمّ قال عبد اللّه بن عمرٍو: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يخرج الدّجّال في أمّتي، فيمكث فيهم أربعين-لا أدري أربعين يومًا أو أربعين عامًا أو أربعين شهرًا أو أربعين ليلةً -فيبعث اللّه عيسى ابن مريم، كأنّه عروة بن مسعودٍ الثّقفيّ، فيظهر فيهلكه اللّه. ثمّ يلبث النّاس بعده سنين سبعًا ليس بين اثنين عداوةٌ، ثمّ يرسل اللّه ريحًا باردةً من قبل الشّام، فلا يبقى أحدٌ في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ إلّا قبضته، حتّى لو أنّ أحدهم كان في كبد جبلٍ لدخلت عليه". قال: سمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ويبقى شرار النّاس في خفّة الطّير، وأحلام السّباع، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا". قال: "فيتمثّل لهم الشّيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها، وهم في ذلك دارّةٌ أرزاقهم، حسنٌ عيشهم. ثمّ ينفخ في الصّور فلا يسمعه أحدٌ إلّا أصغى له، وأوّل من يسمعه رجلٌ يلوط حوضه، فيصعق، ثمّ لا يبقى أحدٌ إلّا صعق. ثمّ يرسل اللّه -أو: ينزل اللّه مطرًا كأنّه الطّلّ-أو الظّلّ شكّ نعمان -فتنبت منه أجساد النّاس. ثمّ ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون، ثمّ يقال: يا أيّها النّاس، هلمّوا إلى ربّكم: {وقفوهم إنّهم مسئولون} [الصّافّات:24]، قال: "ثمّ يقال: أخرجوا بعث النّار". قال: "فيقال: كم؟ فيقال: من كلّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين فيومئذٍ تبعث الولدان شيبًا، ويومئذٍ يكشف عن ساقٍ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ في صحيحه.
وقال البخاريّ: حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالحٍ قال: سمعت أبا هريرة [رضي اللّه عنه] عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "بين النّفختين أربعون". قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يومًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنةً؟ قال: أبي، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، ويبلى كلّ شيءٍ من الإنسان إلّا عجب ذنبه فيه يركّب الخلق.
وقال أبو يعلى: حدّثنا يحيى بن معينٍ، حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن عمر بن محمّدٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه]، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "سألت جبريل، عليه السّلام، عن هذه الآية: {ونفخ في الصّور فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه} من الّذين لم يشأ اللّه أن يصعقهم؟ قال: هم الشّهداء، مقلّدون أسيافهم حول عرشه، تتلقّاهم ملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوتٍ نمارها ألين من الحرير، مدّ خطاها مدّ أبصار الرّجال، يسيرون في الجنّة يقولون عند طول النّزهة: انطلقوا بنا إلى ربّنا، عزّ وجلّ، لننظر كيف يقضي بين خلقه، يضحك إليهم إلهي، وإذا ضحك إلى عبدٍ في موطنٍ فلا حساب عليه".
رجاله كلّهم ثقاتٌ إلّا شيخ إسماعيل بن عيّاشٍ، فإنّه غير معروفٍ واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 116-118]

تفسير قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأشرقت الأرض بنور ربّها} أي: أضاءت يوم القيامة إذا تجلّى الحقّ، تبارك وتعالى، للخلائق لفصل القضاء، {ووضع الكتاب} قال قتادة: كتاب الأعمال، {وجيء بالنّبيّين} قال ابن عبّاسٍ: يشهدون على الأمم بأنّهم بلّغوهم رسالات اللّه إليهم، {والشّهداء} أي: الشّهداء من الملائكة الحفظة على أعمال العباد من خيرٍ وشرٍّ، {وقضي بينهم بالحقّ} أي: بالعدل {وهم لا يظلمون} قال اللّه [تعالى]: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئًا وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء:47]، وقال [اللّه] تعالى: {وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النّساء:40]، ولهذا قال: {ووفّيت كلّ نفسٍ ما عملت} أي: من خيرٍ أو شرٍّ {وهو أعلم بما يفعلون}). [تفسير ابن كثير: 7/ 118]

رد مع اقتباس