عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى مخبرًا عن نفسه الكريمة بأنّه المتصرّف في الوجود بما يشاء، وأنّه يتوفّى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الّذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصّغرى عند المنام، كما قال تعالى: {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار ثمّ يبعثكم فيه ليقضى أجلٌ مسمًّى ثمّ إليه مرجعكم ثمّ ينبّئكم بما كنتم تعملون وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرّطون} [الأنعام:61، 60]، فذكر الوفاتين: الصّغرى ثمّ الكبرى. وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثمّ الصّغرى؛ ولهذا قال: {اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك الّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمًّى} فيه دلالةٌ على أنّها تجتمع في الملأ الأعلى، كما ورد بذلك الحديث المرفوع الّذي رواه ابن منده وغيره. وفي صحيحي البخاريّ ومسلمٍ من حديث عبيد اللّه بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنّه لا يدري ما خلفه عليه، ثمّ ليقل: باسمك ربّي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين".
وقال بعض السّلف [رحمهم اللّه] يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء اللّه تعالى أن تتعارف {فيمسك الّتي قضى عليها الموت} الّتي قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمّى.
قال السّدّيّ: إلى بقيّة أجلها. وقال ابن عبّاسٍ: يمسك أنفس الأموات، ويرسل أنفس الأحياء، ولا يغلط. {إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون}). [تفسير ابن كثير: 7/ 101-102]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم اتّخذوا من دون اللّه شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون (43) قل للّه الشّفاعة جميعًا له ملك السّموات والأرض ثمّ إليه ترجعون (44) وإذا ذكر اللّه وحده اشمأزّت قلوب الّذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الّذين من دونه إذا هم يستبشرون (45)}.
يقول تعالى ذامًّا للمشركين في اتّخاذهم شفعاء من دون اللّه، وهم الأصنام والأنداد، الّتي اتّخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليلٍ ولا برهانٍ حداهم على ذلك، وهي لا تملك شيئًا من الأمر، بل وليس لها عقلٌ تعقل به، ولا سمعٌ تسمع به، ولا بصرٌ تبصر به، بل هي جماداتٌ أسوأ حالًا من الحيوان بكثيرٍ.
ثمّ قال: قل: أي يا محمّد لهؤلاء الزّاعمين أنّ ما اتّخذوه شفعاء لهم عند اللّه، أخبرهم أنّ الشّفاعة لا تنفع عند اللّه إلّا لمن ارتضاه وأذن له، فمرجعها كلّها إليه، {من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة:255].
{له ملك السّموات والأرض} أي: هو المتصرّف في جميع ذلك. {ثمّ إليه ترجعون} أي: يوم القيامة، فيحكم بينكم بعدله، ويجزي كلًّا بعمله). [تفسير ابن كثير: 7/ 102]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى ذامًّا للمشركين أيضًا: {وإذا ذكر اللّه وحده} أي: إذا قيل: لا إله إلّا اللّه {اشمأزّت قلوب الّذين لا يؤمنون بالآخرة} قال مجاهدٌ: {اشمأزّت} انقبضت.
وقال السّدّيّ: نفرت. وقال قتادة: كفرت واستكبرت. وقال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: استكبرت. كما قال تعالى: {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا اللّه يستكبرون} [الصّافّات:35]، أي: عن المتابعة والانقياد لها. فقلوبهم لا تقبل الخير، ومن لم يقبل الخير يقبل الشّرّ؛ ولهذا قال: {وإذا ذكر الّذين من دونه} أي: من الأصنام والأنداد، قاله مجاهدٌ، {إذا هم يستبشرون} أي: يفرحون ويسرون). [تفسير ابن كثير: 7/ 102]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل اللّهمّ فاطر السّموات والأرض عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون (46) ولو أنّ للّذين ظلموا ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون (47) وبدا لهم سيّئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (48)}.
يقول تعالى بعد ما ذكر عن المشركين ما ذكر من المذمّة، لهم في حبّهم الشّرك، ونفرتهم عن التوحيد {قل اللّهمّ فاطر السّموات والأرض عالم الغيب والشّهادة} أي: ادع أنت اللّه وحده لا شريك له، الّذي خلق السموات والأرض وفطرها، أي: جعلها على غير مثالٍ سبق، {عالم الغيب والشّهادة} أي: السّرّ والعلانية، {أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون} أي: في دنياهم، ستفصل بينهم يوم معادهم ونشورهم، وقيامهم من قبورهم.
وقال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا عبد بن حميدٍ، حدّثنا عمر بن يونس، حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ، حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني أبو سلمة بن عبد الرّحمن قال: سألت عائشة [رضي اللّه عنها] بأيّ شيءٍ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفتتح صلاته إذا قام من اللّيل؟ قالت: كان إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: "اللّهمّ رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ" وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، وأخبرنا سهيل بن أبي صالحٍ وعبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من قال: اللّهمّ فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، إنّي أعهد إليك في هذه الدّنيا أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّدًا عبدك ورسولك، فإنّك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشّرّ وتباعدني من الخير، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدًا توفّينيه يوم القيامة، إنّك لا تخلف الميعاد، إلّا قال اللّه، عزّ وجلّ، لملائكته يوم القيامة: إنّ عبدي قد عهد إليّ عهدًا فأوفوه إيّاه، فيدخله اللّه الجنّة".
قال سهيلٌ: فأخبرت القاسم بن عبد الرّحمن أنّ عونًا أخبر بكذا وكذا؟ فقال: ما في أهلنا جاريةٌ إلّا وهي تقول هذا في خدرها. انفرد به الإمام أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني حييّ بن عبد اللّه؛ أنّ أبا عبد الرّحمن حدّثه قال: أخرج لنا عبد اللّه بن عمرٍو قرطاسًا وقال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعلّمنا يقول: "اللّهمّ فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت ربّ كلّ شيءٍ، وإله كلّ شيءٍ، أشهد أن لا إله إلّا أنت، وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّدًا عبدك ورسولك، والملائكة يشهدون، أعوذ بك من الشّيطان وشركه، وأعوذ بك أن أقترف على نفسي إثمًا، أو أجرّه إلى مسلمٍ".
قال أبو عبد الرّحمن: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعلّمه عبد اللّه بن عمرٍو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام. تفرّد به أحمد أيضًا.
وقال [الإمام] أحمد أيضًا: حدّثنا خلف بن الوليد، حدّثنا ابن عيّاشٍ، عن محمّد بن زيادٍ الألهانيّ، عن أبي راشدٍ الحبراني قال: أتيت عبد اللّه بن عمرٍو فقلت له: حدّثنا ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فألقى بين يدي صحيفةً فقال: هذا ما كتب لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنظرت فيها فإذا فيها أنّ أبا بكرٍ الصّدّيق قال: يا رسول اللّه، علّمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا أبا بكرٍ، قل اللّهمّ فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، لا إله إلّا أنت، ربّ كلّ شيٍّ ومليكه، أعوذ بك من شرّ نفسي، وشرّ الشّيطان وشركه، أو أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرّه إلى مسلمٍ".
ورواه التّرمذيّ، عن الحسن بن عرفة، عن إسماعيل بن عيّاشٍ، به، وقال: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هاشمٌ، حدّثنا شيبان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قال: قال أبو بكرٍ الصّدّيق: أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعي من الليل: "اللهم فاطر السموات والأرض" إلى آخره). [تفسير ابن كثير: 7/ 103-104]

رد مع اقتباس