عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:11 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ أخذ ربّك ... الآية}؛ التقدير (واذكر إذ أخذ)، وقوله: {من ظهورهم}؛ قال النحاة: هو بدل اشتمال من قوله: {من بني آدم}، وألفاظ هذه الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم من ظهورهم وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظة وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس وغيرهما أن الله عز وجل لما خلق آدم وفي بعض الروايات لما أهبط آدم إلى الأرض في دهناء من أرض السند قاله ابن عباس، وفي بعضها أن ذلك بنعمان وهي عرفة وما يليها قاله أيضا ابن عباس وغيره، مسح على ظهره وفي بعض الروايات بيمينه وفي بعض الروايات ضرب منكبه فاستخرج منها أي من المسحة أو الضربة نسم بنيه ففي بعض الروايات كالذر وفي بعضها كالخردل وقال محمد بن كعب: إنها الأرواح جعلت لها مثالات، وروى عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل الله لهم عقولا كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره فأقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية، فشهد بعضهم على بعض، قال أبيّ بن كعب وأشهد عليهم السماوات السبع فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عليه العهد في ذلك اليوم والمقام، وقال السدي أعطى الكفار العهد يومئذ كارهين على وجه التقية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذه نخيلة مجموع الروايات المطولة، وكأن ألفاظ هذه الأحاديث لا تلتئم.
مع ألفاظ الآية، وقد أكثر الناس في روم الجمع بينهما فقال قوم: إن الآية مشيرة إلى هذا التناسل الذي في الدنيا، وأخذ بمعنى أوجد على المعهود وأن الإشهاد هو عند بلوغ المكلف وهو قد أعطي الفهم ونصبت له هذه الصنعة الدالة على الصانع، ونحا إلى هذا المعنى الزجّاج، وهو معنى تحتمله الألفاظ لكن يرد عليه تفسير عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما الآية بالحديث المذكور، وروايتهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وطوّل الجرجاني في هذه المسألة ومدار كلامه على أن المسح وإخراج الذرية من أظهر آدم حسب الحديث، وقيل في الآية أخذ من ظهورهم إذ الإخراج من ظهر آدم الذي هو الأصل إخراج من ظهور بنيه الذين هم الفرع إذ الفرع والأصل شيء واحد، إلى كلام كثير لا يثبت للنقد،
وقال غيره: إن جميع ما في الحديث من مسح بيمينه وضرب منكبه ونحو هذا إنما هي عبارة عن إيجاد ذلك النسم منه، و «اليمين» عبارة عن القدرة أو يكون الماسح ملكا بأمر الله عز وجل فتضمن الحديث صدر القصة وإيجاد النسم من آدم، وهذه زيادة على ما في الآية، ثم تضمنت الآية ما جرى بعد هذا من أخذ العهد، والنسم حضور موجودون هي تحتمل معنيين أحدهما أن يكون أخذ عاملا في عهد أو ميثاق تقدره بعد قوله: {ذرّيّتهم} ويكون قوله: {من ظهورهم} لبيان جنس النبوة إذ المراد من الجميع التناسل ويشركه في لفظة بني آدم بنوه لصلبه وبنوه بالحنان والشفقة ويكون قوله: من ذرّيّتهم بدلا من بني آدم، والمعنى الآخر أنه لما كانت كل نسمة هنالك لها نسبة إلى التي هي من ظهرها كأن تعيين تلك النسبة أخذ من الظهر إذ ستخرج منه فهي المستأنف فالمعنى وإذ عينوا بهذه النسبة وعرفوا بها فذلك أخذ ما وأخذ على هذا عامل في ذرّيّتهم وليس بمعنى مسح وأوجد بل قد تقدم إيجادهم كما تقدم الحديث المذكور، فالحديث يزيد معنى على الآية وهو ذكر آدم وأول إيجاد النسم كيف كان.
وقال الطرطوشي إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وهو قد نسيه إلى غير هذا مما ليس بتفسير ولا من طريقه.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: «ذرياتهم» جمع جمع وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي:
«ذريتهم» والإفراد هنا جمع وقد تقدم القول على لفظ الذرية في سورة آل عمران.
وروي في قصص هذه الآية: أن الأنبياء عليهم السلام كانوا بين تلك النسم أمثال السرج وأن آدم عليه السلام رأى داود فأعجبه فقال: من هذا؟ فقيل: نبي من ذريتك فقال: كم عمره؟ فقيل ستون سنة، فقال زيدوه من عمري أربعين سنة فزيدت قال: وكان عمر آدم ألفا فلما أكمل تسعمائة وستين جاء ملك الموت فقال له آدم بقي لي أربعون سنة فرجع ملك الموت إلى ربه فأخبره فقال له قل له إنك أعطيتها لابنك داود فتوفي عليه السلام بعد أن خاصم في الأربعين، قال الضحاك بن مزاحم: من مات صغيرا فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن، وحكى الزجاج عن قوم أنهم قالوا إن هذه الآية عبارة عن أن كل نسمة إذا ولدت وبلغت فنظرها في الأدلة المنصوبة عهد عليها في أن تؤمن وتعرف الله، وقد تقدم ذكر هذا القول وهو قول ضعيف منكب عن الأحاديث المأثورة مطرح لها.
وقوله: {شهدنا}؛ يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض أي شهدنا عليكم لئلا تقولوا يوم القيامة غفلنا عن معرفة الله والإيمان به فتكون مقالة من هؤلاء لهؤلاء، ذكره الطبري، وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله: بلى ويحتمل أن يكون قوله شهدنا من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله بلى، قال السدي: المعنى قال الله وملائكته شهدنا، ورواه عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقرأ السبعة غير أبي عمرو: «أن تقولوا» على مخاطبة حاضرين، وقرأ أبو عمرو وحده، «أن يقولوا» على الحكاية عن غائبين وهي قراءة ابن عباس وابن جبير وابن محيصن والقراءتان تتفسر بحسب المعنيين المذكورين، وأن في موضع نصب على تقدير مخافة أن). [المحرر الوجيز: 4/ 83-86]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون (174) واتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشّيطان فكان من الغاوين (175)}
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: المعنى في هذه الآيات أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان، إحداهما كنا غافلين، والأخرى كنا تباعا لأسلافنا فكيف نهلك، والذنب إنما هو لمن طرق لنا وأضلنا فوقعت شهادة بعضهم على بعض أو شهادة الملائكة عليهم لتنقطع لهم هذه الحجج، والاختلاف في «يقولوا» أو «تقولوا» بحسب الأول). [المحرر الوجيز: 4 /87]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك نفصّل الآيات} تقديره وكما فعلنا هذه الأمور وأنفذنا هذه المقادير فكذلك نفصل الآيات ونبينها لمن عاصرك وبعثت إليه، لعلّهم على ترجيهم وترجيكم وبحسب نظر البشر، يرجعون إلى طاعة الله ويدخلون في توحيده وعبادته، وقرأت فرقة «يفصل» بالياء). [المحرر الوجيز: 4/ 87]


رد مع اقتباس