عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:09 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقطّعناهم في الأرض أممًا منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون (168) فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحقّ ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (169) والّذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين (170)}
يذكر تعالى أنّه فرّقهم في الأرض أممًا، أي: طوائف وفرقًا، كما قال [تعالى]: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا} [الإسراء: 104]
{منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك} أي: فيهم الصّالح وغير ذلك، كما قالت الجنّ: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قددًا} [الجنّ: 11]، {وبلوناهم} أي: اختبرناهم {بالحسنات والسّيّئات} أي: بالرّخاء والشّدّة، والرّغبة والرّهبة، والعافية والبلاء، {لعلّهم يرجعون}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 498]

تفسير قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه} يقول تعالى: فخلف من بعد ذلك الجيل الّذين فيهم الصّالح والطّالح، خلفٌ آخر لا خير فيهم، وقد ورثوا دراسة [هذا] الكتاب وهو التّوراة -وقال مجاهدٌ: هم النّصارى -وقد يكون أعمّ من ذلك، {يأخذون عرض هذا الأدنى} أي: يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا، ويسرفون أنفسهم ويعدونها بالتّوبة، وكلّما لاح لهم مثل الأوّل وقعوا فيه؛ ولهذا قال: {وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه} كما قال سعيد بن جبيرٍ: يعملون الذّنب، ثمّ يستغفرون اللّه منه، فإن عرض ذلك الذّنب أخذوه.
وقول مجاهدٍ في قوله: {يأخذون عرض هذا الأدنى} قال: لا يشرف لهم شيءٌ من الدّنيا إلّا أخذوه، حلالًا كان أو حرامًا، ويتمنّون المغفرة، ويقولون: {سيغفر لنا} وإن يجدوا عرضًا مثله يأخذوه.
وقال قتادة في: {فخلف من بعدهم خلفٌ} أي: واللّه، لخلف سوءٍ، ورثوا الكتاب بعد أنبيائهم ورسلهم، ورّثهم اللّه وعهد إليهم، وقال اللّه في آيةٍ أخرى: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات} [مريم: 59]، قال {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} تمنّوا على اللّه أمانيّ، وغرّة يغترّون بها، {وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخذوه} لا يشغلهم شيءٌ عن شيءٍ، ولا ينهاهم شيءٌ عن ذلك، كلّما هفّ لهم شيءٌ من [أمر] الدّنيا أكلوه، ولا يبالون حلالًا كان أو حرامًا.
وقال السّدّي [في] قوله: {فخلف من بعدهم خلفٌ} إلى قوله: {ودرسوا ما فيه} قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيًا إلّا ارتشى في الحكم، وإنّ خيارهم اجتمعوا، فأخذ بعضهم على بعضٍ العهود ألّا يفعلوا ولا يرتشي، فجعل الرّجل منهم إذا استقضى ارتشى، فيقال له: ما شأنك ترتشي في الحكم، فيقول: "سيغفر لي"، فتطعن عليه البقيّة الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع، فإذا مات، أو نزع، وجعل مكانه رجلٌ ممّن كان يطعن عليه، فيرتشي. يقول: وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه.
قال اللّه تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحقّ ودرسوا ما فيه} يقول تعالى منكرًا عليهم في صنيعهم هذا، مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبيّننّ الحقّ للنّاس، ولا يكتمونه كقوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران: 187]
وقال ابن جريج: قال ابن عبّاسٍ: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحقّ}؛ قال: فيما يوجبون على اللّه من غفران ذنوبهم الّتي لا يزالون يعودون فيها، ولا يتوبون منها.
وقوله تعالى: {والدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون}؛ يرغّبهم تعالى في جزيل ثوابه، ويحذّرهم من وبيل عقابه، أي: وثوابي وما عندي خيرٌ لمن اتّقى المحارم، وترك هوى نفسه، وأقبل على طاعة ربّه.
{أفلا تعقلون} يقول: أفليس لهؤلاء الّذين اعتاضوا بعرض الدّنيا عمّا عندي عقلٌ يردعهم عمّا هم فيه من السّفه والتّبذير؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 498-499]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (ثمّ أثنى تعالى على من تمسّك بكتابه الّذي يقوده إلى اتّباع رسوله محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، كما هو مكتوبٌ فيه، فقال تعالى: {والّذين يمسّكون بالكتاب}؛ أي: اعتصموا به واقتدوا بأوامره، وتركوا زواجره {وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 499]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّةٌ وظنّوا أنّه واقعٌ بهم خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون (171)}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم}؛ يقول: رفعناه، وهو قوله: {ورفعنا فوقهم الطّور بميثاقهم} [النّساء: 154]
وقال سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، رفعته الملائكة فوق رءوسهم.
وقال القاسم بن أبي أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ سار بهم موسى، عليه السّلام، متوجّهًا نحو الأرض المقدّسة، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالّذي أمره اللّه تعالى [به] -أن يبلّغهم من الوظائف، فثقلت عليهم، وأبوا أن يقربوها حتّى ينتق اللّه الجبل فوقهم كأنّه ظلّةٌ، قال: رفعته الملائكة فوق رءوسهم. رواه النّسائيّ بطوله.
وقال سنيد بن داود في تفسيره، عن حجّاج بن محمّدٍ، عن أبي بكر بن عبد اللّه قال: هذا كتابٌ، أتقبلونه بما فيه، فإنّ فيه بيان ما أحلّ لكم وما حرّم عليكم، وما أمركم وما نهاكم؟ قالوا: انشر علينا ما فيها، فإن كانت فرائضها يسيرةً، وحدودها خفيفةً قبلناها. قال: اقبلوها بما فيها. قالوا: لا حتّى نعلم ما فيها، كيف حدودها وفرائضها؟ فراجعوا موسى مرارًا، فأوحى اللّه إلى الجبل فانقلع فارتفع في السّماء، حتّى إذا كان بين رءوسهم وبين السّماء قال لهم موسى: ألا ترون ما يقول ربّي، عزّ وجلّ؟ لئن لم تقبلوا التّوراة بما فيها، لأرمينّكم بهذا الجبل. قال: فحدّثني الحسن البصريّ قال: لمّا نظروا إلى الجبل خرّ كلّ رجلٍ ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل، فرقًا من أن يسقط [عليه] فكذلك ليس اليوم في الأرض يهوديٌّ يسجد إلّا على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السّجدة الّتي رفعت بها العقوبة. قال أبو بكرٍ: فلمّا نشر الألواح فيها كتاب اللّه كتبه بيده، لم يبق على وجه الأرض جبلٌ ولا شجرٌ ولا حجرٌ إلّا اهتزّ، فليس اليوم يهوديٌّ على وجه الأرض صغيرٌ، ولا كبيرٌ، تقرأ عليه التّوراة إلّا اهتزّ ونفض لها رأسه. أي: حرّك كما قال تعالى: {فسينغضون إليك رءوسهم} [الإسراء: 51] أي يحرّكونها ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 499-500]


رد مع اقتباس