عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل لا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملكٌ إن أتّبع إلا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكّرون (50) وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليٌّ ولا شفيعٌ لعلّهم يتّقون (51) ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيءٍ فتطردهم فتكون من الظّالمين (52) وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين (53) وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رحيمٌ (54)}
يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل لا أقول لكم عندي خزائن اللّه} أي: لست أملكها ولا أتصرّف فيها، {ولا أعلم الغيب} أي: ولا أقول: إنّي أعلم الغيب إنّما ذاك من علم اللّه، عزّ وجلّ، لا أطّلع منه إلّا على ما أطلعني عليه، {ولا أقول لكم إنّي ملكٌ} أي: ولا أدّعي أنّي ملكٌ، إنّما أنا بشر من البشر، يوحي إليّ من اللّه، عزّ وجلّ، شرّفني بذلك، وأنعم عليّ به؛ ولهذا قال: {إن أتّبع إلا ما يوحى إليّ} أي: لست أخرج عنه قيد شبرٍ ولا أدنى منه.
{قل هل يستوي الأعمى والبصير} أي: هل يستوي من اتّبع الحقّ وهدي إليه، ومن ضلّ عنه ولم ينقد له؟ {أفلا تتفكّرون} وهذه كقوله تعالى: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى إنّما يتذكّر أولو الألباب} [الرّعد: 19] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 258-259]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليٌّ ولا شفيعٌ} أي: وأنذر بهذا القرآن يا محمّد {الّذين هم من خشية ربّهم مشفقون} [المؤمنون: 57] والذين {ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب} [الرّعد: 21].
{الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم} أي: يوم القيامة. {ليس لهم} أي: يومئذٍ {من دونه وليٌّ ولا شفيعٌ} أي: لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم، {لعلّهم يتّقون}: أي: أنذر هذا اليوم الّذي لا حاكم فيه إلّا اللّه، عزّ وجلّ {لعلّهم يتّقون}: فيعملون في هذه الدّار عملًا ينجيهم اللّه به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 259]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} أي: لا تبعد هؤلاء المتّصفين بهذه الصّفة عنك، بل اجعلهم جلساءك وأخصّاءك، كما قال: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا} [الكهف: 28].
وقوله: {يدعون ربّهم} أي: يعبدونه ويسألونه، {بالغداة والعشيّ} قال سعيد بن المسيّب، ومجاهدٌ، والحسن، وقتادة: المراد بذلك الصّلوات المكتوبات.
وهذا كقوله [تعالى] {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} [غافرٍ: 60] أي: أتقبّل منكم.
وقوله: {يريدون وجهه} أي: يبتغون بذلك العمل وجه اللّه الكريم، فهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطّاعات.
وقوله: {ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيءٍ}، كما قال نوحٌ، عليه السّلام، في جواب الّذين قالوا: {أنؤمن لك واتّبعك الأرذلون}، قال: {وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربّي لو تشعرون} [الشّعراء: 112، 113] ، أي: إنّما حسابهم على اللّه، عزّ وجلّ، وليس عليّ من حسابهم من شيءٍ، كما أنّه ليس عليهم من حسابي من شيءٍ.
وقوله: {فتطردهم فتكون من الظّالمين} أي: إن فعلت هذا والحالة هذه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أسباطٌ -هو ابن محمّدٍ -حدّثنا أشعث، عن كردوس، عن ابن مسعود
قال: مرّ الملأ من قريشٍ على رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وعنده: خبّاب، وصهيب، وبلالٌ، وعمّارٌ. فقالوا: يا محمّد، أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم} إلى قوله: {أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين}
ورواه ابن جريرٍ، من طريق أشعث، عن كردوسٍ، عن ابن مسعودٍ قال: مرّ الملأ من قريشٍ برسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وعنده: صهيبٌ، وبلالٌ، وعمّارٌ، وخبّابٌ، وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمّد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الّذين منّ اللّه عليهم من بيننا؟ ونحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم عنك، فلعلّك إن طردتهم أن نتّبعك، فنزلت هذه الآية: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ} إلى آخر الآية
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، حدثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّي، عن أبي سعيدٍ الأزديّ -وكان قارئ الأزد -عن أبي الكنود، عن خبّابٍ في قول اللّه، عزّ وجلّ: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ} قال: جاء الأقرع بن حابسٍ التّميميّ وعيينة بن حصنٍ الفزاريّ، فوجدوا رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- مع صهيبٍ وبلالٍ وعمّارٍ وخبّابٍ قاعدًا في ناسٍ من الضّعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حقّروهم، فأتوه فخلوا به، وقالوا: إنّا نريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإنّ وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنّا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال: "نعم". قالوا: فاكتب لنا عليك كتابًا، قال: فدعا بالصّحيفة ودعا عليًّا ليكتب، ونحن قعودٌ في ناحيةٍ، فنزل جبريل فقال: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم [بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيءٍ فتطردهم فتكون من الظّالمين]} فرمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالصّحيفة، ثمّ دعانا فأتيناه.
ورواه ابن جريرٍ، من حديث أسباطٍ، به.
وهذا حديثٌ غريبٌ، فإنّ هذه الآية مكّيّةٌ، والأقرع بن حابسٍ وعيينة إنّما أسلما بعد الهجرة بدهرٍ.
وقال سفيان الثّوريّ عن المقدام بن شريحٍ، عن أبيه قال: قال سعدٌ: نزلت هذه الآية في ستّةٍ من أصحاب النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، منهم ابن مسعودٍ، قال: كنّا نسبق إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وندنو منه ونسمع منه، فقالت قريشٌ: يدني هؤلاء دوننا، فنزلت: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}
رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان، وقال: على شرط الشّيخين. وأخرجه ابن حبّان في صحيحه من طريق المقدام بن شريحٍ، به). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 259-261]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ} أي: ابتلينا واختبرنا وامتحنّا بعضهم ببعضٍ {ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كان غالب من اتّبعه في أوّل البعثة، ضعفاء النّاس من الرّجال والنّساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلّا قليلٌ، كما قال قوم نوحٍ لنوحٍ: {وما نراك اتّبعك إلا الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي} الآية [هودٍ: 27]، وكما قال هرقل ملك الرّوم لأبي سفيان حين سأله [عن تلك] المسائل، فقال له: فهل اتّبعه ضعفاء النّاس أو أشرافهم؟ قال: بل ضعفاؤهم. فقال: هم أتباع الرّسل
والغرض: أنّ مشركي قريشٍ كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم، ويعذّبون من يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون: {أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا}؟ أي: ما كان اللّه ليهدي هؤلاء إلى الخير -لو كان ما صاروا إليه خيرًا -ويدعنا، كما قالوا: {لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11]، وكما قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ قال الّذين كفروا للّذين آمنوا أيّ الفريقين خيرٌ مقامًا وأحسن نديًّا} [مريم: 73].
قال اللّه تعالى في جواب ذلك: {وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ هم أحسن أثاثًا ورئيًا} [مريم: 74]، وقال في جوابهم حين قالوا: {أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين} أي: أليس هو أعلم بالشّاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم، فيوفّقهم ويهديهم سبل السّلام، ويخرجهم من الظّلمات إلى النّور، ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا، كما قال تعالى: {والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ اللّه لمع المحسنين} [العنكبوت: 69]. وفي الحديث الصّحيح: «إنّ اللّه لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى ألوانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم: حدّثنا الحسين، حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ... الآية}، قال: جاء عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومطعم بن عديّ، والحارث بن نوفل، وقرظة بن عبد عمرو بن نوفلٍ، في أشرافٍ من بني عبد منافٍ من أهل الكفر إلى أبي طالبٍ فقالوا: يا أبا طالبٍ، لو أنّ ابن أخيك محمّدًا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا، فإنّما هم عبيدنا وعسفاؤنا، كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتّباعنا إيّاه، وتصديقنا له. قال: فأتى أبو طالبٍ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فحدّثه بالّذي كلّموه فقال عمر بن الخطّاب، -رضي اللّه عنه-،: «لو فعلت ذلك، حتّى تنظر ما الّذي يريدون، وإلى ما يصيرون من قولهم؟» فأنزل الله عزّ وجلّ، هذه الآية: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم [ليس لهم من دونه وليٌّ ولا شفيعٌ لعلّهم يتّقون * ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه]} إلى قوله: {أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين} قال: وكانوا بلالًا وعمّار بن ياسرٍ، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وصبيحًا مولى أسيدٍ، ومن الحلفاء: ابن مسعودٍ، والمقداد بن عمرٍو، ومسعود بن القارّيّ، وواقد بن عبد اللّه الحنظليّ، وعمرو بن عبد عمرٍو، وذو الشّمالين، ومرثد بن أبي مرثدٍ -وأبو مرثدٍ من غنيٍّ حليف حمزة بن عبد المطّلب -وأشباههم من الحلفاء. ونزلت في أئمّة الكفر من قريشٍ والموالي والحلفاء: {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا ... الآية}. فلمّا نزلت، أقبل عمر، رضي اللّه عنه، فاعتذر من مقالته، فأنزل اللّه، -عزّ وجلّ-: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا [فقل سلامٌ] ... الآية}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 261-262]


رد مع اقتباس