عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 11:02 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن أظلم ... الآية} من استفهام مضمنه التوقيف والتقرير، أي لا أحد أظلم ممن افترى، وافترى معناه اختلق، والمكذب بالآيات مفتري كذب، ولكنهما منحيان من الكفر، فلذلك نصا مفسرين، و «الآيات» العلامات والمعجزات ونحو ذلك، ثم أوجب إنّه لا يفلح الظّالمون والفلاح بلوغ الأمل والإرادة والنجاح، ومنه قول عبيد: [الرجز]
أفلح بما شئت فقد تبلغ بالض ....... ضعف وقد يخدع الأريب). [المحرر الوجيز: 3/ 333]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للّذين أشركوا أين شركاؤكم الّذين كنتم تزعمون (22) ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين (23) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (24)}
قالت فرقة: {لا يفلح الظّالمون}كلام تام معناه لا يفلحون جملة، ثم استأنف فقال: واذكر يوم نحشرهم، وقال الطبري المعنى لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا ويوم نحشرهم عطفا على الظرف المقدر والكلام متصل، وقرأت طائفة «نحشرهم» و «نقول» بالنون، وقرأ حميد ويعقوب فيهما بالياء، وقرأ عاصم هنا وفي يونس قبل الثلاثين «نحشرهم ونقول» بالنون، وقرأ في باقي القرآن بالياء، وقرأ أبو هريرة «نحشرهم» بكسر الشين فيجيء الفعل على هذا حشر يحشر ويحشر، وأضاف الشركاء إليهم لأنه لا شركة لهم في الحقيقة بين الأصنام وبين شيء وإنما وقع عليها اسم الشريك بمجرد تسمية الكفرة فأضيفت إليهم لهذه النسبة وتزعمون معناه تدعون أنهم لله، والزعم القول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر كلامهم، وقد يقال زعم بمعنى ذكر دون ميل إلى الكذب، وعلى هذا الحد يقول سيبويه زعم الخليل ولكن ذلك إنما يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله). [المحرر الوجيز: 3/ 333-334]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا أن قالوا ... الآية} قرأ ابن كثير في رواية شبل عنه وعاصم في رواية حفص وابن عامر «تكن فتنتهم» برفع الفتنة وإلّا أن قالوا في موضع نصب على الخبر التقدير إلا قولهم، وهذا مستقيم لأنه أنث العلامة في الفعل حين أسنده إلى مؤنث وهي الفتنة، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير أيضا «تكن فتنتهم» بنصب الفتنة، واسم كان أن قالوا، وفي هذه القراءة تأنيث أن قالوا وساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى، قال أبو علي وهذا كقوله تعالى: {فله عشر أمثالها}[الأنعام: 160] فأنث الأمثال لما كانت الحسنات بالمعنى وقرأ حمزة والكسائي «يكن» بالياء «فتنتهم» بالنصب واسم كان إلّا أن قالوا وهذا مستقيم لأنه ذكر علامة الفعل حين أسنده إلى مذكر، قال الزهراوي وقرأت فرقة «يكن فتنتهم» برفع الفتنة، وفي هذه القراءة إسناد فعل مذكر العلامة إلى مؤنث، وجاء ذلك بالمعنى لأن الفتنة بمعنى الاختبار أو المودة في الشيء والإعجاب وقرأ أبي بن وكيع وابن مسعود والأعمش «وما كان فتنتهم»، وقرأ طلحة بن مصرف، «ثم كان فتنتهم» والفتنة في كلام العرب لفظة مشتركة تقال بمعنى حب الشيء والإعجاب به كما تقول فتنت بكذا، وتحتمل الآية هنا هذا المعنى أي لم يكن حبهم للأصنام وإعجابهم بها واتباعهم لها لما سئلوا عنها ووقفوا على عجزها إلا التبري منها والإنكار لها، وهذا توبيخ لهم كما تقول لرجل كان يدعي مودة آخر ثم انحرف عنه وعاداه يا فلان لم تكن مودتك لفلان إلا أن شتمته وعاديته، ويقال الفتنة في كلام العرب بمعنى الاختبار، كما قال عز وجل لموسى -عليه السلام: {وفتنّاك فتوناً}[طه: 40]، وكقوله تعالى: {ولقد فتنّا سليمان وألقينا} [ص: 34] وتحتمل الآية هاهنا هذا المعنى لأن سؤالهم عن الشركاء وتوقيفهم اختبار، فالمعنى ثم لم يكن اختبارنا لهم إذ لم يفد ولا أثمر، إلا إنكارهم الإشراك، وتجيء الفتنة في اللغة على معان غير هذين لا مدخل لها في الآية ومن قال إن أصل الفتنة الاختبار من فتنت الذهب في النار ثم يستعار بعد ذلك في غيره فقد أخطأ لأن الاسم لا يحكم عليه بمعنى الاستعارة حتى يقطع باستحالة حقيقته في الموضع الذي استعير له كقول ذي الرمة: [الطويل]
... ... ... ... ....... ولفّ الثّريّا في ملاءته الفجر
ونحوه، والفتنة لا يستحيل أن تكون حقيقة في كل موضع قيلت عليه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر والله «ربّنا» خفض على النعت لاسم الله، وقرأ حمزة والكسائي «ربّنا» نصب على النداء. ويجوز فيه تقدير المدح، وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين «والله ربّنا» برفع الاسمين وهذا على تقدير تقديم وتأخير كأنهم قالوا ما كنا مشركين والله ربنا، وما كنّا مشركين معناه جحود إشراكهم في الدنيا، فروي أنهم إذا رأوا إخراج من في النار من أهل الإيمان ضجوا فيوقفون ويقال لهم أين شركاؤكم فينكرون طماعية منهم أن يفعل بهم ما فعل بأهل الإيمان. وأتى رجل ابن عباس فقال: سمعت الله يقول: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} وفي أخرى: {ولا يكتمون اللّه حديثاً} [النساء: 42]
فقال ابن عباس: لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قالوا تعالوا فلنجحد، وقالوا ما كنا مشركين فختم الله على أفواههم وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون الله حديثا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعبد بعض المفسرين عن الفتنة هنا بأن قالوا معذرتهم، قاله قتادة، وقال آخرون كلامهم قاله الضحاك، وقيل غير هذا مما هو كله في ضمن ما ذكرناه). [المحرر الوجيز: 3/ 334-336]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {انظر كيف كذبوا ... الآية}، الخطاب لمحمد -عليه السلام- والنظر نظر القلب، وقال كذبوا في أمر لم يقع إذ هي حكاية يوم القيامة فلا إشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل، ويفيدنا استعمال الماضي تحقيقا ما في الفعل وإثباتا له، وهذا مهيع في اللغة، ومنه قول الربيع بن ضبع الفزاري: [المنسرح]
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا ....... أملك رأس البعير إن نفرا
يريد أن ينفر وضلّ عنهم معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكذبهم بادعائهم لله تبارك وتعالى الشركاء). [المحرر الوجيز: 3/ 336-337]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كلّ آيةٍ لا يؤمنوا بها حتّى إذا جاؤك يجادلونك يقول الّذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين (25)}
الضمير في قوله: ومنهم عائد على الكفار الذين تضمنهم قبل قوله: {يوم نحشرهم جميعاً} وأفرد يستمع وهو فعل جماعة حملا على لفظ من وأكنّةً جمع كنان وهو الغطاء الجامع، ومنه كنانة السهام والكنّ، ومنه قوله تعالى: {بيضٌ مكنونٌ} [الصافات: 49] ومنه قول الشاعر: [الطويل]
إذا ما انتضوها في الوغى من أكنّة ....... حسبت بروق الغيث هاجت غيومها
وفعال وأفعلة مهيع في كلامهم وأن يفقهوه نصب على المفعول من أجله أي كراهية أن يفهموه، وقيل المعنى أن لا يفقهوه، ويلزم هذا القول إضمار حرف النفي، ويفقهوه معناه يفهموه، ويقال فقه الرجل بكسر القاف إذا فهم الشيء وفقه بضمها: إذا صار فقيها له ملكة، وفقه إذا غلب في الفقه غيره، والوقر: الثقل في السمع، يقال وقرت أذنه ووقرت بكسر القاف وفتحها، ومنه قول الشاعر: [الرمل]
وكلام سيّء قد وقرت ....... أذني وما بي من صمم
وقد سمع أذن موقورة فالفعل على هذا وقرت، وقرأ طلحة بن مصرف: «وقرا» بكسر الواو كأنه ذهب إلى أن آذانهم وقرت بالصمم كما توقر الدابة من الحمل وهي قراءة شاذة، وهذا عبارة عما جعل الله في نفوس هؤلاء القوم من الغلط والبعد عن قبول الخير لا أنهم لم يكونوا سامعين لأقواله، وقوله تعالى: {وإن يروا كلّ آيةٍ ... الآية}، الرؤية هنا الرؤية العين يريد كانشقاق القمر وشبهه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومقصد هذه الآية أنهم في أعجز درجة وحاولوا رد الحق بالدعوى المجردة والواو في قوله وجعلنا واو الحال والباب أن يصرح معها بقد، وقد تجيء أحيانا مقدرة، وإيضاح ذلك أنه -تعالى- قال: ومن هؤلاء الكفرة من يستمعك وهو من الغباوة في حد قلبه في كنان وأذنه صماء وهو يرى الآيات فلا يؤمن بها لكنه مع بلوغه الغاية من هذه القصور إذا جاء للمجادلة قابل بدعوى مجردة. والمجادلة المقابلة في الاحتجاج مأخوذ من الجدل، وهذا في قولهم إشارة إلى القرآن، والأساطير جمع أسطار كأقوال وأقاويل ونحوه، وأسطار جمع سطر وسطر، وقيل الأساطير جمع أسطارة وهي النزهات، وقيل جمع أسطورة كأعجوبة وأضحوكة، وقيل هو اسم جمع لا واحد من لفظه كعبابيد وشماميط والمعنى أخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تسطر وتحكى ولا تحقق كالتواريخ وإنما شبهها الكفار بأحاديث النضر بن الحارث وأبي عبد الله بن أبي أمية عن رستم والسندباد، ومجادلة الكفار كانت مرادّتهم نور الله بأفواههم المبطلة، وقد ذكر الطبري عن ابن عباس أنه مثل من ذلك قولهم: إنكم أيها المتبعون محمدا تأكلون ما قتلتم بذبحكم ولا تأكلون ما قتل الله، ونحو هذا من التخليط الذي لا تتركب منه حجة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا جدال في حكم، والذي في الآية إنما هو جدال في مدافعة القرآن، فلا تتفسر الآية عندي بأمر الذبح). [المحرر الوجيز: 3/ 337-339]

تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلاّ أنفسهم وما يشعرون (26) ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين (27)}
الضمير في قوله: وهم عائد على المذكورين قبل، والضمير في عنه قال قتادة ومجاهد يعود على القرآن المتقدم ذكره في قوله أن يفهموه وقال ابن عباس وابن الحنفية والضحاك هو عائد على محمد عليه السلام والمعنى أنهم ينهون غيرهم ويبعدون هم بأنفسهم و «النأي» البعد، وإن يهلكون معناه ما يهلكون إلا أنفسهم بالكفر الذي يدخلهم جهنم، وقال ابن عباس أيضا والقاسم وحبيب بن أبي ثابت وعطاء بن دينار المراد بقوله: وهم ينهون عنه أبو طالب ومن كان معه على حماية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى الدوام في الكفر، والمعنى وهم ينهون عنه من يريد إذايته وينأون عنه بإيمانهم واتباعهم فهم يفعلون الشيء وخلافه، ويقلق على هذا القول رد قوله وهم على جماعة الكفار المتقدم ذكرها، لأن جميعهم لم يكن ينهى عن إذاية النبي -صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويتخرج ذلك ويحسن على أن تقدر القصد ذكر ما ينعى على فريق فريق من الجماعة التي هي كلها مجمعة على الكفر، فخرجت العبارة عن فريق من الجماعة بلفظ يعم الجماعة، لأن التوبيخ على هذه الصورة أغلظ عليهم، كما تقول إذا شنعت على جماعة فيها زناة وسرقة وشربة خمر هؤلاء يزنون ويسرقون ويشربون الخمر وحقيقة كلامك أن بعضهم يفعل هذا وبعضهم يفعل هذا، فكأنه قال: من هؤلاء الكفرة من يستمع وهم ينهون عن إذايته ولا يؤمنون به، أي: منهم من يفعل ذلك، وما يشعرون معناه: ما يعلمون علم حسّ، وهو مأخوذ من الشعار الذي يلي بدن الإنسان، والشعار مأخوذ من الشعر،
ونفي الشعور مذمة بالغة إذ البهائم تشعر وتحس، فإذا قلت لا يشعر فقد نفيت عنه العلم النفي العام الذي يقتضي أنه لا يعلم ولا المحسوسات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقرأ الحسن «وينون عنه» ألقيت حركة الهمزة على النون على التسهيل القياسي). [المحرر الوجيز: 3/ 339-341]


رد مع اقتباس