عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 12:08 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {استهوته الشياطين قال أضلته الشياطين في الأرض حيران}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 212]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر ورجل، عن مجاهد في قوله تعالى:{ حيران} قال هذا مثل ضربه الله للكافر يقول الكافر حيران يدعوه المسلم إلى هدى فلا يجيب). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 212]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون}[الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث}[الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا}: [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا} [القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته»). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله استهوته أضلّته هو تفسير قتادة أخرجه عبد الرّزّاق وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {كالّذي استهوته الشّياطين} هو الّذي تشبّه له الشّياطين فيتبعها حتّى يهوي في الأرض فيضلّ). [فتح الباري: 8/ 290]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وبه قوله:{كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض} يقول هم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه فيتبعها ويرى أنه في شيء فيصبح وقد ألقته في هلكة أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا فهذا مثل ما أجاب من يعبد من دون الله). [تغليق التعليق: 4/ 211]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (استهوته أضلّته
أشار به إلى قوله تعالى: {كالّذي استهوته الشّياطين} وفسره بقوله أضلته وكذا فسره قتادة). [عمدة القاري: 18/ 221]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: ({استهوته}) أي (أضلته) الشياطين). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا}.
وهذا تنبيهٌ من اللّه تعالى ذكره نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- على حجّته على مشركي قومه من عبدة الأوثان، يقول له تعالى ذكره: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأنداد والآمرين لك باتّباع دينهم وعبادة الأصنام معهم: أندعو من دون اللّه حجرًا أو خشبًا لا يقدر على نفعنا أو ضرّنا، فنخصّه بالعبادة دون اللّه، وندع عبادة الّذي بيده الضّرّ والنّفع والحياة والموت، إن كنتم تعقلون فتميّزون بين الخير والشّرّ، فلا شكّ أنّكم تعلمون أنّ خدمة ما يرتجى نفعه ويرهب ضرّه أحقّ وأولى من خدمة من لا يرجى نفعه ولا يخشى ضرّه.
{ونردّ على أعقابنا} يقول: ونردّ إلى أدبارنا فنرجع القهقرى خلفنا لم نظفر بحاجتنا.
وقد بيّنّا معنى الرّدّ على العقب، وأنّ العرب تقول لكلّ طالب حاجةٍ لم يظفر بها: ردّ على عقبيه، فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وإنّما يراد به في هذا الموضع: ونردّ من الإسلام إلى الكفر بعد إذ هدانا اللّه فوفّقنا له، فيكون مثلنا في ذلك مثل الرّجل الّذي استتبعه الشّيطان يهوي في الأرض حيران.
وقوله: {استهوته} استفعلته، من قول القائل: هوى فلانٌ إلى كذا يهوي إليه، ومن قول اللّه تعالى ذكره: {فاجعل أفئدةً من النّاس تهوي إليهم} بمعنى: تنزع إليهم وتريدهم.
وأمّا حيران: فإنّه فعلان من قول القائل: قد حار فلانٌ في الطّريق فهو يحار فيه حيرةً وحيرانًا وحيرورةً، وذلك إذا ضلّ فلم يهتد للمحجّة.
{له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى}، يقول: لهذا الحيران الّذي قد استهوته الشّياطين في الأرض أصحابٌ على المحجّة واستقامة السّبيل، يدعونه إلى المحجّة لطريق الهدى الّذي هم عليه، يقولون له: ائتنا. وترك إجراء حيران، لأنّه (فعلان)، وكلّ اسمٍ كان على (فعلان) ممّا أنثاه (فعلى) فإنّه لا يجرى في كلام العرب في معرفةٍ ولا نكرةٍ.
وهذا مثلٌ ضربه اللّه -تعالى- لمن كفر باللّه بعد إيمانه فاتّبع الشّياطين من أهل الشّرك باللّه، وأصحابه الّذين كانوا أصحابه في حال إسلامه المقيمون على الدّين الحقّ يدعونه إلى الهدى الّذي هم عليه مقيمون، والصّواب الّذي هم به متمسّكون، وهو له مفارقٌ، وعنه زائلٌ، يقولون له: ائتنا، فكن معنا على استقامةٍ وهدًى، وهو يأبى ذلك، ويتّبع دواعي الشّيطان، ويعبد الآلهة والأوثان.
وبمثل الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل، وخالف في ذلك جماعةٌ.
ذكر من قال ذلك مثل ما قلنا:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا} قال: قال المشركون للمؤمنين: اتّبعوا سبيلنا، واتركوا دين محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فقال اللّه تعالى ذكره: قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا، هذه الآلهة، ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه، فيكون مثلنا كمثل الّذي استهوته الشّياطين في الأرض، يقول: مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان كمثل رجلٍ كان مع قومٍ على الطّريق، فضلّ الطّريق، فحيّرته الشّياطين واستهوته في الأرض، وأصحابه على الطّريق، فجعلوا يدعونه إليهم، يقولون: ائتنا، فإنّا على الطّريق، فأبى أن يأتيهم. فذلك مثل من يتّبعكم بعد المعرفة بمحمّدٍ، ومحمّدٌ الّذي يدعو إلى الطّريق، والطّريق هو الإسلام.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا} قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه للآلهة ومن يدعو إليها، وللدّعاة الّذين يدعون إلى اللّه، كمثل رجلٍ ضلّ عن الطّريق، إذ ناداه منادٍ: يا فلان ابن فلانٍ، هلمّ إلى الطّريق، وله أصحابٌ يدعونه: يا فلان، هلمّ إلى الطّريق، فإن اتّبع الدّاعي الأوّل انطلق به حتّى يلقيه في الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطّريق، وهذه الدّاعية الّتي تدعو في البريّة من الغيلان، يقول: مثل من يعبد هؤلاء الآلهة من دون اللّه، فإنّه يرى أنّه في شيءٍ حتّى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والنّدامة.
وقوله: {كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض}، وهم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه واسم جدّه، فيتبعها فيرى أنّه في شيءٍ فيصبح وقد ألقته في الهلكة وربّما أكلته، أو تلقيه في مضلّةٍ من الأرض يهلك فيها عطشًا، فهذا مثل من أجاب الآلهة الّتي تعبد من دون اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة: {استهوته الشّياطين في الأرض} قال: أضلّته في الأرض حيران.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ما لا ينفعنا ولا يضرّنا} قال: الأوثان.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {استهوته الشّياطين في الأرض حيران} قال: رجلٌ حيران يدعوه أصحابه إلى الطّريق، كذلك مثل من يضلّ بعد إذ هدي.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ قال: حدّثنا رجلٌ، عن مجاهدٍ قال: حيران هذا مثلٌ ضربه اللّه للكافر، يقول: الكافر حيران يدعوه المسلم إلى الهدى فلا يجيب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا} حتّى بلغ: {لنسلم لربّ العالمين}: علّمها اللّه محمّدًا وأصحابه يخاصمون بها أهل الضّلالة.
وقال آخرون في تأويل ذلك بما:
- حدّثني به، محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى}: فهو الرّجل الّذي لا يستجيب لهدى اللّه، وهو رجلٌ أطاع الشّيطان وعمل في الأرض بالمعصية وحار عن الحقّ وضلّ عنه، وله أصحابٌ يدعونه إلى الهدى، ويزعمون أنّ الّذي يأمرونه هدًى، يقول اللّه ذلك لأوليائهم من الإنس: إنّ الهدى هدى اللّه، والضّلالة ما تدعو إليه الجنّ.
فكأنّ ابن عبّاسٍ على هذه الرّواية يرى أنّ أصحاب هذا الحيران الّذين يدعونه إنّما يدعونه إلى الضّلال، ويزعمون أنّ ذلك هدًى، وأنّ اللّه أكذبهم بقوله: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى}، لا ما يدعوه إليه أصحابه.
وهذا تأويلٌ له وجهٌ لو لم يكن اللّه سمّى الّذي دعا الحيران إليه أصحابه هدًى، وكان الخبر بذلك عن أصحابه الدّعاة له إلى ما دعوه إليه، أنّهم هم الّذين سمّوه، ولكنّ اللّه سمّاه هدًى، وأخبر عن أصحاب الحيران أنّهم يدعونه إليه. وغير جائزٍ أن يسمّي اللّه الضّلال هدًى، لأنّ ذلك كذبٌ، وغير جائزٍ وصف اللّه بالكذب، لأنّ ذلك وصفه بما ليس من صفته. وإنّما كان يجوز توجيه ذلك إلى الصّواب لو كان ذلك خبرًا من اللّه عن الدّاعي الحيران أنّهم قالوا له: تعال إلى الهدى، فأمّا وهو قائلٌ: يدعونه إلى الهدى، فغير جائزٍ أن يكون ذلك وهم كانوا يدعونه إلى الضّلال.
وأمّا قوله: {ائتنا}، فإنّ معناه: يقولون: ائتنا، هلمّ إلينا، فحذف القول لدلالة الكلام عليه.
وذكر عن ابن مسعودٍ أنّه كان يقرأ ذلك: (يدعونه إلى الهدى بيّنًا).
- حدّثنا بذلك ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: في قراءة عبد اللّه: (يدعونه إلى الهدى بيّنًا).
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: في قراءة ابن مسعودٍ: (له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى بيّنًا)، قال: الهدى: الطّريق، أنّه بيّنٌ.
وإذا قرئ ذلك كذلك، كان البيّن من صفة الهدى، ويكون نصب البيّن على القطع من الهدى، كأنّه قيل: يدعونه إلى الهدى البيّن، ثمّ نصب (البيّن) لمّا حذفت الألف واللاّم، وصار نكرةً من صفة المعرفة.
وهذه القراءة الّتي ذكرناها عن ابن مسعودٍ تؤيّد قول من قال: الهدى في هذا الموضع: هو الهدى، على الحقيقة). [جامع البيان: 9/ 326-332]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى وأمرنا لنسلم لربّ العالمين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان القائلين لأصحابك: اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، فإنّا على هدًى: ليس الأمر كما زعمتم {إنّ هدى اللّه هو الهدى} يقول: إنّ طريق اللّه الّذي بيّنه لنا وأوضحه، وسبيلنا الّذي أمرنا بلزومه، ودينه الّذي شرعه لنا فبيّنه، هو الهدى والاستقامة الّتي لا شكّ فيها، لا عبادة الأوثان والأصنام الّتي لا تضرّ ولا تنفع، فلا نترك الحقّ ونتّبع الباطل. {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين} يقول: وأمرنا ربّنا وربّ كلّ شيءٍ، تعالى وجهه، لنسلم له: لنخضع له بالذّلّة والطّاعة والعبوديّة، فنخلص ذلك له دون ما سواه من الأنداد والآلهة.
وقد بيّنّا معنى الإسلام بشواهده فيما مضى من كتابنا بما أغنى عن إعادته.
وقيل: {وأمرنا لنسلم} بمعنى: وأمرنا كي نسلم، وأن نسلم لربّ العالمين، لأنّ العرب تضع (كي) و(اللاّم) الّتي بمعنى (كي) مكان (أن)، و(أن) مكانها).[جامع البيان: 9/ 333]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إنّ هدى اللّه هو الهدى وأمرنا لنسلم لربّ العالمين (71)}
قوله تعالى: {قل أندعوا من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرنا}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {قل أندعوا من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا}، قال المشركون للمؤمنين: اتّبعوا سبيلنا، واتركوا دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال اللّه تعالى:{ قل أندعوا من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا بهذه الآلهة}.
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله:{ ما لا ينفعنا ولا يضرّنا} قال: الأوثان.
قوله: {ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه قال: نردّ على أعقابنا في الكفر بعد إذ هدانا اللّه، فيكون مثلنا مثل الّذي استهوته الشّياطين في الأرض.
قوله: {كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض} يقول: هم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه فيتبعها ويرى أنّه في شيءٍ، فيصبح وقد ألقته في هلكةٍ، وربّما أكلته، أو تلقيه في مضلّةٍ من الأرض يهلك فيها عطشًا. فهذا مثل من أجاب الآلهة الّتي تعبد من دون اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {الشّياطين} يعني: إبليس وذرّيّته.
قوله: {حيران}.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: في الأرض حيران، رجلٌ حيران يدعوه أصحابه إلى الطّريق فذلك مثل من يضلّ بعد إذ هدي.
- أخبرنا أحمد بن عثمان الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {في الأرض حيران} يقول: مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان، كمثل رجلٍ كان مع قومٍ على الطّريق، فضلّ الطّريق، فحيّرته الشّياطين واستهوته في الأرض، وأصحابه على الطّريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون: ائتنا فإنّا على الطّريق، فأبى أن يأتيهم فذلك مثل من يتّبعكم بعد المعرفة بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي يدعو إلى الطّريق، والطّريق هو الإسلام.
قوله تعالى:{ له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {قل أندعوا من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا}، قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه للآلهة، وللدّعاة الّذين يدعون إلى اللّه، كمثل رجلٍ ضلّ عن الطّريق تائهًا ضالا إذ ناداه منادٍ: فلان ابن فلانٍ، هلمّ إلى الطّريق،{ وله أصحابٌ يدعونه}: يا فلان، هلمّ إلى الطّريق. فإن اتّبع الدّاعي الأوّل انطلق به حتّى يلقيه في هلكةٍ، وإن أجاب من يدعو إلى الهدى اهتدى إلى الطّريق. وهذه الدّاعية الّتي تدعو في البرّيّة من الغيلان. يقول: مثل من يعبد هذه الآلهة من دون اللّه فإنّه يرى أنّه في شيءٍ حتّى يأتيه الموت، فيستقبل الهلكة والنّدامة.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، الّذي يدعو إلى الطّريق، والطّريق هو الإسلام.
قوله: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى ... الآية}.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ قوله: {له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إنّ هدى اللّه هو الهدى وأمرنا لنسلم لربّ العالمين}
قال: هو الّذي لا يستجيب لهدى اللّه، وهو رجلٌ أطاع الشّيطان، وعمل في الأرض بالمعصية، وجار عن الحقّ وضلّ عنه، وله أصحابٌ يدعونه إلى الهدى، ويزعمون أنّ الّذي يأمرونه به هدى اللّه يقول ذلك لأوليائهم من الإنس، يقول: قل إنّ الهدى هدى اللّه، والضّلالة: ما يدعو إليه الجنّ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى وأمرنا لنسلم لربّ العالمين}. خصومةٌ علّمها اللّه تعالى محمّداً صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، يخاصمون بها أهل الضّلالة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1320-1322]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا يعني به الأوثان بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران قال هو رجل حيران يدعو أصحابه إلى الطريق ذلك مثل من يضل بعد الهدى). [تفسير مجاهد: 218]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {قل أندعو من دون الله} هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله كمثل رجل ضل عن الطريق تائها ضالا إذ ناداه مناد فلان بن فلان هلم إلى الطريق وله أصحاب يدعونه يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في هلكة وإن أجاب من يدعو إلى الهدى اهتدى إلى الطريق وهذه الداعية التي تدعو في البرية الغيلان، يقول: مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والندامة، وقوله: {كالذي استهوته الشياطين في الأرض}، يقول: أضلته وهم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده
فيتبعها ويرى أنه في شيء فيصبح وقد ألقته في هلكة وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {قل أندعو من دون الله} الآية، قال: قال المشركون للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد، فقال الله: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} فهذه الآلهة {ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله} فيكون مثلنا {كالذي استهوته الشياطين في الأرض} يقول: مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان كمثل رجل كان مع قوم على طريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة لمحمد ومحمد الذي يدعو إلى الطريق والطريق هو الإسلام.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} قال: الأوثان، وفي قوله: {كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران}، قال: رجل حيران يدعو أصحابه إلى الطريق فذلك مثل من يضل بعد إذ هدى
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كالذي استهوته الشياطين} الآية، قال: هو الرجل الذي لا يستجيب لهدى الله وهو رجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وجار عن الحق وضل عنه وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى الله يقول الله ذلك لأوليائهم من الأنس يقول: {إن الهدى هدى الله} والضلالة ما يدعو إليه الجن.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: خصومة علمها الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخاصمون بها أهل الضلالة.
- وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله (كالذي استهواه الشيطان).
- وأخرج ابن جرير، وابن الانباري عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله (يدعونه إلى الهدى بينا).
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: في قراءة ابن مسعود (يدعونه إلى الهدى بينا) قال: الهدى الطريق إنه بين والله أعلم).[الدر المنثور: 6/ 93-96]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأن أقيموا الصّلاة واتّقوه وهو الّذي إليه تحشرون}.
يقول تعالى ذكره: وأمرنا أن أقيموا الصّلاة.
وإنّما قيل: {وأن أقيموا الصّلاة} فعطف بـ (أن) على اللاّم من (لنسلم) لأنّ قوله: {لنسلم} معناه: أن نسلم، فردّ قوله: {وأن أقيموا} على معنى: (لنسلم)، إذ كانت اللاّم الّتي في قوله: {لنسلم} لامًا لا تصحب إلاّ المستقبل من الأفعال، وكانت (أن) من الحروف الّتي تدلّ على الاستقبال دلالة اللاّم الّتي في {لنسلم}، فعطف بها عليها لاتّفاق معنييهما فيما ذكرت، فـ (أن) في موضع نصبٍ بالرّدّ على اللاّم.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: إمّا أن يكون ذلك: أمرنا لنسلم لربّ العالمين، وأن أقيموا الصّلاة، يقول: أمرنا كي نسلم، كما قال: {وأمرت أن أكون من المؤمنين}، أي إنّما أمرت بذلك، ثمّ قال: {وأن أقيموا الصّلاة واتّقوه}: أي أمرنا أن أقيموا الصّلاة، أو يكون أوصل الفعل باللاّم، والمعنى: أمرت أن أكون، كما أوصل الفعل باللاّم في قوله: {هم لربّهم يرهبون}.
فتأويل الكلام: وأمرنا بإقامة الصّلاة، وذلك أداؤها بحدودها الّتي فرضت علينا. {واتّقوه} يقول: واتّقوا ربّ العالمين الّذي أمرنا أن نسلم له، فخافوه واحذروا سخطه بأداء الصّلاة المفروضة عليكم، والإذعان له بالطّاعة وإخلاص العبادة له. {وهو الّذي إليه تحشرون} يقول: وربّكم ربّ العالمين هو الّذي إليه تحشرون فتجمعون يوم القيامة، فيجازي كلّ عاملٍ منكم بعمله، وتوفّى كلّ نفسٍ ما كسبت). [جامع البيان: 9/ 333-335]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وأن أقيموا الصّلاة واتّقوه وهو الّذي إليه تحشرون (72)}
قوله تعالى: {وأن أقيموا الصّلاة}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: وأن أقيموا الصّلاة، قال: فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلا بها.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ، ثنا الوليد، ثنا عبد الرّحمن، عن نمرٍ قال: سألت الزّهريّ، عن قول اللّه: {أقيموا الصّلاة}، قال الزّهريّ: إقامتها أن تصلّي الصّلوات الخمس لوقتها. وروي، عن عطاء بن أبي رباحٍ وقتادة نحو ذلك.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قال: قوله لأهل الكتاب: {أقيموا الصّلاة} أمرهم أن يصلّوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله: {واتقوه}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {واتّقوه} يعني: لا تعصوه.
قوله: {وهو الّذي إليه تحشرون}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن نميرٍ، عن حنظلة القاصّ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «يحشر كلّ شيءٍ حتّى إنّ الذباب لتحشر»). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1322-1323]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي قال: «ما من أهل بيت يكون لهم مواقيت يعلمون الصلاة إلا بورك فيهم كما بورك في إبراهيم وآل إبراهيم»). [الدر المنثور: 6/ 96]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث } [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا}[الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا}[القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون}[الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ}[فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ»).[صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: الصّور جماعة صورةٍ كقولك سورةٌ وسورٌ بالصّاد أوّلًا وبالسّين ثانيًا كذا للجميع إلّا في رواية أبي أحمد الجرجانيّ ففيها كقوله صورةٌ وصورٌ بالصّاد في الموضعين والاختلاف في سكون الواو وفتحها قال أبو عبيدة في قوله تعالى ويوم ينفخ في الصّور يقال إنّها جمع صورةٍ ينفخ فيها روحها فتحيا بمنزلة قولهم سور المدينة واحدها سورةٌ قال النّابغة:
ألم تر أنّ اللّه أعطاك سورةً ....... يرى كلّ ملكٍ دونها يتذبذب
انتهى والثّابت في الحديث أنّ الصّور قرنٌ ينفخ فيه وهو واحدٌ لا اسم جمعٍ وحكى الفراء الوجهين وقال في الأوّل فعلى هذا فالمراد النّفخ في الموتى وذكر الجوهريّ في الصّحاح أنّ الحسن قرأها بفتح الواو وسبق النّحاس فقال ليست بقراءةٍ وأثبتها أبو البقاء العكبريّ قراءةً في كتابه إعراب الشّواذّ وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الرّقاق إن شاء اللّه تعالى).[فتح الباري: 8/ 288-289]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الصّور جماعة صورةٍ كقوله صورةٌ وسورٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {يوم ينفخ في الصّدور} [الأنعام: 33] وذكر أن الصّور جمع صورة كما أن السّور جمع سورة، واختلف المفسّرون في قوله: {يوم ينفخ في الصّور} فقال بعضهم: المراد بالصور هنا جمع سورة أي: يوم ينفخ فيها ضحى، قال ابن جرير: كما يقال سور لسور البلد وهو جمع سورة، والصّحيح أن المراد بالصور، القرن الّذي ينفخ فيه إسرافيل، عليه السّلام، وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان التّميمي عن أسلم العجليّ عن بشر بن سعاف عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي: يا رسول الله ما الصّور؟ قال: قرن ينفخ فيه انتهى، وهو واحد لا اسم جمع). [عمدة القاري: 18/ 222]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({الصور}) بضم الصاد وفتح الواو في قوله: {يوم ينفخ في الصور} أي (جماعة صورة) أي يوم ينفخ فيها فتحيا (كقوله: سورة وسور) بالسين المهملة فيهما. قال ابن كثير: والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام للأحاديث الواردة فيه).[إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي خلق السّموات والأرض بالحقّ ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ وله الملك يوم ينفخ في الصّور عالم الغيب والشّهادة وهو الحكيم الخبير}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأنداد، الدّاعيك إلى عبادة الأوثان: أمرنا لنسلم لربّ العالمين الّذي خلق السّموات والأرض بالحقّ، لا من لا ينفع ولا يضرّ، ولا يسمع ولا يبصر.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {بالحقّ}، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهو الّذي خلق السّموات والأرض حقًّا وصوابًا، لا باطلاً وخطأً، كما قال تعالى ذكره: {وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلاً}، قالوا: وأدخلت فيه الباء والألف واللاّم، كما تفعل العرب في نظائر ذلك، فتقول: فلانٌ يقول بالحقّ، بمعنى أنّه يقول الحقّ. قالوا: ولا شيء في قوله بالحقّ غير إصابته الصّواب فيه، لا أنّ الحقّ معنًى غير القول، وإنّما هو صفةٌ للقول إذا كان بها القول كان القائل موصوفًا بالقول بالحقّ وبقول الحقّ. قالوا: فكذلك خلق السّموات والأرض حكمةٌ من حكم اللّه، فاللّه موصوفٌ بالحكمة، خلقهما وخلق ما سواهما من سائر خلقه، لا أنّ ذلك حقٌّ سوى خلقهما خلقهما به.
وقال آخرون: معنى ذلك: خلق السّموات والأرض بكلامه وقوله لهما: {ائتيا طوعًا أو كرهًا}. قالوا: فالحقّ في هذا الموضع معنيّ به كلامه. واستشهدوا لقيلهم ذلك بقوله: {ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ}، الحقّ هو قوله وكلامه. قالوا: واللّه خلق الأشياء بكلامه وقيله كما خلق به الأشياء غير المخلوقة. قالوا: فإذ كان ذلك كذلك، وجب أن يكون كلام اللّه الّذي خلق به الخلق غير مخلوقٍ.
وأمّا قوله: {ويوم يقول كن فيكون} فإنّ أهل العربيّة اختلفوا في العامل في {يوم يقول}، وفي معنى ذلك، فقال بعض نحويّي البصرة: (اليوم) مضافٌ إلى (يقول كن فيكون)، قال: وهو نصبٌ وليس له خبرٌ ظاهرٌ، واللّه أعلم، وهو على ما فسّرت لك، كأنّه يعني بذلك أنّ نصبه على: (واذكر يوم يقول كن فيكون)، قال: وكذلك {يوم ينفخ في الصّور}، قال: وقال بعضهم: يوم ينفخ في الصّور عالم الغيب والشّهادة.
وقال بعضهم: يقول كن فيكون، للصّور خاصّةً.
فمعنى الكلام على تأويلهم: يوم يقول للصّور: كن فيكون، قوله الحقّ يوم ينفخ فيه عالم الغيب والشّهادة، فيكون (القول) حينئذٍ مرفوعًا بـ (الحقّ)، والحقّ بالقول. وقوله: {يوم يقول كن فيكون} و{يوم ينفخ في الصّور} صلة (الحقّ).
وقال آخرون: بل قوله: {كن فيكون} معنيّ به كلّ ما كان اللّه معيده في الآخرة بعد إفنائه، ومنشئه بعد إعدامه. فالكلام على مذهب هؤلاء متناهٍ عند قوله: {كن فيكون}، وقوله: {قوله الحقّ} خبر مبتدأٍ.
وتأويله: وهو الّذي خلق السّموات والأرض بالحقّ، ويوم يقول للأشياء: كن فيكون، خلقهما بالحقّ بعد فنائهما، ثمّ ابتدأ الخبر عن قوله ووعده خلقه أنّه معيدهما بعد فنائهما عن أنّه حقٌّ، فقال: قوله هذا الحقّ الّذي لا شكّ فيه، وأخبر أنّ له الملك يوم ينفخ في الصّور، فـ {يوم ينفخ في الصّور} يكون على هذا التّأويل من صلة (الملك).
وقد يجوز على هذا التّأويل أن يكون قوله: {يوم ينفخ في الصّور} من صلة {الحقّ}.
وقال آخرون: بل معنى الكلام: ويوم يقول لما فني: (كن) فيكون قوله الحقّ، فجعل القول مرفوعًا بقوله: {ويوم يقول كن فيكون} وجعل قوله: {كن فيكون} للقول محلًّا، وقوله: {يوم ينفخ في الصّور} من صلة (الحقّ)، كأنّه وجّه تأويل ذلك إلى: ويومئذٍ قوله الحقّ يوم ينفخ في الصّور. وإن جعل على هذا التّأويل: {يوم ينفخ في الصّور} بيانًا عن اليوم الأوّل، كان وجهًا صحيحًا، ولو جعل قوله: {قوله الحقّ} مرفوعًا بقوله: {يوم ينفخ في الصّور}، وقوله: {يوم ينفخ في الصّور} محلًّا، وقوله: {ويوم يقول كن فيكون} من صلته كان جائزًا.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه المنفرد بخلق السّموات والأرض دون كلّ ما سواه، معرّفًا من أشرك به من خلقه جهله في عبادة الأوثان والأصنام، وخطأ ما هم عليه مقيمون من عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع ولا يقدر على اجتلاب نفعٍ إلى نفسه ولا دفع ضرٍّ عنها، ومحتجًّا عليهم في إنكارهم البعث بعد الممات والثّواب والعقاب بقدرته على ابتداع ذلك ابتداءً، وأنّ الّذي ابتدع ذلك غير متعذّرٍ عليه إفناؤه ثمّ إعادته بعد إفنائه، فقال: وهو الّذي خلق أيّها العادلون بربّهم من لا ينفع ولا يضرّ ولا يقدر على شيءٍ، السّموات والأرض بالحقّ، حجّةً على خلقه، ليعرفوا بها صانعها وليستدلّوا بها على عظيم قدرته وسلطانه، فيخلصوا له العبادة. {ويوم يقول كن فيكون} يقول: ويوم يقول حين تبدّل الأرض غير الأرض والسّموات كذلك: (كن فيكون)، كما شاء تعالى ذكره، فتكون الأرض غير الأرض عند قوله (كن)، فيكون متناهيًا.
وإذا كان كذلك معناه وجب أن يكون في الكلام محذوفٌ يدلّ عليه الظّاهر، ويكون معنى الكلام: ويوم يقول لذلك: كن فيكون، تبدّل غير السّموات والأرض، ويدلّ على ذلك قوله: {وهو الّذي خلق السّموات والأرض بالحقّ} ثمّ ابتدأ الخبر عن القول فقال: {قوله الحقّ} بمعنى: وعده هذا الّذي وعد تعالى ذكره من تبديله السّموات والأرض غير الأرض والسّموات، الحقّ الّذي لا شكّ فيه، {وله الملك يوم ينفخ في الصّور} فيكون قوله: {يوم ينفخ في الصّور} من صلة (الملك)، ويكون معنى الكلام: وللّه الملك يومئذٍ لأنّ النّفخة الثّانية في الصّور حال تبديل اللّه السّموات والأرض غيرهما.
وجائزٌ أن يكون القول، أعنى قوله: {الحقّ} مرفوعًا بقوله: {ويوم يقول كن فيكون} ويكون قوله: {كن فيكون} محلًّا للقول مرافعًا.
فيكون تأويل الكلام: وهو الّذي خلق السّموات والأرض بالحقّ، ويوم يبدّلها غير السّموات والأرض فيقول لذلك كن فيكون قوله الحقّ.
وأمّا قوله: {وله الملك يوم ينفخ في الصّور} فإنّه خصّ بالخبر عن ملكه يومئذٍ، وإن كان الملك له خالصًا في كلّ وقتٍ في الدّنيا والآخرة، لأنّه عنى تعالى ذكر أنّه لا منازع له فيه يومئذٍ ولا مدّعي له، وأنّه المنفرد به دون كلّ من كان ينازعه فيه في الدّنيا من الجبابرة فأذعن جميعهم يومئذٍ له به، وعلموا أنّهم كانوا من دعواهم في الدّنيا في باطلٍ.
واختلف في معنى الصّور في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو قرنٌ ينفخ فيه نفختان: إحداهما لفناء من كان حيًّا على الأرض، والثّانية لنشر كلّ ميّتٍ. واعتلّوا لقولهم ذلك بقوله: {ونفخ في الصّور فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلاّ من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون}، وبالخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال إذ سئل عن الصّور: هو قرنٌ ينفخ فيه.
وقال آخرون: الصّور في هذا الموضع: جمع صورةٍ ينفخ فيها روحها فتحيا، كقولهم: سورٌ لسور المدينة، وهو جمع سورةٍ، كما قال جريرٌ:
سور المدينة والجبال الخشّع
والعرب تقول: نفخ في الصّور، ونفخ الصّور. ومن قولهم: نفخ الصّور قول الشّاعر:
لولا ابن جعدة لم تفتح قهندزكم ....... ولا خراسان حتّى ينفخ الصّور
والصّواب من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال: إنّ إسرافيل قد التقم الصّور وحنى جبهته ينتظر متى يومر فينفخ، وأنّه قال: الصّور قرنٌ ينفخ فيه.
وذكر عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول في قوله: {يوم ينفخ في الصّور عالم الغيب والشّهادة} يعني: أنّ عالم الغيب والشّهادة هو الّذي ينفخ في الصّور.
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {عالم الغيب والشّهادة} يعني: أنّ عالم الغيب والشّهادة هو الّذي ينفخ في الصّور.
فكأنّ ابن عبّاسٍ تأوّل في ذلك أنّ قوله: {عالم الغيب والشّهادة} اسم الفاعل الّذي لم يسمّ في قوله: {يوم ينفخ في الصّور}، وأنّ معنى الكلام: يوم ينفخ اللّه في الصّور عالم الغيب والشّهادة، كما تقول العرب: أكل طعامك عبد اللّه، فتظهر اسم الآكل بعد أن قد جرى الخبر بما لم يسمّ آكله. وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوعٍ، فإنّ أحسن من ذلك أن يكون قوله: {عالم الغيب والشّهادة} مرفوعًا على أنّه نعتٌ لـ (الّذي) في قوله: {وهو الّذي خلق السّموات والأرض بالحقّ}.
وروي عنه أيضًا أنّه كان يقول: الصّور في هذا الموضع: النّفخة الأولى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يوم ينفخ في الصّور عالم الغيب والشّهادة} يعني بالصّور النّفخة الأولى، ألم تسمع أنّه يقول: {ونفخ في الصّور فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلاّ من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى} يعني الثّانية {فإذا هم قيامٌ ينظرون}.
ويعني بقوله: {عالم الغيب والشّهادة} عالم ما تعاينون أيّها النّاس فتشاهدونه، وما يغيب عن حواسكم وأبصاركم فلا تحسّونه ولا تبصرونه، وهو الحكيم في تدبيره وتصريفه خلقه من حال الوجود إلى العدم، ثمّ من حال العدم والفناء إلى الوجود، ثمّ في مجازاتهم بما يجازيهم به من ثوابٍ أو عقابٍ، خبيرٌ بكلّ ما يعملونه ويكسبونه من حسنٍ وسيّئٍ، حافظٌ ذلك عليهم ليجازيهم على كلّ ذلك. يقول تعالى ذكره: فاحذروا أيّها العادلون بربّكم عقابه، فإنّه عليمٌ بكلّ ما تأتون وتذرون، وهو لكم من وراء الجزاء على ما تعملون).[جامع البيان: 9/ 335-342]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهو الّذي خلق السّماوات والأرض بالحقّ ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ وله الملك يوم ينفخ في الصّور عالم الغيب والشّهادة وهو الحكيم الخبير (73) }
قوله: {وهو الّذي خلق السّماوات والأرض بالحقّ ويوم يقول كن فيكون}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ} قال: فهو خلق الإنسان.
قوله: {يوم ينفخ في الصّور}.
- حدّثنا أبي، ثنا الفضل بن دكينٍ، ثنا سفيان، عن سليمان التّيميّ، عن أسلم العجليّ، عن بشر بن شفاف، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن الصّور فقال: «قرنٌ ينفخ فيه».
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قوله: يوم ينفخ في الصّور يقول: في الصّور النّفخة الأولى، ألم تسمع أنّه يقول: ونفخ في الصور فصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى الثّانية فإذا هم قيامٌ ينظرون.
قوله: {عالم الغيب والشّهادة}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: عالم الغيب والشّهادة، يعني أنّ عالم الغيب والشّهادة هو الّذي ينفخ في الصّور.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عامر بن صالحٍ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن الحسن قال: الشّهادة، ما قد رأيتم من خلقه، والغيب: ما غاب عنكم ما لم تروه.
قوله: {وهو الحكيم الخبير}.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: الحكيم قال: حكيمٌ في أمره.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: وحدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير في قوله: الحكيم قال: الحكيم في عذره ورحمته إلى عباده). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1323-1324]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال: سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال: «هو قرن ينفخ فيه».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن أهل منى اجتمعوا على أن يقلوا القرن من الأرض ما أقلوه
- وأخرج مسدد في مسنده، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود قال: الصور كهيئة القرن ينفخ فيه.
- وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الصور كهيئة البوق.
- وأخرج ابن ماجه والبزار، وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال صاحبا القرن ممسكين بالصور ينتظران متى يؤمران.
- وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ان طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان».
- وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى بسمعه ينتظر متى يؤمر» كيف نقول يا رسول الله قال: قولوا:« حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا».
- وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى الجبهة وأصغى بالأذن متى يؤمر فينفخ» قالوا: فما نقول يا رسول الله قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا».
- وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه وحنى جبهته وأصغى بسمعه ينتظر متى يؤمر فينفخ» قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا قال:« حسبنا الله ونعم الوكيل».
- وأخرج البزار والحاكم عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:« ما من صباح إلا وملكان يناديان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان وملكان يناديان: يا باغي الخير هلم ويقول الآخر: يا باغي الشر أقصر وملكان يناديان يقول أحدهما: ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال».
- وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:« النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب وينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا».
- وأخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ في العظمة بسند حسن عن عبد الله بن الحارث قال كنت عند عائشة وعندها كعب الحبر فذكر إسرافيل فقالت عائشة:« أخبرني عن إسرافيل فقال كعب: عندكم العلم، قالت: أجل فأخبرني قال: له أربعة أجنحة جناحان في الهواء وجناح قد تسربل به وجناح على كاهله والقلم على أذنه فإذا نزل الوحي كتب القلم ثم درست الملائكة وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى فالتقم الصور محنى ظهره وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور»، فقالت عائشة: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: خلق الله الصور من لؤلؤة
بيضاء في صفاء الزجاجة ثم قال للعرش: خذ الصور فتعلق به ثم قال: كن فكان إسرافيل فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا تخرج روحان من ثقب واحد وفي وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض وإسرافيل واضع فمه على تلك الكوة ثم قال له الرب تعالى: قد وكلتك بالصور فأنت للنفخة والصيحة فدخل إسرافيل في مقدم العرش فأدخل رجله اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ولم يطرف منذ خلقه الله ينتظر متى يؤمر به.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر الهزلي قال: إن ملك الصور وكل به أن إحدى قدميه لفي الأرض السابعة وهو جاث على ركبتيه شاخص بصره إلى إسرافيل ما طرف منذ خلقه الله تعالى ينتظر متى يشير إليه فينفخ في الصور
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يوم ينفخ في الصور} قال: يعني النفخة الأولى ألم تسمع أنه يقول: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى} [الزمر: 68] يعني الثاني {فإذا هم قيام ينظرون}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ، عن قتادة، أنه قرأ: {يوم ينفخ في الصور} أي في الخلق.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {عالم الغيب والشهادة} يعني أن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {عالم الغيب والشهادة} قال: السر والعلانية.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: الشهادة ما قد رأيتم من خلقه والغيب ما غاب عنكم مما لم تروه). [الدر المنثور: 6/ 96-101]


رد مع اقتباس