عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 12:07 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}، قال نهاه الله تعالى أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذبون بها فإن نسي فلا يقعد بعد الذكر مع القوم الظالمين). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 211-212]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدّثنا أبو حذيفة ثنا سفيان [الثوري] عن السّدّيّ عن سعيد بن جبير وأبي ملك {فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى} قال: بعد أن تذكر ). [تفسير الثوري: 108]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإذا رأيت} يا محمّد المشركين {الّذين يخوضون في آياتنا} الّتي أنزلناها إليك، ووحينا الّذي أوحيناه إليك، و(خوضهم فيها) كان استهزاءهم بها، وسبّهم من أنزلها وتكلّم بها، وتكذيبهم بها {فأعرض عنهم} يقول: فصدّ عنهم بوجهك، وقم عنهم، ولا تجلس معهم، {حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره} يقول: حتّى يأخذوا في حديثٍ غير الاستهزاء بآيات اللّه من حديثهم بينهم. {وإمّا ينسينّك الشّيطان} يقول: وإن أنساك الشّيطان نهينا إيّاك عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوضهم في آياتنا ثمّ ذكرت ذلك، فقم عنهم ولا تقعد بعد ذكرك ذلك مع القوم الظّالمين الّذين خاضوا في غير الّذي لهم الخوض فيه بما خاضوا به فيه، وذلك هو معنى ظلمهم في هذا الموضع.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون} في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره قال: نهاه اللّه أن يجلس مع الّذين يخوضون في آيات اللّه يكذّبون بها، فإن نسي فلا يقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، بنحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وسعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا} قال: الّذين يكذّبون بآياتنا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين}، قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن فسبّوه واستهزءوا به، فأمرهم اللّه أن لا يقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره.
وأمّا قوله: {وإمّا ينسينّك الشّيطان} يقول: نسيت فتقعد معهم، فإذا ذكرت فقم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يخوضون في آياتنا} قال: يكذّبون بآياتنا.
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن ليثٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: لا تجالسوا أهل الخصومات، فإنّهم الّذين يخوضون في آيات اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا} وقوله: {الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا}، وقوله: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات}، وقوله: {أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه}، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر اللّه المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنّه إنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا} قال: يستهزئون بها، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقعد معهم إلاّ أن ينسى، فإذا ذكر فليقم. فذلك قوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين}.
قال ابن جريجٍ: كان المشركون يجلسون إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا فنزلت: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ... الآية}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا} قال: يكذّبون.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره}، يعني: المشركين. {وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين}: إن نسيت فذكرت فلا تجلس معهم). [جامع البيان: 9/ 312-316]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين (68)}
قوله عزّ وجلّ: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا ونحو هذا في القرآن، قال: أمر اللّه عزّ وجلّ المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنّه إنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في الدّين.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا} قال: الخوض: التّكذيب.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ مثل ذلك.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا معاذ بن معاذٍ، ثنا ابن عونٍ، عن محمّدٍ في هذه الآية: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا} قال: كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ وسعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا، فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره} قال: يعني المشركين.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن، فسبّوه واستهزءوا به، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ ألا يقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا روح بن عبادة، ثنا العوّام، عن إبراهيم التّيميّ قال: سمعت أبا وائلٍ يقول: إنّ الرّجل ليجلس المجلس فيحدّث جلساءه بأمرٍ ليضحك به القوم فيسخط عليهم اللّه. قال: فلقيت النّخعيّ فذكرت ذلك له، فقال: صدق، وإنّ ذلك لفي كتاب اللّه ثمّ تلا هذه الآية: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} إلى آخر الآية.
قوله تعالى: {في آياتنا}.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمد بن علي بن الحسن ابن شقيقٍ، أنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: {في آياتنا} يعني: القرآن.
قوله: {فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قوله: {فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديث غيره} قال: هم أهل الكتاب، نهي أن يقعد معهم إذا سمعهم يقولون في القرآن غير الحقّ.
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتلٍ، وقوله: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره}، يقول: قصّر عن مجالستهم، ولا تسمع حديثهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره.
قوله: {وإمّا ينسينّك الشّيطان}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وسعيد بن جبيرٍ وإمّا ينسينّك الشيطان قال: إن نسيت فذكرت، فلا تجلس معهم.
قوله: {فلا تقعد بعد الذّكرى}.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى، بعد ما تذكر مع القوم الظالمين.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظالمين يقول: لا تقعد بعد ما تذكر النّهي مع القوم الظّالمين.
- وبه عن مقاتلٍ قوله: مع القوم الظّالمين يعني: المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1314-1316]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا}، يقول: يستهزئون بآياتنا فنهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر فليقم وذلك قوله فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ثم قال وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء يعني إن قعد ولكن لا يقعدن). [تفسير مجاهد: 217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الإختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} قال: نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذبون بها فإن نسي فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قال: يستهزؤون بها نهى محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يقعد معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر فليقم وذلك قول الله: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قال: الذين يكذبون بآياتنا يعني المشركين! {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى} بعد ما تذكر، قال: إن نسيت فذكرت فلا تجلس معهم {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} قال: ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك {ولكن ذكرى لعلهم يتقون} ذكروهم ذلك وأخبروهم أنه يشق عليكم فيتقون مساءتكم ثم أنزل الله: {وقد نزل عليكم في الكتاب} [النساء: 140].
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- والقرآن فسبوه واستهزؤا به فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قال: كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن محمد بن علي قال: إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: كان المشركون يجلسون إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يحبون أن يسمعوا منه فإذا سمعوا استهزؤوا فنزلت: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ... الآية}، قال: فجعلوا إذا استهزؤوا قام فحذروا وقالوا: لا تستهزؤوا فيقوم فذلك قوله: {لعلهم يتقون} أن يخوضوا فيقوم ونزل: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} أن تقعد معهم ولكن لا تقعد ثم نسخ قوله بالمدينة {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم} [النساء: 140]
إلى قوله: {إنكم إذا مثلهم} نسخ قوله: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ... الآية}.
- وأخرج الفريابي وأبو نصر السجزي في الابانة عن مجاهد في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قال: هم أهل الكتاب نهى أن يقعد معهم إذا سمعهم يقولون في القرآن غير الحق.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي وائل قال: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليه فذكر ذلك لإبراهيم النخعي فقال: صدق أو ليس ذلك في كتاب الله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ... الآية}.
وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال: كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم خاضوا واستهزؤوا فقال المسلمين: لا يصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم فأنزل الله في ذلك: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ... الآية}.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ... الآية}، قال: نسختها هذه الآية التي في سورة النساء: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها} [النساء: 140]، ثم أنزل بعد ذلك: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]). [الدر المنثور: 6/ 87-90]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)}
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن السّدّيّ عن سعيد بن جبيرٍ وأبي ملكٍ: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون} قال: مسآتهم.
سفيان [الثوري] عن السّدّيّ عن سعيد بن جبيرٍ وأبي ملك قالا: ثمّ نزلت {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذا مثلهم} [النساء: 140]). [تفسير الثوري: 108-109]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون}.
يقول تعالى ذكره: ومن اتّقى اللّه فخافه فأطاعه فيما أمره به، واجتنب ما نهاه عنه، فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات اللّه في حال خوضهم في آيات اللّه شيءٌ من تبعةٍ فيما بينه وبين اللّه، إذا لم يكن تركه الإعراض عنهم رضًا بما هم فيه، وكان للّه بحقوقه متّقيًا، ولا عليه من إثمهم بذلك حرجٌ، ولكن ليعرضوا عنهم حينئذٍ. {ذكرى} لأمر اللّه. {لعلّهم يتّقون} يقول: ليتّقوا.
ومعنى الذّكرى: الذّكر، والذّكر والذّكرى بمعنى.
وقد يجوز أن يكون ذكرى في موضع نصبٍ ورفعٍ، فأمّا النّصب فعلى ما وصفت من تأويل: ولكن ليعرضوا عنهم ذكرى، وأمّا الرّفع فعلى تأويل: وما على الّذين يتّقون من حسابهم شيءٌ بترك الإعراض، ولكن إعراضهم ذكرى لأمر اللّه لعلّهم يتّقون.
وقد ذكر أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- إنّما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات اللّه، لأنّ قيامه عنهم كان ممّا يكرهونه، فقال اللّه له: إذا خاضوا في آيات اللّه فقم عنهم ليتّقوا الخوض فيها ويتركوا ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: كان المشركون يجلسون إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا، فنزلت: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره... الآية}، قال: فجعل إذا استهزءوا قام، فحذروا وقالوا: لا تستهزئوا فيقوم، فذلك قوله: {لعلّهم يتّقون}: أن يخوضوا فيقوم، ونزل: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ} إن قعدوا معهم، ولكن لا تقعدوا، ثمّ نسخ ذلك قوله بالمدينة: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم}، فنسخ قوله: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ} الآية.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ} يقول: من حساب الكفّار من شيءٍ. {ولكن ذكرى} يقول: إذا ذكرت فقم. {لعلّهم يتّقون} مساءتكم إذا رأوكم لا تجالسونهم، استحيوا منكم فكفّوا عنكم. ثمّ نسخها اللّه بعد، فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدًا، قال: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ... الآية}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ} إن قعدوا، ولكن لا تقعد.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ ولكن ذكرى} قال: وما عليك أن يخوضوا في آيات اللّه إذا فعلت ذلك).[جامع البيان: 9/ 316-318]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون (69)}
قوله: {وما على الّذين يتّقون}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وسعيد بن جبيرٍ، قوله: وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ قال: ما عليك أن يخوضوا في آيات اللّه إن فعلت ذلك.
- قرأت على محمّدٍ، ثنا محمّدٌ، ثنا محمّدٌ، عن بكيرٍ، عن مقاتلٍ، ثمّ ذكر المؤمنين في قولهم حين قالوا: إنّا نخاف أن نخرج في سكوتنا عنهم، فقال اللّه تعالى: وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ، ولا من ذنوبهم ولا من خوضهم ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون وذلك أنّ القوم كان يعجبهم مجالسة أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانوا إذا خاضوا قام عنهم المسلمون، فكانوا يتّقون الخوض كراهية أن يقوم عنهم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: {من حسابهم من شيءٍ}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: من حسابهم من شيءٍ يقول: من حساب الكفّار من شيءٍ.
قوله: {ولكن ذكرى}.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: قوله: ولكن ذكرى، يقولون لو خضنا قاموا عنّا فإذا ذكروا ذلك لم يخوضوا، فذلك قوله: ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون.
قوله تعالى: {لعلّهم يتّقون}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، ثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ. قال سفيان: وأظنّه ذكر سعيد بن جبيرٍ لعلّهم يتّقون، قال: يتّقون مساءتكم.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله:{ لعلّهم يتّقون} قال: لعلّهم يتّقون مساءتكم. إذا رأوكم لا تجالسونهم استحيوا منكم فكفّوا عنكم. ثمّ نسخها اللّه بعد فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدًا، قال: وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: {ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون} مساءة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلا يخوضوا
فقال سعيد بن جبيرٍ: لمّا هاجر المسلمون إلى المدينة جعل المنافقون يجالسون المسلمين، إذا سمعوا القرآن خاضوا واستهزءوا كفعل المشركين بمكّة، فقال المسلمون: لا حرج علينا قد رخّص اللّه لنا في مجالستهم، ما علينا في خوضهم من شيءٍ، فنزلت بالمدينة قوله: وقد نزّل عليكم في الكتاب.
- ذكر عن شريكٍ، عن السّدّيّ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {لعلّهم يتّقون} قال: لعلّهم ينتهون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1316-1317]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الإختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة، في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} قال: نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذبون بها فإن نسي فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قال: يستهزؤون بها نهى
محمد صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر فليقم وذلك قول الله: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قال: الذين يكذبون بآياتنا يعني المشركين! {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى} بعد ما تذكر، قال: إن نسيت فذكرت فلا تجلس معهم {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} قال: ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك {ولكن ذكرى لعلهم يتقون} ذكروهم ذلك وأخبروهم أنه يشق عليكم فيتقون مساءتكم ثم أنزل الله: {وقد نزل عليكم في الكتاب} [النساء: 140].
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النّبيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن فسبوه واستهزؤا به فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا}، قال: كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن محمد بن علي قال: إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: كان المشركون يجلسون إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه فإذا سمعوا استهزؤوا فنزلت {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} الآية، قال: فجعلوا إذا استهزؤوا قام فحذروا وقالوا: لا تستهزؤوا فيقوم فذلك قوله: {لعلهم يتقون} أن يخوضوا فيقوم ونزل: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} أن تقعد معهم ولكن لا تقعد ثم نسخ قوله بالمدينة: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم} [النساء: 140]
إلى قوله: {إنكم إذا مثلهم} نسخ قوله: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} الآية.
- وأخرج الفريابي وأبو نصر السجزي في الابانة عن مجاهد في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قال: هم أهل الكتاب نهى أن يقعد معهم إذا سمعهم يقولون في القرآن غير الحق.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي وائل قال: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليه فذكر ذلك لإبراهيم النخعي فقال: صدق أو ليس ذلك في كتاب الله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ... الآية}.
- وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال: كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم خاضوا واستهزؤوا فقال المسلمين: لا يصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم فأنزل الله في ذلك: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ... الآية}.
- وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} الآية، قال: نسختها هذه الآية التي في سورة النساء: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها}
الآية [النساء: 140]، ثم أنزل بعد ذلك: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة:
5]).
[الدر المنثور: 6/ 87-90] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} قال: هذه مكية نسخت بالمدينة بقوله: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها}
الآية. [النساء: 140].
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} أن قعدوا ولكن لا تقعد.
- وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما هاجر المسلمون إلى المدينة جعل المنافقون يجالسونهم فإذا سمعوا القرآن خاضوا واستهزؤوا كفعل المشركين بمكة فقال:
المسلمون: لا حرج علينا قد رخص الله لنا في مجالستهم وما علينا من خوضهم فنزلت بالمدينة.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة قال: أتى عمر بن عبد العزيز بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال: {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره}). [الدر المنثور: 6/ 90-91]

تفسير قوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا نسخها قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 212]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها}، قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبا لم يقبل منها). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 210]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم}[الأنعام: 23] : «معذرتهم»، {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث } [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا}[الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا}[القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون}[الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ} [فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس» . {جهرةً} [البقرة: 55] : «معاينةً» ، {الصّور} [الأنعام: 73] : «جماعة صورةٍ، كقوله سورةٌ وسورٌ» {ملكوتٌ} [الأنعام: 75] : " ملكٌ، مثل: رهبوتٍ خيرٌ من رحموتٍ، ويقول: ترهب خيرٌ من أن ترحم "، {وإن تعدل} [الأنعام: 70] : «تقسط، لا يقبل منها في ذلك اليوم»). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: تبسل تفضح وصله بن أبي حاتمٍ، من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن بن عبّاسٍ، في قوله: {وذكّر به أن تبسل نفس} يعني أن تفضح وروى عبد بن حميدٍ من طريق مجاهدٍ أن تبسل أي تسلم ومن طريق قتادة تحبس.
قوله: {أبسلوا} أفضحوا كذا فيه من الرّباعيّ وهي لغةٌ يقال فضح وأفضح وروى بن أبي حاتمٍ أيضًا من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} يعني فضحوا وقد مضى كما ترى لهذه الكلمة تفسيرٌ آخر عن غير بن عبّاسٍ وأنكر الإسماعيليّ هذا التّفسير الأوّل فكأنّه لم يعرف أنه عن بن عبّاسٍ).[فتح الباري: 8/ 287-288]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {وإن تعدل} تقسط لا يقبل منها في ذلك اليوم وقع هذا في رواية أبي ذرٍّ وحده وقد حكاه الطّبريّ واستنكره وفسّر أبو عبيدة العدل بالتّوبة قال لأنّ التّوبة إنّما تنفع في حال الحياة والمشهور ما روى معمرٌ، عن قتادة، في قوله تعالى: و{إن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} أي لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لم يقبل فجعله من العدل بمعنى المثل وهو ظاهر أخرجه عبد الرّزّاق وغيره). [فتح الباري: 8/ 290]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {أبسلوا} أسلموا قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا}، أي: أسلموا وقوله في الآية الأخرى: {أن تبسل نفس} أي ترتهن وتسلم قال عوف بن الأحوص وإبسالي بنيّ بغير جرمٍ وروى معمرٌ عن قتادة في قوله أن تبسل نفس قال تحبس قال قتادة وقال الحسن أي تسلم أي إلى الهلاك أخرجه عبد الرّزّاق وقد تقدّم لهذه الكلمة تفسيرٌ آخر والمعنى متقاربٌ).[فتح الباري: 8/ 290]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقال ابن أبي حاتم، ثنا أبي ثنا إبراهيم ثنا هشام، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عبّاس، في قوله: [الأنعام: 26] {وينأون} قال: يتباعدون وقال أيضا ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علّي عن ابن عبّاس قوله: {وذكر به أن تبسل نفس} يعني: أن تفضح
وبه في قوله: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} قال يعني فضحوا). [تغليق التعليق: 4/ 209-210]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقال ابن أبي حاتم، ثنا أبي ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علّي، عن ابن عبّاس، في قوله: {أبسلوا} يقول أيسوا
ثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاس: {أولئك الّذين أبسلوا} قال: أسلموا بما عملوا وقال إبراهيم الحربيّ في غريب الحديث له ثنا محمّد بن علّي هو ابن الحسن ابن شقيق عن أبيه عن حسين هو ابن واقد عن يزيد هو النّحويّ عن عكرمة عن ابن عبّاس أن تبسل تسلم). [تغليق التعليق: 4/ 210-211]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تبسل تفضح أبسلوا: افضحوا
أشار به إلى قوله تعالى: {وذكر أن تبسل نفس بما كسبت} وفسّر لفظ: تبسل بقوله: تفضح، وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس. وقال الضّحّاك: عن ابن عبّاس ومجاهد وعكرمة والحسن والسّديّ، إن تبسل: أن تفضح، وقال قتادة: تحبس، وقال أبي زيد: تؤاخذ، وقال الكلبيّ: تجزي، وفي التّفسير قوله تعالى: {وذكر به} أي: ذكر النّاس بالقرآن وحذرهم نعمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة {أن تبسل نفس بما كسبت} أي لئلّا تبسل. قوله: {أبسلوا} ، إشارة إلى قوله تعالى: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} أي: أفضحوا بسبب كسبهم، ويروى: فضحوا من الثلاثي على صيغة المجهول). [عمدة القاري: 18/ 220]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أبلسوا أوبسوا وأبسلوا أسلموا
أشار بقوله أبلسوا أوبسوا إلى أن معنى قوله تعالى: {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] من ذلك. قال أبو عبيدة فيه: المبلس الحزين النادم، وقال الفراء: المبلس المنقطع رجاؤه. قوله: (أوبسوا) على صيغة المجهول كذا وقع في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أيسوا على صيغة المعلوم من أيس إذا انقطع رجاؤه قوله: أبسلوا بتقديم السّين على اللّام وفسره بقوله أسلموا أي: إلى الهلاك وأشار به إلى قوله تعالى: {أولئك الّذين أبسلو بما كسبوا} وقد مر هذا عن قريب بغير هذا التّفسير). [عمدة القاري: 18/ 221] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({وإن تعدل تقسط}: لا يقبل منها في ذلك اليوم
هذا وقع في رواية أبي ذر وحده، وأشار به إلى قوله تعالى: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} وفسّر تعدل بقوله: تقسط، بضم التّاء من الإقساط، وهو العدل والضّمير في: وإن تعدل. يرجع إلى النّفس الكافرة المذكورة فيما قبله، وفسّر أبو عبيدة العدل بالتّوبة. قوله: {لا يقبل منها في ذلك اليوم} يعني: يوم القيامة لأن التّوبة إنّما كانت تنفع في حال الحياة قبل الموت كما قال تعالى: {إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو اقتدى به} [آل عمران: 91] الآية).[عمدة القاري: 18/ 223]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي {تبسل} من قوله: {أن تبسل نفس} [الأنعام: 7] (تفضح) وفي قوله: ({أبسلوا}) أي (أفضحوا) همزة مضمومة وكسر الضاد المعجمة ولأبي ذر فضحوا بغير همزة). [إرشاد الساري: 7/ 116]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {ما يصفون} أي (علا) وهذا ثابت لأبي ذر ساقط لغيره كقوله: ({وأن تعدل}) كل عدل لا يؤخذ منها أي (تقسط) بضم الفوقية من الأقساط وهو العدل والضمير في أن تعدل يرجع إلى النفس الكافرة المذكورة قبل ({لا يقبل منها} في ذلك اليوم) هو يوم القيامة لأن التوبة إنما تنفع في حال الحياة قبل الموت وقوله: وإن تعدل ... إلخ ثابت لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/ 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرّتهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت ليس لها من دون اللّه وليّ ولا شفيعٌ وإن تعدل كلّ عدلٍ لاّ يؤخذ منها}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: ذر هؤلاء الّذين اتّخذوا دين اللّه وطاعتهم إيّاه لعبًا ولهوًا، فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إيّاه اللّعب بآياته واللّهو والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم، فأعرض عنهم، فإنّي لهم بالمرصاد، وإنّي لهم من وراء الانتقام منهم، والعقوبة لهم على ما يفعلون، وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدّنيا، ونسيانهم المعاد إلى اللّه تعالى والمصير إليه بعد الممات.
- كالّذي حدّثني محمّد بن عروة، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا} قال: كقوله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقد نسخ اللّه تعالى هذه الآية بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، وكذلك قال عددٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا همّام بن يحيى، عن قتادة: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا}، ثمّ أنزل في سورة براءة، فأمر بقتالهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبدة بن سليمان قال: قرأت على ابن أبي عروبة، فقال: هكذا سمعته من قتادة: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا}، ثمّ أنزل اللّه تعالى ذكره براءة، وأمر بقتالهم فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
وأمّا قوله: {وذكّر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت} فإنّه يعني به: وذكّر يا محمّد بهذا القرآن هؤلاء المولّين عنك وعنه، {أن تبسل نفسٌ} بمعنى: أن لا تبسل كما قال: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} بمعنى: أن لا تضلّوا، وإنّما معنى الكلام: وذكّر به ليؤمنوا ويتّبعوا ما جاءهم من عند اللّه من الحقّ، فلا تبسل أنفسهم بما كسبت من الأوزار، ولكن حذفت (لا) لدلالة الكلام عليها.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {أن تبسل نفسٌ}، فقال بعضهم: معنى ذلك: أن تسلم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، قوله: {أن تبسل، نفسٌ بما كسبت} قال: تسلم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، {أن تبسل نفسٌ} قال: أن تسلم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {أن تبسل} قال: تسلم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أن تبسل نفسٌ} قال: تسلم.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {أولئك الّذين أبسلوا}: أسلموا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تحبس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أن تبسل، نفسٌ} قال: تؤخذ فتحبس.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أن تبسل، نفسٌ بما كسبت}: أن تؤخذ نفسٌ بما كسبت.
وقال آخرون: معناه: تفضح.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وذكّر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت} يقول: تفضح.
وقال آخرون: معناه: أن تجزى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، قال: قال الكلبيّ: {أن تبسل}: أن تجزى.
وأصل الإبسال: التّحريم، يقال منه: أبسلت المكان: إذا حرّمته فلم تقرّ به، ومنه قول الشّاعر:
بكرت تلومك بعد وهنٍ في النّدى ....... بسلٌ عليك ملامتي وعتابي
أي حرامٌ، ومنه قولهم: وعتابي أسدٌ آسدٍ، ويراد به: لا يقربه شيءٌ، فكأنّه قد حرّم نفسه، ثمّ يجعل ذلك صفةً لكلّ شديدٍ يتحامى لشدّته،
ويقال: أعط الرّاقي بسلته، يراد بذلك: أجرته، شرابٌ بسيلٌ: بمعنى متروكٍ، وكذلك المبسل بالجريرة، وهو المرتهن بها، قيل له مبسّلٌ لأنّه محرّمٌ من كلّ شيءٍ إلاّ ممّا رهن فيه وأسلم به، ومنه قول عوف بن الأحوص الكلابيّ:
وإبسالي بنيّ بغير جرمٍ ....... بعوناه ولا بدمٍ مراق
وقال الشّنفرى:
هنالك لا أرجو حياةً تسرّني ....... سمير اللّيالي مبسلاً بالجرائر
فتأويل الكلام إذن: وذكّر بالقرآن هؤلاء الّذين يخوضون في آياتنا وغيرهم ممّن سلك سبيلهم من المشركين، كيلا تبسل نفسٌ بذنوبها وكفرها بربّها، وترتهن فتغلق بما كسبت من إجرامها في عذاب اللّه. {ليس لها من دون اللّه} يقول: ليس لها حين تسلم بذنوبها فترتهن بما كسبت من آثامها أحدٌ ينصرها فينقذها من اللّه الّذي جازاها بذنوبها جزاءها، ولا شفيع يشفع لها لوسيلةٍ له عنده). [جامع البيان: 9/ 318-323]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها}.
يقول تعالى ذكره: {وإن تعدل} النّفس الّتي أبسلت بما كسبت، يعني: وإن تعدل {كلّ عدلٍ} يعني: كلّ فداءٍ.
يقال منه: عدل يعدل: إذا فدى، عدلاً. ومنه قول اللّه تعالى ذكره: {أو عدل ذلك صيامًا}، وهو ما عادله من غير نوعه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها} قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها} فما يعدلها، لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لتفتدي به ما قبل منها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها} قال: وإن تعدل: وإن تفتد يكون له الدّنيا وما فيها يفتدي بها لا يؤخذ منه عدلاً عن نفسه، لا يقبل منه.
وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم بالعربيّة بمعنى: وإن تقسط كلّ قسطٍ لا يقبل منها، وقال: إنّها التّوبة في الحياة.
وليس لما قال من ذلك معنًى، وذلك أنّ كلّ تائبٍ في الدّنيا فإنّ اللّه تعالى يقبل توبته).[جامع البيان: 9/ 323-325]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شرابٌ من حميمٍ وعذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الّذين إن فدوا أنفسهم من عذاب اللّه يوم القيامة كلّ فداءٍ لم يؤخذ منهم، هم {الّذين أبسلوا بما كسبوا} يقول: أسلموا لعذاب اللّه، فرهنوا به جزاءً بما كسبوا في الدّنيا من الآثام والأوزار. {لهم شرابٌ من حميمٍ}، والحميم: هو الحارّ في كلام العرب، وإنّما هو محمومٌ صرف إلى فعيلٍ، ومنه قيل للحمّام: حمامٌ، لإسخانه الجسم، ومنه قول مرقّشٍ:
في كلّ ممسًى لها مقطرةٌ ....... فيها كباءٌ معدٌّ وحميم
يعني بذلك ماءً حارًّا. ومنه قول أبي ذؤيبٍ الهذليّ في صفة فرسٍ:
تأبى بدرّتها إذا ما استغضبت ....... إلاّ الحميم فإنّه يتبضّع
يعني بالحميم: عرق الفرس.
وإنّما جعل تعالى ذكره لهؤلاء الّذين وصف صفتهم في هذه الآية شرابًا من حميمٍ، لأنّ الحارّ من الماء لا يروي من عطشٍ، فأخبر أنّهم إذا عطشوا في جهنّم لم يغاثوا بماءٍ يرويهم، ولكن بما يزيدون به عطشًا على ما بهم من العطش، {وعذابٌ أليمٌ} يقول: ولهم أيضًا مع الشّراب الحميم من اللّه العذاب الأليم والهوان المقيم. {بما كانوا يكفرون} يقول: بما كان من كفرهم في الدّنيا باللّه، وإنكارهم توحيده، وعبادتهم معه آلهةً دونه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} قال: يقال: أسلموا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك الّذين أبسلوا} قال: فضحوا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} قال: أخذوا بما كسبوا).[جامع البيان: 9/ 325-326]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرّتهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت ليس لها من دون اللّه وليٌّ ولا شفيعٌ وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شرابٌ من حميمٍ وعذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون (70)}
قوله: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم}.
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا مثل قوله: ذرني ومن خلقت وحيدًا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا قال: نسختها قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.
قوله: {لعبًا ولهوًا}.
- حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن منصورٍ البصري، ثنا أبي، ثنا جعفر ابن سليمان، عن عمر بن نبهان، عن قتادة: اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا قال: أكلا وشربًا.
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ قال: كلّ لعبٍ لهوٌ.
قوله: {وغرّتهم الحياة الدّنيا}.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قال: غرّهم ما كانوا يفترون.
قوله: {وذكّر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أن تبسل نفسٌ بما كسبت}، يقول:
تسلّم نفسٌ بما كسبت، يقول: تسلّم تدفع بما كسبت.
وروي عن مجاهدٍ، وعكرمة، والحسن، والسّدّيّ، مثل ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثني أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وذكّر به أن تبسل نفسٌ} يعني أن تبسل: أن تفضح.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: أن تبسل نفسٌ يقول: تؤخذ تحبس. وروي عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا
قوله: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها.
- كتب إليّ أبو يزيد القراطيسيّ، ثنا أصبغ بن الفرج، ثنا عبد الرّحمن بن زيدٍ في قوله: {وإن تعدل كلّ عدل لا يؤخذ}، قال: وإن تعدل وإن يفتد يكون له الدّنيا وما فيها، يفتدي بها لا يؤخذ منه عدلا في نفسه، لا يقبل منه
قوله: {أولئك الذين أبسلوا}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} أبسلوا أسلموا بما عملوا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} يعني فضحوا.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا} قال: أخذوا بما كسبوا.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا حصين بن نميرٍ قال: سئل سفيان بن حسينٍ عن قوله: أبسلوا بما كسبوا قال: خذلوا أسلموا، أما سمعت قول الشّاعر:
أفقرت منهم فإنّهم بسلٌ.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر العدنيّ قال سفيان في قوله: أبسلوا بما كسبوا قال: أسلموا ارتهنوا.
الوجه السّادس:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن مسلم بن صالحٍ، ثنا القاسم بن الفضل، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ في قوله: أبسلوا بما كسبوا قال: أنضجوا.
قوله تعالى: {بما كسبوا}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: بما كسبوا يقول: بما عملوا.
قوله: {لهم شرابٌ من حميمٍ}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، وأبي رزينٍ: حميمٍ قالا: ما يسيل من صديدهم.
قوله: {وعذابٌ أليمٌ}.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: وعذابٌ أليمٌ قال: الأليم: الموجع.
وروي عن ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، وقتادة، وأبي مالكٍ، وأبي عمران الجونيّ، ومقاتل بن حيّان مثل ذلك).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1317-1320]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وذكر به أن تبسل نفس} يعني أن تسلم نفس).[تفسير مجاهد: 217-218]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا}، قال: هو مثل قوله ذرني ومن خلقت وحيدا). [تفسير مجاهد: 218]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا} قال: مثل قوله: {ذرني ومن خلقت وحيدا} [المدثر: 11].
- وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن قتادة في قوله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا} قال: ثم أنزل في سورة براءة فأمر بقتالهم فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] فنسختها.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {اتخذوا دينهم لعبا ولهوا} قال: أكلا وشربا.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أن تبسل} قال: تفضح، وفي قوله: {أبسلوا} قال: فضحوا
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {أن تبسل} قال: تسلم، وفي قوله: {أبسلوا بما كسبوا} قال: أسلموا بجرائرهم.
- وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {أن تبسل نفس} قال: يعني أن تحبس نفسه بما كتبت في النار، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت زهيرا وهو يقول: وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع وقلبي مبسل علقا.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أن تبسل نفس} قال: تؤخذ فتحبس، وفي قوله: {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} قال: لو جاءت بملء الأرض ذهبا لم يقبل منها.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا} قال: أخذوا بما كسبوا
- وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن حسين أنه سأل عن قوله: {أبسلوا} قال: أخذلوا أو أسلموا أما سمعت قول الشاعر: فإن أقفرت منهم فأنهم بسل). [الدر المنثور: 6/ 91-93]


رد مع اقتباس