عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:59 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف



تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم»، {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة»، {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث } [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟»، {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا "، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا} [القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون} [الأنعام: 2] : «تشكّون» ، {وقرٌ} [فصلت: 5] : " صممٌ، وأمّا الوقر: فإنّه الحمل "، {أساطير} [الأنعام: 25] : «واحدها أسطورةٌ وإسطارةٌ، وهي التّرّهات» ، {البأساء} [البقرة: 177] : «من البأس، ويكون من البؤس»). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: البأساء من البأس ويكون من البؤس هو معنى كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى: {فأخذناهم بالبأساء} هي البأس من الخوف والشّرّ والبؤس انتهى والبأس الشّدّة والبؤس الفقر وقيل البأس القتل والبؤس الضّرّ). [فتح الباري: 8/ 288]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (البأساء من البأس ويكون من البؤس
أشار به إلى قوله تعالى: {فأخذناهم بالبأساء} وأشار إلى أنه يجوز أن يكون من البأس هو الشدّة، ويجوز، أن يكون من البؤس بالضّمّ وهو الضّر، وقيل: هو الفقر وسوء الحال، وقال الدّاوديّ البأس القتال). [عمدة القاري: 18/ 222]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({البأساء}) في قوله: {فأخذناهم بالبأساء} (من البأس) وهو الشدّة (ويكون من البؤس) بالضم وهو ضدّ النعيم). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون}.
يقول تعالى ذكره متوعّدًا لهؤلاء العادلين به الأصنام، ومحذّرهم أن يسلك بهم إن هم تمادوا في ضلالهم سبيل من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم في تعجيل اللّه عقوبته لهم في الدّنيا، ومخبرًا نبيّه عن سنّته في الّذين خلوا قبلهم من الأمم على منهاجهم في تكذيب الرّسل: {ولقد أرسلنا} يا محمّد {إلى أممٍ} يعني: إلى جماعاتٍ وقرونٍ، {من قبلك فأخذناهم بالبأساء} يقول: فأمرناهم ونهيناهم، فكذّبوا رسلنا وخالفوا أمرنا ونهينا، فامتحنّاهم بالابتلاء بالبأساء، وهي شدّة الفقر والضّيق في المعيشة {والضّرّاء} وهي الأسقام والعلل العارضة في الأجسام.
وقد بيّنّا ذلك بشواهده ووجوه إعرابه في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {لعلّهم يتضرّعون} يقول: فعلنا ذلك بهم ليتضرّعوا إليّ، ويخلصوا لي العبادة، ويفردوا رغبتهم إليّ دون غيري بالتّذلّل منهم لي بالطّاعة والاستكانة منهم إليّ بالإنابة.
وفي الكلام محذوفٌ قد استغني بما دلّ عليه الظّاهر عن إظهاره من قوله: {ولقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فأخذناهم}، وإنّما كان سبب أخذه إيّاهم تكذيبهم الرّسل وخلافهم أمره، لا إرسال الرّسل إليهم. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ معنى الكلام: ولقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك رسلاً فكذّبوهم، فأخذناهم بالبأساء.
والتّضرّع: هو التّفعّل من الضّراعة، وهي الذّلّة والاستكانة).[جامع البيان: 9/ 241-242]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون (42) }
قوله تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله: {بالبأساء} قال: البأساء: الفقر.
- وروي، عن ابن عبّاسٍ، وأبي العالية، والحسن في أحد قوليه، ومرّة الهمدانيّ، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنس والسدي ومقاتل ابن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن نميرٍ، ثنا أبو معاوية، ثنا أصحابنا، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن عبيد بن عمير {بالبأساء} قال: البؤس.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن المنصور، عن الحسن{ بالبأساء}، قال: البلاء.
والوجه الرّابع:
- ذكر، عن المطّلب بن زيادٍ، عن سالمٍ الأغطس عن سعيد بن جبيرٍ {فأخذناهم بالبأساء}، قال: خوفًا من السلطان.
قوله: {والضراء}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قوله: {والضّرّاء} قال: الضّرّاء السّقم.
- وروي، عن ابن عبّاسٍ، وأبي العالية، ومرّة الهمدانيّ، وأبي مالكٍ، والضّحّاك، والحسن، ومجاهدٍ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {والضّرّاء} يعني: حين البلاء والشّدّة.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، والضّرّاء قال: هذه الأمراض، والجوع ونحو ذلك.
قوله: {لعلّهم يتضرّعون}.
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الكوفيّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: {لعلّهم} يعني: كي).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1288-1289]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: {فأخذناهم بالبأساء والضراء} قال: خوف السلطان وغلا السعر والله أعلم). [الدر المنثور: 6: 48]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون}.
وهذا أيضًا من الكلام الّذي فيه متروكٌ استغني بدلالة الظّاهر عن ذكر ما ترك، وذلك أنّه تعالى ذكره أخبر عن الأمم الّتي كذّبت رسلها أنّه أخذهم بالبأساء والضّرّاء ليتضرّعوا، ثمّ قال: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا، ولم يخبر عمّا كان منهم من الفعل عند أخذه إيّاهم بالبأساء والضّرّاء.
ومعنى الكلام: ولقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون فلم يتضرّعوا، فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرّعوا.
ومعنى: {فلولا} في هذا الموضع: فهلاّ، والعرب إذ أولت (لولا) اسمًا مرفوعًا جعلت ما بعدها خبرًا وتلقّتها بالأمر، فقالت، فلولا أخوك لزرتك، ولولا أبوك لضربتك، وإذا أولتها فعلاً، أو لم تولها اسمًا، جعلوها استفهامًا، فقالوا: لولا جئتنا فنكرمك، ولولا زرت أخاك فنزورك، بمعنى هلاّ. كما قال تعالى: {لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق} [المنافقون]، وكذلك تفعل بـ (لوما) مثل فعلها بـ (لولا).
فتأويل الكلام إذن: فهلاّ إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذّبة رسلها الّذين لم يتضرّعوا عندما أخذناهم بالبأساء والضّرّاء، تضرّعوا فاستكانوا لربّهم وخضعوا لطاعته، فيصرف ربّهم عنهم بأسه وهو عذابه.
وقد بيّنّا معنى البأس في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
{ولكن قست قلوبهم} يقول: ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم، وأصرّوا على ذلك واستكبروا عن أمر ربّهم، استهانةً بعقابٍ اللّه واستخفافًا بعذابه، وقساوة قلبٍ منهم. {وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون} يقول: وحسّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون من الأعمال الّتي يكرهها اللّه ويسخطها منهم). [جامع البيان: 9/ 243-244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون (43)}
قوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ... الآية}.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة: قوله: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم قال: عاب اللّه عليهم القسوة عند ذلك، فتضعضعوا لعقوبة اللّه. بارك اللّه فيكم لا تعرّضوا لعقوبة اللّه بالقسوة، فإنّه عاب ذلك على قومٍ قبلكم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1289]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة، في قوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم} قال: عاب الله عليهم قسوة عند ذلك فتضعضوا لعقوبة الله بارك الله فيكم ولا تعرضوا لعقوبة الله بالقسوة فإنه عاب ذلك على قوم قبلكم). [الدر المنثور: 6/ 48]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} الرخاء وسعة الرزق حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذنهم بغتة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 209]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ
حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: سمعت سفيان يقول: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ}، قال: رخاء الدّنيا ويسرها: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً} ).[سنن سعيد بن منصور: 5/ 20]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم»، {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا}[الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس}[الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث} [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض، أبلسوا: أويسوا ").[صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أبلسوا أويسوا كذا للكشميهنيّ ولغيره أيسوا بغير واوٍ قال أبو عبيدة في قوله تعالى: فإذا هم مبلسون المبلس الحزين النّادم قال رؤبة بن العجّاج وفي الوجوه صفرةٌ وإبلاسٌ أي اكتئابٌ وحزنٌ وقال الفراء قوله فإذا هم مبلسون المبلس البائس المنقطع رجاؤه وكذلك يقال للّذي يسكت عند انقطاع حجّته فلا يجيب قد أبلس قال العجّاج يا صاح هل تعرف رسمًا دارسًا قال نعم أعرفه وأبلسا وتفسير المبلس بالحزين وبالبائس متقاربٌ).[فتح الباري: 8/ 290]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أبلسوا أوبسوا وأبسلوا أسلموا
أشار بقوله أبلسوا أوبسوا إلى أن معنى قوله تعالى: {فإذا هم مبلسون} من ذلك. قال أبو عبيدة فيه: المبلس الحزين النادم، وقال الفراء: المبلس المنقطع رجاؤه. قوله: (أوبسوا) على صيغة المجهول كذا وقع في رواية الكشميهني وفي رواية غيره أيسوا على صيغة المعلوم من أيس إذا انقطع رجاؤه قوله: أبسلوا بتقديم السّين على اللّام وفسره بقوله أسلموا أي: إلى الهلاك وأشار به إلى قوله تعالى: {أولئك الّذين أبسلو بما كسبوا} (الأنعام: 70) وقد مر هذا عن قريب بغير هذا التّفسير).[عمدة القاري: 18/ 221]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله تعالى: ({أبلسوا}) من قوله تعالى: {فإذا هم مبلسون} أي (أويسوا) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أيسوا بفتح الهمزة وإسقاط الواو مبنيًّا للفاعل من أيس إذا انقطع رجاؤه، وفي قوله: {أبلسوا} بما كسبوا أي (أسلموا) أي إلى الهلاك بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة وقد ذكر هذا قريبًا بغير هذا التفسير).[إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به}: فلمّا تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا.
- كالّذي حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به} يعني: تركوا ما ذكّروا به.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {نسوا ما ذكّروا به} قال: ما دعاهم اللّه إليه ورسله، أبوه وردّوه عليهم {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} يقول: بدّلنا مكان البأساء الرّخاء والسّعة في العيش، ومكان الضّرّاء الصّحّة والسّلامة في الأبدان والأجسام استدراجًا منّا لهم.
- كالّذي حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} قال: رخاء الدّنيا ويسرها على القرون الأولى.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} قال: يعني الرّخاء وسعة الرّزق.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} يقول: من الرّزق.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} وقد علمت أنّ باب الرّحمة وباب التّوبة لم يفتح لهم، وأبواب أخر غيره كثيرةً؟
قيل: إنّ معنى ذلك على غير الوجه الّذي ظننت من معناه، وإنّما معنى ذلك: فتحنا عليهم استدراجًا منّا لهم أبواب كلّ ما كنّا سددنا عليهم بابه عند أخذنا إيّاهم بالبأساء والضّرّاء، ليتضرّعوا، إذ لم يتضرّعوا وتركوا أمر اللّه، لأنّ آخر هذا الكلام مردودٌ على أوّله، وذلك كما قال تعالى في موضعٍ آخر من كتابه: {وما أرسلنا في قريةٍ من نبيٍّ إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون. ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون}، ففتح اللّه على القوم الّذين ذكر في هذه الآية أنّهم نسوا ما ذكّرهم بقوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} هو تبديله لهم مكان السّيّئة الّتي كانوا فيها في حال امتحانه إيّاهم من ضيق العيش إلى الرّخاء والسّعة، ومن الضّرّ في الأجسام إلى الصّحّة والعافية، وهو فتح أبواب كلّ شيءٍ كان أغلق بابه عليهم ممّا جرى ذكره قبل قوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ}، فردّ قوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} عليه.
ويعني تعالى بقوله: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا} يقول: حتّى إذا فرح هؤلاء المكذّبون رسلهم بفتحنا عليهم أبواب السّعة في المعيشة، والصّحّة في الأجسام.
- كالّذي حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا} من الرّزق.
- حدّثنا الحرث، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: سمعت عبد الرّحمن بن مهديٍّ، يحدّث، عن حمّاد بن زيدٍ، قال: كان رجلٌ يقول: رحم اللّه رجلاً تلا هذه الآية ثمّ فكرّ فيها ماذا أريد بها: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً}.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا القاسم قال: حدّثنا ابن أبي رجاءٍ، من أهل الثّغر، عن عبد اللّه بن المبارك، عن محمّد بن النّضر الحارثيّ، في قوله: {أخذناهم بغتةً} قال: أمهلوا عشرين سنةً.
ويعني تعالى ذكره بقوله: {أخذناهم بغتةً} أتيناهم بالعذاب فجأةً وهم غارّون لا يشعرون أنّ ذلك كائنٌ ولا هو بهم حالٌّ.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً} قال: أعجب ما كانت إليهم وأغرّها لهم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {أخذناهم بغتةً} يقول: أخذهم العذاب بغتةً.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أخذناهم بغتةً} قال: فجأةً آمنين.
وأمّا قوله: {فإذا هم مبلسون} فإنّهم هالكون، منقطعةٌ حججهم، نادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم رسلهم.
- كالّذي حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإذا هم مبلسون} قال: فإذا هم مهلكون متغيّرٌ حالهم.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا شيخٌ، عن مجاهدٍ: {فإذا هم مبلسون} قال: فإذا هم مهلكون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فإذا هم مبلسون} قال: المبلس: الّذي قد نزل به الشّرّ الّذي لا يدفعه، والمبلس أشدّ من المستكين، وقرأ: {فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون}، وكان أوّل مرّةٍ فيه معاتبةٌ وتقيّةٌ، وقرأ قول اللّه: {أخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا} حتّى بلغ: {وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون}، ثمّ جاء أمرٌ ليس فيه تقيّةٌ، وقرأ: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون}، فجاء أمرٌ ليس فيه تقيّةٌ، وكان الأوّل لو أنّهم تضرّعوا كشف عنهم.
- حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، عن أبي شريحٍ ضبارة بن مالكٍ، عن أبي الصّلت، عن حرملة أبي عبد الرّحمن، عن عقبة بن مسلمٍ، عن عقبة بن عامرٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:« إذا رأيت اللّه يعطي عبده في دنياه، إنّما هو استدراجٌ، ثمّ تلا هذه الآية: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به} إلى قوله: {والحمد للّه ربّ العالمين}».
- وحدّثت بهذا الحديث عن محمّد بن حربٍ، عن ابن لهيعة، عن عقبة بن مسلمٍ، عن عقبة بن عامرٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا رأيت اللّه تعالى يعطي العباد ما يسألون على معاصيهم إيّاه، فإنّما ذلك استدراجٌ منه لهم، ثمّ تلا: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ ... الآية}».
وأصل الإبلاس في كلام العرب عند بعضهم: الحزن على الشّيء والنّدم عليه. وعند بعضهم: انقطاع الحجّة، والسّكوت عند انقطاع الحجّة. وعند بعضهم: الخشوع، وقالوا: هو المخذول المتروك، ومنه قول العجّاج:
يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا ....... قال نعم أعرفه وأبلسا
فتأويل قوله: (وأبلسا) عند الّذين زعموا أنّ الإبلاس: انقطاع الحجّة والسّكوت عنده، بمعنى: أنّه لم يحر جوابًا.
وتأوّله الآخرون بمعنى الخشوع، وترك أهله إيّاه مقيمًا بمكانه. والآخرون: بمعنى الحزن والنّدم، يقال منه: أبلس الرّجل إبلاسًا، ومنه قيل لإبليس: إبليس). [جامع البيان: 9/ 244-249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون (44)}
قوله تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فلمّا نسوا ما ذكّروا به يعني: تركوا ما ذكّروا به.
قوله: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا عراك بن خالد بن يزيد، حدّثني أبي، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبادة بن الصّامت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: «إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا أراد بقومٍ بقاءً أو نماءً- رزقهم القصد والعفاف، وإذا أراد بقومٍ اقتطاعًا- فتح لهم أو فتح عليهم باب خيانةٍ {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون}» كما قال:{ فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ قال: رخاء الدّنيا ويسرها.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله. وزاد فيه: على القرون الأولى.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ} يعني: الرّخاء وسعة الرّزق.
الوجه الثّاني:
- ذكر، عن أبي بدرٍ شجاع بن الوليد، عن أبي سنانٍ الشّيبانيّ، أنّه قال في قوله: فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ قال: فتح عليهم أربعين سنةً.
قوله تعالى: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا}.
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن أبو عبيد اللّه ابن أخي ابن وهبٍ، ثنا عمّي، ثنا حرملة وابن لهيعة، عن عقبة بن مسلمٍ التّجيبيّ، عن عقبة بن عامرٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إذا رأيت اللّه يعطي العبد، وهو في ذلك مقيمٌ على معاصيه، فإنّما ذلك منه استدراجٌ». ثمّ تلا قول اللّه: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا قال: {رخاء الدّنيا ويسرها}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، أنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: حتّى إذا فرحوا بما أوتوا من الرّزق.
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا فيض بن إسحاق قال: وقال الفضيل بن عياضٍ في قوله: فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا من الدّنيا وركنوا إليها، واطمأنّوا بها أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون.
قوله: {أخذناهم}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: أخذناهم بغتةً، يقول: {أخذهم العذاب بغتةً}.
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا الفزاريّ مروان بن معاوية، حدثني رجل من بين عجلٍ كوفيٌّ، عن الحسن قال: من وسّع عليه فلم ير أنّه يمكر به فلا رأي له، ومن قتّر عليه فلم ير أنّه ينظر له فلا رأي له. ثمّ قرأ: فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون. قال: وقال الحسن: مكر بالقوم وربّ الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا
قوله: {بغتة}.
الوجه الأول:
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة قوله: {أخذناهم بغتةً} قال: بغت القوم أمر اللّه، وما أخذ اللّه قومًا قطّ إلا عند سلوتهم وعزّتهم ونعمتهم، فلا تفتروا باللّه، إنّه لا يفتر باللّه إلا القوم الفاسقون.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا مهران، عن سفيان قوله: {أخذناهم بغتةً} قال: ستّين سنةً.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن كثيرٍ الدّورقيّ، ثنا محمّد بن شيبة بن أحمد بن المبارك، ثنا ابن المبارك، عن محمّد بن النّضر الحارثيّ في قوله: أخذناهم بغتةً قال: أمهلوا عشرين سنةً.
قوله: {فإذا هم مبلسون}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أبلسوا}، يقول: أيسوا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن يعقوب أبو بكرٍ الطّالقانيّ، ثنا ابن المبارك، عن إسماعيل، عن السّدّيّ في قوله: {فإذا هم مبلسون}، قال: تغيّر الوجه، وإنّما سمّي إبليس لأنّ اللّه عزّ وجلّ أبلسه وغيّره.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، أنا حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: {فإذا هم مبلسون} قال: عام الفتح.
والوجه الرّابع:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فإذا هم مبلسون}، قال: مهلكون متغيّرٌ حالهم.
الوجه الخامس:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ يقول في قوله: {فإذا هم مبلسون} قال المبلس: المجهود المكروب، الّذي قد نزل به الشّرّ الّذي لا يدفعه، والمبلس أشدّ من المستكبر). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1290-1292]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فتحنا عليهم أبواب كل شيء يعني رخاء الدنيا ويسرها على القرون الأولى). [تفسير مجاهد: 214]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ}.
- عن عقبة بن عامرٍ «عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: «إذا رأيت اللّه - عزّ وجلّ - يعطي العبد في الدّنيا على معاصيه ما يحبّ فإنّما هو استدراجٌ ». ثمّ تلا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون}».
رواه أحمد والطّبرانيّ، وزاد {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين}). [مجمع الزوائد: 7/ 20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {فلما نسوا ما ذكروا به} قال: يعني تركوا ما ذكروا به.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فلما نسوا ما ذكروا به} قال: ما دعاهم الله إليه ورسله أبوه وردوه عليهم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} قال: رخاء الدنيا ويسرها على القرون الأولى.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} قال: يعني الرخاء وسعة الرزق.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى في قوله: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا} قال: من الرزق {أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} قال: مهلكون متغير حالهم {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} يقول: قطع أصل الذين ظلموا.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله: {أخذناهم بغتة} قال: أمهلوا عشرين سنة
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {فإذا هم مبلسون} قال: المبلس المجهود المكروب الذي قد نزل به الشر الذي لا يدفعه والمبلس أشد من المستكبر وفي قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} قال: استؤصلوا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، عن مجاهد: {فإذا هم مبلسون} قال: الاكتئاب، وفي لفظ قال: آيسون.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: الإبلاس تغيير الوجوه وإنما سمي إبليس لأن الله نكس وجهه وغيره.
- وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر والطبراني في الكبير وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} الآية والآية التي بعدها.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عبادة بن صامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف وإذا أراد بقوم اقتطاعا فتح عليهم باب خيانة {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأى له ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأى له ثم قرأ {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} الآية، وقال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا.
- وأخرج ابن المنذر عن جعفر قال: أوحى الله إلى داود خفنى على كل حال وأخوف ما تكون عند تظاهر النعم عليك لا أصرعك عندها ثم لا أنظر إليك.
- وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي حازم قال: إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره، قال: وكل نعمة لا تقرب من الله عز وجل فهي بلية.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة} قال: بغت القوم أمر الله ما أخذ الله قوما قط إلا عند سلوتهم وغرتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: إن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا شبعت ماتت وكذلك ابن آدم إذا امتلأ من الدنيا أخذه الله عند ذلك ثم تلا {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة}).[الدر المنثور: 6/ 48-52]

تفسير قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا} فاستؤصل القوم الّذين عتوا على ربّهم وكذّبوا رسله وخالفوا أمره عن آخرهم، فلم يترك منهم أحدٌ إلاّ أهلك بغتةً، إذ جاءهم عذاب اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا} يقول: فقطع أصل الّذين ظلموا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا} قال: استؤصلوا.
ودابر القوم: الّذي يدبرهم، وهو الّذي يكون في أدبارهم وآخرهم، يقال في الكلام: قد دبر القوم فلانٌ يدبرهم دبرًا ودبورًا، إذا كان آخرهم، ومنه قول أميّة:
فأهلكوا بعذابٍ حصّ دابرهم ....... فما استطاعوا له صرفًا ولا انتصروا
{والحمد للّه ربّ العالمين} يقول: والثّناء الكامل، والشّكر التّامّ للّه ربّ العالمين على إنعامه على رسله وأهل طاعته، بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر، وتحقيق عداتهم ما وعدوهم على كفرهم باللّه وتكذيبهم رسله، من نقم اللّه وعاجل عذابه).[جامع البيان: 9/ 250]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين (45)}
قوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا}، يقول: قطع أصل الّذين ظلموا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ قوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا} قال: استؤصل القوم.
قوله: {والحمد للّه ربّ العالمين}.
قد تقدم تفسيره.
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ الرّازيّ، ثنا محمّد بن العلاء أبو كريبٍ، ثنا عثمان بن سعيدٍ الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال:« ثمّ قال جبريل: قل يا محمّد: الحمد للّه ربّ العالمين قال: قل يا محمّد للّه الخلق كلّه، السّموات كلّهنّ ومن فيهنّ والأرضون كلّهنّ، ومن فيهنّ، ومن بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم».
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع ابن أنسٍ، عن أبي العالية: ربّ العالمين قال: الإنس عالمٌ والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ من الملائكة، على الأرض أربع زوايا، في كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ وخمس مائة عالمٍ، خلقهم لعبادته.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا الفرات بن الوليد، عن مغيث بن سميٍّ، عن تبيعٍ في قول اللّه:{ ربّ العالمين} قال: العالمون ألف أمّةٍ، فستّمائةٍ في البحر، وأربعمائةٍ في البرّ.
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقدٍ، عن مطرٍ الورّاق، عن قتادة، في قول اللّه: {ربّ العالمين}، قال: ما وصف من خلقه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا قيسٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: ربّ العالمين قال: الجنّ والإنس. وروي عن عليٍّ، بإسنادٍ لا يعتمد عليه، مثله. وروي، عن مجاهدٍ مثله).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1293-1294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} قال: قطع أصلهم واستؤصلوا من ورائهم، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول زهير وهو يقول:
القائد الخيل منكوبا دوابرها * محكومة بحكام العدو الأنفا). [الدر المنثور: 6/ 52]


رد مع اقتباس