قالوا: الحق [سبأ/ 23] [قال أبو علي: التقدير: قالوا: قال الحقّ] فمن قرأ فزّع فالمعنى: أن الفعل المبني للفاعل فاعله ضمير عائد إلى اسم الله سبحانه، ومن قرأ: فزع فبنى الفعل للمفعول به كان الجارّ والمجرور في موضع رفع، والفعل في المعنى لله تعالى). [الحجة للقراء السبعة: 6/17]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الألف وفتحها من قوله سبحانه: إلا لمن أذن له [سبأ/ 23] فقرأ ابن كثير ونافع [وابن عامر]: أذن له [بفتح الألف]، وقرأ عاصم في رواية الكسائي عن أبي بكر عنه، وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أذن له*، بضم الألف. وروى يحيى وحسين وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم بالفتح وكذلك روى حفص عن عاصم بالفتح.
[قال أبو علي]: حجّة من قال أذن فبنى الفعل للفاعل أنّه أسنده إلى ضمير اسم الله تعالى، وقال: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبأ/ 38] وقال: إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26]. ومن قال أذن* يبني الفعل للمفعول به، فهو يريد: ذا المعنى، كما أنّ قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم،
[الحجة للقراء السبعة: 6/21]
وفزع*، وهل يجازى إلا الكفور [سبأ/ 17] واحد في المعنى، وإن اختلفت الألفاظ). [الحجة للقراء السبعة: 6/22]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [فُزِعَ]، بالزاي خفيفة، وبالعين.
وقرأ: [فَرَّغَ]، بفتح الفاء والراء، وبالغين الحسن -بخلاف- وقتادة وأبو المتوكل.
[المحتسب: 2/191]
وقرأ: [فرغ]، بالراء خفيفة، وبالغين، والفاء مضمومة الحسن وقتادة، بخلاف عنهما.
وقد رُوي عن الحسن: [فُرِّغَ]، بضم الفاء، والراء مشددة، وبالغين.
وقال أبو عمرو الدوري: بلغني عن عيسى بن عمر أنه كان يقرأ: [حَتَّى إِذَا افْرُنْقِعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ].
قال أبو الفتح: المعنى في جميع ذلك حتى إذا كُشِفَ عن قلوبهم.
فأما [فُزِعَ]، بالفاء، والزاي خفيفة فمرفوعه حرف الجر وما جره، كقولنا: سِيرَ عن البلد، وَانْصُرِفَ عن كذا إلى كذا، وقد شرحنا نحوًا من ذلك في القصص.
وكذلك [فُرِغَ]، بالفاء، والراء خفيفة، وبالغين.
فأما [فَزَّعَ] و[فَرَّغَ] ففاعلاهما مضمران: إن شئت كان اسمَ الله تعالى، أي: كشفَ اللهُ عن قلوبهم. وإن شئت كان ما هناك من الحال، أي: فَرَّغَ أو فَزَّعَ حاضر الحال عن قلوبهم، وإضمار الفاعل لدلالة الحال عليه كثير واسع، منه ما حكاه سيبويه من قولهم: إذا كان غدًا فأتني، وكذلك قول الشاعر:
فإنْ كانَ لا يُرضِيكَ حتَّى تَرُدَّنِي ... إلَى قَطَرِيّ لا إخَالُكَ رَاضِيَا
أي: إن كان لا يرضيك ما جرى، أو ما الحال عليه.
[المحتسب: 2/192]
قال أبو حاتم: قال يعقوب: روى أيوب السختياني عن الحسن: [فُرِغَ]، ضم الفاء، وكسر الراء وخففها، وأعجم الغين، فقيل للحسن: إنهم يقولون: [فُرِّغَ]، مثقلة. فقال الحسن: لا، إنها عربية. قال: ولا أظن الثقات رووها عن الحسن على وجوه إلا لصعوبة المعنى عليه. واختلفت ألفاظه، وقال فيها أقوالا مختلفة، يعني أبو حاتم اجتماع معنى ف ز ع مع معنى ف ر غ في أن الفزع: قلق ومفارقة للموضع المقلوق عليه، والفراغ: إخلاء الموضع، فهما من حيث ترى ملتقيان.
وكذلك معنى [افْرُنْقِعَ]، يقال: افْرَنْقَعَ القوم عن الشيء، أي: تفرقوا عنه.
ومما يحكى في ذلك أن أبا علقمة النحوي ثار به المُرَارُ، فاجتمع الناس عليه، فلما أفاق قال: ما لكم قد تكأكأتم على كتكأكئكم على ذي جِنّة؟ افْرَنْقِعُوا عني. قال: فقال بعض الحاضرين: إن شيطانه يتكلم بالهندية). [المحتسب: 2/193]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تنفع الشّفاعة عنده إلّا لمن أذن له حتّى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق} 23
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ {لمن أذن} بالرّفع على ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون {آذن} بالفتح أي أذن الله وحجتهم قوله تعالى {إلّا من أذن له الرّحمن} وقال {إلّا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
قرأ ابن عامر {حتّى إذا فزع عن قلوبهم} بفتح الفاء والزّاي أي فزع الله عن قلوبهم الروعة وخفف عنهم أي أخرج الله الفزع عن قلوبهم
وقرأ الباقون {فزع عن قلوبهم} على الم يسم فاعله قال الأخفش فزع معناه أزيل الفزع عنها وقال أبو عبيدة نفس عنها وقال الزّجاج كشف الفزع عن قلوبهم وقال قتادة فزع جلا من قلوبهم قال يوحي الله إلى جبريل فتعرف الملائكة وتفزع أن يكون شيء من أمر السّاعة {قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق} ). [حجة القراءات: 589]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (15- قوله: {فُزع} قرأه ابن عامر بفتح الفاء والزاي، وقرأ الباقون بضم الفاء وكسر الزاي.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/205]
وحجة من قرأ بالفتح أنه بنى الفعل للفاعل، ففي «فزع» ضمير الفاعل، عائد على اسم الله، والمعنى: حتى إذا جلى الله الفزع عن قلوب الملائكة، أي أزاله، قالوا: ماذا قال ربكم، وذلك فيما روي أن الملائكة تفزع إذا علمت أن الله أوحى بأمر فتفزع منه أن يكون في أمر الساعة، فإذا جلى الله الفزع عن قلوبهم بأن ذلك الوحي ليس في أمر الساعة، سألوه عن الوحي ما هو، فقالوا: ماذا قال ربكم، فيجاوبهم جبريل، فيقول: قال الحق، وأخبر عنه بلفظ الجمع لجلالته وعظم قدره.
16- وحجة من ضم الفاء أنه بنى الفعل للمفعول فأقا المجرور مقام الفاعل، وهو {عن قلوبهم} والمعنى على ما تقدم، والضم الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/206]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {إلا لمن أذن له} قرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة، بنوا الفعل للمفعول فقام المخفوض وهو {له} مقام الفاعل، وقرأ الباقون بفتح الهمزة، بنوا الفعل للفاعل، وهو الله جل ذكره، كما قال: {إلا من أذن له الرحمن} «النبأ 38»، وقال: {إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء} «النجم 26» والمعنى في القراءتين سواء، وفتح الهمزة أحب إلي،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/207]
لاجتماع الحرميين وعاصم على ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/208]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {لِمَنْ أُذِنَ} [آية/ 23] بضم الألف:
قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي.
والوجه أن الفعل مبنيٌ للمفعول به؛ لأن المقصود هو الإخبار عن المأذون له، ومعلوم أن فاعل الإذن هو الله تعالى.
وقرأ الباقون {لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} بفتح الألف.
والوجه أن الفعل مسند إلى الفاعل، وهو ضمير اسم الله تعالى؛ لأن الآذن هو الله سبحانه، وإذا كان الفعل له فإسناده إليه أولى، وقد قال تعالى {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} وقال {إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ الله لِمَنْ يَشَاءُ} ). [الموضح: 1054]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {حَتَّى إِذَا فَزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [آية/ 23] بفتح الفاء والزاي:
قرأها ابن عامر ويعقوب.
والوجه أن الفعل مبنيٌ للفاعل، والضمير عائدٌ إلى اسم الله تعالى، والتقدير: حتى إذا فزَّع الله عن قلوبهم، أي أزال الفزع عنها، يقال رجلٌ مفزعٌ أي شجاع، كأنه أزيل الفزع عن قلبه، وهذا من باب السلب، ورجلٌ مفزعٌ أيضًا: جبانٌ، كأنه أـُدخل الفزع في قلبه، وهو من باب الحمل على الشيء أي حُمِلَ على الفزع
[الموضح: 1054]
وقرأ الباقون {فُزِّعَ} بضم الفاء وكسر الزاي، وكلهم شدد الزاي.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به، والجار والمجرور أقيم مقام الفاعل، وهو قوله {عَنْ قُلُوبِهِمْ}؛ لأن الفعل عُدِّيَ بحرف الجر، والمعنى أُزيل عن قلوبهم الفزع). [الموضح: 1055]