عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 05:56 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,137
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}: أبطلها و[أصل «الضلال»: الغيبوبة]. يقال ضل الماء في اللبن، إذا [غاب] وغلب عليه، فلم يتبين). [تفسير غريب القرآن: 409]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(1)}
قوله عزّ وجلّ: ({أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}) أحبطها فلا يرون في الآخرة لها جزاء، والمعنى أن حبط ما كان من صدقاتهم وصلتهم الرحم وأبواب البر بكفرهم، كما قال عزّ وجلّ: ( {كذلك يُريهمُ اللّهُ أعمالهم حَسَراتٍ عليهم}) وقوله ({كسراب بقيعة})
وهؤلاء هم الذين صدوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والدليل على ذلك قوله: ( {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)} ). [معاني القرآن: 5/5]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [آية: 1]
روى أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} قال أهل مكة والذين آمنوا وعملوا الصالحات قال الأنصار وأصلح بالهم قال أمرهم
قال أبو جعفر معنى أضلّ أعْمالَهم أبطلها كما قال تعالى: {وقالوا أئذا ضللنا في الأرض} والمعنى لم نثبهم على ما عملوا لكفرهم ومعنى كفر عنهم سيئاتهم غطى عليها ولم يؤاخذهم بما عملوا وقت كفرهم). [معاني القرآن: 6/459-460]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ("{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} " حالهم). [مجاز القرآن: 2/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وأصلح بالهم}: أي حالهم). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي سترها، وأصلح بالهم أي حالهم). [تفسير غريب القرآن: 409]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: ({وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)} أي كفّر عنهم وما اقترفوه وهم كافرون لمّا آمنوا باللّه وبالنبي عليه السلام وسائر الأنبياء أجمعين.
وقوله عزّ وجلّ: {وَأَصْلَحَ بَالَهُم} أي أصلح أمرهم وحالهم). [معاني القرآن: 5/5]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَالَهُمْ}: حالهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَالَهُمْ}: حالهم). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}
أي الأمر ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل. وجائز أن يكون ذلك الإضلال لاتباعهم الباطل، وتلك الهداية والكفارات باتباع المؤمنين الحق، ثم قال عزّ وجلّ: ({كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} ).
أي كذلك يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين أي كالبيان الذي ذكر، ومعنى قول القائل: ضربت لك مثلا، أي بينت لك ضربا من الأمثال، أي صنفا منها). [معاني القرآن: 5/5-6]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [آية: 3]
المعنى كذلك يبين الله أمر الحسنات والسيئات
ومعنى ضربت له مثلا بينت له ضربا من الأمثال أي نوعا منها). [معاني القرآن: 6/460]

تفسير قوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ...} نصب على الأمر، والذي نصب به مضمر، وكذلك كل أمر أظهرت فيه الأسماء، وتركت الأفعال فانصب فيه الأسماء، وذكر: أنه أدبٌ من الله وتعليم للمؤمنين للقتال.
وقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ...} منصوب أيضاً على فعل مضمر، فإمّا أن تمنّوا، وإما أن تفدوا، فالمن: أنت تترك الأسير بغير فداء، والفداء: أن يفدي المأسور نفسه.
وقوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ...} آثامها وشركها حتى لا يبقى إلاّ مسلم، أو مسالم. والهاء التي في أوزارها تكون للحرب وأنت تعني: أوزار أهلها، وتكون لأهل الشرك خاصةً، كقولك: حتى تنفي الحرب أوزار المشركين.
وقوله: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ...} بملائكة غيركم، ويقال: بغير قتال: ولكن ليبلو بعضكم ببعض، المؤمن بالكافر، والكفر بالمؤمن.
وقوله: {والّذينَ قاتلوا في سَبيلِ اللّهِ...}.
قرأها الأعمش وعاصم وزيد بن ثابت ، حدثني بذلك محمد بن الفضل الخراساني عن [عطاء عن أبي] عبد الرحمن عن زيد بن ثابت: {قاتلوا}، وقرأها الحسن: {قتّلوا} مشددة، وقد خففها بعضهم فقال: {قتلوا} مخفف، وكل ذلك صواب). [معاني القرآن: 3/57-58]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ("{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}" كقول العرب: يا نفسي صبراً قال حرى بن ضمرة بن ضمرة النهشلي:
يا نفس صبراً على ما كان من مضضٍ = إذ لم أجد لفضول القول أقرانا

ولغة بني تميم يا نفس ويا عين، في موضع يا نفس اصبري.
"{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}" نصبهما لأنهما في موضع فعلهما مجازها فإما أن تمنوا وإما تفادوا مثل سقياً ورعياً إنما هو سقيت ورعيت مثل قولك: مهلاً للأنثى والذكر والاثنين والجميع وهي في موضع أمهل وقد فعلوا هذا في غير مصدر أمروا به). [مجاز القرآن: 2/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي يضع أهل الحرب السلاح.
قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا، وخيلا ذكورا
ومن نسج داود يحدي بها على أثر الحي، عيرا فعيرا
وأصل «الوزر» ما حملته، فسمي السلاح «أوزارا» لأنه يحمل ). [تفسير غريب القرآن: 409]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29] تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكان، عامّ النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الرّيح والبرق والسماء والأرض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به، وأنها قد شملت وعمّت. وليس ذلك بكذب، لأنّهم جميعا متواطئون عليه، والسّامع له يعرف مذهب القائل فيه.
وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظّموه ويستقصوا صفته. ونيّتهم في قولهم: أظلمت الشمس، أي كادت تظلم، وكسف القمر، أي كاد يكسف.
ومعنى كاد: همّ أن يفعل ولم يفعل. وربما أظهروا كاد، قال ابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا:
الرِّيحُ تبكِي شَجْوَهُ = والبرق يَلْمَعُ في غَمَامَه
وقال آخر:
الشَّمسُ طالعةٌ ليست بكاسفةٍ = تبَكي عليكَ نُجومَ اللَّيلِ والقَمَرا
أراد: الشمس طالعة تبكي عليك، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر، لأنّها مظلمة، وإنما تكسف بضوئها، فنجوم الليل بادية بالنهار.
وهذا كقوله النابغة وذكر يوم حرب:
تبدوا كواكبه والشمس طالعة = لا النّور نورٌ ولا الإظلامُ إظلام
ونحوه قول طرفة في وصف امرأة:
إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَد تَمْنَعُهُ = وُتِرِيهِ النَّجْمَ يَجري بالظُّهُر
يقول: تشقّ عليه حتى يظلم نهاره فيرى الكواكب ظهرا.
والعامة تقول: أراني فلانّ الكواكب بالنّهار، إذا برَّح به.
وقال الأعشى:
رجعت لما رمت مستحسرا = ترى للكواكب ظُهْرًا وَبِيصَا
أي: رجعت كئيبا حسيرا، قد أظلم عليك نهارك، فأنت ترى الكواكب تعالي النّهار بريقا.
وقد اختلف الناس في قول الله عز وجل: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29].
فذهب به قوم مذاهب العرب في قولهم: بكته الريح والبرق. كأنه يريد أنّ الله عز وجل حين أهلك فرعون وقومه وغرّقهم وأورث منازلهم
وجنّاتهم غيرهم- لم يبك عليهم باك، ولم يجزع جازع، ولم يوجد لهم فقد.
وقال آخرون: أراد: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلهما، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، أراد أهل القرية.
وقال: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]، أي يضع أهل الحرب السّلاح.
وقال ابن عباس: لكل مؤمن باب في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه الباب، وبكت عليه آثاره في الأرض ومصلّاه. والكافر لا يصعد له عمل، ولا يبكي له باب في السماء ولا أثره في الأرض). [تأويل مشكل القرآن: 167-170] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضرب: باليد، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] وقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]). [تأويل مشكل القرآن: 497]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( وقوله عزّ وجلّ: ({فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)}
معناه فاضربوا الرقاب ضربا، منصوب على الأمر، وتأويله فإذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم، ولكن أكثر مواقع القتل ضرب العنق، فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - كيف القصد، وكيف قال: ({واضرِبوا منهُم كلّ بَنان}) أي فليس يتوهم بهذا أن الضّرب محظور إلّا على الرقبة فقط.
وقوله عزّ وجلّ: ({حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}).
({أَثْخَنْتُمُوهُمْ}) أكثرتم فيهم القتل، كما قال: {ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض}، فالأسر بعد المبالغة في القتل.
ثم قال: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} أي بعد أن تأسروهم إما مننتم عليهم منّا، وإما أطلقتموهم بفداء.
وقوله: ({حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}) ({حَتَّى}) موصولة بالقتل والأسر، المعنى فاقتلوهم وأسروهم حتى تضع الحرب أوزارها.
والتفسير حتى يؤمنوا ويسلموا، فلا يجب أن تحاربوهم، فما دام الكفر فالجهاد والحرب قائمة أبدا.
وقوله: ({ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} ،{ذَلِكَ}) في موضع رفع، المعنى الأمر ذلك، ويجوز أن يكون منصوبا على معنى افعلوا ذلك.
{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} أي لو يشاء اللّه لعذّبهم وأهلكهم لأنه قادر على ذلك.
{وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} المعنى ولكن أمركم بالحرب ليبلو بعضكم ببعض، أي ليمحّص اللّه المؤمنين ويمحق الكافرين.
وقوله: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}.
ذكر في أول السورة: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أضلّ أَعْمَالَهُمْ} وأعلم أن الذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم.
ويقرأ على أربعة أوجه:
قاتلوا في سبيل اللّه، وقتلوا في سبيل اللّه، على ما لم يسمّ فاعله، ويقرأ قتّلوا بتشديد التاء، ويقرأ قتلوا في سبيل اللّه، بفتح القاف). [معاني القرآن: 5/6-7]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [آية: 4]
أي فاقتلوهم وذكرت الرقاب لأن القتل أكثر ما يقع بها
ثم قال جل وعز: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [آية: 4]
قال سعيد بن جبير لا ينبغي أن يقع أسر حتى يثخن بالقتل في العدو كما قال جل وعز: {ما كان النبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}
[معاني القرآن: 6/461]
ثم قال جل وعز: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [آية: 4]
قال أبو جعفر في هذه الآية اختلاف
قال ابن جريج كان عطاء يكره قتل الأسير صبرا لقول الله جل وعز: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وقال امنن أو فاد ولا تقتل وقال قتادة الآية منسوخة نسخها قوله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}
وروى شعبة عن الحكم قال سألني مغيرة عن آية غامضة منسوخة وهي قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}
[معاني القرآن: 6/462]
وقال الضحاك هي ناسخة نسخت قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} قال أبو جعفر البين في الآية أنها ليست بمنسوخة ولا ناسخة وإنما هذا إباحة وكذلك القتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل وفادى وذكر القتل في آية أخرى وهو فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فاجتزأ بذلك
وقوله جل وعز: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [آية: 4]
قال قتادة أي حتى يسلم أهل الشرك فسماهم حربا قال سعيد بن جبير ومجاهد في قوله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} حتى ينزل عيسى بن مريم فيكسر الصليب
[معاني القرآن: 6/463]
ويقتل الخنزير وتزول الأديان إلا دين الإسلام وتكون الملة واحدة
قال أبو جعفر فهذا قول في الآية أي حتى يضع أهل الحرب أوزارهم فيسلموا أو يسالموا
وقيل يعني بالأوزار ههنا السلاح كما قال الشاعر:
وأعددت للحرب أوزارها = رماحا طوالا وخيلا ذكورا
والمعنى على هذا فشدوا الوثاق حتى تضع الحرب أوزارها فإما منا بعد وإما فداء
[معاني القرآن: 6/464]
وقوله جل وعز: {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ }[آية: 4]
أي ليمحص المؤمنين ويمحق الكافرين
ثم قال جل وعز: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [آية: 4] ويقرأ قتلوا وقتلوا وقتلوا). [معاني القرآن: 6/465]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) أي: سلاحها). [ياقوتة الصراط: 469]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}: الأوزار: السلاح وأصل الوزر ما حملته وعنى بذلك أن الحرب للأهل الشرك واجبة حتى ينزل عيسى "عليه السلام" فيصير الدين واحداً وتزول الحروب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]

تفسير قوله تعالى: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)}
يصلح لهم أمر معاشهم في الدنيا مع ما يجازيهم به في الآخرة، كما قال - عزّ وجلّ -: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}
أي لو أنهم قبلوا ما فيها وما في الكتب وعملوا به لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وكما قال:
{استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا (10) يرسل السّماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهارا (12)}
فوعد الله عزّ وجلّ المؤمنين إصلاح شأنهم وبالهم في الدنيا والآخرة). [معاني القرآن: 5/7]

تفسير قوله تعالى: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ...}.
يعرفون منازلهم إذا دخلوها، حتى يكون أحدهم أعرف بمنزله في الجنة منه بمنزله إذا رجع من الجمعة). [معاني القرآن: 3/58]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {عَرَّفَهَا لَهُمْ} " بينها لهم وعرفهم منازلهم). [مجاز القرآن: 2/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({عرفها لكم}: بينها لهم وعرفهم منازلهم). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} يقال في التفسير: «بينها لهم، وعرفهم منازلهم منها».
[تفسير غريب القرآن: 409]
وقال أصحاب اللغة. «عَرَّفَهَا لَهُمْ »: طيبها. يقال: طعام معرف، أي مطيب. قال الشاعر:
فتدخل أيد في حناجر، أقنعت = لعادتها من الخزير المعرف
). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } [آية: 6]
في معناه ثلاثة أقوال:
قال مجاهد عرفهم بيوتها ومساكنها وقسمهم منها فلا يغلط أحد منهم فيدخل إلى موضع غيره ولا يحتاج أن يستدل
وقال سلمة بن كهيل عرفها لهم عرفهم طرقها فهذا قول
وقيل عرفها طيبها
وقيل عرفها رفعها
قال أبو جعفر القول الأول وإن كان بعض أهل اللغة قد أنكره وقال لو كان كذا لقال عرفهم بها أحسن الأقوال وأصحها ولا يلزم هذا الرد . والمعنى بينها لهم فتبينوها
والقول الثاني ليس بممتنع لأنه يقال طعام معرف أي مطيب
والقول الثالث مأخوذ من العرف لارتفاعه
وقيل أي عرف المكلفين من عباده بأنها لهم). [معاني القرآن: 6/465-467]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَرَّفَهَا لَهُمْ}: طيبها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَرَّفَهَا}: بينها). [العمدة في غريب القرآن: 274]

رد مع اقتباس