عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 10:53 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الّذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك * فإنّ مع العسر يسرًا * إنّ مع العسر يسرًا * فإذا فرغت فانصب * وإلى ربّك فارغب}
عدّد اللّه تعالى على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم نعمه في أن شرح له صدره للنبوّة وهيّأه لها، وذهب الجمهور إلى أنّ شرح الصدر المذكور هو: تنويره بالحكمة، وتوسيعه لتلقّي ما يوحى إليه.
وقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنه، وجماعةٌ: «هذه إشارةٌ إلى شرحه بشقّ جبريل عليه السلام عنه في وقت صغره، وفي وقت الإسراء؛ إذ التّشريح شقّ اللّحم
».
وقرأ أبو جعفرٍ المنصور: (ألم نشرح) ـ بنصب الحاء ـ على نحو قول الشاعر:
اضرب عنك الهموم طارقها ....... ضربك بالسّيف قونس الفرس
ومثله ممّا في نوادر أبي زيدٍ:
من أيّ يوميّ من الموت أفرّ ....... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
كأنه تعالى قال: (ألم نشرحن) ثمّ أبدل من النون ألفًا، ثمّ حذفها تخفيفًا، وهي قراءةٌ مردودةٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 643]

تفسير قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(الوزر) الذي وضعه اللّه تعالى عنه هو عند بعض المتأوّلين الثّقل الذي كان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحيرته قبل المبعث؛ إذ كان يرى سوء ما قريشٌ فيه من عبادة الأصنام، وكان لم يتّجه له من اللّه أمرٌ واضحٌ، فوضع اللّه تعالى عنه ذلك الثّقل بنبوّته وإرساله.
وقال أبو عبيدة وغيره: المعنى:
«خفّفنا عليك أثقال النبوّة، وأعنّاك على الناس».
وقال قتادة، وابن زيدٍ، والحسن، وجمهورٌ من المفسّرين:
«الوزر هنا: الذّنوب، وأصله الثّقل، فشبّهت الذنوب به، وهذه الآية نظير قوله تعالى: {ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر}. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الجاهليّة قبل النّبوّة وزره صحبة قومه، وأكله من ذبائحهم، ونحو هذا. وقاله الضّحّاك، وفي كتاب النقّاش: حضوره مع قومه المشاهد التي لا يحبّها اللّه تعالى».
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه:
«وهذه كلّها جرّها المنشأ، كشهوده حرب الفجار ينبّل على أعمامه، وقلبه في ذلك منيبٌ إلى الصواب، وأمّا عبادة الأصنام فلم يتلبّس بها قطّ»، وقرأ أنس بن مالكٍ: (وحططنا عنك وزرك). وفي حرف ابن مسعودٍ: (وحللنا عنك وقرك). وفي حرف أبيٍّ: (وحططنا عنك وقرك). وذكر أبو عمرٍو أن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صوّب جميعها.
وقال المحاسبيّ: إنما وصفت ذنوب الأنبياء عليهم السلام بالثّقل، وهي صغائر مغفورةٌ؛ لـهمّهم بها وتحسّرهم عليها). [المحرر الوجيز: 8/ 644]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{أنقض} معناه: جعله نقضًا، أي: هزيلًا معيّيًا من الثّقل. وقيل: معناه: أسمع له نقيضًا، وهو الصوت، وهو مثل نقيض السّفن، وكلّ ما حمّلته ثقلًا فإنه ينقض تحته. وقال عبّاس بن مرداسٍ:
وأنقض ظهري ما تطوّقت منهم ....... وكنت عليهم مشفقًا متحنّنًا). [المحرر الوجيز: 8/ 645]

تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} معناه: نوّهنا باسمك: وذهبنا به كلّ مذهبٍ في الأرض، هذا ورسول اللّه بمكة. وقال أبو سعيدٍ الخدريّ، والحسن، ومجاهدٌ، وقتادة: معنى قوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}، أي: قرنّا اسمك باسمنا في الأذان والخطب. وروي في هذا حديث:
«إنّ اللّه تعالى قال: إذا ذكرت ذكرت معي». وهذا متّجهٌ إلاّ أنّ الآية نزلت بمكة قديمًا والأذان شرع بالمدينة.
ورفع الذّكر نعمةٌ على الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وكذلك هو جميلٌ حسنٌ للقائمين بأمور الناس، وخمول الذّكر والاسم حسنٌ للمنفردين للعبادة، وقد جعل اللّه تعالى النّعم أقسامًا بحسب ما يصلح لشخصٍ شخصٍ، وفي الحديث:
«إنّ اللّه تعالى يوقف عبدًا يوم القيامة فيقول: ألم أفعل بك كذا وكذا؟ - يعدّد عليه نعمه - ويقول في جملتها: ألم أخمل ذكرك في النّاس؟»).
والمعنى في هذا التعديد الذي على النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أي: يا محمّد فقد جعلنا جميع هذا فلا تكترث بأذى قريشٍ؛ فإنّ الذي فعل بك هذه النّعم سيظفرك بهم، وينصرك عليهم). [المحرر الوجيز: 8/ 645]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم قوّى تعالى رجاءه بقوله سبحانه: {فإنّ مع العسر يسرًا}، أي: مع ما تراه من الأذى فرجٌ يأتيك، وكرّر اللّه تعالى ذلك مبالغةً وتبيينًا للخير، فقال بعض الناس: المعنى: إنّ مع العسر يسرًا في الدنيا، وإنّ مع العسر يسرًا في الآخرة. وذهب كثيرٌ من العلماء إلى أنّ مع كلّ عسرٍ يسرين بهذه الآية، من حيث (العسر) معرّفٌ للعهد، و(اليسر) منكّرٌ، فالأول غير الثاني.
وقد روي في هذا التأويل حديثٌ عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنه قال:
«لن يغلب عسرٌ يسرين». وأمّا قول عمر به فنصٌّ في الموطّإ في رسالته إلى أبي عبيدة بن الجرّاح - رضي اللّه عنهما -.
وقرأ عيسى، ويحيى بن وثّابٍ، وأبو جعفرٍ: (العسر واليسر) ـ بضمتين ـ وقرأ ابن مسعودٍ: {إنّ مع العسر يسرًا}. واحدةً غير مكرّرةٍ). [المحرر الوجيز: 8/ 645-646]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر نبيّه عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من شغلٍ من أشغال النبوّة والعبادة أن ينصب في آخر.
والنّصب: التّعب، فالمعنى: أن يدأب على ما أمر به ولا يفتر.
وقال ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما -:
«المعنى: فإذا فرغت من فرضك فانصب في التّنفّل عبادةً لربّك».
وقال ابن مسعودٍ:
«فانصب في قيام الليل». وعن مجاهدٍ: «فإذا فرغت من شغل دنياك فانصب في عبادة ربّك».
وقيل: المعنى: فإذا فرغت من الرّكعات فاجلس في التشهّد وانصب في الدعاء.
وقال ابن عبّاسٍ وقتادة: معنى الكلام:
«فإذا فرغت من العبادة فانصب في الدعاء».
وقال الحسن بن أبي الحسن:
«فإذا فرغت من الجهاد فانصب في العبادة». ويعترض هذا التأويل أنّ الجهاد فرض بالمدينة. وقرأ أبو السّمّال: (فرغت) ـ بكسر الراء ـ وهي لغةٌ، وقرأ قومٌ: (فانصبّ) ـ بشدّ الباء وفتحها ـ ومعناها: إذا فرغت من الجهاد فانصبّ إلى المدينة. ذكرها النقّاش منبّهًا على أنها خطأٌ.
وقرأ آخرون من الإمامية: (فانصب) بكسر الصاد، بمعنى: إذا فرغت من أمر النبوّة فانصب خليفةً، وهي قراءةٌ شاذّةٌ ضعيفة المعنى، لم تثبت عن عالمٍ.
ومرّ شريحٌ على رجلين يصطرعان، فقال:
«ليس بهذا أمر الفراغ». وتلا هذه الآية). [المحرر الوجيز: 8/ 646]

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإلى ربّك فارغب} أمرٌ بالتوكّل على اللّه - عزّ وجلّ -، وصرف وجه الرّغبات إليه، لا إلى سواه.
وقرأ ابن أبي عبلة: (فرغّب) ـ بفتح الراء وشدّ الغين مكسورةً). [المحرر الوجيز: 8/ 646]


رد مع اقتباس