عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلا منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (246)}
قال عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة: «هذا النّبيّ هو يوشع بن نون». قال ابن جريرٍ: «يعني ابن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب». وهذا القول بعيدٌ؛ لأنّ هذا كان بعد موسى بدهر طويل، وكان ذلك في زمان داود عليه السّلام، كما هو مصرّحٌ به في القصّة وقد كان بين داود وموسى ما ينيف عن ألف سنةٍ واللّه أعلم.
وقال السّدّيّ: «هو شمعون» وقال مجاهدٌ: «هو شمويل عليه السّلام». وكذا قال محمّد بن إسحاق عن وهب بن منبّهٍ وهو: «شمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن إليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عمرصا بن عزريا بن صفنيه بن علقمة بن أبي ياسف بن قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السّلام».
وقال وهب بن منبّهٍ وغيره: «كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السّلام على طريق الاستقامة مدّة الزّمان، ثمّ أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيمهم على منهج التّوراة إلى أن فعلوا ما فعلوا فسلّط اللّه عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلةً عظيمةً، وأسروا خلقًا كثيرًا وأخذوا منهم بلادًا كثيرةً، ولم يكن أحدٌ يقاتلهم إلّا غلبوه وذلك أنّهم كان عندهم التّوراة والتّابوت الّذي كان في قديم الزّمان وكان ذلك موروثًا لخلفهم عن سلفهم إلى موسى الكليم عليه الصّلاة والسّلام فلم يزل بهم تماديهم على الضّلال حتّى استلبه منهم بعض الملوك في بعض الحروب وأخذ التّوراة من أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلّا القليل وانقطعت النّبوّة من أسباطهم ولم يبق من سبط لاوي الّذي يكون فيه الأنبياء إلّا امرأةٌ حاملٌ من بعلها وقد قتل فأخذوها فحبسوها في بيتٍ واحتفظوا بها لعلّ اللّه يرزقها غلامًا يكون نبيًّا لهم ولم تزل تلك المرأة تدعو اللّه عزّ وجلّ أن يرزقها غلامًا فسمع اللّه لها ووهبها غلامًا، فسمّته شمويل: أي: سمع اللّه». ومنهم من يقول: شمعون وهو بمعناه فشبّ ذلك الغلام ونشأ فيهم وأنبته اللّه نباتًا حسنًا فلمّا بلغ سنّ الأنبياء أوحى اللّه إليه وأمره بالدّعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعداءهم وكان الملك أيضًا قد باد فيهم فقال لهم النّبيّ: فهل عسيتم إن أقام اللّه لكم ملكًا ألّا تفوا بما التزمتم من القتال معه {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} أي: وقد أخذت منّا البلاد وسبيت الأولاد؟ قال اللّه تعالى: {فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلا منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين} أي: ما وفوا بما وعدوا بل نكل عن الجهاد أكثرهم واللّه عليمٌ بهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 664-665]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (247)}
أي: لمّا طلبوا من نبيّهم أن يعيّن لهم ملكًا منهم فعيّن لهم طالوت وكان رجلًا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم؛ لأنّ الملك فيهم كان في سبط يهوذا، ولم يكن هذا من ذلك السّبط فلهذا قالوا: {أنّى يكون له الملك علينا} أي: كيف يكون ملكًا علينا {ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال} أي: ثمّ هو مع هذا فقيرٌ لا مال له يقوم بالملك، وقد ذكر بعضهم أنّه كان سقّاءً وقيل: دبّاغًا. وهذا اعتراضٌ منهم على نبيّهم وتعنّتٌ وكان الأولى بهم طاعةً وقول معروفٍ ثمّ قد أجابهم النّبيّ قائلًا {إنّ اللّه اصطفاه عليكم} أي: اختاره لكم من بينكم واللّه أعلم به منكم. يقول: لست أنا الّذي عيّنته من تلقاء نفسي بل اللّه أمرني به لمّا طلبتم منّي ذلك {وزاده بسطةً في العلم والجسم} أي: وهو مع هذا أعلم منكم، وأنبل وأشكل منكم وأشدّ قوّةً وصبرًا في الحرب ومعرفةً بها أي: أتمّ علمًا وقامةً منكم. ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علمٍ وشكلٍ حسنٍ وقوّةٍ شديدةٍ في بدنه ونفسه ثمّ قال: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} أي: هو الحاكم الّذي ما شاء فعل ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه؛ ولهذا قال: {واللّه واسعٌ عليمٌ} أي: هو واسع الفضل يختصّ برحمته من يشاء عليمٌ بمن يستحقّ الملك ممّن لا يستحقّه). [تفسير ابن كثير: 1/ 666]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين (248)}
يقول نبيّهم لهم: إنّ علّامة بركة ملك طالوت عليكم أن يردّ اللّه عليكم التّابوت الّذي كان أخذ منكم.
{فيه سكينةٌ من ربّكم} قيل: معناه فيه وقارٌ، وجلالةٌ.
قال عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة: «{فيه سكينةٌ} أي: وقارٌ». وقال الرّبيع: «رحمةٌ». وكذا روي عن العوفيّ عن ابن عبّاسٍ وقال ابن جريجٍ: «سألت عطاءً عن قوله: {فيه سكينةٌ من ربّكم} قال: ما يعرفون من آيات اللّه فيسكنون إليه».
وقيل: «السّكينة طستٌ من ذهبٍ كانت تغسل فيه قلوب الأنبياء، أعطاها اللّه موسى عليه السّلام فوضع فيها الألواح». ورواه السّدّيّ عن أبي مالكٍ عن ابن عبّاسٍ.
وقال سفيان الثّوريّ: عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عليٍّ قال: «السّكينة لها وجهٌ كوجه الإنسان ثمّ هي روحٌ هفّافةٌ».
وقال ابن جريرٍ: حدّثني ابن المثنّى حدّثنا أبو داود حدّثنا شعبة وحمّاد بن سلمة، وأبو الأحوص كلّهم عن سماك عن خالد بن عرعرة عن عليٍّ قال: «السكينة ريح خجوج ولها رأسان».
وقال مجاهدٌ: «لها جناحان وذنبٌ». وقال محمّد بن إسحاق عن وهب بن منبّهٍ: «السّكينة رأس هرّةٍ ميّتةٍ إذا صرخت في التّابوت بصراخ هرٍّ، أيقنوا بالنّصر وجاءهم الفتح».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا بكّار بن عبد اللّه أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: «السّكينة روحٌ من اللّه تتكلّم إذا اختلفوا في شيءٍ تكلّم فأخبرهم ببيان ما يريدون».
وقوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال ابن جريرٍ: أخبرنا ابن المثنّى حدّثنا أبو الوليد حدّثنا حمّادٌ عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: «عصاه ورضاض الألواح». وكذا قال قتادة والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وعكرمة وزاد: «والتّوراة».
وقال أبو صالحٍ: «{وبقيّةٌ} يعني: عصا موسى وعصا هارون ولوحين من التّوراة والمنّ». وقال عطيّة بن سعدٍ: «عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون ورضاض الألواح».
وقال عبد الرّزّاق: سألت الثّوريّ عن قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} فقال: «منهم من يقول قفيزٌ من منٍّ، ورضاض الألواح». ومنهم من يقول: العصا والنّعلان.
وقوله: {تحمله الملائكة} قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: «جاءت الملائكة تحمل التّابوت بين السّماء والأرض حتّى وضعته بين يدي طالوت، والنّاس ينظرون». وقال السّدّيّ: «أصبح التّابوت في دار طالوت فآمنوا بنبوّة شمعون وأطاعوا طالوت».
وقال عبد الرّزّاق عن الثّوريّ عن بعض أشياخه: «جاءت به الملائكة تسوقه على عجلةٍ على بقرةٍ» وقيل: على بقرتين.
وذكر غيره أنّ التّابوت كان بأريحا وكان المشركون لمّا أخذوه وضعوه في بيت آلهتهم تحت صنمهم الكبير، فأصبح التّابوت على رأس الصّنم فأنزلوه فوضعوه تحته فأصبح كذلك فسمّروه تحته فأصبح الصّنم مكسور القوائم ملقًى بعيدًا، فعلموا أنّ هذا أمرٌ من اللّه لا قبل لهم به فأخرجوا التّابوت من بلدهم، فوضعوه في بعض القرى فأصاب أهلها داءً في رقابهم فأمرتهم جاريةٌ من سبي بني إسرائيل أنّ يردّوه إلى بني إسرائيل حتّى يخلّصوا من هذا الدّاء، فحملوه على بقرتين فسارتا به لا يقربه أحدٌ إلّا مات، حتّى اقتربتا من بلد بني إسرائيل فكسرتا النّيّرين ورجعتا وجاء بنو إسرائيل فأخذوه فقيل: إنّه تسلّمه داود عليه السّلام وأنّه لمّا قام إليهما حجل من فرحه بذلك. وقيل: شابّان منهم فاللّه أعلم. وقيل: كان التّابوت بقريةٍ من قرى فلسطين يقال لها: أزدرد.
وقوله: {إنّ في ذلك لآيةً لكم} أي: على صدقي فيما جئتكم به من النبوة، وفيما أمرتكم به من طاعة طالوت: {إن كنتم مؤمنين} أي: باللّه واليوم الآخر). [تفسير ابن كثير: 1/ 666-668]


رد مع اقتباس