عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 10:20 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر الله تعالى عن فتنته لسليمان، وامتحانه إياه لزوال ملكه، وروي في ذلك أن سليمان عليه السلام قالت له حظية من حظاياه: إن أخي له خصومة، فأرغب أن تقضي له بكذا وكذا، لشيء غير الحق، فقال سليمان عليه السلام: أفعل، فعاقبه الله تعالى بأن سلط على خاتمه جنيا، وذلك أن سليمان عليه السلام كان لا يدخل الخلاء بخاتم الملك، توقيرا لاسم الله تعالى، فكان يضعه عند امرأة من نسائه، ففعل ذلك يوما، فألقى الله شبهه على جني اسمه صخر - فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما - وقيل غير هذا مما اختصرناه لعدم الصحة، فجاء إلى المرأة فدفعت إليه الخاتم، فاستولى على ملك سليمان، وبقي فيه أربعين يوما، وطرح خاتم سليمان في البحر، وجعل يعبث في بني إسرائيل وشبه سليمان عليه، حتى أنكروا أفعاله، ومكنه الله تعالى من جميع الملك، قال مجاهد: إلا من نساء سليمان فإنه لم يكشفهن، وكان سليمان عليه السلام خلال ذلك قد خرج فارا على وجهه منكرا، لا ينتسب لقوم إلا ضربوه، وأدركه جوع وفاقة، فمر يوما بامرأة تغسل حوتا ميتا، فسألها منه لجوعه، وقيل: بل اشتراه فأعطته حوتين، فجعل يفتح أجوافها، وإذا خاتمه في جوف أحدهما، فعاد إليه ملكه، وسخرت له الجن والريح من ذلك اليوم، وفر صخر الجني، فأمر سليمان به فسيق إليه، فأطبق عليه في حجارة، وسجنه في البحر إلى يوم القيامة، فهذه هي الفتنة التي فتن سليمان عليه السلام وامتحن بها.
واختلف الناس في الجسد الذي ألقي على كرسيه، فقال الجمهور: هو الجني المذكور، سماه "جسدا" لأنه كان قد تمثل في جسد سليمان وليس به، وهذا أصح الأقوال وأبينها معنى. وقالت فرقة. بل ألقي على كرسيه جسد ابن له ميت، وقالت فرقة: بل شق الولد الذي ولد له حين أقسم ليطوفن على نسائه ولم يستثن في قسمه، وقال قوم: مرض سليمان عليه السلام مرضا كالإغماء حتى صار على كرسيه كان بلا روح.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وهذا كله غير متصل بمعنى هذه الآية.
وقوله تعالى: "أناب" معناه: ارعوى وانثنى وأجاب إلى طاعة ربه، ومعنى هذا: من تلك الحوبة التي وقعت الفتنة بسببها).[المحرر الوجيز: 7/ 347-348]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم إن سليمان عليه السلام استغفر ربه، واستوهبه ملكا، واختلف المتأولون في معنى قوله: {لا ينبغي لأحد من بعدي} فقال الجمهور: أراد أن يفرده بين البشر لتكون خاصة له وكرامة، وهذا هو الظاهر من قوله عليه الصلاة والسلام في خبر العفريت الذي عرض له في صلاته، فأخذه وأراد أن يوثقه بسارية من سواري المسجد، قال: "ثم ذكرت قول أخي سليمان: رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فأرسلته"، وقال قتادة وعطاء بن أبي رباح: إنما أراد سليمان عليه السلام: لا ينبغي لأحد من بعدي مدة حياتي، أي: لا أسلبه ويصير إلى أحد كما صار إلى الجني.
وروي في مثالب الحجاج بن يوسف أنه لما قرأ هذه الآية قال: "لقد كان حسودا"، وهذا من فسق الحجاج، وسليمان عليه السلام مقطوع بأنه إنما قصد بذلك قصدا برا جائزا; لأن للإنسان أن يرغب من فضل الله فيما لا يناله أحد، لا سيما بحسب المكانة والنبوة، وانظر إلى قوله عليه السلام: "لا ينبغي"، فإنما هي لفظة محتملة ليست بقطع في أنه لا يعطي الله نحو ذلك الملك لأحد، ومحمد صلى الله عليه وسلم لو ربط الجني لم يكن ذلك نقصا لما أوتيه سليمان عليه السلام، لكن لما كان فيه بعض الشبه تركه جريا منه عليه الصلاة والسلام على اختياره أبدا أيسر الأمرين وأقربهما إلى التواضع). [المحرر الوجيز: 7/ 348-349]

تفسير قوله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}
قرأ الحسن، وأبو رجاء: "الرياح"، والجمهور على الإفراد، وسخر الله تعالى الريح لسليمان عليه السلام، وكان له كرسي عظيم، يقال: يحمل أربعة آلاف فارس، ويقال: أكثر، وفيه الشياطين، وتظله الطير، وتأتي عليه الريح الإعصار فتقله من الأرض حتى يحصل في الهواء، ثم يتولاه الرخاء، وهي اللينة القوية المتشابهة لا تأتي فيها دفع مفرطة، فتحمله، غدوها شهر، ورواحها شهر وحيث أصاب أي: أراد، قاله وهب وغيره، وأنشد الثعلبي:
أصاب الكلام فلم يستطع ... فأخطا الجواب لدى المفصل
ويشبه أن "أصاب" معدى: صاب يصوب، أي: حيث وجه جنوده وجعلهم يصوبون صوب السحاب والمطر. قال الزجاج: معناه: قصد، وكذلك قولك للمتكلم: "أصبت": معناه: قصدت الحق). [المحرر الوجيز: 7/ 349-350]

تفسير قوله تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {كل بناء وغواص} بدل من "الشياطين"، والمعنى: كل من بنى مصانعه للحروب). [المحرر الوجيز: 7/ 350]

تفسير قوله تعالى: {وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"مقرنين" معناه: موثقين، قد قرن بعضهم ببعض، و"الأصفاد": القيود والأغلال). [المحرر الوجيز: 7/ 350]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في المشار إليه بقوله: {هذا عطاؤنا}، فقال قتادة: إشارة إلى ما فعله بالجن، فامنن على من شئت منهم، وأطلقه من وثاقه وسرحه من خدمته، أو أمسك أمره كما تريد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أشار إلى ما وهبه من النساء وأقدره عليه من جماعهن، وقال الحسن: أشار إلى جميع ما أعطاه من الملك، وأمره بأن يمن على من يشاء ويمسك عمن يشاء، فكأنه وقفه على قدر النعمة ثم أباح له التصرف فيه بمشيئته، وهو تعالى قد علم منه أن مشيئته إنما تتصرف بحكم طاعة الله. وهذا أصح الأقوال وأجمعها لتفسير الآية. وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 7/ 350]

رد مع اقتباس