عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 01:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ أخبرهم تعالى أنّ الرّزق لا يختصّ ببقعةٍ، بل رزقه تعالى عامٌّ لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنّهم بعد قليلٍ صاروا حكّام البلاد في سائر الأقطار والأمصار؛ ولهذا قال: {وكأيّن من دابّةٍ لا تحمل رزقها} أي: لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تؤخّر شيئًا لغدٍ، {اللّه يرزقها وإيّاكم} أي: اللّه يقيّض لها رزقها على ضعفها، وييسّره عليها، فيبعث إلى كلّ مخلوقٍ من الرّزق ما يصلحه، حتّى الذّرّ في قرار الأرض، والطّير في الهواء والحيتان في الماء، قال اللّه تعالى: {وما من دابّةٍ في الأرض إلا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ} [هودٍ: 6].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ، حدّثنا يزيد -يعني ابن هارون -حدّثنا الجرّاح بن منهال الجزريّ -هو أبو العطوف -عن الزّهريّ، عن رجلٍ، عن ابن عمر قال: خرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط من التّمر ويأكل، فقال لي: "يا بن عمر، ما لك لا تأكل؟ " قال: قلت: لا أشتهيه يا رسول اللّه، قال: "لكنّي أشتهيه، وهذه صبح رابعةٍ منذ لم أذق طعامًا ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربّي فأعطاني مثل ملك قيصر وكسرى فكيف بك يا بن عمر إذا بقيت في قومٍ يخبّئون رزق سنتهم بضعف اليقين؟ ". قال: فواللّه ما برحنا ولا رمنا حتّى نزلت: {وكأيّن من دابّةٍ لا تحمل رزقها اللّه يرزقها وإيّاكم وهو السّميع العليم} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه لم يأمرني بكنز الدّنيا، ولا باتّباع الشّهوات، فمن كنز دنياه يريد بها حياةً باقيةً فإنّ الحياة بيد اللّه، ألا وإنّي لا أكنز دينارًا ولا درهمًا، ولا أخبّئ رزقًا لغدٍ ".
وهذا حديثٌ غريبٌ، وأبو العطوف الجزريّ ضعيفٌ.
وقد ذكروا أنّ الغراب إذا فقس عن فراخه البيض، خرجوا وهم بيضٌ فإذا رآهم أبواهم كذلك، نفرا عنهم أيّامًا حتّى يسودّ الرّيش، فيظلّ الفرخ فاتحًا فاه يتفقّد أبويه، فيقيّض اللّه له طيرًا صغارًا كالبرغش فيغشاه فيتقوّت منه تلك الأيّام حتّى يسودّ ريشه، والأبوان يتفقّدانه كلّ وقتٍ، فكلّما رأوه أبيض الرّيش نفرا عنه، فإذا رأوه قد اسودّ ريشه عطفا عليه بالحضانة والرّزق، ولهذا قال الشّاعر:
يا رازق النعّاب في عشه = وجابر العظم الكسير المهيض...
وقد قال الشّافعيّ في جملة كلامٍ له في الأوامر، كقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "سافروا تصحّوا وترزقوا".
قال البيهقيّ أخبرنا إملاءً أبو الحسن عليّ بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيدٍ، أخبرنا محمّد بن غالبٍ، حدّثني محمّد بن سنان، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن ردّاد -شيخٌ من أهل المدينة -حدّثنا عبد اللّه بن دينارٍ عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سافروا تصحّوا وتغنموا". قال: وروّيناه عن ابن عبّاسٍ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة، حدّثنا ابن لهيعة، عن درّاج، عن عبد الرّحمن بن حجيرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سافروا تربحوا، وصوموا تصحّوا، واغزوا تغنموا".
وقد ورد مثل حديث ابن عمر عن ابن عبّاسٍ مرفوعًا، وعن معاذ بن جبل موقوفا. وفي لفظٍ: "سافروا مع ذوي الجدود والميسرة"
وقوله تعالى: {وهو السّميع العليم} أي: السّميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم). [تفسير ابن كثير: 6/ 292-294]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولئن سألتهم من خلق السّموات والأرض وسخّر الشّمس والقمر ليقولنّ اللّه فأنّى يؤفكون (61) اللّه يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (62) ولئن سألتهم من نزل من السّماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولنّ اللّه قل الحمد للّه بل أكثرهم لا يعقلون (63)}.
يقول تعالى مقرّرًا أنّه لا إله إلّا هو؛ لأنّ المشركين -الّذين يعبدون معه غيره -معترفون أنّه المستقلّ بخلق السّموات والأرض والشّمس والقمر، وتسخير اللّيل والنّهار، وأنّه الخالق الرّازق لعباده، ومقدّرٌ آجالهم، واختلافها واختلاف أرزاقهم ففاوت بينهم، فمنهم الغنيّ والفقير، وهو العليم بما يصلح كلا منهم، ومن يستحقّ الغنى ممّن يستحقّ الفقر، فذكر أنّه المستبدّ بخلق الأشياء المتفرّد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك فلم يعبد غيره؟ ولم يتوكّل على غيره؟ فكما أنّه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرّر تعالى مقام الإلهيّة بالاعتراف بتوحيد الرّبوبيّة. وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: "لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك"). [تفسير ابن كثير: 6/ 294]

رد مع اقتباس