عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 01:28 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالّتي هي أحسن إلا الّذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ ونحن له مسلمون (46)}.
قال قتادة وغير واحدٍ: هذه الآية منسوخةٌ بآية السّيف، ولم يبق معهم مجادلةٌ، وإنّما هو الإسلام أو الجزية أو السّيف.
وقال آخرون: بل هي باقيةٌ أو محكمةٌ لمن أراد الاستبصار منهم في الدّين، فيجادل بالّتي هي أحسن، ليكون أنجع فيه، كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} [النّحل: 125]، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: {فقولا له قولا ليّنًا لعلّه يتذكّر أو يخشى} [طه: 44]. وهذا القول اختاره ابن جريرٍ، وحكاه عن ابن زيدٍ.
وقوله: {إلا الّذين ظلموا منهم} أي: حادوا عن وجه الحقّ، وعموا عن واضح المحجّة، وعاندوا وكابروا، فحينئذٍ ينتقل من الجدال إلى الجلاد، ويقاتلون بما يردعهم ويمنعهم، قال اللّه تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} [الحديد: 25].
قال جابرٌ: أمرنا من خالف كتاب اللّه أن نضربه بالسّيف.
قال مجاهدٌ: {إلا الّذين ظلموا منهم} يعني: أهل الحرب، ومن امتنع منهم عن أداء الجزية.
وقوله: {وقولوا آمنّا بالّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم}، يعني: إذا أخبروا بما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فهذا لا نقدم على تكذيبه لأنّه قد يكون حقًّا، ولا على تصديقه، فلعلّه أن يكون باطلا ولكن نؤمن به إيمانًا مجملًا معلّقًا على شرطٍ وهو أن يكون منزلًا لا مبدّلًا ولا مؤوّلًا.
وقال البخاريّ، رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التّوراة بالعبرانيّة، ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا: آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحدٌ، ونحن له مسلمون". وهذا الحديث تفرّد به البخاريّ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا يونس، عن الزّهريّ، أخبرني ابن أبي نملة أنّ أبا نملة الأنصاريّ أخبره، أنّه بينما هو جالسٌ عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، جاءه رجلٌ من اليهود، فقال: يا محمّد، هل تتكلّم هذه الجنازة؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّه أعلم". قال اليهوديّ: أنا أشهد أنّها تتكلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم، وقولوا: آمنّا باللّه ورسله وكتبه، فإن كان حقًّا لم تكذّبوهم، وإن كان باطلًا لم تصدّقوهم"
قلّت: وأبو نملة هذا هو: عمارة. وقيل: عمّارٌ. وقيل: عمرو بن معاذ بن زرارة الأنصاريّ، رضي اللّه عنه.
ثمّ ليعلم أنّ أكثر ما يحدّثون به غالبه كذبٌ وبهتانٌ؛ لأنّه قد دخله تحريفٌ وتبديلٌ وتغييرٌ وتأويلٌ، وما أقلّ الصّدق فيه، ثمّ ما أقلّ فائدة كثيرٍ منه لو كان صحيحًا.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا أبو عاصمٍ، حدّثنا سفيان، عن سليمان بن عامرٍ، عن عمارة بن عميرٍ، عن حريث بن ظهيرٍ، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ -قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ، فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا، إمّا أن تكذّبوا بحقٍّ أو تصدّقوا بباطلٍ، فإنّه ليس أحدٌ من أهل الكتاب إلّا وفي قلبه تاليةٌ، تدعوه إلى دينه كتالية المال.
وقال البخاريّ: حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، أخبرنا ابن شهابٍ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيءٍ، وكتابكم الّذي أنزل على رسوله صلّى اللّه عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضًا لم يشب، وقد حدثكم أنّ أهل الكتاب بدّلوا كتاب اللّه، وغيّروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند اللّه، ليشتروا به ثمنًا قليلًا؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا واللّه ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الّذي أنزل عليكم.
وقال البخاريّ: وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، أخبرني حميد بن عبد الرّحمن: أنّه سمع معاوية يحدّث رهطًا من قريشٍ بالمدينة -وذكر كعب الأحبار -فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدّثين الّذين يحدّثون عن أهل الكتاب، وإن كنّا مع ذلك لنبلو عليه الكذب.
قلت: معناه أنّه يقع منه الكذب لغةً من غير قصدٍ؛ لأنّه يحدّث عن صحفٍ هو يحسن بها الظّنّ، وفيها أشياء موضوعةٌ ومكذوبةٌ؛ لأنّهم لم يكن في ملّتهم حفّاظٌ متقنون كهذه الأمّة العظيمة، ومع ذلك وقرب العهد وضعت أحاديث كثيرةٌ في هذه الأمّة، لا يعلمها إلّا اللّه ومن منحه اللّه علمًا بذلك، كلٌّ بحسبه، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير ابن كثير: 6/ 283-285]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالّذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون (47) وما كنت تتلو من قبله من كتابٍ ولا تخطّه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون (48) بل هو آياتٌ بيّناتٌ في صدور الّذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظّالمون (49)}.
قال ابن جريرٍ: يقول اللّه تعالى: كما أنزلنا الكتب على من قبلك -يا محمّد -من الرّسل، كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب.
وهذا الّذي قاله حسنٌ ومناسبةٌ وارتباطٌ جيّدٌ.
وقوله: {فالّذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به} أي: الّذين أخذوه فتلوه حقّ تلاوته من أحبارهم العلماء الأذكياء، كعبد اللّه بن سلامٍ، وسلمان الفارسيّ، وأشباههما.
وقوله: {ومن هؤلاء من يؤمن به}، يعني العرب من قريشٍ وغيرهم، {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون}، أي: ما يكذّب بها ويجحد حقّها إلّا من يستر الحقّ بالباطل، ويغطّي ضوء الشّمس بالوصائل، وهيهات). [تفسير ابن كثير: 6/ 285]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتابٍ ولا تخطّه بيمينك}، أي: قد لبثت في قومك -يا محمّد- ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابًا ولا تحسن الكتابة، بل كلّ أحدٍ من قومك وغيرهم يعرف أنّك رجلٌ أمّيٌّ لا تقرأ ولا تكتب. وهكذا صفته في الكتب المتقدّمة، كما قال تعالى: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} الآية [الأعراف: 157]. وهكذا كان، صلوات اللّه وسلامه عليه [دائمًا أبدًا] إلى يوم القيامة، لا يحسن الكتابة ولا يخطّ سطرًا ولا حرفًا بيده، بل كان له كتّابٌ يكتبون بين يديه الوحي والرّسائل إلى الأقاليم. ومن زعم من متأخّري الفقهاء، كالقاضي أبي الوليد الباجيّ ومن تابعه أنّه عليه السّلام، كتب يوم الحديبية: "هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد اللّه" فإنّما حمله على ذلك روايةٌ في صحيح البخاريّ: "ثمّ أخذ فكتب": وهذه محمولةٌ على الرّواية الأخرى: "ثمّ أمر فكتب". ولهذا اشتدّ النّكير بين فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالًا وخطبوا به في محافلهم: وإنّما أراد الرّجل -أعني الباجيّ، فيما يظهر عنه -أنّه كتب ذلك على وجه المعجزة، لا أنّه كان يحسن الكتابة، كما قال، عليه الصّلاة والسّلام إخبارًا عن الدّجّال: "مكتوبٌ بين عينيه كافرٌ" وفي روايةٍ: "ك ف ر، يقرؤها كلّ مؤمنٍ"، وما أورده بعضهم من الحديث أنّه لم يمت، عليه السّلام حتّى تعلّم الكتابة، فضعيفٌ لا أصل له؛ قال اللّه تعالى: {وما كنت تتلو} أي: تقرأ {من قبله من كتابٍ} لتأكيد النّفي، {ولا تخطّه بيمينك} تأكيدٌ أيضًا، وخرج مخرج الغالب، كقوله تعالى: {ولا طائرٍ يطير بجناحيه} [الأنعام: 38].
وقوله: {إذًا لارتاب المبطلون} أي: لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من النّاس فيقول: إنّما تعلّم هذا من كتب قبله مأثورةٍ عن الأنبياء، مع أنّهم قالوا ذلك مع علمهم بأنّه أمّيٌّ لا يحسن الكتابة: {وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا} [الفرقان: 5]،قال اللّه تعالى: {قل أنزله الّذي يعلم السّرّ في السّموات والأرض إنّه كان غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 6]، وقال هاهنا: {بل هو آياتٌ بيّناتٌ في صدور الّذين أوتوا العلم} أي: [هذا] القرآن آياتٌ بيّنةٌ واضحةٌ في الدّلالة على الحقّ، أمرًا ونهيًا وخبرًا، يحفظه العلماء، يسّره اللّه عليهم حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، كما قال تعالى: {ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكرٍ} [القمر: 17]، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من نبيٍّ إلّا وقد أعطي ما آمن على مثله البشر وإنّما كان الّذي أوتيته وحيًا أوحاه اللّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا".
وفي حديث عياض بن حمارٍ، في صحيح مسلمٍ: "يقول اللّه تعالى: إنّي مبتليك ومبتلٍ بك، ومنزلٌ عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان". أي: لو غسل الماء المحلّ المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحلّ، كما جاء في الحديث الآخر: "لو كان القرآن في إهابٍ، ما أحرقته النّار"، لأنّه محفوظٌ في الصّدور، ميسّرٌ على الألسنة، مهيمنٌ على القلوب، معجزٌ لفظًا ومعنى؛ ولهذا جاء في الكتب المتقدّمة، في صفة هذه الأمّة: "أناجيلهم في صدورهم".
واختار ابن جريرٍ أنّ المعنى في قوله تعالى: {بل هو آياتٌ بيّناتٌ في صدور الّذين أوتوا العلم}، بل العلم بأنّك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابًا ولا تخطّه بيمينك، آياتٌ بيّناتٌ في صدور الّذين أوتوا العلم من أهل الكتاب. ونقله عن قتادة، وابن جريجٍ. وحكى الأوّل عن الحسن [البصريّ] فقط.
قلت: وهو الّذي رواه العوفيّ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، وقاله الضّحّاك، وهو الأظهر، واللّه أعلم.
وقوله: {وما يجحد بآياتنا إلا الظّالمون} أي: ما يكذّب بها ويبخس حقّها ويردّها إلّا الظّالمون، أي: المعتدون المكابرون، الّذين يعلمون الحقّ ويحيدون عنه، كما قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 285-287]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالوا لولا أنزل عليه آياتٌ من ربّه قل إنّما الآيات عند اللّه وإنّما أنا نذيرٌ مبينٌ (50) أولم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إنّ في ذلك لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنون (51) قل كفى باللّه بيني وبينكم شهيدًا يعلم ما في السّموات والأرض والّذين آمنوا بالباطل وكفروا باللّه أولئك هم الخاسرون (52)}.
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في تعنّتهم وطلبهم آياتٍ -يعنون -ترشدهم إلى أنّ محمّدًا رسول اللّه كما جاء صالحٌ بناقته، قال اللّه تعالى: {قل} يا محمّد: {إنّما الآيات عند اللّه} أي: إنّما أمر ذلك إلى اللّه، فإنّه لو علم أنّكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم؛ لأنّ ذلك سهلٌ عليه، يسيرٌ لديه، ولكنّه يعلم منكم أنّما قصدكم التّعنّت والامتحان، فلا يجيبكم إلى ذلك، كما قال تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها} [الإسراء: 59].
وقوله: {وإنّما أنا نذيرٌ مبينٌ} أي: إنّما بعثت نذيرًا لكم بيّن النّذارة فعليّ أن أبلّغكم رسالة اللّه و {من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا} [الكهف: 17]، وقال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [البقرة: 272]). [تفسير ابن كثير: 6/ 287]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مبيّنًا كثرة جهلهم، وسخافة عقلهم، حيث طلبوا آياتٍ تدلّهم على صدق محمّدٍ فيما جاءهم [به] -وقد جاءهم بالكتاب العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، الّذي هو أعظم من كلّ معجزةٍ، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته، بل عن معارضة عشر سورٍ من مثله، بل عن معارضة سورةٍ منه- فقال تعالى: {أولم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} أي: أولم يكفهم آيةً أنّا أنزلنا عليك هذا الكتاب العظيم، الّذي فيه خبر ما قبلهم، ونبأ ما بعدهم، وحكم ما بينهم، وأنت رجلٌ أمّيٌّ لا تقرأ ولا تكتب، ولم تخالط أحدًا من أهل الكتاب، فجئتهم بأخبار ما في الصّحف الأولى، ببيان الصّواب ممّا اختلفوا فيه، وبالحقّ الواضح البيّن الجليّ، كما قال تعالى: {أولم يكن لهم آيةً أن يعلمه علماء بني إسرائيل} [الشّعراء: 197]، وقال تعالى: {وقالوا لولا يأتينا بآيةٍ من ربّه أولم تأتهم بيّنة ما في الصّحف الأولى} [طه: 133].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا ليثٌ، حدّثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "ما من الأنبياء من نبيٍّ إلّا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيًا أوحاه اللّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة". أخرجاه من حديث اللّيث.
وقال اللّه تعالى: {إنّ في ذلك لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنون} أي: إنّ في هذا القرآن: {لرحمةً} أي: بيانًا للحقّ، وإزاحةً للباطل و {ذكرى} بما فيه حلول النّقمات ونزول العقاب بالمكذّبين والعاصين، {لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنون}). [تفسير ابن كثير: 6/ 287-288]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى: قل: {كفى باللّه بيني وبينكم شهيدًا} أي: هو أعلم بما تفيضون فيه من التّكذيب، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه، بأنّه أرسلني، فلو كنت كاذبًا عليه لانتقم منّي، كما قال تعالى: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثمّ لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} [الحاقّة: 44-47]، وإنّما أنا صادقٌ عليه فيما أخبرتكم به، ولهذا أيّدني بالمعجزات الواضحات، والدّلائل القاطعات.
{يعلم ما في السّموات والأرض} [أي]: لا تخفى عليه خافيةٌ.
{والّذين آمنوا بالباطل وكفروا باللّه أولئك هم الخاسرون} أي: يوم معادهم سيجزيهم على ما فعلوا، ويقابلهم على ما صنعوا، من تكذيبهم بالحقّ واتّباعهم الباطل، كذّبوا برسل اللّه مع قيام الأدلّة على صدقهم، وآمنوا بالطّواغيت والأوثان بلا دليلٍ، سيجازيهم على ذلك، إنه حكيم عليم). [تفسير ابن كثير: 6/ 288]

رد مع اقتباس