عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 12:20 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون * إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم * وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}
شبه تبارك وتعالى الكفار في عبادتهم الأصنام وبنائهم جميع أمورهم على ذلك بالعنكبوت التي تبني وتجتهد، وأمرها كلها ضعيف متى مسته أدنى هابة دهمته، وكذلك أمر أولئك وسعيهم مضمحل لا قوة له ولا معتمد، ومن حديث ذكره النقاش: العنكبوت شيطان مسخه الله تعالى فاقتلوه، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه يورث الفقر، وقوله تعالى: {لو كانوا يعلمون} أي: يعلمون أن هذا مثلهم، وأن حالهم ونسبتهم من الحق هذه الحالة). [المحرر الوجيز: 6/ 646]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :(قوله تعالى: {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم}. قرأ أبو عمرو، وسلام: "يعلم ما" بالإدغام، وقرأ عامة القراء بالفك، وقرأ الجمهور: "تدعون" بالتاء من فوق، وقرأ أبو عمرو، وعاصم بخلاف- "يدعون" بالياء من تحت على الغيبة. فأما موضع "ما" من الإعراب، فقيل: معناه أن الله يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء أن حالهم هذه، وأنهم أمر لا قدر له، وقيل: قوله: {إن الله يعلم} إخبار تام، وقوله: {وهو العزيز الحكيم} متصل به، واعترض بين الكلامين ما يدعون من دونه من شيء، وذلك على هذا النحو من النظر، ويحتمل معنيين: أحدهما أن تكون "ما" نافية، أي: لستم تدعون شيئا له بال ولا قدر، فيصلح أن يسمى شيئا، وفي هذا تعليق "يعلم"، وفيه نظر، والثاني أن تكون "ما" استفهاما، كأنه قرر -على جهة التوبيخ- على هذا المعبود من جميع الأشياء ما هو إذ لم يكن الله تعالى، أي: ليس لهم -على هذا التقدير- مقنع إليه، فـ "من" على القول الأول والثالث للتبعيض المجرد، وعلى القول الوسط هي زائدة في الجحد، ومعناها التأكيد، وقال أبو علي: "ما" استفهام نصب بـ "يدعون"، ولا يجوز نصبها بـ "يعلم"، والجملة التي هي منها في موضع نصب بـ "يعلم"، والتقدير: إن الله تعالى يعلم أوثانا تدعون من دونه أو غيرها لا يخفى ذلك عليه). [المحرر الوجيز: 6/ 647]

تفسير قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وتلك الأمثال} إشارة إلى هذا المثل ونحوه، و"نضربها" مأخوذ من الضرب، أي: النوع، كما تقول: "هذان من ضرب واحد"، "وهذا ضرب هذا"، أي: قرينه وشبهه، فكأن "ضرب المثل" هو أن تجعل الأمر الممثل ضريب. وباقي الآية بين.
وقال جابر: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إلا العالمون}: العاقل من عقل عن الله تعالى، وعمل بطاعته، وانتهى عن معصيته).[المحرر الوجيز: 6/ 647]

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين * اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}
نبه في ذكر خلق السماوات والأرض على أمر يوقع الذهن على صغر قدر الأوثان وكل معبود من دون الله تعالى، وقوله سبحانه: "بالحق" أي: بالواجب النير، لا للعبث واللعب، بل ليدل على سلطانه، ويثبت شرائعه، ويضع الدلائل لأهلها، ويعم المنافع إلى غير ذلك مما لا يحصى عدا). [المحرر الوجيز: 6/ 647-648]

تفسير قوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالخضوع لأمره، وتلاوة القرآن الذي أوحي إليه، وإقامة الصلاة، أي: إدامتها والقيام بحدودها. ثم أخبر -حكما منه- إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذلك عندي بأن المصلي إذا كان على الواجب من الخشوع والإخبات وتذكر الله تعالى وتوهم الوقوف بين يديه، وأن قلبه وإخلاصه مطلع عليه مرقوب، صلحت لذلك نفسه وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تبارك وتعالى، فاطردت لذلك في أقواله وأفعاله وانتهى عن الفحشاء والمنكر، ولا يكاد يفتر من ذلك حتى تظلله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة، وهذا معنى هذا الإخبار; لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون. وروي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكلم في ذلك فقال: إني أقف بين يدي الله تبارك وتعالى، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهذه صلاة تنهى -ولا بد- عن الفحشاء والمنكر، ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء، لا خشوع فيها ولا تذكر ولا فضائل، فذلك يترك صاحبها من منزلته حيث كان، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى تمادى على بعده، وعلى هذا يخرج الحديث عن ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، والأعمش، وهو قولهم: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا، وقد روي أن الحسن أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك غير صحيح السند، سمعت أبي رضي الله عنه يقول: فإذا قدرناه، ونظرنا معناه فغير جائز أن يقول: إن نفس صلاة العاصي تبعده من الله تعالى حتى كأنها معصية، وإنما يتخرج ذلك على أنها لا تؤثر في تقريبه من الله تعالى، بل تتركه في حاله ومعاصيه من الفحشاء والمنكر والبعد، فلم تزده الصلاة إلا تقرير ذلك البعد الذي كان سبيله، فكأنها بعدته حين لم تكف بعده عن الله تعالى. وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: إن فلانا كثير الصلاة، فقال: إنها لا تنفع إلا من أطاعها. وقرأ الربيع بن أنس: "إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر". وقال ابن عمر رضي الله عنهما: الصلاة هنا- القرآن، وقال حماد بن أبي سليمان، وابن جريج، والكلبي: إن الصلاة تنهى ما دمت فيها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه عجمة، وأين هذا مما روى أنس بن مالك؟ قال: كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ركبه، فقيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن صلاته ستنهاه"، فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أقل لكم"؟
وقوله تعالى: {ولذكر الله أكبر}، قال ابن عباس، وأبو الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وأبو قرة رضي الله عن الصحابة أجمعين: معناه: ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، وقيل: معناه: ولذكر الله أكبر مع المداومة على الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر، وقال ابن زيد، وقتادة: ولذكر الله أكبر من كل شيء، وقيل لسلمان: أي الأعمال أفضل؟ فقال: أما تقرأ القرآن: ولذكر الله أكبر، كأنه يحض عليه في هذين التأويلين الأخيرين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وعندي أن المعنى: ولذكر الله أكبر على الإطلاق، أي: هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك، وكذلك يفعل في غير الصلاة; لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر مراقب له، وثواب ذلك الذكر أن يذكره الله تعالى، كما في الحديث: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في نهي، والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله تعالى، وأما ما لا يتجاوز اللسان ففي رتبة أخرى، وذكر الله تعالى للعبد هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه، وذلك ثمرة لذكر العبد ربه. قال الله تبارك وتعالى: {فاذكروني أذكركم}، وباقي الآية ضرب من التوعد والحث على المراقبة).[المحرر الوجيز: 6/ 648-650]

رد مع اقتباس