عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 06:46 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقالوا إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا}: [يقول تعالى مخبرًا عن اعتذار بعض الكفّار في عدم اتّباع الهدى حيث قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا}] أي: نخشى إن اتّبعنا ما جئت به من الهدى، وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة، ويتخطّفونا أينما كنّا، فقال اللّه تعالى مجيبًا لهم: {أولم نمكّن لهم حرمًا آمنًا} يعني: هذا الّذي اعتذروا به كذبٌ وباطلٌ؛ لأنّ اللّه جعلهم في بلدٍ أمينٍ، وحرم معظّمٍ آمنٍ منذ وضع، فكيف يكون هذا الحرم آمنًا في حال كفرهم وشركهم، ولا يكون آمنًا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحقّ؟.
وقوله: {يجبى إليه ثمرات كلّ شيءٍ} أي: من سائر الثّمار ممّا حوله من الطّائف وغيره، وكذلك المتاجر والأمتعة {رزقًا من لدنّا} أي: من عندنا {ولكنّ أكثرهم لا يعلمون} فلهذا قالوا ما قالوا.
وقد قال النّسائيّ: أنبأنا الحسن بن محمّدٍ، حدّثنا الحجّاج، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة قال: قال عمرو بن شعيبٍ، عن ابن عبّاسٍ -ولم يسمعه منه -: أنّ الحارث بن عامر بن نوفلٍ الّذي قال: {إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 247]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكم أهلكنا من قريةٍ بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنّا نحن الوارثين (58) وما كان ربّك مهلك القرى حتّى يبعث في أمّها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنّا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون (59)}.
يقول تعالى معرّضًا بأهل مكّة في قوله: {وكم أهلكنا من قريةٍ بطرت معيشتها} أي: طغت وأشرت وكفرت نعمة اللّه، فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال في الآية الأخرى: {وضرب اللّه مثلا قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكانٍ فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. ولقد جاءهم رسولٌ منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون} [النّحل 112، 113] ولهذا قال: {فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا} أي: دثرت ديارهم فلا ترى إلّا مساكنهم.
وقوله: {وكنّا نحن الوارثين} أي: رجعت خرابًا ليس فيها أحدٌ.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ [هاهنا] عن ابن مسعودٍ أنّه سمع كعبًا يقول لعمر: إنّ سليمان عليه السّلام قال للهامّة -يعني البومة -ما لك لا تأكلين الزّرع؟ قالت: لأنّه أخرج آدم بسببه من الجنّة. قال: فما لك لا تشربين الماء؟ قالت: لأنّ اللّه أغرق قوم نوحٍ به. قال: فما لك لا تأوين إلّا إلى الخراب؟ قالت: لأنّه ميراث اللّه عزّ وجلّ، ثمّ تلا {وكنّا نحن الوارثين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 247-248]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال اللّه مخبرًا عن عدله، وأنّه لا يهلك أحدًا ظالـمًا له، وإنّما يهلك من أهلك بعد قيام الحجّة عليهم، ولهذا قال: {وما كان ربّك مهلك القرى حتّى يبعث في أمّها} وهي مكّة {رسولا يتلو عليهم آياتنا}. فيه دلالةٌ على أنّ النّبيّ الأمّيّ، وهو محمّدٌ، صلوات اللّه وسلامه عليه، المبعوث من أمّ القرى، رسولٌ إلى جميع القرى، من عربٍ وأعجامٍ، كما قال تعالى: {لتنذر أمّ القرى ومن حولها} [الشّورى: 7]، وقال تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]، وقال: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19]، وقال: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده} [هودٍ: 17]. وتمام الدّليل [قوله] {وإن من قريةٍ إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذّبوها عذابًا شديدًا كان ذلك في الكتاب مسطورًا} [الإسراء: 58]. فأخبر أنّه سيهلك كلّ قريةٍ قبل يوم القيامة، وقد قال: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} [الإسراء: 15]. فجعل تعالى بعثة النّبيّ الأمّيّ شاملةً لجميع القرى؛ لأنّه مبعوثٌ إلى أمّها وأصلها الّتي ترجع إليها. وثبت في الصّحيحين عنه، صلوات اللّه وسلامه عليه، أنّه قال: "بعثت إلى الأحمر والأسود". ولهذا ختم به الرّسالة والنّبوّة، فلا نبيّ بعده ولا رسول، بل شرعه باقٍ بقاء اللّيل والنّهار إلى يوم القيامة.
وقيل: المراد بقوله: {حتّى يبعث في أمّها} أي: أصلها وعظيمتها، كأمّهات الرّساتيق والأقاليم. حكاه الزّمخشريّ وابن الجوزيّ، وغيرهما، وليس ببعيد). [تفسير ابن كثير: 6/ 248]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أوتيتم من شيءٍ فمتاع الحياة الدّنيا وزينتها وما عند اللّه خيرٌ وأبقى أفلا تعقلون (60) أفمن وعدناه وعدًا حسنًا فهو لاقيه كمن متّعناه متاع الحياة الدّنيا ثمّ هو يوم القيامة من المحضرين (61)}.
يقول تعالى مخبرًا عن حقارة الدّنيا، وما فيها من الزّينة الدّنيئة والزّهرة الفانية بالنّسبة إلى ما أعدّه اللّه لعباده الصّالحين في الدّار الآخرة من النّعيم العظيم المقيم، كما قال: {ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ} [النّحل: 96]، وقال: {وما عند اللّه خيرٌ للأبرار} [آل عمران: 198]، وقال: {وما الحياة الدّنيا في الآخرة إلا متاعٌ} [الرّعد: 26]، وقال: {بل تؤثرون الحياة الدّنيا والآخرة خيرٌ وأبقى} [الأعلى: 16، 17]، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "واللّه ما الدّنيا في الآخرة، إلّا كما يغمس أحدكم إصبعه في اليمّ، فلينظر ماذا يرجع إليه".
[وقوله]: {أفلا يعقلون} أي: أفلا يعقل من يقدّم الدّنيا على الآخرة؟). [تفسير ابن كثير: 6/ 249]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أفمن وعدناه وعدًا حسنًا فهو لاقيه كمن متّعناه متاع الحياة الدّنيا ثمّ هو يوم القيامة من المحضرين}: يقول: أفمن هو مؤمنٌ مصدّقٌ بما وعده اللّه على صالح أعماله من الثّواب الّذي هو صائرٌ إليه لا محالة، كمن هو كافرٌ مكذّبٌ بلقاء اللّه ووعده ووعيده، فهو ممتّعٌ في الحياة الدّنيا أيّامًا قلائل، {ثمّ هو يوم القيامة من المحضرين} قال مجاهدٌ، وقتادة: من المعذّبين.
ثمّ قد قيل: إنّها نزلت في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي أبي جهلٍ. وقيل: في حمزة وعليٍّ وأبي جهلٍ، وكلاهما عن مجاهدٍ. والظّاهر أنّها عامّةٌ، وهذا كقوله تعالى إخبارًا عن ذلك المؤمن حين أشرف على صاحبه، وهو في الدّرجات وذاك في الدّركات: {ولولا نعمة ربّي لكنت من المحضرين} [الصّافّات: 57]، وقال تعالى: {ولقد علمت الجنّة إنّهم لمحضرون} [الصّافّات: 158] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 249]

رد مع اقتباس