عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 06:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد وصّلنا لهم القول} قال مجاهدٌ: فصّلنا لهم القول. وقال السّدّيّ: بيّنّا لهم القول.
وقال قتادة: يقول تعالى: أخبرهم كيف صنع بمن مضى وكيف هو صانعٌ، {لعلّهم يتذكّرون}.
قال مجاهدٌ وغيره: {وصّلنا لهم} يعني: قريشًا. وهذا هو الظّاهر، لكن قال حمّاد بن سلمة، عن عمرو بن دينارٍ، عن يحيى بن جعدة، عن رفاعة -رفاعة هذا هو ابن قرظة القرظيّ، وجعله ابن منده: رفاعة بن سموألٍ، خال صفيّة بنت حييٍّ، وهو الّذي طلّق تميمة بنت وهبٍ الّتي تزوّجها بعده عبد الرّحمن بن الزّبير بن باطا، كذا ذكره ابن الأثير -قال: نزلت {ولقد وصّلنا لهم القول} في عشرةٍ أنا أحدهم. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من حديثه). [تفسير ابن كثير: 6/ 243]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون (52) وإذا يتلى عليهم قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كنّا من قبله مسلمين (53) أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السّيّئة وممّا رزقناهم ينفقون (54) وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين (55)}.
يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنّهم يؤمنون بالقرآن، كما قال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به} [البقرة: 121]، وقال: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه} [آل عمران: 199]، وقال: {إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدًا * ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا} [الإسراء: 107، 108]، وقال: {ولتجدنّ أقربهم مودّةً للّذين آمنوا الّذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانًا وأنّهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنّا فاكتبنا مع الشّاهدين} [المائدة: 82، 83].
قال سعيد بن جبيرٍ: نزلت في سبعين من القسّيسين بعثهم النّجاشيّ، فلمّا قدموا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ عليهم: {يس. والقرآن الحكيم} حتّى ختمها، فجعلوا يبكون وأسلموا، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى: {الّذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون. وإذا يتلى عليهم قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كنّا من قبله مسلمين} يعني: من قبل هذا القرآن كنّا مسلمين، أي: موحّدين مخلصين للّه مستجيبين له). [تفسير ابن كثير: 6/ 243-244]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه: {أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا} أي: هؤلاء المتّصفون بهذه الصّفة الّذين آمنوا بالكتاب الأوّل ثمّ بالثّاني [يؤتون أجرهم مرّتين بإيمانهم بالرّسول الأوّل ثمّ بالثّاني] ؛ ولهذا قال: {بما صبروا} أي: على اتّباع الحقّ؛ فإنّ تجشّم مثل هذا شديدٌ على النّفوس. وقد ورد في الصّحيحين من حديث عامرٍ الشّعبيّ، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعريّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثةٌ يؤتون أجرهم مرّتين: رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيّه ثمّ آمن بي، وعبدٌ مملوكٌ أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه، ورجل كانت له أمة فأدّبها فأحسن تأديبها ثمّ أعتقها فتزوّجها".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن إسحاق السّيلحيني، حدّثنا ابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرّحمن، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: إنّي لتحت راحلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الفتح، فقال قولًا حسنًا جميلًا وقال فيما قال: "من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرّتين، وله ما لنا وعليه ما علينا، [ومن أسلم من المشركين، فله أجره، وله ما لنا وعليه ما علينا]".
وقوله {ويدرؤون بالحسنة السّيّئة} أي: لا يقابلون السّيّئ بمثله، ولكن يعفون ويصفحون. {وممّا رزقناهم ينفقون} أي: ومن الّذي رزقهم من الحلال ينفقون على خلق اللّه في النّفقات الواجبة لأهلهم وأقاربهم، والزّكاة المفروضة والمستحبّة من التّطوّعات، وصدقات النّفل والقربات).[تفسير ابن كثير: 6/ 244]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه} أي: لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم، بل كما قال تعالى: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} [0الفرقان: 72].
{وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين} أي: إذا سفه عليهم سفيه، وكلّمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلّا كلامٌ طيّبٌ. ولهذا قال عنهم: إنّهم قالوا: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين} أي: لا نريد طريق الجاهلين ولا نحبّها.
قال محمّد بن إسحاق في السّيرة: ثمّ قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بمكّة عشرون رجلًا أو قريبٌ من ذلك، من النّصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة. فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه وكلّموه وساءلوه -ورجالٌ من قريشٍ في أنديتهم حول الكعبة -فلمّا فرغوا من مساءلة رسول اللّه عمّا أرادوا، دعاهم إلى اللّه وتلا عليهم القرآن، فلمّا سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدّمع، ثمّ استجابوا للّه وآمنوا به وصدّقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره. فلمّا قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشامٍ في نفرٍ من قريشٍ، فقالوا لهم: خيّبكم اللّه من ركبٍ. بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرّجل، فلم تطمئنّ مجالسكم عنده حتّى فارقتم دينكم وصدّقتموه فيما قال؛ ما نعلم ركبًا أحمق منكم. أو كما قالوا لهم. فقالوا [لهم] سلامٌ عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرًا.
قال: ويقال: إنّ النّفر النّصارى من أهل نجران، فاللّه أعلم أيّ ذلك كان.
قال: ويقال -واللّه أعلم- إنّ فيهم نزلت هذه الآيات: {الّذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} إلى قوله: {لا نبتغي الجاهلين}.
قال: وقد سألت الزّهريّ عن هذه الآيات فيمن أنزلن، قال: ما زلت أسمع من علمائنا أنهن أنزلهن في النّجاشيّ وأصحابه، رضي اللّه عنهم، والآيات الّتي في سورة المائدة: {ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانًا} إلى قوله: {فاكتبنا مع الشّاهدين} [المائدة: 82، 83]). [تفسير ابن كثير: 6/ 245]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين (56) وقالوا إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا أولم نمكّن لهم حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كلّ شيءٍ رزقًا من لدنّا ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (57)}.
يقول تعالى لرسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه: إنّك يا محمّد {إنّك لا تهدي من أحببت} أي: ليس إليك ذلك، إنّما عليك البلاغ، واللّه يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجّة الدّامغة، كما قال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [البقرة: 272]، وقال: {وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103].
وهذه الآية أخصّ من هذا كلّه؛ فإنّه قال: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} أي: هو أعلم بمن يستحقّ الهداية بمن يستحقّ الغواية، وقد ثبت في الصّحيحين أنّها نزلت في أبي طالبٍ عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد كان يحوطه وينصره، ويقوم في صفّه ويحبّه حبًّا [شديدًا] طبعيًّا لا شرعيًّا، فلمّا حضرته الوفاة وحان أجله، دعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الإيمان والدّخول في الإسلام، فسبق القدر فيه، واختطف من يده، فاستمرّ على ما كان عليه من الكفر، وللّه الحكمة التّامّة.
قال الزّهريّ: حدّثني سعيد بن المسيّب، عن أبيه -وهو المسيّب بن حزن المخزوميّ، رضي اللّه عنه- قال: لـمّا حضرت أبا طالبٍ الوفاة جاءه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجد عنده أبا جهل بن هشامٍ، وعبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عمّ، قل: لا إله إلّا اللّه، كلمةٌ أشهد لك بها عند اللّه". فقال أبو جهلٍ وعبد اللّه بن أبي أميّة: يا أبا طالبٍ، أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فلم يزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعرضها عليه، ويعودان له بتلك المقالة، حتّى قال آخر ما قال: هو على ملّة عبد المطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلّا اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك". فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113]، بوأنزل في أبي طالبٍ: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}.
أخرجاه من حديث الزّهريّ. وهكذا رواه مسلمٌ في صحيحه، والتّرمذيّ، من حديث يزيد بن كيسان، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة قال: لمّا حضرت وفاة أبي طالبٍ أتاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا عمّاه، قل: لا إله إلّا اللّه، أشهد لك بها يوم القيامة". فقال: لولا أن تعيّرني بها قريشٌ، يقولون: ما حمله عليه إلّا جزع الموت، لأقررت بها عينك، لا أقولها إلّا لأقرّ بها عينك. فأنزل اللّه: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}. وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلّا من حديث يزيد بن كيسان.
ورواه الإمام أحمد، عن يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن يزيد بن كيسان، حدّثني أبو حازمٍ، عن أبي هريرة، فذكره بنحوه.
وهكذا قال ابن عبّاسٍ، وابن عمر، ومجاهدٌ، والشّعبيّ، وقتادة: إنّها نزلت في أبي طالبٍ حين عرض عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول: "لا إله إلّا اللّه" فأبى عليه ذلك، وقال: أي ابن أخي، ملة الأشياخ. وكان آخر ما قال: هو على ملّة عبد المطّلب.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو سلمة، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشدٍ قال: كان رسول قيصر جاء إليّ قال: كتب معي قيصر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتابًا، فأتيته فدفعت الكتاب، فوضعه في حجره، ثمّ قال:"ممّن الرّجل؟ " قلت: من تنوخ. قال: "هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفيّة؟ " قلت: إنّي رسول قومٍ، وعلى دينهم حتّى أرجع إليهم. فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونظر إلى أصحابه وقال: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}).[تفسير ابن كثير: 6/ 245-247]

رد مع اقتباس