عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 23 محرم 1440هـ/3-10-2018م, 08:14 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون}
قرأ أبو السمال: "قل الحمد لله" بفتح اللام، وكذلك في آخر السورة، وهذه ابتداء تقرير وتثبيت لقريش، وهو أيضا يعم كل مكلف من الناس جميعا، وافتتح ذلك بالقول بحمده وتمجيده والسلام على عباده الذين اصطفاهم للنبوة والإيمان، وهذا اللفظ عام لجميعهم من بني آدم، وكأن هذا صدر خطبة للتقرير المذكور، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: العباد المسلم عليهم هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واصطفاهم لنبيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا الاختصاص توبيخ للمعاصرين من الكفار.
وقال الفراء: الأمر بالقول في هذه الآية هو للوط عليه السلام. قال المفسرون: وهذه عجمة من الفراء.
ثم وقف قريشا والعرب -على جهة التوبيخ- على موضع التباين بين الله عز وجل وبين الأوثان والأنصاب. وقرأ جمهور الناس: "تشركون" بالتاء من فوق، وحكى المهدوي عن أبي عمرو، وعاصم: "يشركون" بالياء من تحت.
وفي هذا التفضيل بلفظة "خير" أقوال: أحدها أن التفضيل وقع بحسب معتقد المشركين; إذ كانت يعتقدون أن في آلهتهم خيرا بوجه ما، وقالت فرقة: في الكلام حذف مضاف في الموضعين، التقدير: أتوحيد الله خير أم عبادة ما تشركون؟ فـ "ما" في هذا التأويل بمعنى الذي، وقالت فرقة: "ما" مصدرية، وحذف المضاف إنما هو أولا، وتقديره: أتوحيد الله خير أم شرككم؟ وقيل: "خير" هنا ليست بأفعل، وإنما هي بفعل، كما تقول: "الصلاة خير" دون تفضيل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد تقدم أن هذه الألفاظ التي تعم معاني كثيرة كخير وشر أو حب ونحو ذلك قد يقع التفضيل بها بين أشياء متباينة; لأن المتباينات ربما اشتركت فيها ولو بوجه ضعيف بعيد، وأيضا فهذا تقرير، والمجادل يقرر خصمه لتنبيهه على خطئه وإلزامه بحصر التفضيل في جانب واحد وانتفائه عن الأخر، وقد استوعبنا هذا فيما مضى. وقالت فرقة: تقدير هذه الآية: آلله ذو خير أما تشركون؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا النوع من الحذف بعيد.
وقرأ الحسن، وقتادة، وعاصم: "يشركون" بالياء من تحت، وقرأ أهل المدينة ومكة والكوفة بالتاء من فوق). [المحرر الوجيز: 6/ 548-550]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {أمن خلق} وما بعدها من التوقيفات توبيخ لهم، وتقرير على ما لا مندوحة لهم عن الإقرار به، وقرأ الجمهور: "أمن" بشد الميم، وهي "أم" دخلت على "من"، وقرأ الأعمش: "أمن" بفتح الميم مسهلة، ويحتمل على هذه القراءة- أن تكون الألف للاستفهام و"من" ابتداء، وتقدير الخبر: يكفر بنعمته ويشرك به؟ ونحو هذا من المعنى. و"الحدائق" مجتمع الشجر من العنب والنخيل وغير ذلك، وقال قوم: لا يقال: "حديقة" إلا لما عليه جدار قد أحدق به، وقال قوم: تقول ذلك إذا كان جدار أو لم يكن لأن البياض محدق بالأشجار. و"البهجة": الجمال والنضرة، وقرأ ابن أبي عبلة: "ذوات بهجة". ثم أخبر سبحانه -على جهة التوقيف- أنه ما كان للبشر، أي: ما يتهيأ لهم، ولا يقع تحت قدرتهم أن ينبتوا شجرها; لأن ذلك يكون بإخراج شيء من العدم إلى الوجود. وقد تقدم ترتيب القراءة في الهمزتين من قوله: (أئن) {وأإنك لأنت يوسف}. وقوله: "أإله"، قال أبو حاتم: القراءة باجتماع الهمزتين محدثة لا توجد في كلام العرب ولا قرأ بها قارئ عتيق. و"يعدلون" يجوز أن يراد به: يعدلون عن طريق الحق، أي: يجورون في فعلهم، ويجوز أن يراد به: يعدلون بالله غيره، أي: يجعلون له عديلا ومثيلا). [المحرر الوجيز: 6/ 550]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "خلالها" معناه: بينها وأثناءها، و"الرواسي": الجبال، رسا الشيء يرسو إذا ثبت وتأصل، و"البحران": الماء العذب بجملته، والماء الأجاج بجملته، و"الحاجز": ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها على رقتها في بعض المواضع ولطافتها التي لولا قدرة الله تبارك وتعالى لغلب الملح العذب، وكل ما مضى من القول في تأويل قوله تعالى: {مرج البحرين} فهو مترتب هنا فتأمله. وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/ 550-551]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون}
وقفهم في هذه الآيات على المعاني التي يتبين لكل عاقل أنه لا مدخل لصنم ولا لوثن فيها، فهي عبر ونعم، فالحجة قائمة بها من الوجهين.
وقوله تعالى: {يجيب المضطر} معناه: بشرط أن يشاء على المعتقد في الإجابة، لكن المضطر لا يجيبه متى أجيب إلا الله عز وجل، و"السوء" عام في كل ضر يكشفه الله تعالى عن عباده. وقرأ الحسن: "ويجعلكم" بياء على صيغة المستقبل، ورويت عنه بنون. وكل قرن خلف للذي قبله، وقرأ الجمهور: "تذكرون" بالتاء على المخاطبة، وقرأ أبو عمرو وحده، والحسن، والأعمش بالياء على الغيبة). [المحرر الوجيز: 6/ 551]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الظلمات" عام لظلمة الليل التي هي الحقيقة في اللغة، ولظلم الجهل والضلال والخوف التي هي مجازات وتشبيهات، وهذا كقول الشاعر:
تجلت عمايات الرجال عن الصبا
وكما تقول: أظلم الأمر وأنار، وقد تقدم اختلاف القراء في قوله: "بشرا"، وقرأ الحسن وغيره: "يشركون" بالياء على الغيبة، وقرأ الجمهور: "تشركون" على المخاطب). [المحرر الوجيز: 6/ 551-552]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "بدء الخلق" اختراعه وإيجاده، و"الخلق": هنا المخلوق من جميع الأشياء، لكن المقصود بنو آدم من حيث ذكر الإعادة والبعث من القبور، ويحتمل أن يريد بـ "الخلق" مصدر: خلق يخلق، ويكون "يبدأ" و"يعيد" استعارة للإتقان والإحسان، كما تقول: فلان يبدئ ويعيد في أمر كذا وكذا، أي يتقنه. و"الرزق" من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، هذا مشهور ما يحسه البشر، وكم لله تبارك وتعالى من لطف خفي). [المحرر الوجيز: 6/ 552]

رد مع اقتباس