عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 10:24 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا جاء سليمان قال أتمدّونني بمالٍ فما آتاني اللّه خيرٌ ممّا آتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون (36) ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنودٍ لا قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلّةً وهم صاغرون (37)}.
ذكر غير واحدٍ من المفسّرين، من السّلف وغيرهم: أنّها بعثت إليه بهديّةٍ عظيمةٍ من ذهبٍ وجواهر ولآلئ وغير ذلك. وقال بعضهم: أرسلت بلبنة من ذهبٍ. والصّحيح أنّها أرسلت [إليه] بآنيةٍ من ذهبٍ.
قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وغيرهما: وأرسلت جواري في زي الغلمان، وغلمان في زيّ الجواري، وقالت: إن عرف هؤلاء من هؤلاء فهو نبيٌّ. قالوا: فأمرهم [سليمان] عليه السلام، أن يتوضؤوا، فجعلت الجارية تفرغ على يدها من الماء، وجعل الغلام يغترف، فميّزهم بذلك.
وقيل: بل جعلت الجارية تغسل باطن يدها قبل ظاهرها، والغلام بالعكس.
وقيل: بل جعلت الجواري يغتسلن من أكفّهنّ إلى مرافقهنّ، والغلمان من مرافقهم إلى أكفّهم. ولا منافاة بين ذلك كلّه، واللّه أعلم.
وذكر بعضهم: أنّها أرسلت إليه بقدحٍ ليملأه ماءً رواءً، لا من السّماء ولا من الأرض، فأجرى الخيل حتّى عرقت، ثمّ ملأه من ذلك، وبخرزةٍ وسلكٍ ليجعله فيها، ففعل ذلك. واللّه أعلم أكان ذلك أم لا وأكثره مأخوذٌ من الإسرائيليّات. والظّاهر أنّ سليمان، عليه السّلام، لم ينظر إلى ما جاءوا به بالكلّيّة، ولا اعتنى به، بل أعرض عنه، وقال منكرًا عليهم: {أتمدّونني بمالٍ} أي: أتصانعونني بمالٍ لأترككم على شرككم وملككم؟! {فما آتاني اللّه خيرٌ ممّا آتاكم} أي: الّذي أعطاني اللّه من الملك والمال والجنود خيرٌ ممّا أنتم فيه، {بل أنتم بهديّتكم تفرحون} أي: أنتم الّذين تنقادون للهدايا والتّحف، وأمّا أنا فلا أقبل منكم إلّا الإسلام أو السّيف.
قال الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه: أمر سليمان الشّياطين فموّهوا له ألف قصرٍ من ذهبٍ وفضّةٍ. فلمّا رأت رسلها ذلك قالوا: ما يصنع هذا بهديّتنا. وفي هذا دلالةٌ على جواز تهيّؤ الملوك وإظهارهم الزّينة للرّسل والقصّاد). [تفسير ابن كثير: 6/ 190-191]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ارجع إليهم} أي: بهديّتهم، {فلنأتينّهم بجنودٍ لا قبل لهم بها} أي: لا طاقة لهم بقتالهم، {ولنخرجنّهم منها} أي: من بلدهم، {أذلّةً وهم صاغرون} أي: مهانون مدحورون.
فلمّا رجعت إليها رسلها بهديّتها، وبما قال سليمان، سمعت وأطاعت هي وقومها، وأقبلت تسير إليه في جنودها خاضعةً ذليلةً، معظّمةً لسليمان، ناويةً متابعته في الإسلام. ولـمّا تحقّق سليمان، عليه السّلام، قدومهم عليه ووفودهم إليه، فرح بذلك وسرّه). [تفسير ابن كثير: 6/ 191]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال يا أيّها الملأ أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين (38) قال عفريتٌ من الجنّ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنّي عليه لقويٌّ أمينٌ (39) قال الّذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه مستقرًّا عنده قال هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ ربّي غنيٌّ كريمٌ (40)}.
قال محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قال: فلمّا رجعت إليها الرّسل بما قال سليمان قالت: قد -واللّه- عرفت، ما هذا بملكٍ، وما لنا به من طاقةٍ، وما نصنع بمكاثرته شيئًا. وبعثت إليه: إنّي قادمةٌ عليك بملوك قومي، لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك. ثمّ أمرت بسرير ملكها الّذي كانت تجلس عليه -وكان من ذهبٍ مفصّص بالياقوت والزّبرجد واللّؤلؤ -فجعل في سبعة أبياتٍ، بعضها في بعضٍ، ثمّ أقفلت عليه الأبواب، ثمّ قالت لمن خلفت على سلطانها: احتفظ بما قبلك، وسرير ملكي، فلا يخلص إليه أحدٌ من عباد اللّه، ولا يرينّه أحدٌ حتّى آتيك. ثمّ شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن، تحت يدي كلّ قيل منهم ألوفٌ كثيرةٌ. فجعل سليمان يبعث الجنّ يأتونه بمسيرها ومنتهاها كلّ يومٍ وليلةٍ، حتّى إذا دنت جمع من عنده من الجنّ والإنس، ممّن تحت يديه، فقال: {يا أيّها الملأ أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}.
وقال قتادة: لـمّا بلغ سليمان أنّها جائيةٌ، وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه، وكان من ذهب، وقوائمه لؤلؤٌ وجوهرٌ، وكان مستّرًا بالدّيباج والحرير، وكانت عليه تسعة مغاليق، فكره أن يأخذه بعد إسلامهم. وقد علم نبيّ اللّه أنّهم متى أسلموا تحرم أموالهم مع دمائهم فقال: {يا أيّها الملأ أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}.
وهكذا قال عطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّي، وزهير بن محمّدٍ: {قبل أن يأتوني مسلمين} فتحرم عليّ أموالهم بإسلامهم). [تفسير ابن كثير: 6/ 191-192]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ({قال عفريتٌ من الجنّ} قال مجاهدٌ: أي ماردٌ من الجنّ.
قال شعيب الجبائيّ: وكان اسمه كوزن. وكذا قال محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان. وكذا قال أيضًا وهب بن منبّهٍ.
قال أبو صالحٍ: وكان كأنّه جبلٌ.
{أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} قال ابن عبّاسٍ: يعني: قبل أن تقوم من مجلسك. وقال مجاهدٌ: مقعدك، وقال السّدّيّ، وغيره: كان يجلس للنّاس للقضاء والحكومات وللطّعام من أوّل النّهار إلى أن تزول الشّمس.
{وإنّي عليه لقويٌّ أمينٌ}: قال ابن عبّاسٍ: أي قويٌّ على حمله، أمينٌ على ما فيه من الجوهر.
فقال سليمان، عليه السّلام: أريد أعجل من ذلك. ومن هاهنا يظهر أنّ النّبيّ سليمان أراد بإحضار هذا السّرير إظهار عظمة ما وهبه اللّه له من الملك، وسخّر له من الجنود، الّذي لم يعطه أحدٌ قبله، ولا يكون لأحدٍ من بعده. وليتّخذ ذلك حجّةً على نبوّته عند بلقيس وقومها؛ لأنّ هذا خارقٌ عظيمٌ أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه. هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة. فلمّا قال سليمان: أريد أعجل من ذلك، {قال الّذي عنده علمٌ من الكتاب} قال ابن عبّاسٍ: وهو آصف كاتب سليمان. وكذا روى محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان: أنّه آصف بن برخياء، وكان صدّيقًا يعلم الاسم الأعظم.
وقال قتادة: كان مؤمنًا من الإنس، واسمه آصف. وكذا قال أبو صالحٍ، والضّحّاك، وقتادة: إنّه كان من الإنس -زاد قتادة: من بني إسرائيل.
وقال مجاهدٌ: كان اسمه أسطوم.
وقال قتادة -في روايةٍ عنه -: كان اسمه بليخا.
وقال زهير بن محمّدٍ: هو رجلٌ من الأندلس يقال له: ذو النّور.
وزعم عبد اللّه بن لهيعة: أنّه الخضر. وهو غريبٌ جدًّا.
وقوله: {أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك} أي: ارفع بصرك وانظر مدّ بصرك ممّا تقدر عليه، فإنّك لا يكل بصرك إلا وهو حاضر عندك.
وقال وهب بن منبّهٍ: امدد بصرك، فلا يبلغ مداه حتّى آتيك به.
فذكروا أنّه أمره أن ينظر نحو اليمن الّتي فيها هذا العرش المطلوب، ثمّ قام فتوضّأ، ودعا اللّه عزّ وجلّ.
قال مجاهدٌ: قال: يا ذا الجلال والإكرام. وقال الزّهريّ: قال: يا إلهنا وإله كلّ شيءٍ، إلهًا واحدًا، لا إله إلّا أنت، ائتني بعرشها. قال: فتمثّل له بين يديه.
قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن إسحاق، وزهير بن محمّدٍ، وغيرهم: لمّا دعا اللّه، عزّ وجلّ، وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس -وكان في اليمن، وسليمان عليه السّلام ببيت المقدس- غاب السّرير، وغاص في الأرض، ثمّ نبع من بين يدي سليمان، عليه السّلام.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، لم يشعر سليمان إلّا وعرشها يحمل بين يديه. قال: وكان هذا الّذي جاء به من عبّاد البحر، فلمّا عاين سليمان وملؤه ذلك، ورآه مستقرًّا عنده {قال هذا من فضل ربّي} أي: هذا من نعم اللّه عليّ {ليبلوني} أي: ليختبرني، {أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنّما يشكر لنفسه}، كقوله {من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها} [فصّلت: 46]، وكقوله {ومن عمل صالحًا فلأنفسهم يمهدون} [الرّوم: 44].
وقوله: {ومن كفر فإنّ ربّي غنيٌّ كريمٌ} أي: هو غنيٌّ عن العباد وعبادتهم، {كريمٌ} أي: كريمٌ في نفسه، وإن لم يعبده أحدٌ، فإنّ عظمته ليست مفتقرةً إلى أحدٍ، وهذا كما قال موسى: {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعًا فإنّ اللّه لغنيٌّ حميدٌ} [إبراهيم: 8].
وفي صحيح مسلمٍ: "يقول اللّه تعالى: يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، كانوا على أفجر قلب رجلٍ منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم [ثمّ أوفّيكم إيّاها] فمن وجد خيرًا فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"). [تفسير ابن كثير: 6/ 192-193]

رد مع اقتباس