عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 10:13 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وتفقّد الطّير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (20) لأعذّبنّه عذابًا شديدًا أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطانٍ مبينٍ (21)}
قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وغيرهما، عن ابن عبّاسٍ وغيره: كان الهدهد مهندسًا، يدلّ سليمان، عليه السّلام، على الماء، إذا كان بأرض فلاةٍ طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض، كما يرى الإنسان الشّيء الظّاهر على وجه الأرض، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض، فإذا دلّهم عليه أمر سليمان، عليه السّلام، الجانّ فحفروا له ذلك المكان، حتّى يستنبط الماء من قراره، فنزل سليمان، عليه السّلام [يومًا]، بفلاةٍ من الأرض، فتفقّد الطّير ليرى الهدهد، فلم يره، {فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين}.
حدّث يومًا عبد اللّه بن عبّاسٍ بنحو هذا، وفي القوم رجلٌ من الخوارج، يقال له: "نافع بن الأزرق"، وكان كثير الاعتراض على ابن عبّاسٍ، فقال له: قف يا بن عبّاسٍ، غلبت اليوم! قال: ولم؟ قال: إنّك تخبر عن الهدهد أنّه يرى الماء في تخوم الأرض، وإنّ الصّبيّ ليضع له الحبّة في الفخّ، ويحثو على الفخّ ترابًا، فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخّ، فيصيده الصّبيّ. فقال ابن عبّاسٍ: لولا أن يذهب هذا فيقول: رددت على ابن عبّاسٍ، لما أجبته. فقال له: ويحك! إنّه إذا نزل القدر عمي البصر، وذهب الحذر. فقال له نافعٌ: واللّه لا أجادلك في شيءٍ من القرآن أبدًا.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد اللّه البرزيّ -من أهل "برزة" من غوطة دمشق، وكان من الصّالحين يصوم [يوم] الاثنين والخميس، وكان أعور قد بلغ الثّمانين -فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيدٍ: أنّه سأله عن سبب عوره، فامتنع عليه، فألحّ عليه شهورًا، فأخبره أنّ رجلين من أهل خراسان نزلا عنده جمعةً في قرية برزة، وسألاه عن وادٍ بها، فأريتهما إيّاه، فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورًا كثيرًا، حتّى عجعج الوادي بالدّخان، فأخذا يعزمان والحيّات تقبل من كلّ مكانٍ إليهما، فلا يلتفتان إلى شيءٍ منها، حتّى أقبلت حيّةٌ نحو الذّراع، وعيناها توقدان مثل الدّينار. فاستبشرا بها عظيمًا، وقالا الحمد للّه الّذي لم يخيب سفرنا من سنةٍ، وكسرا المجامر، وأخذا الحيّة فأدخلا في عينها ميلًا فاكتحلا به، فسألتهما أن يكحّلاني، فأبيا، فألححت عليهما وقلت: لا بدّ من ذلك، وتوعّدتهما بالدّولة، فكحّلا عيني الواحدة اليمنى، فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة، أنظر ما تحتها كما تري المرآة، ثمّ قالا لي: سر معنا قليلًا فسرت معهما وهما يحدّثان، حتّى إذا بعدت عن القرية، أخذاني فكتّفاني، وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها، ورمى بها ومضيا. فلم أزل كذلك ملقًى مكتوفًا، حتّى مرّ بي نفرٌ ففكّ وثاقي. فهذا ما كان من خبر عيني.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا صدقة بن عمرٍو الغسّانيّ، حدّثنا عبّاد بن ميسرة المنقريّ، عن الحسن قال: اسم هدهد سليمان عليه السّلام: عنبرٌ.
وقال محمّد بن إسحاق: كان سليمان، عليه السّلام، إذا غدا إلى مجلسه الّذي كان يجلس فيه: تفقّد الطّير، وكان فيما يزعمون يأتيه نوبٌ من كلّ صنفٍ من الطّير، كلّ يومٍ طائرٌ، فنظر فرأى من أصناف الطّير كلّها من حضره إلّا الهدهد، {فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} أخطأه بصري من الطّير، أم غاب فلم يحضر؟). [تفسير ابن كثير: 6/ 184-185]

تفسير قوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لأعذّبنّه عذابًا شديدًا}: قال الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد، عن ابن عبّاسٍ: يعني نتف ريشه.
وقال عبد اللّه بن شدّادٍ: نتف ريشه وتشميسه. وكذا قال غير واحدٍ من السّلف: إنّه نتف ريشه، وتركه ملقًى يأكله الذّرّ والنّمل.
وقوله: {أو لأذبحنّه} يعني: قتله، {أو ليأتينّي بسلطانٍ مبينٍ} أي: بعذرٍ واضحٍ بيّنٍ.
وقال سفيان بن عيينة، وعبد اللّه بن شدّادٍ: لمّا قدم الهدهد قال له الطّير: ما خلّفك، فقد نذر سليمان دمك! فقال: هل استثنى؟ فقالوا: نعم، قال: {لأعذّبنّه عذابًا شديدًا أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطانٍ مبينٍ} فقال: نجوت إذًا.
قال مجاهدٌ: إنّما دفع [اللّه] عنه ببرّه بأمّه). [تفسير ابن كثير: 6/ 185-186]

تفسير قوله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمكث غير بعيدٍ فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقينٍ (22) إنّي وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كلّ شيءٍ ولها عرشٌ عظيمٌ (23) وجدتها وقومها يسجدون للشّمس من دون اللّه وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل فهم لا يهتدون (24) ألّا يسجدوا للّه الّذي يخرج الخبء في السّماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25) اللّه لا إله إلّا هو ربّ العرش العظيم (26) }
يقول تعالى: {فمكث} الهدهد {غير بعيدٍ} أي: غاب زمانًا يسيرًا، ثمّ جاء فقال لسليمان: {أحطت بما لم تحط به} أي: اطّلعت على ما لم تطّلع عليه أنت ولا جنودك، {وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقينٍ} أي: بخبرٍ صدقٍ حقٍّ يقينٍ.
وسبأٌ: هم: حمير، وهم ملوك اليمن.
ثمّ قال: {إنّي وجدت امرأةً تملكهم}، قال الحسن البصريّ: وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأٍ.
وقال قتادة: كانت أمّها جنّيّةً، وكان مؤخّر قدميها مثل حافر الدّابّة، من بيت مملكةٍ.
وقال زهير بن محمّدٍ: وهي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الرّيّان، وأمّها فارعة الجنّيّة.
وقال ابن جريج: بلقيس بنت ذي شرخٍ، وأمّها يلتقة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسينٍ، حدّثنا مسدّد، حدّثنا سفيان -يعني ابن عيينة -عن عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان مع صاحبة سليمان ألف قيل، تحت كلّ قيلٍ مائة ألف [مقاتلٍ].
وقال الأعمش، عن مجاهدٍ: كان تحت يدي ملكة سبأٍ اثنا عشر ألف قيل، تحت كل قيل: مائة ألف مقاتلٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن قتادة في قوله: {إنّي وجدت امرأةً تملكهم}: كانت من بيت مملكةٍ، وكان أولو مشورتها ثلاثمائةٍ واثني عشر رجلًا كلّ رجلٍ منهم على عشرة آلاف رجلٍ. وكانت بأرضٍ يقال لها مأرب، على ثلاثة أميالٍ من صنعاء.
وهذا القول هو أقرب، على أنّه كثيرٌ على مملكة اليمن، واللّه أعلم.
وقوله: {وأوتيت من كلّ شيءٍ} أي: من متاع الدّنيا ما يحتاج إليه الملك المتمكّن، {ولها عرشٌ عظيمٌ} يعني: سريرٌ تجلس عليه عظيمٌ هائلٌ مزخرفٌ بالذّهب، وأنواع الجواهر واللّآلئ.
قال زهير بن محمّدٍ: كان من ذهبٍ صفحتاه، مرمولٌ بالياقوت والزّبرجد. [طوله ثمانون ذراعًا، وعرضه أربعون ذراعًا.
وقال محمّد بن إسحاق: كان من ذهبٍ مفصّصٍ بالياقوت والزّبرجد] واللّؤلؤ، وكان إنّما يخدمها النّساء، لها ستّمائة امرأةٍ تلي الخدمة.
قال علماء التّاريخ: وكان هذا السّرير في قصرٍ عظيمٍ مشيدٍ رفيع البناء محكمٍ، كان فيه ثلاثمائةٍ وستّون طاقةً من شرقه ومثلها من غربه، قد وضع بناؤه على أن تدخل الشّمس كلّ يومٍ من طاقةٍ، وتغرب من مقابلتها، فيسجدون لها صباحًا ومساءً؛ ولهذا قال: {وجدتها وقومها يسجدون للشّمس من دون اللّه وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل} أي: عن طريق الحقّ، {فهم لا يهتدون}). [تفسير ابن كثير: 6/ 186-187]

تفسير قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ألا يسجدوا للّه} [معناه: {وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا للّه}] أي: لا يعرفون سبيل الحقّ الّتي هي إخلاص السّجود للّه وحده دون ما خلق من شيءٍ من الكواكب وغيرها، كما قال تعالى: {ومن آياته اللّيل والنّهار والشّمس والقمر لا تسجدوا للشّمس ولا للقمر واسجدوا للّه الّذي خلقهنّ إن كنتم إيّاه تعبدون} [فصّلت: 37].
وقرأ بعض القرّاء: "ألا يا اسجدوا للّه" جعلها "ألا" الاستفتاحيّة، و"يا" للنّداء، وحذف المنادى، تقديره عنده: "ألا يا قوم، اسجدوا للّه".
وقوله: {الّذي يخرج الخبء في السّموات والأرض}: قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعلم كلّ خبيئةٍ في السّماء والأرض. وكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وقتادة، وغير واحدٍ.
وقال سعيد بن المسيّب: الخبء: الماء. وكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: خبء السّموات والأرض: ما جعل فيها من الأرزاق: المطر من السّماء، والنّبات من الأرض.
وهذا مناسبٌ من كلام الهدهد، الّذي جعل اللّه فيه من الخاصّيّة ما ذكره ابن عبّاسٍ وغيره، من أنّه يرى الماء يجري في تخوم الأرض ودواخلها.
وقوله: {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} أي: يعلم ما يخفيه العباد، وما يعلنونه من الأقوال والأفعال. وهذا كقوله تعالى: {سواءٌ منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار} [الرعد: 10]).[تفسير ابن كثير: 6/ 187]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {اللّه لا إله إلا هو ربّ العرش العظيم} أي: هو المدعوّ اللّه، وهو الّذي لا إله إلّا هو ربّ العرش العظيم، الّذي ليس في المخلوقات أعظم منه.
ولمّا كان الهدهد داعيًا إلى الخير، وعبادة اللّه وحده والسّجود له، نهي عن قتله، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن قتل أربعٍ من الدّوابّ: النّملة والنّحلة والهدهد والصّرد. وإسناده صحيحٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 188]

رد مع اقتباس