عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 10:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيمٍ عليمٍ} أي: {وإنّك} يا محمّد - قال قتادة: {لتلقّى} أي: لتأخذ. {القرآن من لدن حكيمٍ عليمٍ} أي: من عند حكيمٍ عليمٍ، أي: حكيمٌ في أوامره ونواهيه، عليمٌ بالأمور جليلها وحقيرها، فخبره هو الصّدق المحض، وحكمه هو العدل التّامّ، كما قال تعالى: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا [لا مبدّل لكلماته]} [الأنعام: 115] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 178]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون (7) فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين (8) يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم (9) وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبرًا ولم يعقّب يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ (11) وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين (12) فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ (13) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (14) }
يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم مذكّرًا له ما كان من أمر موسى، كيف اصطفاه اللّه وكلّمه، وناجاه وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة، والأدلّة القاهرة، وابتعثه إلى فرعون وملئه، فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتّباعه والانقياد له، فقال تعالى: {إذ قال موسى لأهله} أي: اذكر حين سار موسى بأهله، فأضلّ الطّريق، وذلك في ليلٍ وظلامٍ، فآنس من جانب الطّور نارًا، أي: رأى نارًا تأجّج وتضطرم، فقال {لأهله إنّي آنست نارًا سآتيكم منها بخبرٍ} أي: عن الطّريق، {أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون} أي: تتدفؤون به. وكان كما قال، فإنّه رجع منها بخبرٍ عظيمٍ، واقتبس منها نورًا عظيمًا؛ ولهذا قال تعالى: {فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها} أي: فلمّا أتاها رأى منظرًا هائلًا عظيمًا، حيث انتهى إليها، والنّار تضطرم في شجرةٍ خضراء، لا تزداد النّار إلّا توقّدًا، ولا تزداد الشّجرة إلّا خضرةً ونضرةً، ثمّ رفع رأسه فإذا نورها متّصلٌ بعنان السّماء.
قال ابن عبّاسٍ وغيره: لم تكن نارًا، إنّما كانت نورًا يتوهّج.
وفي روايةٍ عن ابن عبّاسٍ: نور ربّ العالمين. فوقف موسى متعجّبًا ممّا رأى، فنودي أن بورك من في النّار. قال ابن عبّاسٍ: [أي] قدّس.
{ومن حولها} أي: من الملائكة. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وقتادة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود -[و] هو الطّيالسيّ -حدّثنا شعبة والمسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، سمع أبا عبيدة يحدّث، عن أبي موسى، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل اللّيل قبل النّهار، وعمل النّهار قبل اللّيل. زاد المسعوديّ: "وحجابه النّور -أو النّار -لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره". ثمّ قرأ أبو عبيدة: {أن بورك من في النّار ومن حولها}
وأصل هذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيح لمسلمٍ، من حديث عمرو بن مرّة، به.
وقوله: {وسبحان اللّه ربّ العالمين} أي: الّذي يفعل ما يشاء ولا يشبه شيئًا من مخلوقاته، ولا يحيط به شيءٌ من مصنوعاته، وهو العليّ العظيم، المباين لجميع المخلوقات، ولا يكتنفه الأرض والسّموات، بل هو الأحد الصّمد، المنزّه عن مماثلة المحدثات). [تفسير ابن كثير: 6/ 178-180]

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم} أعلمه أنّ الّذي يخاطبه ويناجيه هو ربّه اللّه العزيز، الّذي عزّ كلّ شيءٍ وقهره وغلبه، الحكيم في أفعاله وأقواله). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ أمره أن يلقي عصاه من يده؛ ليظهر له دليلًا واضحًا على أنّه الفاعل المختار، القادر على كلّ شيءٍ. فلمّا ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حيّةً عظيمةً هائلةً في غاية الكبر، وسرعة الحركة مع ذلك؛ ولهذا قال: {فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} والجانّ: ضربٌ من الحيّات، أسرعه حركةً، وأكثره اضطرابًا -وفي الحديث نهيٌ عن قتل جنّان البيوت -فلمّا عاين موسى ذلك {ولّى مدبرًا ولم يعقّب} أي: لم يلتفت من شدّة فرقه {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} أي: لا تخف ممّا ترى، فإنّي أريد أن أصطفيك رسولًا وأجعلك نبيًّا وجيهًا). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ} هذا استثناءٌ منقطعٌ، وفيه بشارةٌ عظيمةٌ للبشر، وذلك أنّ من كان على [عمل] شيءٍ ثمّ أقلع عنه، ورجع وأناب، فإنّ اللّه يتوب عليه، كما قال تعالى: {وإنّي لغفّارٌ لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثمّ اهتدى} [طه: 82]، وقال تعالى: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء: 110] والآيات في هذا كثيرةٌ جدًّا). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ} هذه آيةٌ أخرى، ودليلٌ باهرٌ على قدرة اللّه الفاعل المختار، وصدق من جعل له معجزةً، وذلك أنّ اللّه -تعالى -أمره أن يدخل يده في جيب درعه، فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعةً، كأنّها قطعة قمرٍ، لها لمعانٌ يتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله: {في تسع آياتٍ} أي: هاتان ثنتان من تسع آياتٍ أؤيّدك بهنّ، وأجعلهنّ برهانًا لك إلى فرعون وقومه {إنّهم كانوا قومًا فاسقين}.
وهذه هي الآيات التّسع الّتي قال اللّه تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيّناتٍ} [الإسراء: 101] كما تقدّم تقرير ذلك هنالك). [تفسير ابن كثير: 6/ 180]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً} أي: بينة واضحة ظاهرة، {قالوا هذا سحرٌ مبينٌ} وأرادوا معارضته بسحرهم فغلبوا [هنالك] {وانقلبوا صاغرين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 180-181]

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجحدوا بها} أي: في ظاهر أمرهم، {واستيقنتها أنفسهم} أي: علموا في أنفسهم أنّها حقٌّ من عند اللّه، ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها، {ظلمًا وعلوًّا} أي: ظلمًا من أنفسهم، سجيّة ملعونةً، {وعلوًّا} أي: استكبارًا عن اتّباع الحقّ؛ ولهذا قال: {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي: انظر يا محمّد كيف كان عاقبة كفرهم، في إهلاك اللّه إيّاهم، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحةٍ واحدةٍ.
وفحوى الخطاب يقول: احذروا أيّها المكذّبون بمحمّدٍ، الجاحدون لما جاء به من ربّه، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى؛ فإنّ محمّدًا، صلوات اللّه وسلامه عليه أشرف وأعظم من موسى، وبرهانه أدلّ وأقوى من برهان موسى، بما آتاه اللّه من الدّلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به، وأخذ المواثيق له، عليه من ربّه أفضل الصّلاة والسّلام). [تفسير ابن كثير: 6/ 181]

رد مع اقتباس