عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22 ذو الحجة 1439هـ/2-09-2018م, 08:27 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم}
اختلف الناس في معنى "تفقده الطير"، فقالت فرقة: ذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك والتهمم بكل جزء منه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر الآية أنه تفقد جميع الطير، وقالت فرقة: بل تفقد الطير لأن الشمس دخلت من على الملك من موضع الهدهد حين غاب، فكان ذلك سبب تفقد الطير ليتبين من أين دخلت الشمس، وقال عبد الله بن سلام: إنما طلب الهدهد لأنه احتاج إلى معرفة الماء على كم هو من وجه الأرض؛ لأنه كان نزل في مفازة حرم فيها الماء، ولأن الهدهد كان يرى بطن الأرض وظاهرها، كانت تشف له، وكان يخبر سليمان عليه السلام بموضع الماء، ثم كانت الجن تخرجه في ساعة يسيرة، تسلخ عنه وجه الأرض كما تسلخ الشاة، قاله ابن عباس رضي الله عنهما فيما روي عن أبي سلام وغيره، وقال في كتاب النقاش: كان الهدهد مهندسا، وروي أن نافع بن الأزرق سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول هذا، فقال له: قف يا وقاف، كيف يرى الهدهد بطن الأرض وهو لا يرى الفخ حين يقع فيه؟ فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إذا جاء القضاء عمي البصر، وقال وهب بن منبه: كانت الطير تنتاب سليمان عليه السلام كل يوم من كل نوع واحد نوبة معهودة، ففقد الهدهد.
وقوله تعالى: {ما لي لا أرى} إنما المقصد أن الهدهد غاب، لكنه أخذ اللازم عن غيابه وهو ألا يراه، فاستفهم -على جهة التوقيف- عن اللازم، وهذا ضرب من الإيجاز والاستفهام الذي في قوله: "ما لي" ناب مناب الألف التي تحتاجها "أم"). [المحرر الوجيز: 6/528]

تفسير قوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم توعده
[المحرر الوجيز: 6/528]
عليه السلام بالعذاب، وروي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج أن تعذيبه للطير كان بأن ينتف ريشه أجمع، وقال يزيد بن رومان: جناحه، وروي عن وهب أنه بأن ينتف بعضه ويبقى بضعه. و"السلطان": الحجة حيث وقع في القرآن، قاله عكرمة عن ابن عباس، وقرأ عكرمة وحده: "ليأتينني" بنونين، وفعل سليمان عليه السلام هذا بالهدهد وحده إغلاظا عن العاصين، وعلى إخلاله بنوبه ورتبته). [المحرر الوجيز: 6/529]

تفسير قوله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور القراء: "فمكث" بضم الكاف، وقرأ عاصم وحده: "فمكث" بفتحها، ومعناه -في القراءتين-: أقام، والفتح في الكاف أحسن؛ لأنها لغة القرآن في قوله: "ماكثين"؛ إذ هو من "مكث" بفتح الكاف، ولو كان من "مكث" بضم الكاف لكان جمع "مكيث"، والضمير في "مكث" يحتمل أن يكون لسليمان عليه السلام أو الهدهد، وفي قراءة ابن مسعود: "فتمكث ثم جاء فقال"، وفي قراءة أبي: "فتمكث ثم قال أحطت". وقوله: "غير بعيد" كما في مصاحف الجمهور يريد به الزمن والمدة، وقوله: "أحطت" أي: علمت علما تاما ليس في علمك.
واختلف القراء في "سبأ"، فقرأ الجمهور: "سبأ" بالصرف، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "سبأ" بفتح الهمزة وترك الصرف، وقرأ الأعمش: "من سبإ" بالكسر وترك الصرف، وروى ابن حبيب عن اليزيدي "سبأ" بألف ساكنة، وقرأ قنبل -عن النبال - بسكون الهمزة، فالأولى على أنه اسم رجل، وعليه قول الشاعر:
الواردون وتيم في ذرى سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس
[المحرر الوجيز: 6/529]
وقال الآخر:
من سبأ الحاضرين مآرب ... ... .....
وهذا على أنها قبيلة، والثانية على أنها بلدة، قاله الحسن وقتادة، وكلا القولين قد قيل، ولكن روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث فروة بن مسيك وغيره أنه ولد له عشرة من الولد، تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة، وحكي هذا الحديث على الزجاج فخبط عشواء. والثالثة على البناء. والرابعة والخامسة لتوالي الحركات السبع فسكن تخفيفا للتثقيل في توالي الحركات، وهذه القراءة لا تبنى على الأولى، بل هي إما على الثانية أو الثالثة. وقرأت فرقة دون تنوين على الإضافة، وقرأت فرقة "بنبى" بالألف مقصورة). [المحرر الوجيز: 6/530]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وأوتيت من كل شيء} مبالغة، أي: مما تحتاج المملكة، قال الحسن: من كل أمر الدنيا، ووصف عرشها بالعظم في الهيئة ورتبة السلطان، وروي عن نافع الوقف على [عرش]، فـ "عظيم" -على هذا- متعلق بما بعده، وهذه المرأة هي بلقيس بنت شراحيل فيما قال بعضهم، وقيل: بنت القشرح، وقيل: كانت أمها جنية، وأكثر بعض الناس في قصصها بما رأيت اختصاره لعدم صحته، وإنما اللازم من الآية أنها مختصة بامرأة ملكت على مدائن اليمن، وكانت ذات ملك عظيم، وكانت كافرة من قوم كفار). [المحرر الوجيز: 6/531]

تفسير قوله تعالى: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون}
كانت هذه الأمة أمة تعبد الشمس؛ لأنهم كانوا زنادقة فيما روي، وقيل: كانوا مجوسا يعبدون الأنوار). [المحرر الوجيز: 6/531]

تفسير قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {ألا يسجدوا} إلى قوله: {العرش العظيم} ظاهر أنه من قول الهدهد، وهو قول ابن زيد وابن إسحاق، ويعترض بأنه غير مخاطب فكيف يتكلم في شرع؟! [ويحتمل أن يكون من قول سليمان لما أخبره الهدهد عن القوم]، ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى، فهو اعتراض بين الكلامين، وهو الثابت مع التأمل، وقراءة التشديد في "ألا" تعطي أن الكلام للهدهد، وقراءة التخفيف تمنعه وتقوي الآخر حسب ما سمع، ويتأمل إن شاء الله تعالى.
وقرأ جمهور القراء "ألا"، أي "لا يسجدوا"، فـ "أن" في موضع نصب على البدل من "أعمالهم"، أو في موضع خفض على البدل من "السبيل"، أو يكون الكلام بتقدير: "لئلا يسجدوا"، فـ "أن" متعلقة إما بـ "زين"، وإما بـ "فصدهم"، واللام الداخلة على "أن" داخلة على مفعول له.
[المحرر الوجيز: 6/531]
وقرأ ابن عباس، وأبو جعفر، والزهري، وأبو عبد الرحمن، والحسن، والكسائي، والحسين: "ألا يسجدوا" بتخفيف اللام، فعلى هذا له أن يقف على "فهم لا يهتدون" ويبتدئ بـ "ألا يسجدوا"، وإن شاء وقف على "ألا يا" ثم يبتدئ: "اسجدوا"، واحتج الكسائي لقراءته هذه بأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه موضع سجدة وإن جعلناه من كلام الهدهد، بمعنى: ألا يا قوم ونحو هذا، ومنه قول الشاعر:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
ونحو قول الأخطل:
ألا يا أسلمي يا هند هند بني بدر ... وإن كان حيانا عدا آخر الدهر
ومنه قول الآخر:
ألا يا اسمع أعظك بخطبة ... فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي
[المحرر الوجيز: 6/532]
وتحتمل قراءة من شدد "ألا" أن نجعلها بمعنى التخضيض، ويقدر هذا النداء بعدها، ويجيء في الكلام إضمار كبير ولكنه متوجه، وسقطت الألف كما كتبت في: يا عيسى، ويا قوم. وقرأ الأعمش: "هلا يسجدون"، وفي حرف عبد الله: "ألا هل تسجدون" بالتاء، وفي قراءة أبي: "ألا تسجدوا" بالتاء أيضا.
و "الخبء": الخفي من الأمور، وهو من: "خبأت الشيء"، وخبء السماء: مطرها، وخبء الأرض: كنوزها ونباتها، واللفظة -بعد هذا- تعم كل خفي من الأمور، وبه فسر ابن عباس رضي الله عنهما، وقرأ جمهور الناس: "الخبء" بسكون الباء، وبالهمز، وقرأ أبي بن كعب: "الخب" بفتح الباء وترك الهمز، وقرأ عكرمة: "الخبا" بألف مقصورة، وحكى سيبويه أن بعض العرب [يقلب الهمزة ألفا إذا كانت مفتوحة وقبلها ساكن] ويقلبها واوا إذا كانت مضمومة وقبلها ساكن، ويقلبها ياء إذا كانت مكسورة وقبلها ساكن، ومثل سيبويه في ذلك بالوثي، تقول: رأيت الوثا، وهذا الوثو، وعجبت من الوثي، وكذلك يجيء "الخبا" في حال النصب، وتقول: اطلعت
[المحرر الوجيز: 6/533]
على الخبي، وراقني الخبو. وقرأ جمهور القراء: "ويعلم ما يخفون وما يعلنون" بياء الغائب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه القراءة تعطي أن الآية من كلام الهدهد. وقرأ الكسائي، وعاصم في رواية حفص "ويعلم ما تخفون وما تعلنون" بتاء المخاطبة، وهذه القراءة تعطي أن الآية من خطاب الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مصحف ابن كعب: "ألا تسجدوا لله الذي يخرج الخبا من السماوات والأرض ويعلم سركم وما تعلنون"). [المحرر الوجيز: 6/534]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وخص العرش بالذكر في قوله: {رب العرش العظيم} لأنه أعظم المخلوقات، وما عداه في ضمنه وفي قبضته). [المحرر الوجيز: 6/534]

رد مع اقتباس