عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22 ذو الحجة 1439هـ/2-09-2018م, 08:16 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون}
هذا ابتداء قصص فيه غيوب وعبر، وليس بمثال لقريش، وداود عليه السلام من بني إسرائيل وكان ملكا). [المحرر الوجيز: 6/524]

تفسير قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وورث سليمان عليه السلام ملكه ومنزلته من النبوة، بمعنى: صار ذلك إليه بعد موت أبيه، ويسمى ميراثا تجوزا، وهذا نحو قولهم: "العلماء ورثة الأنبياء"، وحقيقة الميراث في المال، والأنبياء لا تورث أموالهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا معشر الأنبياء لا نورث، يريد به أن ذلك من فعل الأنبياء عليهم السلام وسيرتهم، وإن كان فيهم من ورث ماله كزكريا عليه السلام على أشهر الأقوال فيه، وهذا كما تقول: "إنا معشر المسلمين إنما شغلنا العبادة"، فالمراد أن ذلك فعل الأكثر، ومنه ما حكى سيبويه: "أنا معشر العرب أقرى الناس للضيف".
وقوله تعالى: {علمنا منطق الطير} إخبار بنعمة الله تبارك وتعالى عندهما في أن فهمهما من أصوات الطير المعاني التي في نفوسها، فهذا نحو ما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يسمع أصوات الحجارة بالسلام، وسليمان عليه السلام حكى عن البلبل أنه قال: "أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء"، إلى كثير من هذا النوع، وقال قتادة والشعبي وغيرهما: إنما كان هذا الأمر في الطير خاصة، والنملة طائر إذ قد يوجد لها الأجنحة، قال الشعبي: وكذلك كانت هذه القائلة ذات جناحين، وقالت فرقة: بل كان في جميع الحيوان، وإنما ذكر الطير لأنه كان جندا من جنود سليمان عليه السلام يحجب عنه الشمس، ويحتاجه في البعث في الأمور، فخص لكثرة مداخلته، ولأن أمر سائر
[المحرر الوجيز: 6/524]
الحيوان نادر وغير متردد ترداد أمر الطير. والنمل حيوان فطن قوي شمام جدا، يدخر القرى، ويشق الحب بقطعتين لئلا ينبت، ويشق الكزبرة بأربع قطع لأنها تنبت إذا قسمت نصفين، ويأكل في عامه نصف ما جمع ويستبقي سائره مدة.
وقوله تعالى: {وأوتينا من كل شيء} معناه: يصلح لنا ونتمناه، وليست على العموم. ثم ردد شكر الله تبارك وتعالى). [المحرر الوجيز: 6/525]

تفسير قوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قص تعالى حال سليمان فقال: {وحشر لسليمان} أي: جمع، واختلف الناس في مقدار جند سليمان عليه السلام اختلافا شديدا لم أرد ذكره لعدم صحته، غير أن الصحيح أن ملكه كان عظيما، ملأ الأرض، وانقادت له المعمورة كلها، وكان كرسيه يحمله أجناده من الجن والإنس، وكانت الطير تظله من الشمس، ويبعثها في الأمور، فكان له في الكرسي الأعظم موضع يخصه. و"يوزعون" معناه: يرد أولهم إلى آخرهم ويكفون، قال قتادة: فكان لكل صنف وزعة في رتبهم ومواضعهم من الكرسي ومن الأرض إذا مشوا فيها، -فرب وقت كان يسير فيه في الأرض-، ومنه قول الحسن البصري حين ولي قضاء البصرة: "لا بد للحاكم من وزعة"، ومنه قول أبي قحافة حين وصفت له الجارية في يوم الفتح أنها ترى سوادا أمامه فارس قد تقدم من الصف، فقال لها: ذاك الوازع، ومنه قول الشاعر:
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما أصح والشيب وازع؟
أي: كاف). [المحرر الوجيز: 6/525]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}
ظاهر هذه الآية أن سليمان عليه السلام وجنوده كانوا مشاة في الأرض، ولذلك يتفق حطم النمل [بنزولهم في وادي النمل]، ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح، وأحست النمل بنزولهم في واد النمل [ووادي النمل قيل: بالشام، وقيل بأقصى اليمن، وهو معروف عند العرب مذكور في أشعارها].
وأمال أبو عمرو الواو من "وادي"، والجميع فخم، وبالإمالة قرأ ابن أبي إسحاق. وقرأ المعتمر بن سليمان عن أبيه: "النمل" بضم الميم كالشمس، و[قالت نملة] أيضا بالضم كسمرة، وروي عنه أيضا ضم النون والميم من "النمل". وقال نوف البكالي: كان ذلك النمل على قدر الذباب، وقالت فرقة: بل كانت صغارا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يقال في هذا أن النمل كانت نسبتها من هذا الخلق نسبة هذا النمل منا، فيحتمل أن كان الخلق كله أكمل. وهذه النملة قالت هذا المعنى -الذي لا يصلح له إلا هذه العبارة- قولا فهمه عنها النمل، فسمعه سليمان عليه السلام على بعده، وجاءت المخاطبة كمن يعقل، لأنها أمرتهم بما يؤمر به من يعقل، وروي أنه كان على ثلاثة
[المحرر الوجيز: 6/526]
أميال فتبسم من قولها. والتبسم ضحك الأنبياء في غالب أمرهم، لا يليق بهم سواه.
وكان ضحكه سرورا، واختلف بم؟، فقالت فرقة: بنعمة الله تبارك وتعالى في إسماعه وتفهمه ونحو ذلك، وقالت فرقة: بنبأ النملة عليه وعلى جنوده في أن نفت عنهم تعمد القبيح من الفعل، فجعلت الحطم وهم لا يشعرون.
وقرأ شهر بن حوشب: "مسكنكم" بسكون السين على الإفراد، وفي مصحف أبي رضي الله عنه "مساكنكن". وقرأ جمهور القراء: "لا يحطمنكم" بشد النون وسكون الحاء، وقرأ أبو عمرو وفي رواية عبيدة: "لا يحطمنكم" بسكون النون، وهي قراءة ابن أبي إسحاق، وقرأ الحسن، وأبو رجاء: "لا يحطمنكم" بضم الياء وفتح الحاء وكسر الطاء وشدها وشد النون، وعنه أيضا "لا يحطمنكم" بفتح الياء وكسر الحاء والطاء وشدها، وقرأ الأعمش وطلحة: "لا يحطمكم" مخففة بغير نون، وفي مصحف أبي بن كعب "لا يحطمنكم" مخففة النون التي قبل الكاف). [المحرر الوجيز: 6/527]

تفسير قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يقال في هذا أن النمل كانت نسبتها من هذا الخلق نسبة هذا النمل منا، فيحتمل أن كان الخلق كله أكمل. وهذه النملة قالت هذا المعنى -الذي لا يصلح له إلا هذه العبارة- قولا فهمه عنها النمل، فسمعه سليمان عليه السلام على بعده، وجاءت المخاطبة كمن يعقل، لأنها أمرتهم بما يؤمر به من يعقل، وروي أنه كان على ثلاثة
[المحرر الوجيز: 6/526]
أميال فتبسم من قولها. والتبسم ضحك الأنبياء في غالب أمرهم، لا يليق بهم سواه.
وكان ضحكه سرورا، واختلف بم؟، فقالت فرقة: بنعمة الله تبارك وتعالى في إسماعه وتفهمه ونحو ذلك، وقالت فرقة: بنبأ النملة عليه وعلى جنوده في أن نفت عنهم تعمد القبيح من الفعل، فجعلت الحطم وهم لا يشعرون). [المحرر الوجيز: 6/527] (م)
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "ضاحكا" نصب على الحال، وقرأ محمد بن السميفع: "ضحكا"، وهو نصب على المصدر [بفعل محذوف يدل عليه"تبسم"، كأنه قال: "ضحك ضحكا"، وهذا مذهب صاحب الكتاب، أو يكون منصوبا بنفس "تبسم" لأنه في معنى (ضحك)].
ثم دعا سليمان -عليه السلام- ربه في أن يعينه الله تعالى ويفرغه لشكر نعمته، وهذا هو معنى إيزاع الشكر. وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/527]

رد مع اقتباس