عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14 جمادى الأولى 1434هـ/25-03-2013م, 08:59 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات فانتقمنا من الّذين أجرموا وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين}.
يقول تعالى ذكره مسلّيًا نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يلقى من قومه من الأذى فيه بما لقي من قبله من رسله من قومهم، ومعلّمه سنّته فيهم وفي قومهم، وأنّه سالكٌ به وبقومه سنّته فيهم، وفي أممهم: ولقد أرسلنا يا محمّد من قبلك رسلاً إلى قومهم الكفرة، كما أرسلناك إلى قومك العابدي الأوثان من دون اللّه {فجاءوهم بالبيّنات} يعني: بالواضحات من الحجج على صدقهم، وأنّهم للّه رسلٌ كما جئت أنت قومك بالبيّنات، فكذّبوهم كما كذّبك قومك، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من عند اللّه، كما ردّوا عليك ما جئتهم به من عند ربّك {فانتقمنا من الّذين أجرموا} يقول: فانتقمنا من الّذين أجرموا الآثام، واكتسبوا السّيّئات من قومهم، ونحن فاعلو ذلك كذلك بمجرمي قومك، {وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين} يقول: ونجّينا الّذين آمنوا باللّه وصدّقوا رسله، إذ جاءهم بأسنا، وكذلك نفعل بك وبمن آمن بك من قومك {وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين} على الكافرين، ونحن ناصروك ومن آمن بك على من كفر بك، ومظفروك بهم). [جامع البيان: 18/518-519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين.
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من امرى ء مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة، ثم تلا {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} ). [الدر المنثور: 11/607]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الودق} [الروم: 48] : «المطر»). [صحيح البخاري: 6/114]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الودق المطر وصله الفريابيّ أيضا بالإسناد المذكور). [فتح الباري: 8/511]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
وقال مجاهد {يحبرون} ينعمون {فلا يربو} من أعطى يبتغي أفضل فلا أجر فيها {يمهدون} يسوون المضاجع {الودق} المطر وقال ابن عبّاس {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} في الآلهة وفيه تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا {يصدعون} يتفرقون
أما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 15 الرّوم {فأما الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فهم في روضة يحبرون} قال يتنعمون
وبه في قوله 44 الرّوم {ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} قال يسوون المضاجع
وبه في قوله 43 النّور {فترى الودق} قال المطر). [تغليق التعليق: 4/278-279]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الودق: المطر
أشار به إلى قوله تعالى: {فترى الودق يخرج من خلاله} (الرّوم: 48) وفسّر: (الودق) (بالمطر) وكذا فسره مجاهد فيما روى عنه ابن أبي نجيح). [عمدة القاري: 19/109]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الودق) في قوله: {فترى الودق} [الروم: 48] هو (المطر) قاله مجاهد أيضًا فيما وصله الفريابي). [إرشاد الساري: 7/286]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه الّذي يرسل الرّياح فتثير سحابًا فيبسطه في السّماء كيف يشاء ويجعله كسفًا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون}.
يقول تعالى ذكره: اللّه يرسل الرّياح فتثير سحابًا، يقول: فتنشئ الرّياح سحابًا، وهي جمع سحابةٍ، {فيبسطه في السّماء كيف يشاء} يقول: فينشره اللّه، ويجمعه في السّماء كيف يشاء، وقال: فيبسطه، فوحّد الهاء، وأخرجها مخرج كناية المذكّر، والسّحاب جمعٌ كما وصفت، ردًّا على لفظ السّحاب، لا على معناه، كما يقال: هذا تمٌّ جيّدٌ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {فيبسطه} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فيبسطه في السّماء كيف يشاء} ويجمعه.
وقوله: {ويجعله كسفًا} يقول: ويجعل السّحاب قطعًا متفرّقةً.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ويجعله كسفًا} أي قطعًا.
وقوله {فترى الودق} يعني: المطر {يخرج من خلاله} يعني: من بين السّحاب.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فترى الودق يخرج من خلاله}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن فطرٍ، عن حبيبٍ، عن عبيد بن عميرٍ، {يرسل الرّياح فتثير سحابًا} قال: الرّياح أربعٌ: يبعث اللّه ريحًا فتقمّ الأرض قمًّا، ثمّ يبعث اللّه الرّيح الثّانية فتثير سحابًا، فيجعله في السّماء كسفًا، ثمّ يبعث اللّه الرّيح الثّالثة، فتؤلّف بينه فيحمله ركامًا، ثمّ يبعث الرّيح الرّابعة فتمطر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فترى الودق} قال: القطر.
وقوله: {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} يقول: فإذا صرف ذلك الودق إلى أرض من أراد صرفه إلى أرضه من خلقه رأيتهم يستبشرون بأنّه صرف ذلك إليهم، ويفرحون). [جامع البيان: 18/519-521]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فترى الودق يعني القطر). [تفسير مجاهد: 502]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {اللّه الّذي يرسل الرّياح} [الروم: 48].
- عن ابن عبّاسٍ في قوله: ({اللّه الّذي يرسل الرّياح فتثير سحابًا فيبسطه في السّماء كيف يشاء ويجعله كسفًا} [الروم: 48]) يقول: قطعًا بعضها فوق بعضٍ. فترى الودق يخرج من خلاله من بينه.
رواه أبو يعلى، وفيه محمّد بن السّائب الكلبيّ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/89]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا أحمد الأخنسيّ، ثنا محمّد بن فضيلٍ، ثنا الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- في قوله عزّ وجل: (يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء، ويجعله كسفاً) يقول: قطعًا بعضها فوق بعضٍ (فترى الودق) يعني: المطر، (يخرج من خلاله) من بينه". هذا إسنادٌ ضعيفٌ؟ لضعف محمّد بن السّائب الكلبي). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/252]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون * وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين * فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير * ولئن أرسلنا ريحا فرؤوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون.
أخرج أبو الشيخ في العظمة عن السدي رضي الله عنه قال: يرسل الله الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين - طرف السماء حين يلتقيان - فتخرجه ثم تنشره فيبسطه في السماء كيف يشاء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك). [الدر المنثور: 11/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء من السحاب فتمر به السحاب فتدر كما تدر الناقة وثجاج مثل العزالي غير أنه متفرق). [الدر المنثور: 11/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فيبسطه في السماء} قال: يجمعه ويجعله {كسفا} قال: قطعا). [الدر المنثور: 11/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ويجعله كسفا} قال: قطعا يجعل بعضها فوق بعض {فترى الودق} قال: المطر {يخرج من خلاله} قال: من بينه). [الدر المنثور: 11/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {فترى الودق} قال: القطر). [الدر المنثور: 11/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {ويجعله كسفا} قال: سماء دون سماء وفي قوله {لمبلسين} قال: القنطين). [الدر المنثور: 11/608]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كانوا من قبل أن ينزّل عليهم من قبله لمبلسين}.
يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الّذين أصابهم اللّه بهذا الغيث من عباده من قبل أن ينزّل عليهم هذا الغيث من قبل هذا الغيث {لمبلسين} يقول: لمكتئبين حزنين باحتباسه عنهم.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وإن كانوا من قبل أن ينزّل عليهم من قبله لمبلسين} أي قانطين.
واختلف أهل العربيّة في وجه تكرير {من قبله}، وقد تقدّم قبل ذلك قوله: {من قبل أن ينزّل عليهم} فقال بعض نحويّي البصرة: ردّ {من قبله} على التّوكيد نحو قوله: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون}، وقال غيره: ليس ذلك كذلك، لأنّ مع {من قبل أن ينزّل عليهم} حرفًا ليس مع الثّانية، قال: فكأنّه قال: من قبل التّنزيل من قبل المطر، فقد اختلفتا، وأمّا {كلّهم أجمعون} وأكّد بأجمعين لأنّ كلًّا يكون اسمًا، ويكون توكيدًا، وهو قوله {أجمعون}.
والقول عندي في قوله: {من قبله} على وجه التّوكيد). [جامع البيان: 18/521-522]

تفسير قوله تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فانظر إلى آثار رحمة اللّه كيف يحيي الأرض بعد موتها إنّ ذلك لمحيي الموتى وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
اختلفت القرّاء في قوله: {فانظر إلى آثار رحمة اللّه} فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: (إلى أثر رحمة اللّه)، على التّوحيد، بمعنى: فانظر يا محمّد إلى أثر الغيث الّذي أصاب اللّه به من أصاب من عباده، كيف يحيي ذلك الغيث الأرض من بعد موتها. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: {فانظر إلى آثار رحمة اللّه}، على الجماع، بمعنى: فانظر إلى آثار الغيث الّذي أصاب اللّه به من أصاب كيف يحيي الأرض بعد موتها.
والصّواب من القول في ذلك، أنّهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى؛ وذلك أنّ اللّه إذا أحيا الأرض بغيثٍ أنزله عليها، فإنّ الغيث أحياها بإحياء اللّه إيّاها به، وإذا أحياها الغيث، فإنّ اللّه هو المحيي به، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيبٌ.
فتأويل الكلام إذن: فانظر يا محمّد إلى آثار الغيث الّذي ينزّل اللّه من السّحاب، كيف يحيي بها الأرض الميتة، فينبتها ويعشبها من بعد موتها، ودثورها.
{إنّ ذلك لمحيي الموتى} يقول جلّ ذكره: إنّ الّذي يحيي هذه الأرض بعد موتها بهذا الغيث، لمحيي الموتى من بعد موتهم، وهو على كلّ شيءٍ مع قدرته على إحياء الموتى قديرٌ، لا يعزّ عليه شيءٌ أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيءٍ شاءه سبحانه). [جامع البيان: 18/522-523]

تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولئن أرسلنا ريحًا فرأوه مصفرًّا لظلّوا من بعده يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: ولئن أرسلنا ريحًا مفسدةً ما أنبته الغيث الّذي أنزلناه من السّماء، فرأى هؤلاء الّذين أصابهم اللّه بذلك الغيث الّذي حييت به أرضوهم، وأعشبت ونبتت به زروعهم، ما أنبتته أرضوهم بذلك الغيث من الزّرع مصفرًّا، قد فسد بتلك الرّيح الّتي أرسلناها، فصار من بعد خضرته مصفرًّا، لظلّوا من بعد استبشارهم وفرحتهم به يكفرون بربّهم). [جامع البيان: 18/523]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين (52) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مّسلمون}.
يقول تعالى ذكره: {فإنّك} يا محمّد {لا تسمع الموتى} يقول: لا تجعل لهم أسماعًا يفهمون بها عنك ما تقول لهم، وإنّما هذا مثلٌ معناه: فإنّك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الّذين قد ختم اللّه على أسماعهم، فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الّذين قد سلبهم اللّه أسماعهم، بأن تجعل لهم أسماعًا.
وقوله: {ولا تسمع الصّمّ الدّعاء} يقول: وكما لا تقدر أن تسمع الصّمّ الّذين قد سلبوا السّمع الدّعاء، إذا هم ولّوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفّق هؤلاء الّذين قد سلبهم اللّه فهم آيات كتابه، لسماع ذلك وفهمه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإنّك لا تسمع الموتى} هذا مثلٌ ضربه اللّه للكافر؛ فكما لا يسمع الميّت الدّعاء، كذلك لا يسمع الكافر. {ولا تسمع الصّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين} يقول: لو أنّ أصمّ ولّى مدبرًا، ثمّ ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع). [جامع البيان: 18/523-524]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.
أخرج مسلم، وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر أياما حتى جيفوا ثم أتاهم فقام يناديهم فقال: يا أمية بن خلف يا أبا جهل بن هشام يا عتبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فسمع عمر رضي الله عنه صوته فجاء فقال: يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون يقول الله {إنك لا تسمع الموتى} فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا). [الدر المنثور: 11/609]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم قال: انهم الآن يسمعون ما أقول، فذكر لعائشة رضي الله عنها فقالت: انما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: انهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت {إنك لا تسمع الموتى} حتى قرأت الآية). [الدر المنثور: 11/609]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة رضي الله عنهما ان نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه قالوا: ما ترى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها: فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: انهم لأسمع لما أقول منكم قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما). [الدر المنثور: 11/609-610]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم لاهل بدر {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} ). [الدر المنثور: 11/610]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمّد بمسدّدٍ من أعماه اللّه عن الاستقامة، ومحجّة الحقّ، فلم يوفّقه لإصابة الرّشد، فصارفه عن ضلالته الّتي هو عليها، وركوبه الجائر من الطّرق، إلى سبيل الرّشاد، يقول: ليس ذلك بيدك ولا إليك، ولا يقدر على ذلك أحدٌ غيري، لأنّي القادر على كلّ شيءٍ. وقيل: {بهاد العمي عن ضلالتهم}، ولم يقل: من ضلالتهم. لأنّ معنى الكلام ما وصفت، من أنّه: وما أنت بصارفهم عنه، فحمل على المعنى. ولو قيل: من ضلالتهم كان صوابًا. وكان معناه: ما أنت بمانعهم من ضلالتهم.
وقوله: {إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا} يقول تعالى ذكره لنبيّه: ما تسمع السّماع الّذي ينتفع به سامعه فيعقله، إلاّ من يؤمن بآياتنا، لأنّ الّذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب اللّه تدبّره وفهمه وعقله، وعمل بما فيه، وانتهى إلى حدود اللّه، الّذي حدّ فيه، فهو الّذي يسمع السّماع النّافع.
وقوله: {فهم مسلمون} يقول: فهم خاضعون للّه بطاعته، متذلّلون لمواعظ كتابه). [جامع البيان: 18/524-525]


رد مع اقتباس