عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:01 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعلنا لكم فيها معايش...}
لا تهمز؛ لأنها -يعني الواحدة- مفعلة، الياء من الفعل، فلذلك لم تهمز، إنما يهمز من هذا ما كانت الياء فيه زائدة؛ مثل مدينة ومدائن، وقبيلة وقبائل لما كانت الياء لا يعرف لها أصل ثم قارفتها ألف مجهولة أيضا همزت، ومثل معايش من الواو مما لا يهمز لو جمعت، معونة قلت: (معاون) أو منارة قلت مناور. وذلك أن الواو ترجع إلى أصلها؛ لسكون الألف قبلها.
وربما همزت العرب هذا وشبهه، يتوهمون أنها فعلية لشبهها بوزنها في اللفظ وعدّة الحروف؛ كما جمعوا مسيل الماء أمسلة، شبّه بفعيل وهو مفعل. وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصيبة؛ شبهت بفعيلة لكثرتها في الكلام). [معاني القرآن: 1/ 374-375]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً مّا تشكرون}
وقال: {وجعلنا لكم فيها معايش} فالياء غير مهموزة وقد همز بعض القراء وهو رديء لأنها ليست بزائدة. وإنّما يهمز ما كان على مثال "مفاعل" إذا جاءت الياء زائدة في الواحد والألف والواو التي تكون الهمزة مكانها نحو "مدائن" لأنها "فعايل".
ومن جعل "المدائن" من "دان" "يدين" لم يهمز لأن الياء حينئذ من الأصل. وأما "قطائع" و"رسائل" و"عجائز" و"كبائر" فان هذا كله مهموز لأن واو "عجوز" زائدة، ألا ترى أنك تقول: "عجز" وألف "رسالة" زائدة إذ تقول "أرسلت" فتذهب الألف منها. وتقول في "كبيرة" "كبرت" فتذهب الياء منها. وأما "مصايب" فكان أصلها "مصاوب" لأن الياء إذا كانت أصلها الواو فجاءت في موضع لا بد من أن تحرك فيه قلبت الواو في ذلك الموضع إذا كان الأصل من الواو فلما قلبت صارت كأنها قد أفسدت حتى صارت كأنها الياء الزائدة فلذلك همزت ولم يكن القياس أن تهمز. وناس من العرب يقولون "المصاوب" وهي قياس). [معاني القرآن: 2/ 1-2]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون}
معنى التمكين في الأرض: التمليك والقدرة.
ومعنى "المعايش": يحتمل أن يكون ما يعيشون به، ويمكن أن يكون الوصلة إلى ما يعيشون به.
وأكثر القراء على ترك الهمز في معايش، وقد رووها عن نافع مهموزة.
وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ، وذكروا أن الهمز إنما يكون في هذه الياء إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف، فأما معايش فمن العيش، الياء أصلية وصحيفة من الصحف لأن الياء زائدة، وإنما همزت لأنه لا حظّ لها في الحركة، وقد قربت من آخر الكلمة ولزمتها الحركة فأوجبوا فيها الهمز، وإذا جمعت مقاما قلت مقاوم.
وأنشد النحويون:
وإني لقوام مقاوم لم يكن ....... جرير ولا مولى جرير يقومها
وقد أجمع النحويون على أن حكوا مصائب في جمع مصيبة، بالهمز.
وأجمعوا أن الاختيار مصاوب.
وهذه عندهم من الشاذ، أعني "مصايب".
وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا في وسادة: إسادة، إلا أن هذا البدل في المكسورة يقع أولا كما يقع في المضمومة، نحو {أقّتت} وإنما هو من الوقت والمضمومة تبدل في غير أول نحو "ادؤر"، يقولون "ادؤ" فحملوا المكسورة على ذلك.
ولا أعلم أحدا فسّر ذلك غيري، وهو أحسن من أن يجعل الشيء خطأ إذ نطقت به العرب وكان له وجه من القياس، إلا أنه من جنس البدل الذي إنما يتبع فيه السماع، ولا يجعل قياسا مستمرا.
فأما ما رواه نافع من معائش بالهمز فلا أعرف له وجها، إلا أن لفظ هذه الياء التي من نفس الكلمة أسكن في معيشة فصار على لفظ صحيفة، فحمل الجمع على ذلك، ولا أحب القراءة بالهمز إذ كان أكثر النّاس إنّما يقرأون بترك الهمز، ولو كان مما يهمز لجاز تحقيقه وترك همزه، فكيف وهو مما لا أصل له في الهمز؛ وهو كتاب اللّه عزّ وجلّ الذي ينبغي أن يقال فيه إلى ما عليه الأكثر لأن القراءة سنة فالأولى فيها الاتباع، والأولى اتباع الأكثر.
وزعم الأخفش أن مصائب إنما وقعت الهمزة فيها بدلا من الواو أعلّت في مصيبة، - وهذا رديء. لا يلزم أن أقول في مقام مقائم ولفي معونة معائن). [معاني القرآن: 2/ 320-321]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي عمرو {معايش} بغير همز؛ وهو القياس والأحسن؛ لأن الواحد معيشة، وأصل الياء الحركة؛ كأنها معيشة، فلما جمعوها ردوها إلى الحركة التي هي الأصل.
الأعرج وأهل المدينة "معائش" بالهمز؛ وهي لغة بعض العرب يقولون مصائف ومقاتل؛ يريدون مقاول، كما قالوا مصايب، وإنما هي من صاب يصوب، وإنما الهمز للزائد الساكن؛ وقالوا: قدوم وقدائم، وعجوز وعجائز، وبطانة وبطائن، ورسالة ورسائل، ودجاجة ودجائج؛ لأن هذا ساكن كله في الواحد زائد، فلما جمعوه حركوه فأبدلوا منه الهمزة لما خالفت الأصل التي هي عليه في الواحد من السكون). [معاني القرآن لقطرب: 560]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولقد مكناكم في الأرض} أي ملكناكم
{وجعلنا لكم فيها معايش} أي ما تعيشون به، ويجوز أن يكون المعنى ما تتوصلون به إلى المعيشة). [معاني القرآن: 3/ 11]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن مّن السّاجدين}
وقال: {ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة}
لأنّ "ثمّ" في معنى الواو ويجوز أن يكون معناه {لآدم} كما تقول للقوم: "قد ضربناكم" وإنما ضربت سيدهم). [معاني القرآن: 2/ 2]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الرِّجْزُ: العذاب.
قال الله تعالى- حكاية عن قوم فرعون: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي العذاب.
ثم قد يسمّى كيد الشيطان: رجزا، لأنّه سبب العذاب. قال الله تعالى: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}). [تأويل مشكل القرآن: 471](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ}
أراد: خلقنا آدم وصوّرناه، فجعل الخلق لهم، إذ كانوا منه). [تأويل مشكل القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس لم يكن من السّاجدين}
زعم الأخفش أن (ثم) ههنا في معنى الواو، وهذا خطأ لا يجيزه الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعربيته، إنما ثم للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير، وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداء خلق آدم أولا، فإنما المعنى إنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه، فابتداء خلق آدم التراب، الدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ {إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب} فبدأ اللّه خلق آدم ترابا، وبدأ خلق حواء من ضلع من أضلاعه، ثم وقعت الصورة بعد ذلك، فهذا معنى {خلقناكم ثم صورناكم} أي هذا أصل خلقكم. ثم خلق الله نطفا ثم صوّروا. فـ"ثمّ" إنما هي لما بعد.
وقوله جلّ وعزّ: {ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} أي بعد الفراغ من خلق آدم أمرت الملائكة بالسجود.
وقوله: {إلّا إبليس لم يكن من السّاجدين}
استثناء ليس من الأول، ولكنه ممن أمر بالسجود، الدليل على ذلك قوله: {ما منعك ألّا تسجد إذ أمرتك}؛ فدل بقوله: {إذ أمرتك} أنّ إبليس أمر بالسجود مع الملائكة، ومعنى (ما منعك ألّا تسجد) إلغاء " لا " وهي مؤكدة، المعنى: ما منعك أن تسجد فمسألته عن هذا واللّه قد علم ما منعه، توبيخ له وليظهر أنه معاند، وأنه ركب المعصية خلافا للّه، وكل من خالف اللّه في أمره فلم يره واجبا عليه كافر بإجماع، لو ترك تارك صلاة قال إنها لا تجب كان كافرا بإجماع الأمة.
فأعلم اللّه جل ثناؤه أن معصية إبليس معصية معاندة وكفر، وقد أعلم الله أنه من الكافرين فقال: {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}
فالفصل بين معصية إبليس ومعصية آدم وحوّاء أنّ إبليس عاند وأقام ولم يتب، وأن آدم وحواء اعترفا بالذنب وقالا: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}.
ومثل "ألّا" في قوله: {ألّا تسجد}، قوله: {لئلّا يعلم أهل الكتاب} أي: لأن يعلم أهل الكتاب، وقول الشاعر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به ....... نعم من فتى لا يمنع الجوع قاتله
قالوا معناه أبى جوده البخل.
وقال أبو عمرو بن العلاء: الرواية أبى جوده البخل.
واستعجلت به "نعم"، والذي قاله أبو عمرو حسن، المعنى أبى جوده "لا" التي تبخل الإنسان، كأنّه إذا قيل: لا تسرف ولا تبذر مالك أبى جوده "لا" هذه، واستعجلت به "نعم"، فقال: نعم أفعل ولا أترك الجود.
وهذان القولان في البيت هما قولا العلماء، وأرى فيه وجها آخر وهو عندي حسن؛ أرى أن تكون "لا" غير لغو، وأن يكون البخل منصوبا بدلا من "لا"، المعنى: أبى جوده البخل واستعجلت به "نعم".
وموضع "ما" في قوله: {ما منعك ألّا تسجد} رفع، المعنى أي شيء منعك في السجود، فلم يقل منعني كذا وكذا فأتى بالشيء في معنى الجواب.
ولفظه غير جواب، لأن قوله: {أنا خير منه} في معنى منعني من السجود فضلى عليه. ومثل هذا في الجواب أن يقول الرجل كيف كنت، فيقول: أنا صالح، وإنما الجواب كنت صالحا، ولكن المعنى إنّه قد أجابه بما احتاج إليه وزاده أنه في حال مسألته إياه صالح فقال اللّه عز وجلّ:
{قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصّاغرين} ). [معاني القرآن: 2/ 321-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}
في هذه الآية أقوال:
- قال الأخفش -وهو أحد قول قطرب-: "ثم" ههنا بمعنى الواو.
وهذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين ولا يجوز أن تكون ثم بمعنى الواو لاختلاف معنييهما.
- وقيل: "ثم" للإخبار.
- وقيل: {ولقد خلقناكم} يعني في ظهر آدم ثم صورناكم أي في الأرحام هذا صحيح، عن ابن عباس: {ولقد خلقناكم} يعني ابن آدم وقد علم جل وعز أنه يخلق ذريته فهو بمنزلة ما خلق.
- وقال مجاهد: رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح معنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في ظهر آدم.
قال أبو جعفر وهذا أحسن الأقوال يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق ثم كان السجود لآدم بعد
ويقوي هذا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم
والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق.
قال الزجاج: المعنى خلقنا آدم من تراب ثم صورناه. قال: ويدل عليه خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، فالتقدير خلقنا أصلكم.
وقيل المعنى: خلقناكم نطفا ثم صورناكم.
ثم قال جل وعز: {فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين}
قيل: استثنى إبليس من الملائكة وليس منهم لأنه أمر بالسجود معهم قال جل وعز: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك}
وقيل إنه كان منهم.
قال أبو جعفر: وقد استقصينا هذا في سورة البقرة). [معاني القرآن: 3/ 12-14]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قال ما منعك ألاّ تسجد...}
المعنى -والله أعلم- ما منعك أن تسجد. و(أن) في هذا الموضع تصحبها لا، وتكون (لا) صلة. كذلك تفعل بما كان في أوّله جحد. وربما أعادوا على خبره جحدا للاستيثاق من الجحد والتوكيد له؛ كما قالوا:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر .......سود الرءوس فوالج وفيول
و(ما) جحد و(إن) جحد فجمعتا للتوكيد. ومثله: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}. ومثله: {وحرام على قريةٍ أهلكناها أنهم لا يرجعون}. ومثله: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون} إلا أن معنى الجحد الساقط في لئلا من أوّلها لا من آخرها؛ المعنى: ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون. وقوله: {ما منعك} (ما) في موضع رفع. ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كان رفعا، وقلت: منعني منك أنك بخيل. وهو مما ذكر جوابه على غير بناء أوله، فقال: {أنا خيرٌ مّنه} ولم يقل: منعني من السجود أني خير منه؛ كما تقول في الكلام: كيف بتّ البارحة؟ فيقول: صالح، فيرفع؛ أو تقول: أنا بخير، فتستدلّ به على معنى الجواب، ولو صحح الجواب لقال صالحا، أي بتّ صالحا). [معاني القرآن: 1/ 375]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ما منعك ألاّ تسجد} مجازه: ما منعك أن تسجد، والعرب تضع لا في موضع الإيجاب وهي من حروف الزوائد، قال أبو النجم:
فما ألوم البيض ألاّ تسخرا ....... ممّا رأين الشمط القفندرا
أي ما ألوم البيض أن يسخرن، القفندر: القبيح السّمج، وقال الأحوص:
ويلحينني في اللّهو ألاّ أحبّه ....... وللّهو داعٍ دائبٌ غير غافل
أراد: في اللهو أن أحبه، قال العجاج:
في بئر لا حورٍ سرى وما شعر
الحور: الهلكة، وقوله لا حور: أي في بئر حور، ولا في هذا الموضع فضل (اخرج منها مذءوماً) وهي من ذأمت الرجل، وهي أشد مبالغة من ذممت ومن ذمت الرجل تذيم، وقالوا في المثل: لا تعدم الحسناء ذاماً، أي ذماً، وهي لغات). [مجاز القرآن: 1/ 211]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أنا خيرٌ مّنه خلقتني من نّارٍ وخلقته من طينٍ}
وقال: {ما منعك ألاّ تسجد} ومعناه: ما منعك أن تسجد، و{لا} ههنا زائدة. وقال الشاعر: أبى جوده
"لا" البخل واستعجلت به ....... "نعم" من فتىً لا يمنع الجوع قاتله
وفسرته العرب: أبى جوده البخل "وجعلوا {لا} زائدة حشوا ههنا وصلوا بها الكلام. وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجرّ "البخل" ولا يجعل "لا" مضافة إليه أراد: أبى جوده {لا} التي هي للبخل لأن {لا} قد تكون للجود والبخل. لأنه لو قال له: "امنع الحقّ" أو "لا تعط المساكين" فقال "لا" كان هذا جودا منه). [معاني القرآن: 2/ 2-3]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قوله عز وجل {ما منعك ألا تسجد} فالمعنى: ما منعك أن تسجد؛ لأنه لم يسجد.
وكذلك قوله عز وجل {ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن} المعنى: أن تتبعني.
وكذلك قوله عز وجل {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون} المعنى: لأن يعلم أهل الكتاب.
ولا نعلم في القرآن غير هذه الآيات، إلا أن يكون شذ علينا منه شيء؛ جعلت "لا" بمنزلة "ما" توكيدًا للكلام، وذلك في "ما" أكثر منه فيها، يعني "لا".
وأما "ما" فمثل قوله {قليلا ما تشكرون} و{عما قليل ليصبحن}؛ أي عن قليل؛ وهو كثير في القرآن، ومثله {فبما نقضهم}؛ أي فبنقضهم، و{مما خطيئاتهم}؛ أي من خطيئاتهم.
ومثل ذلك في "لا" قول زهير:
مورث المجد لا يغتال همته = عن الرياسة لا عجز ولا سأم
يريد: عن الرياسة عجز، وجعل "لا" جعلها تأكيدًا.
وقال الآخر - وهو جرير -:
[معاني القرآن لقطرب: 604]
بيوم جدود لا فضحتم أباكم = وسالمتم والخيل تدما نحورها
يريد: فضحتم و"لا" لا معنى لها؛ لأنه هاجي.
وقال أبو النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا = من غزل الشيخ وألا تذعرا
يريد: أن تسخر، وأن تذعر، والغى "لا"، وهو المعنى.
وقال الآخر:
أفعنك لا برق كأن وميضه = غاب يسنمه ضرام مثقب
قال أبو علي: وأحسب البيت لساعدة بن جؤية؛ يريدك "أفعنك برق" وألغى "لا".
وقال الأسود:
من غير لا مرض ولكني امرؤ = ألقى البوائق والخطوب بوادي
يريد "من غير مرض" وألغى "لا".
ومثله قول الراجز:
مخزم وغير لا مخزم
[معاني القرآن لقطرب: 605]
يريد: وغير مخزم.
ومثله:
وقد حداهن بلا غير خرق = وريشا حداه فوق آطار الفوق). [معاني القرآن لقطرب: 606]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ما منعك ألّا تسجد إذ أمرتك} أي أن تسجد. و«لا» زائدة للعلة التي ذكرناها في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد تزاد {لا} في الكلام والمعنى: طرحها لإباء في الكلام أو جحد.
كقول الله عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أي ما منعك أن تسجد؛ فزاد في الكلام {لا} لأنه لم يسجد). [تأويل مشكل القرآن: 243-244]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك}
هذا سؤال توبيخ وتقرير لأنه قد علم جل وعز ذلك.
و"لا" زائدة للتوكيد كما قال:
فما ألوم البيض أن لا تسخرا ....... لما رأينا الشمط القفندرا
فجاء بجواب لغير ما سئل عنه فقال أنا خير منه ولم يقل منعني كذا وإنما هو جواب من قيل له أيكما خير ولكنه محمول على المعنى كأنه قال منعني فضلي عليه). [معاني القرآن: 3/ 14-15]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} أي: أن تسجد، و(لا) صلة للتأكيد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)}

قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قال أبو علي: ندع ما مضى منه في صدر الكتاب.
أما قوله {من الصاغرين} فقالوا: صغر صغرا وصغرانا وصغارا؛ وقالوا: ولا صغرى لك، وقال بعضهم: صغر على فعل صغارًا وصغارة). [معاني القرآن لقطرب: 585]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصّاغرين (13)}
لأنه قد استكبر بهذا الجواب فأعلمه اللّه أنه صاغر بهذا الفعل). [معاني القرآن: 2/ 324]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14)}
أي أخرني إلى يوم البعث، فلم يجب إلى الإنظار إلى يوم البعث بعينه، وأعلم أنه منظور إلى يوم الوقت المعلوم). [معاني القرآن: 2/ 324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال أنظرني إلى يوم يبعثون}
أي أخرني فلم يجب إلى هذا بعينه فأجيب إلى النظرة إلى يوم الوقت المعلوم). [معاني القرآن: 3/ 15]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)}


تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم...}
المعنى - والله أعلم -: لأقعدن لهم على طريقهم أو في طريقهم. وإلقاء الصفة من هذا جائز؛ كما قال: قعدت لك وجه الطريق، وعلى وجه الطريق؛ لأن الطريق صفة في المعنى، فاحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام إذا قيل: آتيك غدا أو آتيك في غد). [معاني القرآن: 1/ 376]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم}
وقال: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم} أي: على صراطك. وكما تقول: "توجّه مكّة" أي: إلى مكة. وقال الشاعر:
كأنّي إذ أسعى لأظفر طائراً ....... مع النّجم في جوّ السّماء يصوب
يريد: لأظفر بطائرٍ. فألقى الباء ومثله {أعجلتم أمر ربّكم} يريد: عن أمر ربكم). [معاني القرآن: 2/ 3]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم} فيجوز أن يكون "بما أغويتني" قسمًا منه؛ كأنه قال: "بإغوائك إياي لأقعدن لهم"، كما تقول بالله لأفعلن؛ ويجوز أن يكون: "بهذا لأفعلن"؛ أي لهذا لأفعلن؛ كما تقول بهذا عوفيت وبه ابتليت، أي له عوفيت؛ وقد فسرنا دخول الحرف في معناه في سورة آل عمران.
وأما {صراطك} فالمعنى: في صراطك وعلى صراطك؛ فتركت "في" من هذا الكلام، وإنما يكثر تركها في المكان العام، مثل: "زيد خلفك ودونك وفوقك".
فأما الصراط فمثل الطريق؛ لأنه مخصوص بمكان بعينه، ليس كل مكان صراطًا، ولا كل موضع طريقًا؛ فهذا كالجبل والوادي؛ ولو قلت: قعدت لك الجبل أو الوادي، لم يسهل؛ لأنه اسم مخصوص لموضع بعينه؛ فقرب من الأسماء: من زيد وعمرو، وتباعد من الظرف؛ فإذا قلت: زيد فوقك أو تحتك جاز؛ لأن كل مكان فوق لما تحته، وتحت لما فوقه؛ فصار عامًا في الأمكنة كلها، فحسن.
وقد جاء مثل {لأقعدن لهم صراطك} في الكلام والشعر.
قال الهذلي:
لدن بهز الكف يعسل متنه = فيه كما عسل الطريق الثعلب
يريد: في الطريق، فحذف.
وقال الآخر:
فقصرن الشتاء بعد عليه = وهو للذود أن يقسمن جار
[معاني القرآن لقطرب: 606]
يعني: الفرس.
وقال الآخر:
ولأبغينكم قنا وعوارضا = ولأقبلن الخيل لابة ضرغد
أي بقباء، مثل: لأطلبنك بغداد؛ أي ببغداد، وفيها؛ ويقولون: ذهب به إبله وأرضه؛ يريدون: إلى إبله.
وقالوا أيضًا: هذا طريق أمره كل يوم؛ أي في كل يوم، وهذا عام لم ألقه أحدًا، ويأتي علي يومان لا أذوقهما طعامًا؛ وأراه كل يوم طلعته الشمس؛ وأدخلته السوق فقام درهمين أي على درهمين؛ فحذف هذا كما حذف "على صراطك" ). [معاني القرآن لقطرب: 607]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم} أي دينك. يقول: لأصدّنهم عنه). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم (16)}
في قوله: (أغويتني) قولان. قال بعضهم: فبما أضللتني
وقال بعضهم: فبما دعوتني إلى شيء غويت به، أي غويت من أجل آدم.
(لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم).
ولا اختلاف بين النحويين في أن " على " محذوفة، ومن ذلك قولك: ضرب زيد الظهر والبطن). [معاني القرآن: 2/ 324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم})[معاني القرآن: 3/ 15]
قيل معناه فبما أضللتني
وقيل معناه خيبتن
وقيل أي فبما دعوتني إلى شيء ضللت من أجله والله أعلم بالمراد
قال مجاهد معنى {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} لأقعدن لهم على الحق
والصراط في اللغة الطريق والمعنى على صراطك ثم حذف على فتعدى الفعل). [معاني القرآن: 3/ 16]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم} مفسر في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 165]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17)}
معناه - واللّه أعلم - ثم لآتينهم في الضلال من جميع جهاتهم.
وقيل من بين أيديهم أي لأضلنّهم في جميع ما يتوقع.
وقيل أيضا: لأخوّفنهم الفقر.
والحقيقة - واللّه أعلم - أي أنصرف لهم في الإضلال في جميع جهاتهم). [معاني القرآن: 2/ 324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}
روى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة قال:
{من بين أيديهم} من دنياهم ومن خلفهم من آخرتهم وعن أيمانهم يعني حسناتهم وعن شمائلهم يعني سيئاتهم
وهذا قول حسن وشرطه أن معنى ولآتينهم من بين أيديهم من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة
{ومن خلفهم} من آخرتهم حتى يكذبوا بها
{وعن أيمانهم} من حسناتهم وأمور دينهم
ويدل على هذا قوله تعالى: {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين}
{وعن شمائلهم} يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم
وقيل: {ثم لأتينهم من بين أيديهم من آخرتهم}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}
أما قوله تعالى: {من بين أيديهم} فيقول أشككهم في
آخرتهم ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي ولا تجد أكثرهم شاكرين يقول موحدين
وبهذا الإسناد من بين أيديهم يعني من الدنيا ومن خلفهم من الآخرة وعن أيمانهم قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم
قال أبو جعفر وذلك القول لا يمتنع لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال هي خلفنا
وقيل معنى ومن خلفهم يخوفهم على تركاتهم ومن يخلفون بعدهم
وقيل معنى وعن أيمانهم وعن شمائلهم من كل جهة يعملون منها ويكون تمثيلا لأن أكثر التصرف باليدين قال الله عز وجل: {ذلك بما قدمت يداك}
وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من الحسنات ومن خلفهم وعن شمائلهم من السيئات). [معاني القرآن: 3/ 16-19]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (مدحوراً) (17) أي مبعداً مقصىً، ومنه قولهم: ادحر عنك الشيطان، وقال العجّاج:
فأنكرت ذا جمّةٍ نميراً... دجر عراكٍ يدجر المدحورا). [مجاز القرآن: 1/ 212]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال اخرج منها مذءوماً مّدحوراً لّمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين}
وقال: {اخرج منها مذءوماً مّدحوراً} لأنه من "الذأم" تقول: "ذأمته" فـ"هو مذؤومٌ" والوجه الآخر من "الذمّ": "ذممته" فـ"هو مذمومٌ" تقول: "ذأمته" و"ذممته" و"ذمته" كله في معنى واحد ومصدر: "ذمته" "الذّيم".
وقال: {ولّمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم} فاللام الأولى للابتداء والثانية للقسم). [معاني القرآن: 2/ 3]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {مذءوما مدحورا} فالفعل من المذؤوم، ذأمه يذأمه ذأمًا؛ أي عابه وشتمه.
وقالوا أيضًا: اذمه يذيمه ذيما، بغير همز.
و{مدحورا} فهو الإقصاء والإخراج؛ وقالوا: دحرة يدحره دحرا ودحورًا). [معاني القرآن لقطرب: 585]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مذؤوما}: يقال ذأمت الرجل أذأمه إذا سببته وعبته. ويقال ذمته أذيمه ذيما مثله.
{مدحورا}: مقصى ودحرت الشيطان من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مذءوماً}: مذموما بأبلغ الذم.
{مدحوراً} أي مقصيا مبعدا. يقال: اللهم ادحر عني الشيطان). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين (18)}
معنى مذءوم كمعنى مذموم، يقال: ذأمته أذأمه ذأما، إذا رعبته وذممته.
ومعنى (مدحورا) مبعدا من رحمة اللّه.
وقوله: {لمن تبعك منهم}.
هذه اللام لام القسم تدخل توطئة للأمر.
(لأملأنّ).
والكلام بمعنى الشرط والجزاء، كأنه قيل: من تبعك أعذبه، فدخلت اللام للمبالغة والتوكيد، ولام لأملأنّ لام القسم ولام " من تبعك " توطئة لها ويجوز في الكلام: واللّه من جاءك لأضربنه، ولا يجوز : واللّه لمن جاءك أضربه، وأنت تريد لأضربنه، ولكن يجوز: واللّه لمن جاءك أضربه تريد لأضربنّه.
وقال بعضهم في قوله: {ثمّ لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم} أي: لأغوينهم فيما أمروا به.
وقوله: {وعن شمائلهم} أي: لأغوينهم فيما نهوا عنه والذي أظنه – والله أعلم - على هذا المذهب: أني أغويهم حتى يكذّبوا بأمور الأمم السالفة - بالبعث، كما ذكر في هذا.
ومعنى: {وعن أيمانهم وعن شمائلهم}: أي لأضلنهم فيما يعقلون، لأن الكسب يقال فيه: ذلك بما كسبت يداك، وإن كانت اليدان لم تجنيا شيئا، إلا أنه يقال لكل ما عمله عامل كسبت يداك، لأن اليدين الأصل في التصرف فجعلتا مثلا لجميع ما عمل بغيرهما.
قال اللّه عزّ وجلّ {ذلك بما قدّمت يداك}، وقال: (ذلك بما قدّمت أيديكم).
وقال: {تبّت يدا أبي لهب وتبّ}، ثم فسّر فقال: {ما أغنى عنه ماله وما كسب}). [معاني القرآن: 2/ 324-326]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قال اخرج منها مذءوما مدحورا}
يقال ذأمته وذمته وذممته بمعنى واحد، وقرأ الأعمش منوما والمعنى واحد إلا أنه خفف الهمزة.
وقال مجاهد: "المذؤم": المنفي، والمعنيان متقاربان.
و"المدحور": المطرود المبعد، يقال: اللهم ادحر عنا الشيطان). [معاني القرآن: 3/ 19]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مَذْءُوماً} أي: معيباً، ومذموماً، أي مهجوراً، يقال: ذممته، أي: هجرته، وذأمته، أي: عبته). [ياقوتة الصراط: 227]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مدحورا} أي: مطروداً، ويقال: منفيا). [ياقوتة الصراط: 228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَذْءُوماً} مذموماً بأبلغ الذم.
{مَدْحُوراً} أي مُقصىً مبعداً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَذْؤُمًا}: مسبوباً
{مَّدْحُورًا}: مباعداً). [العمدة في غريب القرآن: 133]


رد مع اقتباس