عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:17 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد وطّأنا لكم أيّها النّاس في الأرض، وجعلناها لكم قرارًا تستقرّون فيها، ومهادًا تمتهدونها، وفراشًا تفترشونها. {وجعلنا لكم فيها معايش} تعيشون بها أيّام حياتكم، من مطاعم ومشارب، نعمةً منّي عليكم وإحسانًا منّي إليكم. {قليلاً ما تشكرون} يقول: وأنتم قليلٌ شكركم على هذه النّعم الّتي أنعمتها عليكم لعبادتكم غيري، واتّخاذكم إلهًا سواي.
والمعايش: جمع معيشةٍ.
واختلفت القرّاء في قراءتها، فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار: {معايش} بغير همزٍ، وقرأه عبد الرّحمن الأعرج: (معائش) بالهمز.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: {معايش} بغير همزٍ، لأنّها مفاعل من قول القائل: عشت تعيش، فالميم فيها زائدةٌ والياء في الحكم متحرّكةٌ، لأنّ واحدها مفعلةٌ معيشةٌ متحرّكة الياء، نقلت حركة الياء منها إلى العين في واحدها، فلمّا جمعت ردّت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحرّكها. وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكّن ما قبلهما وتحرّكتا في نظائر ما وصفنا من الجمع الّذي يأتي على مثال مفاعل، وذلك مخالفٌ لما جاء من الجمع على مثال فعائل الّتي تكون الياء فيها زائدةً ليست بأصلٍ، فإنّ ما جاء من الجمع على هذا المثال فالعرب تهمزه كقولهم: هذه مدائن وصحائف ونظائر، لأنّ مدائن جمع مدينةٍ، والمدينة: فعيلةٌ من قولهم: مدنت المدينة، وكذلك صحائف جمع صحيفةٍ، والصّحيفة فعيلةٌ من قولك: صحفت الصّحيفة، فالياء في واحدها زائدةٌ ساكنةٌ، فإذا جمعت همزت لخلافها في الجمع الياء الّتي كانت في واحدها، وذلك أنّها كانت في واحدها ساكنةً، وهي في الجمع متحرّكةٌ، ولو جعلت مدينةٌ مفعلةً من دان يدين، وجمعت على مفاعل، كان الفصيح ترك الهمز فيها وتحريك الياء. وربّما همزت العرب جمع مفعلةٍ في ذوات الياء والواو، وإن كان الفصيح من كلامها ترك الهمز فيها، إذا جاءت على مفاعل تشبيهًا منهم جمعها بجمع فعيلةٍ، كما تشبّه مفعلاً بفعيلٍ، فتقول: مسيل الماء، من سال يسيل، ثمّ تجمعها جمع (فعيلٍ)، فتقول هي أمسلةٌ في الجمع تشبيهًا منهم لها بجمع بعيرٍ وهو فعيلٌ، إذ تجمعه أبعرةً، وكذلك يجمع المصير وهو مفعلٌ مصرانٌ، تشبيهًا له بجمع بعيرٍ وهو فعيلٌ، إذ تجمعه بعرانٌ، وعلى هذا همز الأعرج: (معائش)، وذلك ليس بالفصيح في كلامها. وأولى ما قرئ به كتاب اللّه من الألسن، أفصحها وأعرفها دون أنكرها وأشذّها). [جامع البيان: 10/ 73-75]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلًا ما تشكرون (10)}
قوله تعالى: {ولقد مكّنّاكم في الأرض}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة: قوله: {ولقد مكّنّاكم في الأرض}، يقول: أعطيناهم.
قوله تعالى: {وجعلنا لكم فيها معايش}
- حدثنا محمد بن موسى المقري القاسانيّ، ثنا زهيرٌ ثنا داود بن هلال النّصيبيّ، عن أسد بن عمرٍو، عن جويبرٍ عن الضّحّاك، في قوله: {وجعلنا لكم فيها معايش}؛ يعني الأنعام سخّرها لكم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1441]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم}؛ قال: خلق الإنسان في الرحم ثم صور فشق سمعه وبصره وأصابعه.
عن معمر، وقال قتادة: خلق آدم ثم صور ذريته بعده). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 225]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن ابن عبّاسٍ: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} قال: خلقناكم في أصلاب الرّجال ثمّ صوّرناكم في أرحام النّساء). [تفسير الثوري: 111]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن من السّاجدين}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويل ذلك: {ولقد خلقناكم} في ظهر آدم أيّها النّاس، {ثمّ صوّرناكم} في أرحام النّساء خلقًا مخلوقًا ومثالاً ممثّلاً في صورة آدم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم}، قوله: {خلقناكم} يعني آدم، وأمّا صوّرناكم فذرّيّته.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} الآية، قال: أمّا خلقناكم فآدم، وأمّا صوّرناكم: فذرّية آدم من بعده.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع: {ولقد خلقناكم}؛ يعني: آدم، {ثمّ صوّرناكم}؛ يعني: في الأرحام.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ قال: أخبرنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} يقول: خلقناكم خلق آدم، ثمّ صوّرناكم في بطون أمّهاتكم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم}؛ يقول: خلقنا آدم ثمّ صوّرنا الذّرّيّة في الأرحام.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} قال: خلق اللّه آدم من طينٍ، ثمّ صوّرناكم في بطون أمّهاتكم خلقًا من بعد خلقٍ، علقةً ثمّ مضغةً ثمّ عظامًا، ثمّ كسا العظام لحمًا، ثمّ أنشأناه خلقًا آخر.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: خلق اللّه آدم ثمّ صوّر ذرّيّته من بعده.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مشارسٍ، عن الضّحّاك: {خلقناكم ثمّ صوّرناكم} قال: ذرّيّته.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {ولقد خلقناكم} يعني: آدم، {ثمّ صوّرناكم}، يعني: ذرّيّته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقناكم في أصلاب آبائكم ثمّ صوّرناكم في بطون أمّهاتكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم}؛ قال: خلقناكم في أصلاب الرّجال، وصوّرناكم في أرحام النّساء.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحمّانيّ قال: حدّثنا شريكٌ، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، قال: سمعت الأعمش، يقرأ: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} قال: خلقناكم في أصلاب الرّجال، ثمّ صوّرناكم في أرحام النّساء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: {خلقناكم}؛ يعني: آدم، {ثمّ صوّرناكم}؛ يعني: في ظهره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولقد خلقناكم}؛ قال: آدم، {ثمّ صوّرناكم}؛ قال: في ظهر آدم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم}: في ظهر آدم.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريج، عن مجاهدٍ، قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} قال: صوّرناكم في ظهر آدم.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا أبو سعدٍ المدنيّ قال: سمعت مجاهدًا في قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} قال: في ظهر آدم لما تصيرون إليه من الثّواب في الآخرة.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولقد خلقناكم في بطون أمّهاتكم، ثمّ صوّرناكم فيها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عمّن ذكره قال: {خلقناكم ثمّ صوّرناكم}؛ قال: خلق اللّه الإنسان في الرّحم، ثمّ صوّره فشقّ سمعه وبصره وأصابعه.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب قول من قال: تأويله: {ولقد خلقناكم} ولقد خلقنا آدم، {ثمّ صوّرناكم} بتصويرنا آدم، كما قد بيّنّا فيما مضى من خطاب العرب الرّجل بالأفعال تضيفها إليه، والمعنيّ في ذلك سلفه، وكما قال جلّ ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ}، وما أشبه ذلك من الخطاب الموجّه إلى الحيّ الموجود والمراد به السّلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم، ثمّ صوّرناه.
وإنّما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصّواب، لأنّ الّذي يتلو ذلك قوله: {ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}، ومعلومٌ أنّ اللّه تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسّجود لآدم قبل أن يصوّر ذرّيّته في بطون أمّهاتهم، بل قبل أن يخلق أمّهاتهم، و(ثمّ) في كلام العرب لا تأتي إلاّ بإيذان انقطاع ما بعدها عمّا قبلها، وذلك كقول القائل: قمت ثمّ قعدت، لا يكون القعود إذ عطف به بـ (ثمّ) على قوله: (قمت) إلاّ بعد القيام، وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو جاز أن يكون الّذي بعدها قد كان قبل الّذي قبلها، وذلك كقول القائل: قمت وقعدت، فجائزٌ أن يكون القعود في هذا الكلام قد كان قبل القيام، لأنّ الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا لتوجب للّذي بعدها من المعنى ما وجب للّذي قبلها من غير دلالةٍ منها بنفسها، على أنّ ذلك كان في وقتٍ واحدٍ أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين أيّهما المتقدّم وأيّهما المتأخّر. فلمّا وصفنا قلنا إنّ قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} لا يصحّ تأويله إلاّ على ما ذكرنا.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ العرب إذا كانت ربّما نطقت بـ (ثمّ) في موضع الواو في ضرورة شعرٍ كما قال بعضهم:
سألت ربيعة من خيرها ....... أبًا ثمّ أمًّا فقالت لمه
بمعنى: أبًا وأمّا، فإنّ ذلك جائزٌ أن يكون نظيره، فإنّ ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أنّ كتاب اللّه جلّ ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائزٍ توجيه شيءٍ منه إلى الشّاذّ من لغاتها وله في الأفصح الأشهر معنًى مفهومٌ ووجهٌ معروفٌ.
وقد وجّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنّه من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، وزعم أنّ معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثمّ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم، ثمّ صوّرناكم.
وذلك غير جائزٍ في كلام العرب، لأنّها لا تدخل (ثمّ) في الكلام وهي مرادٌ بها التّقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدّمونها في الكلام، إذا كان فيه دليلٌ على أنّ معناها التّأخير، وذلك كقولهم: قام ثمّ عبد اللّه عمرٌو، فأمّا إذا قيل: قام عبد اللّه ثمّ قعد عمرٌو، فغير جائزٍ أن يكون قعود عمرٍو كان إلاّ بعد قيام عبد اللّه، إذا كان الخبر صدقًا، فقول اللّه تبارك وتعالى: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا} نظير قول القائل: قام عبد اللّه ثمّ قعد عمرٌو، في أنّه غير جائزٍ أن يكون أمر اللّه الملائكة بالسّجود لآدم كان إلاّ بعد الخلق والتّصوير لما وصفنا قبل.
وأمّا قوله: {للملائكة اسجدوا لآدم}؛ فإنّه يقول جلّ ثناؤه: فلمّا صوّرنا آدم وجعلناه خلقًا سويًّا، ونفخنا فيه من روحنا، قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم، ابتلاءً منّا واختبارًا لهم بالأمر، ليعلم الطّائع منهم من العاصي، {فسجدوا} يقول: فسجد الملائكة {إلاّ إبليس} فإنّه {لم يكن من السّاجدين} لآدم حين أمره اللّه مع من أمر من سائر الملائكة غيره بالسّجود.
وقد بيّنّا فيما مضى المعنى الّذي من أجله امتحن جلّ جلاله ملائكته بالسّجود لآدم، وأمر إبليس وقصصه، وبما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 10/ 75-81]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس لم يكن من السّاجدين (11)}
قوله تعالى: {ولقد خلقناكم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرٍو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم}؛ قال: خلقوا من أصلاب الرّجال. وروي عن عكرمة مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم}، أما قوله: خلقناكم فآدم. وروي عن مجاهدٍ: والضّحّاك وقتادة والسّدّيّ مثل ذلك.
قوله تعالى:{ ثم صورناكم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش عن المنهال بن عمرٍو عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، في قوله:{ثمّ صوّرناكم} قال: صوّروا في أرحام النّساء. وروي عن عكرمة والسّدّيّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله:{ ثمّ صوّرناكم}، قال: في ظهر آدم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: ثمّ صوّرناكم في ذرّيّته. وروي عن الضّحّاك وقتادة نحو قول ابن عبّاسٍ في رواية عليّ بن أبي طلحة.
قوله تعالى:{ ثمّ قلنا للملائكة}
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمّد بن يوسف الفريابيّ، ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قول اللّه: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم قال: الملائكة الّذين كانوا في الأرض.
قوله تعالى: {اسجدوا لآدم}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة عن ابن عبّاسٍ: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، قال: كانت السّجدة لآدم والطّاعة للّه.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، ثنا سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: قوله: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم أمرهم أن يسجدوا فسجدوا له كرامةً من اللّه أكرم بها آدم وليعلموا أنّ اللّه لا يخفى عليه شيءٌ وأنّه يصنع ما أراد.
قوله تعالى: {لآدم}
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، ثنا إسرائيل عن مسلمٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: إنّما سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض من وجهها، من تربةٍ حمراء وبيضاء وسوداء.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبدة عن الأعمش عن أبي الضّحى عن ابن عبّاسٍ قال: وإنّما سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض. وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
قوله تعالى:{ فسجدوا إلا إبليس لم يكن من السّاجدين}
- أخبرنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبّاد بن العوّام عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال: كان إبليس اسمه عزازيل، وكان من أشرف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة، ثمّ أبلس بعد.
وروى عن قتادة مثل ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قال: إنّما سمّي إبليس لأنّ اللّه أبلسه من الخير كلّه آيسه منه. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1442-1443]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولقد خلقناكم يعني خلق آدم ثم صورناكم يعني في ظهر آدم عليه السلام). [تفسير مجاهد: 232]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا السّريّ بن خزيمة، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} قال: خلقوا في أصلاب الرّجال، وصوّروا في أرحام النّساء «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه».
- أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقبّحوا الوجوه» وذكر باقي الحديث «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه».
- حدّثنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمّد بن ريحٍ السّمّاك، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن سعيدٍ، عن عبيدٍ الكاتب المكتب، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: «خلق اللّه أربعة أشياءٍ بيده: العرش، وجنّات عدنٍ، وآدم، والقلم، واحتجب من الخلق بأربعةٍ: بنارٍ، وظلمةٍ، ونورٍ، وظلمةٍ» «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم}؛ قال: خلقوا في أصلاب الرجال وصوروا في أرحام النساء.
- وأخرج الفريابي عن ابن عباس في الآية قال: خلقوا في ظهر آدم ثم صوروا في الأرحام.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم في الآية عن ابن عباس قال: أما قوله: {خلقناكم} فآدم {ثم صورناكم} فذريته.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولقد خلقناكم}؛ قال: آدم {ثم صورناكم} قال: في ظهر آدم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم}، قال: خلق الله آدم من طين ثم صوركم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسى العظام لحما.
- وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن الكلبي {ولقد خلقناكم ثم صورناكم}؛ قال: خلق الإنسان في الرحم ثم صوره فشق سمعه وبصره وأصابعه). [الدر المنثور: 6/ 334-335]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... وقال غيره: {ما منعك ألّا تسجد} : يقول: ما منعك أن تسجد ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {ما منعك أن لا تسجد}؛ يقول ما منعك أن تسجد كذا لأبي ذرٍّ فأوهم أنّه وما بعده من تفسير بن عبّاسٍ كالّذي قبله وليس كذلك ولغير أبي ذرٍّ وقال غيره ما منعك إلخ وهو الصّواب فإنّ هذا كلام أبي عبيدة وقد تقدم في أول أحاديث الأنبياء ونقل بن جريرٍ عن بعض الكوفيّين أنّ المنع هنا بمعنى القول والتّقدير من قال لك أن لا تسجد قال وأدخلت أن قبل لا كما دخلت في قولهم ناديت أن لا تقم وحلفت أن لا تجلس ثمّ أختار بن جريرٍ أنّ في هذا الكلام حذفًا تقديره ما منعك من السّجود وحملك على أن لا تسجد قال وإنّما حذف لدلالة السّياق عليه). [فتح الباري: 8/ 298]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره: {ما منعك أن لا تسجد} يقال ما منعك أن تسجد
أي: قال غير ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى: {ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك} ، ثمّ أشار بقوله: يقال: ما منعك أن تسجد، ونبه بهذا على أن كلمة لا صلة. قال الزّمخشريّ: لا في: أن لا تسجد، صلة بدليل قوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75] ثمّ قال: فائدة زيادتها توكيد معنى الفعل الّذي يدخل عليه، وتحقيقه كأنّه قيل: ما منعك أن تحقق السّجود وتلزمه نفسك إذا أمرتك؟ وذكر ابن جرير عن بعض الكوفيّين أن المنع هاهنا بمعنى القول، والتّقدير: من قال لك لا تسجد؟ قلت: يجوز أن تكون كلمة أن مصدريّة وكلمة لا، على أصلها، ويكون فيه حذف، والتّقدير: ما منعك وحملك على أن لا تسجد أي على عدم السّجود). [عمدة القاري: 18/ 233]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وقال غيره: أي غير ابن عباس في قوله تعالى: {ما منعك ألاّ تسجد} يقال: ما منعك أن تسجد فلا صلة مثلها في لئلا يعلم مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود). [إرشاد الساري: 7/ 124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن قيله لإبليس إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسّجود له، يقول: {قال} اللّه لإبليس: {ما منعك}: أيّ شيءٍ منعك {ألاّ تسجد}: أن تدع السّجود لآدم، {إذ أمرتك} أن تسجد. {قال أنا خيرٌ منه} يقول: قال إبليس: أنا خيرٌ من آدم، {خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ}.
فإن قال قائلٌ: أخبرنا عن إبليس، ألحقته الملامة على السّجود أم على ترك السّجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السّجود، فكيف قيل له: {ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك}، وإن كان النّكير على السّجود، فذلك خلاف ما جاء به التّنزيل في سائر القرآن، وخلاف ما يعرفه المسلمون.
قيل: إنّ الملامة لم تلحق إبليس إلاّ على معصيته ربّه بتركه السّجود لآدم إذ أمره بالسّجود له، غير أنّ في تأويل قوله: {ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك} بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا أبدأ بذكر ما قالوا، ثمّ أذكر الّذي هو أولى ذلك بالصّواب.
فقال بعض نحويّي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد، و(لا) ههنا زائدةٌ، كما قال الشّاعر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به ....... نعم من فتًى لا يمنع الجود قاتله
وقال: فسّرته العرب: أبى جوده البخل، وجعلوا (لا) زائدةً حشوًا ههنا وصلوا بها الكلام.
قال: وزعم يونس أنّ أبا عمرٍو كان يجرّ (البخل)، ويجعل (لا) مضافةً إليه، أراد: أبى جوده (لا) الّتي هي للبخل، ويجعل (لا) مضافةً، لأنّ (لا) قد تكون للجود والبخل، لأنّه لو قال له: امنع الحقّ ولا تعط المسكين، فقال (لا) كان هذا جودًا منه.
وقال بعض نحويّي الكوفة نحو القول الّذي ذكرناه عن البصريّين في معناه وتأويله، غير أنّه زعم أنّ العلّة في دخول (لا) في قوله: {ألاّ تسجد}، أنّ في أوّل الكلام جحدًا، يعني بذلك قوله: {لم يكن من السّاجدين}، فإنّ العرب ربّما أعادوا في الكلام الّذي فيه جحد الجحد، كالاستيثاق والتّوكيد له، قال: وذلك كقولهم:
ما إن رأينا مثلهنّ لمعشرٍ ....... سود الرّوس فوالجٌ وفيول
فأعاد على الجحد الّذي هو (ما) جحدًا، وهو قوله (إن) فجمعهما للتّوكيد.
وقال آخر منهم: ليست (لا) بحشو في هذا الموضع، ولا صلةٍ، ولكنّ المنع ههنا بمعنى القول.
قال: وإنّما تأويل الكلام: من قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسّجود؟ ولكن دخل في الكلام (أن) إذ كان المنع بمعنى القول لا في لفظه، كما يفعل ذلك في سائر الكلام الّذي يضارع القول، وهو له في اللّفظ مخالفٌ كقولهم: ناديت أن لا تقم، وحلفت أن لا تجلس، وما أشبه ذلك من الكلام.
وقال بعض من روى: (أبى جوده لا البخل) بمعنى: كلمة البخل، لأنّ (لا) هي كلمة البخل، فكأنّه قال: كلمة البخل.
وقال بعضهم: معنى المنع: الحول بين المرء وما يريده، قال: والممنوع مضطرٌّ به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطرٌّ من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الّذي له السّبيل إليه وإلى خلافه، فيؤثر أحدهما على الآخر فيفعله، قال: فلمّا كانت صفة المنع ذلك، فخوطب إبليس بالمنع، فقيل له: {ما منعك ألاّ تسجد}؛ كان معناه: كأنّه قيل له: أيّ شيءٍ اضطرّك إلى أن لا تسجد.
والصّواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إنّ في الكلام محذوفًا قد كفى دليل الظّاهر منه، وهو أنّ معناه: ما منعك من السّجود فأحوجك أن لا تسجد؟ فترك ذكر أحوجك استغناءً بمعرفة السّامعين. قوله: {إلاّ إبليس لم يكن من السّاجدين} أنّ ذلك معنى الكلام من ذكره، ثمّ عمل قوله، {ما منعك} في أن ما كان عاملاً فيه قبل (أحوجك) لو ظهر إذ كان قد ناب عنه.
وإنّما قلنا إنّ هذا القول أولى بالصّواب لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنّه غير جائزٍ أن يكون في كتاب اللّه شيءٌ لا معنى له، وأنّ لكلّ كلمةٍ معنًى صحيحًا، فتبيّن بذلك فساد قول من قال (لا) في الكلام حشوٌ لا معنى لها.
وأمّا قول من قال: معنى المنع ههنا: القول، فلذلك دخلت (لا) مع (أن)، فإنّ المنع وإن كان قد يكون قولاً وفعلاً، فليس المعروف في النّاس استعمال المنع في الأمر بترك الشّيء، لأنّ المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله لا يقال فعله وهو ممنوعٌ من فعله إلاّ على استكراهٍ للكلام، وذلك أنّ المنع من الفعل حوّل بينه وبينه، فغير جائزٌ أن يكون وهو محولٌ بينه وبينه فاعلاً له، لأنّه إن جاز ذلك وجب أن يكون محولاً بينه وبينه لا محولاً وممنوعًا لا ممنوعًا.
وبعد، فإنّ إبليس لم يأتمر لأمر اللّه تعالى بالسّجود لآدم كبرًا، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر اللّه وطاعته بترك السّجود لآدم، فيجوز أن يقال له: أيّ شيءٍ قال لك لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسّجود له؟ ولكن معناه إن شاء اللّه ما قلت: ما منعك من السّجود له، فأحوجك، أو فأخرجك، أو فاضطرّك إلى أن لا تسجد له على ما بيّنت.
وأمّا قوله: {أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ}؛ فإنّه خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن جواب إبليس إيّاه إذ سأله: ما الّذي منعه من السّجود لآدم، فأحوجه إلى أن لا يسجد له، واضطرّه إلى خلافه أمره به وتركه طاعته، أنّ المانع كان له من السّجود والدّاعي له إلى خلافه أمر ربّه في ذلك أنّه أشدّ منه أيدًا، وأقوى منه قوّةً، وأفضل منه فضلاً، لفضل الجنس الّذي منه خلق وهو النّار، من الّذي خلق منه آدم وهو الطّين، فجهل عدوّ اللّه وجه الحقّ، وأخطأ سبيل الصّواب، إذ كان معلومًا أنّ من جوهر النّار: الخفّة والطّيش والاضطراب والارتفاع علوًّا، والّذي في جوهرها من ذلك هو الّذي حمل الخبيث بعد الشّقاء الّذي سبق له من اللّه في الكتاب السّابق على الاستكبار عن السّجود لآدم والاستخفاف بأمر ربّه، فأورثه العطب والهلاك، وكان معلومًا أنّ من جوهر الطّين: الرّزانة والأناة والحلم والحياء والتّثبّت، وذلك الّذي في جوهره من ذلك كان الدّاعي لآدم بعد السّعادة الّتي كانت سبقت له من ربّه في الكتاب السّابق إلى التّوبة من خطيئته، ومسألته ربّه العفو عنه والمغفرة، ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: أوّل من قاس إبليس، يعنيان بذلك: القياس الخطأ، وهو هذا الّذي ذكرنا من خطأ قوله وبعده من إصابة الحقّ في الفضل الّذي خصّ اللّه به آدم على سائر خلقه من خلقه إيّاه بيده، ونفخه فيه من روحه، وإسجاده له الملائكة، وتعليمه أسماء كلّ شيءٍ مع سائر ما خصّه به من كرامته، فضرب عن ذلك كلّه الجاهل صفحًا، وقصد إلى الاحتجاج بأنّه خلقه من نارٍ وخلق آدم من طينٍ، وهو في ذلك أيضًا له غير كفءٍ، لو لم يكن لآدم من اللّه جلّ ذكره تكرمةً شيءٌ غيره، فكيف والّذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده ويملّ إحصاؤه؟.
- حدّثني عمرو بن مالكٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سليمٍ الطّائفيّ، عن هشامٍ، عن ابن سيرين، قال: أوّل من قاس إبليس، وما عبدت الشّمس والقمر إلاّ بالمقاييس.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ الورّاق، عن الحسن، قوله: {خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ} قال: قاس إبليس، وهو أوّل من قاس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا خلق اللّه آدم قال للملائكة الّذين كانوا مع إبليس خاصّةً دون الملائكة الّذين في السّموات: اسجدوا لآدم، فسجدوا كلّهم أجمعون إلاّ إبليس استكبر، لما كان حدّث نفسه من كبره واغتراره، فقال: لا أسجد له وأنا خيرٌ منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا، خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ. يقول: إنّ النّار أقوى من الطّين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {خلقتني من نارٍ} قال: ثمّ جعل ذرّيّته من ماءٍ.
وهذا الّذي قاله عدوّ اللّه ليس لما سأله عنه بجوابٍ، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال له: ما منعك من السّجود؟ فلم يجب بأنّ الّذي منعه من السّجود: أنّه خلقه من نارٍ، وخلق آدم من طينٍ، ولكنّه ابتدأ خبرًا عن نفسه، فيه دليلٌ على موضع الجواب، فقال: {أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ}). [جامع البيان: 10/ 81-88]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}؛ قال: حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة وقال: أنا ناري وهذا طيني فكان بدء الذنوب الكبر استكبر عدو الله أن يسجد لآدم فأهلكه الله بكبره وحسده.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح قال: خلق إبليس من نار العزة وخلقت الملائكة من نور العزة.
- وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {خلقتني من نار وخلقته من طين}؛ قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.
- وأخرج أبو نعيم في الحلية والديلمي عن جعفر بن محمد عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله له: اسجد لآدم، فقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}» قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس). [الدر المنثور: 6/ 335-336]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصّاغرين}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قال اللّه لإبليس عند ذلك: {فاهبط منها}.
وقد بيّنّا معنى الهبوط فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
{فما يكون لك أن تتكبّر فيها}، يقول تعالى ذكره: فقال اللّه له: اهبط منها يعني: من الجنّة فما يكون لك، يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنّة عن طاعتي وأمري.
فإن قال قائلٌ: هل لأحدٍ أن يتكبّر عن أمر اللّه وطاعته في غير الجنّة، فيقال: ليس لك أن تتكبّر في الجنّة؟
قيل: إنّ معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، وإنّما معنى ذلك: فاهبط من الجنّة، فإنّه لا يسكن الجنّة متكبّرٌ عن أمر اللّه، فأمّا غيرها فإنّه قد يسكنها المستكبر عن أمر اللّه والمستكين لطاعته.
وقوله: {فاخرج إنّك من الصّاغرين}، يقول: فاخرج من الجنّة إنّك من الّذين قد نالهم من اللّه الصّغار والذّلّ والمهانة، يقال منه: صغر يصغر صغرًا وصغارًا وصغرانًا، وقد قيل: صغر يصغر صغارًا وصغارةً. وبنحو الّذي قلنا قال السّدّيّ.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فاخرج إنّك من الصّاغرين} والصّغار: هو الذّلّ). [جامع البيان: 10/ 88-89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن السدي: {فما يكون لك أن تتكبر فيها} يعني فما ينبغي لك أن تتكبر فيها). [الدر المنثور: 6/ 336]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14) قال إنّك من المنظرين}.
وهذه أيضًا جهلةٌ أخرى من جهلاته الخبيثة، سأل ربّه ما قد علم أنّه لا سبيل لأحدٍ من خلق اللّه إليه، وذلك أنّه سأل النّظرة إلى قيام السّاعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق، ولو أعطي ما سأل من النّظرة كان قد أعطي الخلود وبقاءً لا فناء معه، وذلك أنّه لا موت بعد البعث. فقال جلّ ثناؤه له: {إنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم}، وذلك إلى اليوم الّذي قد كتب اللّه عليه فيه الهلاك والموت والفناء لأنّه لا شيء يبقى فلا يفنى غير ربّنا الحيّ الّذي لا يموت، يقول اللّه تعالى ذكره: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت}.
والإنظار في كلام العرب: التّأخير، يقال منه: أنظرته بحقّي عليه، أنظره به إنظارًا.
فإن قال قائلٌ: فإنّ اللّه قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون: {إنّك من المنظرين} في هذا الموضع، فقد أجابه إلى ما سأل؟
قيل له: ليس الأمر كذلك، وإنّما كان مجيبًا له إلى ما سأل لو كان قال له: إنّك من المنظرين إلى الوقت الّذي سألت، أو إلى يوم البعث، أو إلى يوم يبعثون، أو ما أشبه ذلك ممّا يدلّ على إجابته إلى ما سأل من النّظرة.
وأمّا قوله: {إنّك من المنظرين} فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى الّتي قد بيّن فيها مدّة إنظاره إيّاه إليها، وذلك قوله: {فإنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} على المدّة الّتي أنظره إليها، لأنّه إذا أنظره يومًا واحدًا أو أقلّ منه أو أكثر، فقد دخل في عداد المنظرين وتمّ فيه وعد اللّه الصّادق، ولكنّه قد بيّن قدر مدّة ذلك بالّذي ذكرناه، فعلم بذلك الوقت الّذي أنظر إليه.
وبنحو ذلك كان السّدّيّ يقول.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ في الصّور النّفخة الأولى، فصعق من في السّموات ومن في الأرض، فمات.
فتأويل الكلام: قال إبليس لربّه: أنظرني، أي أخّرني وأجّلني، وأنسئ في أجلي، ولا تمتني إلى يوم يبعثون، يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: {إنّك من المنظرين} إلى يوم ينفخ في الصّور فيصعق من في السّموات ومن في الأرض إلاّ من شاء اللّه.
فإن قال قائلٌ: فهل أحدٌ منظرٌ إلى ذلك اليوم سوى إبليس، فيقال له إنّك منهم؟
قيل: نعم، من لم يقبض اللّه روحه من خلقه إلى ذلك اليوم ممّن تقوم عليه السّاعة، فهم من المنظرين بآجالهم إليه، ولذلك قيل لإبليس: {إنّك من المنظرين} بمعنى: إنّك ممّن لا يميته اللّه إلاّ ذلك اليوم). [جامع البيان: 10/ 89-91]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم}.
يقول جلّ ثناؤه: قال إبليس لربّه: {فبما أغويتني}؛ يقول: فبما أضللتني.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فبما أغويتني} يقول: أضللتني.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فبما أغويتني}؛ قال: فبما أضللتني.
وكان بعضهم يتأوّل قوله: {فبما أغويتني}: بما أهلكتني، من قولهم: غوي الفصيل يغوى غوًى، وذلك إذا فقد اللّبن فمات، من قول الشّاعر:
معطّفة الأثناء ليس فصيلها ....... برازئها درًّا ولا ميّتٍ غوًى
وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرّجل للرّجل الشّيء حتّى يحسّنه عنده غارًّا له.
وقد حكي عن بعض قبائل طيّئٍ أنّها تقول: أصبح فلانٌ غاويًا: أي أصبح مريضًا.
وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنّه بمعنى القسم، كأنّ معناه عنده: فبإغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم، كما يقال: باللّه لأفعلنّ كذا.
وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى المجازاة، كأنّ معناه عنده: فلأنّك أغويتني، أو فبأنّك أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم.
وفي هذا بيانٌ واضحٌ على فساد ما يقول القدريّة من أنّ كلّ من كفر أو آمن فبتفويض اللّه أسباب ذلك إليه، وأنّ السّبب الّذي به يصل المؤمن إلى الإيمان هو السّبب الّذي به يصل الكافر إلى الكفر، وذلك أنّ ذلك لو كان كما قالوا لكان الخبيث قد قال بقوله: {فبما أغويتني} فبما أصلحتني، إذ كان سبب الإغواء هو سبب الإصلاح، وكان في إخباره عن الإغواء إخبارٌ عن الإصلاح، ولكن لمّا كان سبباهما مختلفين وكان السّبب الّذي به غوى وهلك من عند اللّه أضاف ذلك إليه فقال: {فبما أغويتني}.
ولذلك قال محمّد بن كعبٍ القرظيّ ما:
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا زيد بن الحباب، قال: حدّثنا أبو مودودٍ، سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، يقول: قاتل اللّه القدريّة، لإبليس أعلم باللّه منهم.
وأمّا قوله: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم} فإنّه يقول: لأجلسنّ لبني آدم صراطك المستقيم، يعني: طريقك القويم، وذلك دين اللّه الحقّ، وهو الإسلام وشرائعه.
وإنّما معنى الكلام: لأصدنّ بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينّهم كما أغويتني، ولأضلّنّهم كما أضللتني.
- وذلك كما روي عن سبرة بن الفاكه، أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثمّ قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنّما مثل المهاجر كالفرس في الطّول؟ فعصاه وهاجر. ثمّ قعد له بطريق الجهاد، وهو جهد النّفس والمال، فقال: أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد».
- وروي عن عون بن عبد اللّه في ذلك ما حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حيوة أبو يزيد، عن عبد اللّه بن بكيرٍ، عن محمّد بن سوقة، عن عون بن عبد اللّه: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم}؛ قال: طريق مكّة.
والّذي قاله عونٌ وإن كان من صراط اللّه المستقيم فليس هو الصّراط كلّه، وإنّما أخبر عدوّ اللّه أنّه يقعد لهم صراط اللّه المستقيم ولم يخصّص منه شيئًا دون شيءٍ، فالّذي روي في ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أشبه بظاهر التّنزيل وأولى بالتّأويل، لأنّ الخبيث لا يألو عباد اللّه الصّدّ عن كلّ ما كان لهم قربةً إلى اللّه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل في معنى المستقيم في هذا الموضع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {صراطك المستقيم}؛ قال: الحقّ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ المدنيّ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم}؛ قال: سبيل الحقّ، فلأضلّنّهم إلاّ قليلاً.
واختلف أهل العربيّة في ذلك، فقال بعض نحويّي البصرة: معناه: {لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم}، كما يقال: توجّه مكّة: أي إلى مكّة، وكما قال الشّاعر:
كأنّي إذ أسعى لأظفر طائرًا ....... مع النّجم من جوّ السّماء يصوب
بمعنى: لأظفر بطائرٍ، فألقى الباء، وكما قال: {أعجلتم أمر ربّكم}؛ بمعنى: أعجلتم عن أمر ربّكم.
وقال بعض نحويّي الكوفة: المعنى واللّه أعلم: لأقعدنّ لهم على طريقهم، وفي طريقهم، قال: وإلقاء الصّفة من هذا جائزٌ، كما تقول: قعدت لك وجه الطّريق، وعلى وجه الطّريق، لأنّ الطّريق صفةٌ في المعنى يحتمل ما يحتمله اليوم واللّيلة والعام، إذ قيل: آتيك غدًا، وآتيك في غدٍ.
وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصّواب، لأنّ القعود مقتضٍ مكانًا يقعد فيه، وكما يقال: قعدت في مكانك، يقال: قعدت على صراطك، وفي صراطك، كما قال الشّاعر:
لدنٍ بهزّ الكفّ يعسل متنه ....... فيه كما عسل الطّريق الثّعلب
ولا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان، ولا يكادون يقولون: جلست مكّة وقمت بغداد). [جامع البيان: 10/ 91-95]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لأقعدن لهم صراطك المستقيم قال يعني الإسلام الدين الحق). [تفسير مجاهد: 232]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس {فبما أغويتني}؛ قال: أضللتني.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق بقية عن أرطاة عن رجل من أهل الطائف في قوله: {فبما أغويتني}؛ قال: عرف إبليس أن الغواية جاءته من قبل الله فآمن بالقدر.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}؛ قال: الحق.
- وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} قال: طريق مكة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن عون بن عبد الله: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} قال: طريق مكة.
- وأخرج أبو الشيخ من طريق عون ابن مسعود، مثله.
- وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: ما من رفقة تخرج إلى مكة إلا جهز إبليس معهم بمثل عدتهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية يقول: أقعد لهم فأصدهم عن سبيلك.
- وأخرج أحمد والنسائي، وابن حبان والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن سبرة بن الفاكه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان قعد لابن آدم في طرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وانما مثل المهاجر كالفرس في طوله فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: هو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك منهم فمات أو وقصته دابته فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة»). [الدر المنثور: 6/ 336-338]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم}؛ قال من دنياهم وآخرتهم حتى يكذبوا بالآخرة وحتى أطغيهم في دنياهم {وعن أيمانهم} من قبل حسناتهم حتى أعجبهم بها {وعن شمائلهم} من قبل شهواتهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 225]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدّثنا أبو حذيفة ثنا سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم: {ثمّ لآتينهم من بين أيديهم}؛ قال: من قبل دنياهم، {ومن خلفهم} قال: من قبل آخرتهم {وعن أيمانهم} من قبل حسناتهم {وعن شمائلهم} من قبل سيئاتهم ). [تفسير الثوري: 111]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى قوله: {لآتينّهم من بين أيديهم} من قبل الآخرة، {ومن خلفهم} من قبل الدّنيا، {وعن أيمانهم} من قبل الحقّ، {وعن شمائلهم} من قبل الباطل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم} يقول: أشكّكهم في آخرتهم، {ومن خلفهم} أرغّبهم في دنياهم، {وعن أيمانهم} أشبّه عليهم أمر دينهم، {وعن شمائلهم} أشهّي لهم المعاصي.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التّأويل.
- وذلك ما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم}: يعني من الدّنيا، {ومن خلفهم}: من الآخرة، {وعن أيمانهم}: من قبل حسناتهم، {وعن شمائلهم}: من قبل سيّئاتهم.
وتحقّق هذه الرّواية الأخرى الّتي:
- حدّثني بها، محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}؛ قال: ما بين أيديهم فمن قبلهم، أمّا ومن خلفهم فأمر آخرتهم، وأمّا عن أيمانهم: فمن قبل حسناتهم، وأمّا عن شمائلهم: فمن قبل سيّئاتهم.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم} الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنّه لا بعث ولا جنّة ولا نار، ومن خلفهم من أمر الدّنيا، فزيّنها لهم ودعاهم إليها، وعن أيمانهم: من قبل حسناتهم بطّأهم عنها، وعن شمائلهم: زيّن لهم السّيّئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها، أتاك يا ابن آدم من كلّ وجهٍ، غير أنّه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة اللّه.
وقال آخرون: بل معنى قوله: {من بين أيديهم}: من قبل دنياهم، {ومن خلفهم}: من قبل آخرتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، في قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم} قال: {من بين أيديهم}: من قبل دنياهم، {ومن خلفهم}: من قبل آخرتهم، {وعن أيمانهم}: من قبل حسناتهم، {وعن شمائلهم}: من قبل سيّئاتهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن الحكم: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}؛ قال: {من بين أيديهم}: من دنياهم، {ومن خلفهم}: من آخرتهم، {وعن أيمانهم}: من حسناتهم، {وعن شمائلهم}: من قبل سيّئاتهم.
- حدّثنا سفيان قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الحكم: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم} قال: من قبل الدّنيا يزيّنها لهم، {ومن خلفهم}: من قبل الآخرة يبطّئهم عنها، {وعن أيمانهم}: من قبل الحقّ يصدّهم عنه، {وعن شمائلهم}: من قبل الباطل يرغّبهم فيه ويزيّنه لهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}: أمّا {من بين أيديهم} فالدّنيا أدعوهم إليها وأرغّبهم فيها {ومن خلفهم}: فمن الآخرة أشكّكهم فيها وأبعّدها عليهم {وعن أيمانهم} يعني الحقّ فأشكّكهم فيه {وعن شمائلهم} يعني الباطل أخفّفه عليهم، وأرغّبهم فيه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ: قوله: {من بين أيديهم}: من دنياهم أرغّبهم فيها {ومن خلفهم}: آخرتهم أكفّرهم بها وأزهّدهم فيها {وعن أيمانهم}: حسناتهم أزهّدهم فيها {وعن شمائلهم}: مساوئ أعمالهم أحسّنها إليهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون، ومن حيث لا يبصرون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قول اللّه: {من بين أيديهم}، {وعن أيمانهم} قال: حيث يبصرون، {ومن خلفهم}، {وعن شمائلهم}: حيث لا يبصرون.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، وابن حميدٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، قال: تذاكرنا عند مجاهدٍ قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}، فقال مجاهدٌ: هو كما قال: يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم.
زاد ابن حميدٍ قال: يأتيهم من ثمّ.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال: معناه: ثمّ لآتينّهم من جميع وجوه الحقّ والباطل، فأصدّهم عن الحقّ وأحسّن لهم الباطل، وذلك أنّ ذلك عقيب قوله: {لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم}، فأخبر أنّه يقعد لبني آدم على الطّريق الّذي أمرهم اللّه أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين اللّه الحقّ، فيأتيهم في ذلك من كلّ وجوهه من الوجه الّذي أمرهم اللّه به، فيصدّهم عنه، وذلك من بين أيديهم وعن أيمانهم، ومن الوجه الّذي نهاهم اللّه عنه، فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه، وذلك من خلفهم وعن شمائلهم. وقيل: ولم يقل: (من فوقهم) لأنّ رحمة اللّه تنزل على عباده من فوقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم المصريّ، قال: حدّثنا حفص بن عمر، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} ولم يقل: من فوقهم، لأنّ الرّحمة تنزل من فوقهم.
وأمّا قوله: {ولا تجد أكثرهم شاكرين}، فإنّه يقول: ولا تجد ربّ أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك الّتي أنعمت عليهم كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به، من إسجادك له ملائكتك، وتفضيلك إيّاه عليّ، وشكرهم إيّاه طاعتهم له بالإقرار بتوحيده، واتّباع أمره ونهيه.
وكان ابن عبّاسٍ يقول في ذلك بما:
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} يقول: موحّدين). [جامع البيان: 10/ 96-101]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17) }
قوله تعالى: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا معاذ بن الأسد، أنبأ الفضل بن موسى أنبأ سلمة بن شابور عن عطيّة عن ابن عباس، في قول اللّه: {لآتينّهم من بين أيديهم} من قبل الدّنيا.
وروي عن مجاهدٍ: وإبراهيم والحكم وأبي صالحٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {لآتينّهم من بين أيديهم}، قال: أشكّكهم في آخرتهم.
- حدّثني أبي، ثنا ابن أبي سريجٍ أنا الخفّاف يعني عبد الوهّاب، أنبأ سعيدٌ عن قتادة عن الحسن: قوله: {من بين أيديهم}، قال: من قبل الآخرة، تكذيبًا بالبعث والجنّة والنّار. وروي عن عكرمة نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {من بين أيديهم}، يقول: من حيث يبصرون.
قوله تعالى: {ومن خلفهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {ومن خلفهم}؛ يقول: فأرغّبهم عن دينهم.
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي سريجٍ أنبأ عبد الوهّاب الخفّاف أنبأ سعيدٌ عن قتادة عن الحسن: قوله:
{ومن خلفهم}؛ من قبل دنياهم يزيّنها لهم يهيّؤها إليهم. وروي عن عكرمة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا معاذ بن أسدٍ، ثنا الفضل بن موسى ثنا سلمة بن شابور عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{ومن خلفهم} من الآخرة.
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ أخبرنا أبي عن شعبة عن إسماعيل عن أبي صالحٍ، في قوله:
{ومن خلفهم}، قال: الآخرة أشكّكهم فيها وأباعدها عليهم.
وروي عن إبراهيم النّخعيّ ومجاهدٍ والحكم بن عتيبة والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ:
{ومن خلفهم}، يقول: من حيث لا يبصرون.
قوله تعالى: {وعن أيمانهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{وعن أيمانهم}؛ أشبه عليهم أمر دينهم.
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ أخبرني أبي عن شعبة عن إسماعيل عن أبي صالحٍ، في قوله:
{وعن أيمانهم}، قال: الوحي، أشكّكهم فيه. وروي عن عكرمة نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا معاذ بن أسدٍ، ثنا الفضل بن موسى، أنا سلمة بن شابور عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{وعن أيمانهم}، قال: من قبل حسناتهم.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب، أنبأ سعيدٌ عن قتادة عن الحسن: قوله:
{وعن أيمانهم}، يقول: من قبل الحسنات، يبطئهم عنها. وروي عن مجاهدٍ: وإبراهيم النّخعيّ والحكم بن عتيبة نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله:
{وعن أيمانهم}؛ يقول: حيث يبصرون.
قوله تعالى: {وعن شمائلهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا معاذ بن أسدٍ أنا الفضل بن موسى، أنبأ سلمة بن شابور عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{وعن شمائلهم}؛ من قبل سيّئاتهم.
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ، أخبرني أبي، عن شعبة عن إسماعيل عن أبي صالحٍ: في قوله: {ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} الباطل أخفيه عليهم وأرغّبهم فيه.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن الصّبّاح، ثنا الخفّاف، أنبأ سعيدٌ، عن قتادة عن الحسن: وعن شمائلهم. يقول: من قبل السّيّئات يأمرهم بها ويحثّهم عليها ويزيّنها في أعينهم. وروي عن مجاهدٍ: والنّخعيّ والحكم بن عتيبة وعكرمة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قوله: {وعن شمائلهم} حيث لا يبصرون.
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان، ثنا إبراهيم بن البرقان، عن مجاهدٍ: عن الشّعبيّ: قوله: {لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}؛ قال: اللّه عزّ وجلّ أنزل عليهم الرّحمة من فوقهم.
قوله تعالى: {ولا تجد أكثرهم شاكرين}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولا تجد أكثرهم شاكرين}؛ يقول: موحّدين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1444-1446]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {لآتينهم من بين أيديهم} يعني من حيث يبصرون ومن خلفهم يعني من حيث لا يبصرون).[تفسير مجاهد: 232]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: {ثم لآتينهم من بين أيديهم}؛ قال: أشككهم في آخرتهم، {ومن خلفهم} فأرغبهم في دنياهم، {وعن أيمانهم} أشبه عليهم أمر دينهم، {وعن شمائلهم} أستن لهم المعاصي وأخف عليهم الباطل، {ولا تجد أكثرهم شاكرين}؛ قال: موحدين.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {ثم لآتينهم من بين أيديهم} من قبل الدنيا، {ومن خلفهم} من قبل الآخرة، {وعن أيمانهم} من قبل حسناتهم، {وعن شمائلهم} من قبل سيئاتهم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ثم لآتينهم من بين أيديهم} قال لهم: أن لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها، {وعن أيمانهم} من قبل حسناتهم أبطأهم عنها، {وعن شمائلهم} زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها أتاك يا ابن آدم من قبل وجهك غير أنه لم يأتك من فوقك لا يستطيع أن يكون بينك وبين رحمة الله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير واللالكائي في السنة عن ابن عباس في الآية قال: لم يستطع أن يقول: من فوقهم، علم أن الله فوقهم، وفي لفظ: لأن الرحمة تنزل من فوقهم
- وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: يأتيك يا ابن آدم من كل جهة غير أنه لا يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله إنما تأتيك الرحمة من فوقك.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: قال إبليس: {لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}، قال الله: أنزل عليهم الرحمة من فوقهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح في قوله: {ثم لآتينهم من بين أيديهم} من سبل الحق، {ومن خلفهم} من سبل الباطل، {وعن أيمانهم} من أمر الآخرة، {وعن شمائلهم} من الدنيا.
- وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم عن ابن عمر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هذه الدعوات حين يصبح وحين يمسي: اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي). [الدر المنثور: 6/ 338-340]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {اخرج منها مذءوماً} قال: منفياً). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 47]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره، عن إحلاله بالخبيث عدوّ اللّه ما أحلّ به من نقمته ولعنته، وطرده إيّاه عن جنّته، إذ عصاه وخالف أمره، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به، يقول: قال اللّه له عند ذلك: {اخرج منها} أي من الجنّة، {مذءومًا مدحورًا} يقول: معيبًا.
والذّأم: العيب، يقال منه: ذأمه يذأمه ذأمًا فهو مذءومٌ، ويتركون الهمز فيقولون: ذمته أذيمه ذيمًا وذامًا، والذّأم والذّيم أبلغ في العيب من الذّمّ، وقد أنشد بعضهم هذا البيت:
صحبتك إذ عيني عليها غشاوةٌ ....... فلمّا انجلت قطّعت نفسي أذيمها
وأكثر الرّواة على إنشاده ألومها.
وأمّا المدحور: فهو المقصى، يقال: دحره يدحره دحرًا ودحورًا: إذا أقصاه وأخرجه، ومنه قولهم: ادحر عنك الشّيطان.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {اخرج منها مذءومًا مدحورًا}؛ يقول: اخرج منها لعينًا منفيًّا.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: مذءومًا: ممقوتًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قال اخرج منها مذءومًا} يقول: صغيرًا منفيًّا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {اخرج منها مذءومًا مدحورًا}: أمّا مذءومًا: فمنفيًّا، وأمّا مدحورًا: فمطرودًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {مذءومًا} قال: منفيًّا {مدحورًا} قال: مطرودًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {اخرج منها مذءومًا}؛ قال: منفيًّا، والمدحور قال: المصغّر.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {اخرج منها مذءومًا}؛ قال: منفيًّا.
- حدّثني أبو عمرٍو القرقسانيّ عثمان بن يحيى قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، سأل ابن عبّاسٍ: ما {اخرج منها مذءومًا مدحورًا}؟ قال: مقيتًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {اخرج منها مذءومًا مدحورًا} فقال: ما نعرف المذءوم والمذموم إلاّ واحدًا، ولكن يكون المذءوم منتقصةً، وقال العرب لعامرٍ: يا عام، ولحارثٍ: يا حار، وإنّما أنزل القرآن على كلام العرب.
القول في تأويل قوله تعالى: {لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين}.
وهذا قسمٌ من اللّه جلّ ثناؤه: أقسم أن من اتّبع من بني آدم عدوّ اللّه إبليس وأطاعه وصدّق ظنّه، عليه أن يملأ من جميعهم، يعني من كفرة بني آدم تبّاع إبليس ومن إبليس وذرّيّته جهنّم، فرحم اللّه امرأً كذّب ظنّ عدوّ اللّه في نفسه، وخيّب فيها أمله وأمنيته، ولم يكن ممّن أطمع فيها عدوّه، واستغشّه ولم يستنصحه. وإنّ اللّه تعالى ذكره إنّما نبّه بهذه الآيات عباده على قدم عداوة عدوّه وعدوّهم إبليس لهم، وسالف ما سلف من حسده لأبيهم، وبغيه عليه وعليهم، وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبّروا آياته، وليتذكّر أولو الألباب، فينزجروا عن طاعة عدوّه وعدوّهم إلى طاعته وينيبوا إليها). [جامع البيان: 10/ 101-105]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين (18)}
قوله تعالى:{قال اخرج منها}
- ذكر عن محمّد بن الصّلت ثنا عبد اللّه بن خراشٍ، عن العوّام بن حوشبٍ عن إبراهيم: {قال اخرج منها}؛ قال: من الجنّة.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: قال اللّه لإبليس حين أبى واستكبر... : اخرج منها.
قوله تعالى:{ مذؤما}
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى بن يزيد المقري، ثنا سفيان عن ابن إسحاق عن التّميميّ أنّه سأل ابن عبّاسٍ: عن قوله: {اخرج منها مذؤما}. قال: مقيتا.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {اخرج منها مذؤما}، قال: صغيرًا.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا سعدان بن نصرٍ البغداديّ، ثنا مسكين بن بكيرٍ الحذّاء ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: في قوله: {مذؤما}؛ أي منفيًّا.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{مذؤما}؛ يقول: ملومًا. وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن الصّبّاح، أنبأ الخفّاف، ثنا سعيدٌ عن قتادة:
{مذؤما}؛ معيبا.
قوله تعالى: {مدحورا}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر العدنيّ، ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن التّميميّ أنّه سأل ابن عبّاسٍ: عن قوله: {مدحورًا}؛ قال: مقيتًا. وروي عن مجاهدٍ: نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- أخبرني محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{مدحورًا}يقول مقيتًا.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن يزيد قراءةً، أخبرنا محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه: قوله:
{مدحورًا}؛ ملومًا.
قوله تعالى: {لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنم منكم أجمعين}
- حدّثنا أبي، ثنا منصور بن أبي مزاحمٍ، ثنا أبو سعيدٍ المؤدّب، عن إدريس بن يزيد الأوديّ عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه قال: تقول جهنّم: ربّ قد وعدتني أن تملأني. يقول اللّه هكذا، وتقول جهنّم: قطٌّ قطٌّ، وفت ذمّة ربّنا). [تفسير القرآن العظيم: 5: 1446-1448]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد اخرج منها مذموما يعني منفيا مدحورا يعني مطرودا).[تفسير مجاهد: 232]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قال اخرج منها مذؤوما} قال: ملوما {مدحورا} قال: مقيتا.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {مذؤوما}؛ قال: مذموما، {مدحورا}؛ قال: منفيا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {مذؤوما} قال: منفيا، {مدحورا} قال: مطرودا.
- وأخرج ابن المنذر، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {مذؤوما} قال: معيبا، {مدحورا} قال: منفيا). [الدر المنثور: 6/ 340-341]

قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({مدحورًا}) بسورة الأعراف أي (مطرودًا) لأن الدحر هو الطرد وسقط من قوله صراط إلى هنا لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/314] (م)


رد مع اقتباس